باريس تسعى لتنقية علاقاتها مع حكومة الوفاق الليبية

وزير الخارجية الفرنسي اتصل بالسراج ليؤكد دعم بلاده «التام» لحكومته

باريس تسعى لتنقية علاقاتها مع حكومة الوفاق الليبية
TT

باريس تسعى لتنقية علاقاتها مع حكومة الوفاق الليبية

باريس تسعى لتنقية علاقاتها مع حكومة الوفاق الليبية

سعى وزير الخارجية الفرنسي، أمس، لإغلاق ملف الخلاف المحتدم مع ليبيا الذي اندلع عقب اعتراف باريس بمقتل ثلاثة من ضباطها التابعين لجهاز المخابرات الخارجية في حادث تحطم، أو إسقاط، طوافة تابعة للجيش الليبي التابع للواء خليفة حفتر قريبًا من مدينة بنغازي شرقي ليبيا، في 17 من الشهر الماضي.
واتصل جان مارك أيرولت صباح أمس برئيس حكومة الوفاق فايز السراج ليجدد له، وفق بيان صادر عن وزارة الخارجية، «دعم فرنسا الكامل لحكومة الوفاق الوطني في سعيها لإعادة توحيد ليبيا ومؤسساتها». وأشار الوزير الفرنسي إلى رغبة حكومته في «تعزيز التعاون مع حكومة (السراج) في كل المجالات، بدءًا بالملف الأمني ومحاربة الإرهاب». كذلك أعرب أيرولت عن «ارتياح» بلاده لقرار السلطات الليبية طلب المساعدة الدولية، الأمر الذي تجلى في الضربات الأميركية الجوية في مدينة سرت ضد تنظيم داعش.
اللافت أن بيان الخارجية الفرنسية لم يأت من قريب أو بعيد على موضوع مقتل الجنود الفرنسيين، ولا على التنديد العلني العنيف الذي عبّر عنه السراج ومطالبته بـ«تفسير رسمي» حول أسباب وجود قوة فرنسية عاملة في ليبيا إلى جانب اللواء حفتر. واعتبر السراج، عقب الحادثة وفي ما يبدو أنه محاولة لاستيعاب الانتقادات العنيفة، وكذلك المظاهرات التي نزلت في الكثير من شوارع المدن الليبية، أن الوجود العسكري الفرنسي قائم دون التفاهم مع السلطات الليبية الرسمية، وبذلك فإنه «ينتهك سيادة ليبيا» ويعتبر «تجاوزا للأعراف الدولية». وعمد رئيس الوزراء الليبي إلى استدعاء السفير الفرنسي في ليبيا المقيم في تونس إلى نواكشوط، حيث كان يشارك في القمة العربية «لينقل له رسميًا احتجاجات ليبيا على الوجود الفرنسي العسكري شرق البلاد»، الذي وصفه بغير المقبول.
وكان السراج يشير إلى مدينة بنغازي، حيث ترابط قوة الكوماندوس الفرنسية في المطار العسكري القريب منها. وطالب السراج بـ«تفسير رسمي» يشرح أسباب وجود هذه القوة التي قال عنها الرئيس هولاند، في المناسبة عينها، إنها تعمل على «جمع المعلومات» عن التنظيمات الإرهابية الموجودة على الأراضي الليبية.
أما وزير الدفاع، جان إيف لو دريان، الذي كان أول من اعترف رسميًا بوجود قوة فرنسية في ليبيا، فقد اعتبر أن الثلاثة كانوا في مهمة تدخل في إطار «محاربة الإرهاب» الذي تتخوف منه فرنسا، باعتبار أن مكان وجود «داعش» على الساحل الليبي (محيط مدينة سرت) لا يبعد عن الشواطئ الأوروبية سوى 300 كلم.
الحقيقة أن كلام الدعم لحكومة الوحدة الوطنية سمعه السراج مباشرة من الوزير أيرولت عندما زاره الأخير في مقره في طرابلس، برفقة نظيره الألماني شتاينماير في 17 أبريل (نيسان) الماضي، بعد ثلاثة أسابيع فقط من وصول رئيس الحكومة الليبية إلى القاعدة البحرية في طرابلس.
