في حين يفقد تنظيم داعش مزيدا من الأراضي الخاضعة لسيطرته على خطوط المواجهة في سوريا والعراق، واصلت حكومات غربية «دك» خنادق التنظيم على مواقع التواصل الاجتماعي. وبحسب دراسة مصرية، فقد «داعش» نحو 45 في المائة من أنشطته الدعائية على موقع «تويتر» الذي اعتمد عليه خلال السنوات الماضية لنشر أخباره، واستقطاب مزيد من الأنصار في الخطوط الخلفية لجبهات القتال.
وأكد خبراء معنيون بشؤون الحركات المتطرفة، وباحثون في مجال تكنولوجيا المعلومات، أنه يتم إغلاق الحسابات المرتبطة بـ«داعش» على مواقع التواصل الآن بشكل سريع، مقارنة بالأشهر القليلة السابقة، والمدة التي تفصل بين إنشاء الحساب والتبليغ عنه وإغلاقه باتت أقل من يومين.
يقول الخبراء إن الأنشطة التي يسعى إلى نشرها تنظيم داعش بين زوار مواقع التواصل الاجتماعي هي عمليات التفجير والقتل باستخدام سكين المطبخ، وفق استراتيجية «الذئاب المنفردة»، خصوصا في الدول الأوروبية. ومع تطور آليات ووسائل التواصل بتسارع مستمر في العصر الحديث، مما لا شك فيه أن تنظيما مثل «داعش» لم يفوت استغلال برامج التواصل الحديثة لنشر أفكاره، وتجنيد المزيد للانضمام إلى صفوفه. ومن المؤكد أن المنتديات الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي، مثل «يوتيوب» و«تويتر» و«فيسبوك» و«واتساب» و«إنستغرام»، أصبحت الأداة الأهم في يد الجماعات الإرهابية لنشر أفكارها ومعتقداتها، ووضع خططها، وتنفيذ أهدافها، وتجنيد أعضائها.
ويقول المراقبون إن «80 في المائة من عمليات تجنيد المقاتلين الآن تجري عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بينما 20 في المائة فقط تجري داخل السجون أو المساجد». وهذا عكس ما كان يجري في عام 2012، حيث كانت النسبة الأعلى للتجنيد تجري في السجون، وهو ما يعكس تطورا ملحوظا في إدراك «داعش» لأهمية الوسائل الإلكترونية.
لكن الدراسة المصرية أكدت أن هذه النسبة انخفضت الآن بسبب الحملات التي شنتها حكومات الدول الغربية ضد الرسائل المتطرفة التي يبثها «داعش»، لافتة إلى أنه في مقابل كل حساب يدعم «داعش»، تم تخصيص ما يقرب من 10 حسابات تفند آراءه وأكاذيبه، فضلا عن شن هجمات قرصنة على مواقع التنظيم الإلكترونية وحساباته على موقعي التواصل الاجتماعي «تويتر» و«فيسبوك» لمنعه من استخدامهما في الترويج لأفكاره، وتجنيد الشباب وصغار السن، موضحة أنه لم يتعد حصول الحسابات الموالية للتنظيم حاجز الـ400 متابعة فقط، مقابل 1600 قبل عامين حين أعلن التنظيم عن نفسه، في عام 2014.
وسبق أن أعلن موقع «توتير»، في فبراير (شباط) الماضي، تعليق أكثر من 125 حسابا تابعا للتنظيم، في إطار حربه ضد «المحتوى الإرهابي» على منصته، وعلى أساس ضغوط من الحكومات للحد من الدعاية التكفيرية عبر شبكات التواصل الاجتماعي، لكن مراقبون أكدوا أن «الحرب الإلكترونية لـ(داعش) لن تتوقف في المستقبل، ويغذي استمرارها الحسابات الجديدة التي يدشنها التنظيم فور إغلاق أي حساب قديم، حتى يثبت للجميع أنه قادر على مواصلة حربه ضد الغرب».
كانت مجموعة من عناصر موالية للتنظيم قد هددت في وقت سابق بإسقاط موقعي «فيسبوك» و«تويتر» ورئيسيهما، إذ نشرت عناصر يطلق عليها «جيش أبناء الخلافة» مقطع فيديو مدته 25 دقيقة تظهر فيه صور لمارك زوكيربيرغ وجاك دورسي وسط النيران، أو عليهما آثار ثقوب الرصاص.
