«كيدزينيا لندن».. عالم الكبار للصغار

كن مذيعًا.. طبيبًا ومضيفًا.. ليوم واحد

«كيدزينيا لندن».. عالم الكبار للصغار
TT

«كيدزينيا لندن».. عالم الكبار للصغار

«كيدزينيا لندن».. عالم الكبار للصغار

من أصعب ما يمكن أن تخطط له في لندن هو زيارة معلم سياحي في الهواء الطلق، والسبب البديهي لذلك هو الطقس المتقلب في عز الصيف، فها نحن في شهر أغسطس (آب) والحرارة لا تزال خجولة والشمس عديمة الشخصية لا تعرف كيف تفرض نفسها على السماء وتضيء المدينة الجميلة التي لا ينقصها سوى الدفء والنور، وبما أن الطقس هذا الصيف لا يبشر بالخير فقد يكون اختيار الزيارات السياحية المناسبة للأطفال من أصعب ما يمكن أن تخطط له، ولكن يبقى هناك عنوان لم يكتشفه كثيرون بعد ولو أنه يحتفل اليوم بعيده الأول في المركز التجاري الضخم «ويستفيلد لندن» وأقرب محطة له «شبيردز بوش»، لتفادي اللغط مع مركز ويستفيلد في شرق لندن، وهذا العنوان خلق ليكون ملاذا آمنا وتثقيفيا للصغار، أطفالا ومراهقين واسمه «كيدزينيا» Kidzania فهو عالم يشبه عالمنا نحن الكبار ولكنه مخصص للصغار، فيه يتعلم الصغار معنى العمل وتحقيق الذات، الدفع والحصول على راتب مقابل العمل في مهنة ما، ولا يمكن أن تجد مكانا في لندن يخدم مصلحة الصغار من الناحية التثقيفية في أجواء من المرح وفي مكان آمن ومغلق أكثر من «كيدزينيا».
هذا المشروع الضخم ترعاه شركات عالمية ضخمة على رأسها شركة الخطوط الجوية البريطانية British Airways وكادبيري للشيكولاته ومحطة الجزيرة التلفزيونية وشركة «إتش آند إم» للملابس والإذاعة الأولى في لندن «كابيتول» وغيرها الكثير من الأسماء التي تقدم للصغار فرصة العمل فيها ليوم واحد مقابل راتب ونقود يطلق عليها في عالم «كيدزينيا» اسم «كيدزوس»، وهذا ما يطور فهم الصغار على العمل والصرف أيضا، حيث توجد أماكن يتمكن فيها الصغار من دفع المال وليس جنيها، كالتوجه إلى صالون التجميل أو شراء الملابس أو البرغر أو حتى الشيكولاته والعصير.
الوصول إلى كيدزينيا سهل للغاية، فإذا قررت الذهاب إلى «ويستفيلد» بالسيارة، اتبع الإشارة في المرأب التي تشير إلى أقرب مكان لركن السيارة على مسافة قريبة من مدخل «كيدزينيا»، ومن خلال السلم الكهربائي أو المصعد تصل إلى المدخل الرئيسي، فتذكر أنه يتوجب عليك الحجز مسبقا والحصول على التذكرة قبل توجهك إلى هناك، وعندما تبرز البطاقة ستبدأ الرحلة التي تشبه بداية أي رحلة سياحية من المطار، فتوجد في المدخل طائرة عملاقة تابعة لـ«بريتش إيروايز»، وبعدها تصل إلى مكتب «التشيك إن» تماما مثل المكاتب التي تجدها في المطار لتسهيل معاملات السفر، يتأهل بك أحد الموظفين وهو يرتدي زي شركة الطيران، وبعدها تدخل إلى عالم «كيدزينيا» الساحر، فسوف تفاجأ بحجم هذا العالم الذي يمتد على مساحة 75 ألف متر مربع، أي ما يعادل مساحة ساحة «ليستر سكوير» وسط لندن، أما علو المكان فهو يعادل علو مطار هيثرو بفرعه الخامس في لندن، واستقبل عالم كيدزينيا منذ افتتاحه منذ عام أكثر من 750 ألف زائر ويستقبل في اليوم الواحد نحو 1700 زائر.
تبدأ أسعار تذاكر الدخول من 8.65 جنيه إسترليني (نحو 12 دولارا أميركيا) وتنتهي بسعر 29.50 جنيه (نحو 47 دولارا أميركيا) وتخولك البطاقة البقاء في كيدزينيا لمدة أربع ساعات.
عند وصولك يشرح لك الموظف عن العالم الذي ينتظرك بالداخل، ويتم إعطاؤك مبلغا تشجيعيا من المال «كيدزوس»، مع خريطة تبرز مواقع كل النشاطات والمهن المتوفرة والتي يزيد عددها على 60 وظيفة.
من المهن التي شدتنا كانت مهنة تقديم نشرات الأخبار في استوديو قناة الجزيرة، فيخضع الأطفال لامتحان سهل لمعرفة ما إذا كان بإمكانهم القراءة بشكل جيد وتقسم الوظائف بحسب الجدارة، فاستطاعت الطفلة جسيكا (14 عاما) من الحصول على وظيفة المذيعة الرئيسة في نشرة الأخبار في حين اختيرت رومي (13 عاما) على وظيفة المذيعة المساعدة أما هولي (12 عاما) فتم اختيارها لتكون مذيعة الطقس، أما الأطفال الصغار (5 و6 سنوات) اختيروا ليكونوا مساعدين في غرفة هندسة الصوت، وتماما مثلما يحصل في استوديو الأخبار، قرأت جسيكا نشرة الأخبار إلى جانب زملائها وتم تصوير النشرة وفي الخلفية صورة لأشهر مباني لندن.