لكن الأمر المحرج لفرنسا، وفق مصادر رسمية، يكمن في ما يعد «ازدواجية في اللغة والسياسة»، وغياب الانسجام في المواقف الرسمية. فباريس تؤكد رسميا أنها تعترف وتدعم حكومة الوحدة الوطنية وتدعو لتعزيز موقعها في الداخل والخارج، ولكنها في الوقت عينه، تمد يد المساعدة العسكرية للواء خليفة حفتر الذي يناوئ الحكومة المذكورة ويمنعها من أن تبسط نفوذها على شرق ليبيا لا بل يضغط على البرلمان الليبي المعترف به رسميًا للحيلولة دون تصويته على الثقة. وبالتالي، منعها من اكتساب الشرعية التامة التي تحتاج إليها كما جاء في اتفاق الصخيرات الموقع بوساطة الأمم المتحدة.
وترى أوساط فرنسية واسعة الاطلاع أن ما يحصل في ليبيا يجسّد غياب التوافق بين ما تريده الدبلوماسية الفرنسية ممثلة بوزارة الخارجية، وما تسعى إليه وزارة الدفاع. وبحسب هذه الأوساط، فإن الوزير جان إيف لو دريان المقرب جدا من الرئيس هولاند بحكم الصداقة التي تجمعهما منذ عشرات السنوات، قريب في تفكيره من العسكريين الذين يرون أنه لا بد من التدخل العسكري في ليبيا لمواجهة «داعش» من جهة، ومنع تمدد التنظيم الإرهابي إلى منطقة النفوذ الفرنسية في المغرب العربي وفي بلدان الساحل.
وسبق لفرنسا أن تدخلت منفردة بداية عام 2013 في مالي، وبعد ذلك بعام واحد في جمهورية وسط أفريقيا، بحجة الوقوف بوجه الإرهاب والمحافظة على الاستقرار والأمن في هذه المنطقة. يضاف إلى ذلك ملف الهجرات الجماعية التي تنطلق من الشواطئ الليبية، والتي لم ينجح الاتحاد الأوروبي في إيجاد حل ناجع لها حتى الآن.
وبحسب أوساط عسكرية واسعة الاطلاع، فإن التعاون العسكري مع حفتر بدأ قبل قيام حكومة الوفاق واستمر بعدها، وسبب انطلاقته اعتبار باريس أنه يشكل «القوة الوحيدة المنظمة التي تقاتل (داعش) والتنظيمات الإرهابية الأخرى التي يمكن التعويل عليها». وليس سرًا أن حفتر يتلقى دعما سياسيا وعسكريا من دول أوروبية وعربية، لكن وضعه أصبح «هشًا» بعد قيام حكومة الوفاق والقرارات الدولية التي تدعو لدعمها.
والسؤال المطروح اليوم في باريس يتناول مستقبل العلاقات الفرنسية - الليبية التي يجهد أيرولت لتنقيتها وإعادتها إلى الطريق الصحيح. وليس سرًا أن قوات كوماندوس كثيرة، أميركية وأوروبية وعربية، موجودة على الأراضي الليبية وكلها تحت شعار محاربة الإرهاب. بيد أن المفارقة بين باريس وواشنطن تكمن في أن واشنطن عمدت إلى التفاهم العلني مع طرابلس، بصدد تدخّلها إلى جانب القوات التي تقاتل «داعش» في سرت من خلال الضربات الجوية بعد أن كانت تقوم بذلك سرا في السابق.
وفائدة اللجوء إلى العلنية والتفاهم المشترك أنها ترد سهام الانتقاد الحادة عن السراج، وتحمي وضعه الهش في العاصمة الليبية، وتمكنه من التصدي للأصوات المنتقدة التي لا تريد تكرار تجربة التدخل الغربي، كما حصل في عام 2011. ولكل هذه الأسباب، قد يكون «الخيار الأميركي»، أي التفاهم العلني مع طرابلس والتقيد بشروط التدخل العسكري المحدود، هو الطريق بالنسبة لباريس إذا أرادت التعاون مع حكومة السراج، شرط أن تجد مخرجًا لازدواجية المواقف والسياسات التي تجعلها مقسمة بين دعم سياسي للأولى، ودعم عسكري لعدوها اللدود، أي اللواء حفتر.



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.