وجاء هذا المقطع ردا على جهود «فيسبوك» و«تويتر» لوقف النشاط الإرهابي على موقعهما. ويظهر مقطع في نهاية الفيديو كُتب عليه بالإنجليزية: «إلى مارك وجاك، مؤسسي (فيسبوك) و(تويتر)، وحكومتكما الصليبية – على حد تعبيرهم: تعلنون يوميا أنكم أوقفتم كثيرا من حساباتنا.. ونرد عليكم بالقول: هل هذا كل ما بوسعكم فعله؟ أنتم لستم بمستوانا.. إذا أغلقتم حسابا واحدا سنغلق 10 بالمقابل، وسنمحو أسماءكم قريبا بعد أن نحذف مواقعكم.. وإن شاء الله، نعرف أن ما نقوله صواب».
كما زعم التنظيم أنه اخترق أكثر من 10 آلاف حساب، و150 مجموعة على «فيسبوك»، وأكثر من 5 آلاف حساب على «تويتر».
ويقسم نشاط «داعش» على موقع «تويتر» إلى عدة فئات، تُعنى بمهام مختلفة، لكن رسالتها واحدة هي «قيام دولة الخلافة المزعومة»، كما تبرز حسابات غريبة بمسميات مختلفة، تهدف إلى التعريف بأنشطة «داعش»، منها: «أسود الدولة»، و«صقور دولة الإسلام»، و«أنصار الدولة الإسلام»، و«صفحة ولاية الشام». أما حسابها الرسمي المفترض على «تويتر»، فيحمل اسم «مؤسسة الاعتصام»، وشعاره: «اعتصموا». لكن سبق للقيمين على الموقع إلغاء ذلك الحساب، قبل أن يعود أخيرا، ولكن بنشاط أقل.
وقدرت دراسات غربية عدد حسابات مؤيدي «داعش» على «تويتر» بنحو أكثر من 46 ألف حساب، منها 30 ألفا لأشخاص، والباقي لبرامج معلوماتية تحاكي الإنسان، وأن غالبية التغريدات باللغة العربية، على الرغم من وجود 18 في المائة باللغة الإنجليزية، و7 في المائة باللغة الفرنسية، فيما يصل عدد حسابات التنظيم على «تويتر» - وفقا لتقديرات أخرى - إلى 90 ألفا، معظمها في سوريا والعراق، لكنها توضح أن هذه الحسابات تشمل مؤيدين غير معلنين، وعملاء استخباراتيين تابعين للتنظيم المتشدد، بالإضافة إلى حسابات لعملاء استخباراتيين مناهضين له بهدف مراقبة نشاطاته الإلكترونية.
لكن الخبير مصري في مجال الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، هشام أبو الدهب، قال إن «بعض تلك الحسابات كانت ناشطة، ولكن تم تعليقها فيما بعد»، مؤكدا أن «معظم الحسابات هذه أنشئت في عام 2014، وتحديدا في سبتمبر (أيلول)، وأن متوسط عدد التدوينات اليومية لكل حساب 7.3 تغريدة».
وقالت الدراسة المصرية التي أعدها مرصد الأزهر إن «داعش» تعرض في الآونة الأخيرة لسلسلة من الخسائر في الفضاء الإلكتروني، وكذلك على صعيد الأراضي التي يسيطر عليها في سوريا والعراق من قبل قوات التحالف الدولي، موضحة أن التنظيم قد انخفض نشاطه الدعائي على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر»، حيث كان يعتمد التنظيم على مواقع التواصل الاجتماعي من أجل نشر أفكاره، والتواصل مع أنصاره، واستقطاب المقاتلين، وكذلك تنظيم وتنسيق الأفعال الإجرامية التي يرتكبها، ولنشر بياناته تباعا حول الهجمات التي يرتكبها.