وفي النهاية يقبض العاملون ثمن أتعابهم ويتوجهون لأداء مهنة أخرى من اختيارهم وفي النهاية يحصلون على صورهم مقابل مبلغ من المال الحقيقي.
المحطة الثانية كانت في إذاعة «كابيتول» اللندنية، وأيضا تماما مثل الاستوديو الحقيقي يتمتع الصغار بفرصة العمل في الإذاعة وتسجيل الإعلانات وقراءة الأخبار والأخبار الفنية مقابل مبلغ مادي، ومن المحطات التي يفضلها الصغار، محطة «بريتش إيروايز» حيث يقوم الصغار بأداء دور مضيفي الطيران فيلبسون زيهم ويقدمون الطعام في الطائرة للركاب الموجودين.
كيدزينيا مقسم على طابقين، غالبية المهن في الطابق السفلي، وفي الطابق العلوي يوجد صالون الطيران «اللاونج» وهو مخصص للكبار فقط، وهذه هي المساحة الوحيدة التي لا يدخلها الصغار، وهي مخصصة للأهالي، وهي تشبه إلى حد كبير صالون شركات الطيران في المطار، وفيه يمكنك أن تشتري المشروبات الباردة أو القهوة والكيك وقراءة المجلات والصحف وأنت تنتظر عودة الأطفال من أعمالهم.
وفي الطابق السفلي توجد محطة للمطافئ وهناك سيارة إسعاف بحجم كبير تجوب الطريق متجهة صوب المستشفى كما يوجد حائط يتسلقه الصغار وسيارة إطفاء ضخمة أيضا، وهناك إقبال شديد على مهنة طب الأسنان حيث يقوم الصغار بإجراء عمليات جراحية وزرع وخلع أسنان الدمية.
وأيضا توجد محطة جميلة وهي محطة تحضير «البرغر» ويفضلها الصغار لأنهم يحصلون على البرغر في نهاية المطاف، وعندما يحصلون على المال لقاء أدائهم أي وظيفة يتوجهون إلى المصرف ويضعون النقود على بطاقة اعتماد يدفعون من خلالها لأشياء كثيرة، وبالإمكان الاحتفاظ بتلك البطاقة الائتمانية واستخدامها في الزيارة المقبلة إذا لم يستطع الطفل صرف النقود الافتراضية في يوم واحد.
ويقول جويل كادبيري رئيس مجلس الإدارة في كيدزينيا وأحد أصحاب شركة كادبيري للشيكولاته إن الهدف من وراء مشروع «كيدزينيا» هو خلق عالم للصغار أقرب لعالم الكبار وتم التعامل مع شركات عملاقة بهدف تقديم خدمات لتسلية وتثقيف الصغار بنفس الوقت، كما أنه بهذه الطريقة يتمكن الطفل من تكوين صورة لمستقبله المهني وما يود أن يفعله عندما يكبر.
يشار إلى أن «كيدزينيا» آخذة في التوسع حول العالم، وشهدت سنغافورة افتتاح عالم كيدزينيا الأسبوع الماضي، ومن المنتظر بأن يفتتح هذا العالم الساحر قريبا في الدوحة والولايات المتحدة وبوسان ودلهي، بعد نجاح الفروع في البلدان التالية: سيول، مكسيكو سيتي، كوالالامبور، سانتياغو، بانغوك، مومباي، القاهرة، إسطنبول، جدة، مانيلا، ساو باولو، طوكيو، جاكارتا، أوساكا، ليشبونة، دبي، الكويت.
ومن خلال جولتنا في أرجاء كيدزينيا لندن تبين لنا أن هناك الكثير من الأطفال الذين يترددون باستمرار إلى كيدزينيا التي تستقبل الصغار من سن الرابعة إلى سن الـ14.
النشاطات كثيرة جدا ومسلية، وهناك أماكن لتناول الطعام أيضا، كل هذا تحت سقف واحد، وأقول سقف، لأن «السقف» مهم جدا في لندن لتفادي زخات المطر، فالمكان مقفل، وآمن، من الممكن ترك الأطفال داخل عالم كيدزينيا وهذه فرصة للأهل للتبضع والعودة في وقت لاحق لاصطحابهم، فيوضع على رسغ الكبار والصغار سوار إلكتروني لتقصي مكان كل واحد منهم في أي وقت كان، وهذه الطريقة تثبت مدى الحرص على سلامة الصغار عند تركهم بمفردهم.
وفي كل محطة عمل يوجد موظفون راشدون يقومون باستقبال الصغار وشرح قوانين اللعبة (المهنة)، ويتعين في بعض الأحيان الانتظار في طابور لمدة لا تتعدى الـ15 دقيقة.
الفكرة أكثر من جميلة لقضاء يوم كامل بطريقة مفيدة، فتوجد مهن لا تخطر على البال، مثل العمل في المسرح أو في الفندق وحتى مهنة ترتيب الأسرة في الفندق وتعلم أصولها، ولا يمكن اختبار كل المهن في زيارة واحدة، وهذا هو ما يدفع بالصغار إلى العودة مرة أخرى لاختبار مهن أخرى. ويقدم موقع كيدزينيا www.kidzania.co.uk فرصة الاشتراك السنوي للعائلات التي تخطط للزيارة أكثر من مرة بسعر مخفض.



سوق البحرين العتيقة... روح البلد وعنوان المقاهي القديمة والجلسات التراثية

سوق المنامة القديم (إنستغرام)
سوق المنامة القديم (إنستغرام)
TT

سوق البحرين العتيقة... روح البلد وعنوان المقاهي القديمة والجلسات التراثية

سوق المنامة القديم (إنستغرام)
سوق المنامة القديم (إنستغرام)

«إن أعدنا لك المقاهي القديمة، فمن يُعِد لك الرفاق؟» بهذه العبارة التي تحمل في طياتها حنيناً عميقاً لماضٍ تليد، استهل محمود النامليتي، مالك أحد أقدم المقاهي الشعبية في قلب سوق المنامة، حديثه عن شغف البحرينيين بتراثهم العريق وارتباطهم العاطفي بجذورهم.

فور دخولك بوابة البحرين، والتجول في أزقة السوق العتيقة، حيث تمتزج رائحة القهوة بنكهة الذكريات، تبدو حكايات الأجداد حاضرة في كل زاوية، ويتأكد لك أن الموروث الثقافي ليس مجرد معلم من بين المعالم القديمة، بل روح متجددة تتوارثها الأجيال على مدى عقود.

«مقهى النامليتي» يُعدُّ أيقونة تاريخية ومعلماً شعبياً يُجسّد أصالة البحرين، حيث يقع في قلب سوق المنامة القديمة، نابضاً بروح الماضي وعراقة المكان، مالكه، محمود النامليتي، يحرص على الوجود يومياً، مرحباً بالزبائن بابتسامة دافئة وأسلوب يفيض بكرم الضيافة البحرينية التي تُدهش الزوار بحفاوتها وتميّزها.

مجموعة من الزوار قدموا من دولة الكويت حرصوا على زيارة مقهى النامليتي في سوق المنامة القديمة (الشرق الأوسط)

يؤكد النامليتي في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن سوق المنامة القديمة، الذي يمتد عمره لأكثر من 150 عاماً، يُعد شاهداً حيّاً على تاريخ البحرين وإرثها العريق، حيث تحتضن أزقته العديد من المقاهي الشعبية التي تروي حكايات الأجيال وتُبقي على جذور الهوية البحرينية متأصلة، ويُدلل على أهمية هذا الإرث بالمقولة الشعبية «اللي ما له أول ما له تالي».

عندما سألناه عن المقهى وبداياته، ارتسمت على وجهه ابتسامة وأجاب قائلاً: «مقهى النامليتي تأسس قبل نحو 85 عاماً، وخلال تلك المسيرة أُغلق وأُعيد فتحه 3 مرات تقريباً».

محمود النامليتي مالك المقهى يوجد باستمرار للترحيب بالزبائن بكل بشاشة (الشرق الأوسط)

وأضاف: «في الستينات، كان المقهى مركزاً ثقافياً واجتماعياً، تُوزع فيه المناهج الدراسية القادمة من العراق، والكويت، ومصر، وكان يشكل ملتقى للسكان من مختلف مناطق البلاد، كما أتذكر كيف كان الزبائن يشترون جريدة واحدة فقط، ويتناوبون على قراءتها واحداً تلو الآخر، لم تكن هناك إمكانية لأن يشتري كل شخص جريدة خاصة به، فكانوا يتشاركونها».

وتضم سوق المنامة القديمة، التي تعد واحدة من أقدم الأسواق في الخليج عدة مقاه ومطاعم وأسواق مخصصة قديمة مثل: مثل سوق الطووايش، والبهارات، والحلويات، والأغنام، والطيور، واللحوم، والذهب، والفضة، والساعات وغيرها.

وبينما كان صوت كوكب الشرق أم كلثوم يصدح في أرجاء المكان، استرسل النامليتي بقوله: «الناس تأتي إلى هنا لترتاح، واحتساء استكانة شاي، أو لتجربة أكلات شعبية مثل البليلة والخبيصة وغيرها، الزوار الذين يأتون إلى البحرين غالباً لا يبحثون عن الأماكن الحديثة، فهي موجودة في كل مكان، بل يتوقون لاكتشاف الأماكن الشعبية، تلك التي تحمل روح البلد، مثل المقاهي القديمة، والمطاعم البسيطة، والجلسات التراثية، والمحلات التقليدية».

جانب من السوق القديم (الشرق الاوسط)

في الماضي، كانت المقاهي الشعبية - كما يروي محمود النامليتي - تشكل متنفساً رئيسياً لأهل الخليج والبحرين على وجه الخصوص، في زمن خالٍ من السينما والتلفزيون والإنترنت والهواتف المحمولة. وأضاف: «كانت تلك المقاهي مركزاً للقاء الشعراء والمثقفين والأدباء، حيث يملأون المكان بحواراتهم ونقاشاتهم حول مختلف القضايا الثقافية والاجتماعية».

عندما سألناه عن سر تمسكه بالمقهى العتيق، رغم اتجاه الكثيرين للتخلي عن مقاهي آبائهم لصالح محلات حديثة تواكب متطلبات العصر، أجاب بثقة: «تمسكنا بالمقهى هو حفاظ على ماضينا وماضي آبائنا وأجدادنا، ولإبراز هذه الجوانب للآخرين، الناس اليوم يشتاقون للمقاهي والمجالس القديمة، للسيارات الكلاسيكية، المباني التراثية، الأنتيك، وحتى الأشرطة القديمة، هذه الأشياء ليست مجرد ذكريات، بل هي هوية نحرص على إبقائها حية للأجيال المقبلة».

يحرص العديد من الزوار والدبلوماسيين على زيارة الأماكن التراثية والشعبية في البحرين (الشرق الأوسط)

اليوم، يشهد الإقبال على المقاهي الشعبية ازدياداً لافتاً من الشباب من الجنسين، كما يوضح محمود النامليتي، مشيراً إلى أن بعضهم يتخذ من هذه الأماكن العريقة موضوعاً لأبحاثهم الجامعية، مما يعكس اهتمامهم بالتراث وتوثيقه أكاديمياً.

وأضاف: «كما يحرص العديد من السفراء المعتمدين لدى المنامة على زيارة المقهى باستمرار، للتعرف عن قرب على تراث البحرين العريق وأسواقها الشعبية».