ولفتت الدراسة إلى تضاءل عدد الحسابات التي كانت تستخدم رسوما مرتبطة بـ«داعش»، للترويج للمحتويات الخاصة بها، من 24 ألف حساب إلى ما يقارب الـ14 ألف حساب، في الفترة الممتدة بين أغسطس (آب) عام 2015 ومارس (آذار) الماضي، مضيفة أنه يتم إغلاق الحسابات المرتبطة بـ«داعش» بشكل سريع الآن، مقارنة بالأشهر القليلة السابقة، إذ إن المدة التي تفصل بين إنشاء الحساب والتبليغ عنه وإغلاقه باتت أقل من 48 ساعة.
ويؤكد أبو الدهب أن موقع «تويتر» هو الأكثر استخداما لدى أنصار التنظيم، ويستخدم أنصاره تطبيق «أسك إف إم» للإجابة على بعض الأسئلة عن الحياة اليومية، وعن أمور عادية، إضافة لتجنيد الشباب ضمن صفوف «داعش»، كما يتجاوز مستخدمو الشبكة هذه التطبيقات إلى استخدام برامج ذات سرية أعلى، مثل برنامج «كي آي كي»، وهو تطبيق للرسائل عبر الهواتف الذكية.
وتابع الخبير المصري: فضلا عن وجود منتديات جهادية على الشبكة، حيث يتم تبادل المعلومات باستخدام برامج التشفير المتقدمة، هذه البرامج والتطبيقات ذات التغطية العالية تسمح لمؤيدي التنظيم بالتواصل مباشرة مع المجندين، وتسهيل عبورهم للحدود.
ويقول الدكتور حامد المكاوي، الأستاذ بجامعة الأزهر، إن «داعش» اعتمد في تكوين جيشه الإلكتروني الذي يفوق أعداد مقاتليه، ونشر وجوده في العالم، على الدعم الإلكتروني، وتمكن من تجنيد علماء وخبراء في كثير من المجالات، وله 130 ألف صفحة على «فيسبوك»، و40 ألف صفحة أخرى بلغات مختلفة، لتنفيذ عدة أمور، منها: تجنيد الشباب والفتيات عن طريق مجلته الشهرية الصادرة باللغة الإنجليزية «دابق» التي تتناول مختلف المواضيع، من السياسة والدين إلى صنع القنابل، وتتمتع المجلة بجودة إنتاج عالية لا تقل عن تلك الموجودة في أفضل المجلات احترافية، فضلا عن جمع التبرعات المالية، وتنسيق التحركات العسكرية للعناصر المتطرفة الموالية، وأخيرا تنفيذ الأنشطة التي تسعى إلى نشر فكر التنظيم بين زوار مواقع التواصل الاجتماعي، ومنها عمليات التفجير والقتل باستخدام «سكين المطبخ»، وفق استراتيجية «الذئاب المنفردة»، خصوصا في الدول الأوروبية، والأحداث الأخيرة التي شهدتها فرنسا وبلجيكا والولايات المتحدة تم التخطيط لها عن طريق الإنترنت دون التواصل مباشرة مع مرتكبيها.
وتقول الدراسة المصرية إن إدارة مواقع التواصل الاجتماعي الأكثر انتشارا، «تويتر» و«فيسبوك» و«يوتيوب»، تقوم بحملات منظمة لحذف حسابات مؤيدي لـ«داعش» أو المروجين له، المعروفين باسم الأنصار، والرد على هذه الإجراءات تستهلك كثيرا من وقت أنصار التنظيم لإعادة إنشاء حسابات جديدة، وهم يرون في ذلك تحديا لهم، وحربا مضادة يخوضونها ضد حكومات الدول الغربية.
وسبق أن أطلقت منظمة «كويليام» البريطانية مقطع فيديو على موقع التواصل الاجتماعي «يوتيوب»، في محاولة للرد على تكتيكات تنظيم داعش المتطرفة، التي تسعى لتجنيد الشباب عبر مواقع التواصل الاجتماعي. وكان هذا الفيديو بداية لحملة ضد «داعش» على مواقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك» و«تويتر» و«يوتيوب».
خنادق «داعش» على جبهة التواصل الاجتماعي تتساقط
حكومات دول غربية واصلت «قصف» حساباته على «تويتر»
خنادق «داعش» على جبهة التواصل الاجتماعي تتساقط
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة