مع كل جولة مفاوضات سياسية بين وفدي الشرعية اليمنية والانقلابيين، تزداد خروقات الأخير بالسير عكس الرغبة الشعبية اليمنية الداعمة للقرارات الدولية في تخليص الدولة اليمنية من حالة الفتور في المسار السلمي، بخروقات واعتداءات على الجغرافيا الداخلية والخارجية.
وتزداد تلك الاتجاهات الاستفزازية على الحدود السعودية، التي تتصدى قواتها لتلك المحاولات، وسقط في مواجهات أول من أمس 7 ضحايا في قطاع منطقة نجران، وما قبلها بإطلاق صواريخ باليستية تصدت لها الدفاعات الجوية الملكية السعودية، في محاولة حوثية معتادة على جر الخلافات لتنعكس على واقع المفاوضات السياسية الجارية في الكويت، وأن التصعيد الحدودي مع السعودية هو جزء من خطة المتمردين لجرّ التحالف العربي والقوات الحكومية إلى التصعيد العسكري لوضع بيان عنوانه «فشل الكويت».
وقال بيان قوات التحالف العربي، أول من أمس، إن طائرات التحالف أغارت على تجمعات للحوثيين قرب الشريط الحدودي، وخلفت العمليات القتالية التي شهدها الشريط الحدودي السعودي عشرات من القتلى من المعتدين وتدمير المركبات العسكرية التابعة لهم، فيما تواصل القوات الجوية السعودية وطيران القوات البرية مطاردة فلول المتسللين وتطهير المنطقة الحدودية من أي أثر.
وفي الداخل اليمني، وخلال أيام ممتدة، يمارس الانقلابيون انتهاكات للمعالم والمزارات الدينية العتيقة في تعز والحديدة والمكلا، باستهدافها وهدمها وتفجيرها، في تطور جديد يمارسه الحوثي وصالح، يجعلهما في قفص الاتهام وتنفيذ أوامر من خارج اليمن، لإطالة أمد الأزمة اليمنية، عبر اختلاق فتنة طائفية بين السنة والشيعة من جانب والسنة على طرف واحد.
ويعمل الحوثيون في اليمن وفق أجندة موضوعة بدقة لا يمكن لجماعة فوضوية مثلهم أن تتمكن من صياغتها إلا بمساعدة قوة إقليمية لها مطامع على المدى البعيد وتريد التموقع في قلب العالم العربي، وكلما فشلت مبادرة إقليمية متعلقة بالأزمة اليمنية إلا وينعكس ذلك ميدانيا بالعودة إلى الاشتباكات المسلحة التي مصدرها الحوثي وصالح.
قفص الاتهام
إرهاصات الأحداث وتواليها، يعيدان الذاكرة إلى قبل عشرة أعوام في سامراء العراقية، التي شهدت أحداثا دموية على خلفية تفجير ضريحي الإمامين: علي الهادي والحسن العسكري، حاملة تلك الحادثة في 2006 ضروبا شتى من الصراعات السياسية والطائفية والتصدعات الاجتماعية التي مزقت جسد العراق وانعكست سلبا على مستوى الاستقرار المحلي ووحدة النسيج العام، وكان من تأثيرها إحراق أكثر من مائتي مسجد للسنة وارتدادات أخرى على الشيعة، مما طرح التساؤلات حول المستفيد والمنفذ.
بعد سبعة أعوام من تلك الحادثة، وتحديدا في عام 2013. في مؤتمر المقاومة الإيرانية في باريس، فجّر الجنرال الأميركي، جون كيسي (تولى مهمة قيادة القوات الأميركية في العراق 2004 - 2007) اعترافا حول المتهم بذلك الاعتداء الذي شكّل شرارة في النسيج العراقي لا يزال حتى اليوم، حيث اتهم كيسي، إيران والحرس الثوري الإيراني في تفجير ضريحي العسكريين في 2006. بعلم ومعرفة مسبقتين من حكومة رئيس الوزراء السابق، نوري المالكي، مما عزا بمحللين إلى أن ذلك هو تغذية للصراع السني الشيعي، ومد يد طهران أكثر في العمل السياسي والعسكري في العراق.
في اتجاه واحد
استراتيجية إيران التي تنفذها في اليمن أيادي الحوثيين؛ سعت منذ أكثر من عام على وضع يدها على مفاصل القوة في الداخل اليمني، لكنها خسرت مع أذرع التنفيذ الخاصة بها في اليمن، مما أفقدها عناصر القوة لديها، وجعلها على خريطة الخسائر الملحوظة. تأثيرات «عاصفة الحزم»، التي هبّت لكسر شوكة الحوثي وصالح، وما حققته من انتصارات سياسية وأمنية للإقليم، كان لها ارتدادات على طهران التي كانت تسعى إلى وضع يد لها في اليمن، وتطويق السعودية ودول الخليج، بأذرعها المسلحة.
وقال المحلل السياسي، عبد الرحمن الطريري، إن الهدف الأسمى لإيران في اليمن أن يبقى الحوثيون حزبا مسلحا على شاكلة «حزب الله»، معتبرا أن الخسارة الحقيقية لإيران أن يخسر الحوثيون حظوة السلاح، كون إيران تدرك أن ما يسمى «حزب الله» أخذ حجما سياسيا أكبر من حجم تمثيله بسبب حظوة السلاح، وهو ما يمثله الحوثيون من أقلية لن تكون المتحكم باليمن دون السلاح.
وقال الطريري في حديث مع «الشرق الأوسط»، إن تفجير قبة الشيخ عبد الهادي السودي في مدينة تعز القديمة بعد نبش قبره، والذي يعقب تفجير مسجد الصراري بأيام، يؤكد أن إيران قررت الذهاب إلى تعزيز الطائفية في اليمن، كأحد عناصر خطة إدارة المعركة مستقبلا في اليمن، وهو نهج اتبعته إيران عبر تفجير مراقد الإمامين العسكريين في سامراء، ثم عادت لتفجر السيدة زينب في سوريا لتحفز الشيعة للقتال في سوريا تحت شعار «حماية المقدسات».
بدوره رأى الكاتب اليمني الدكتور عبد الرزاق الشوكاني، أن القرار ليس بيد الحوثي في مفاوضات الكويت، ولا بيد قياداته، مؤكدا أن الحوثي أرسل ممثليه بحدود أدنى من التفاهمات، لتقليل خسائره ومحاولة الدخول إلى مكاسب سياسية لتعويض خسائره على الأرض التي قوضها التحالف العربي بقيادة السعودية.
مضيفا الشوكاني، في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» أن التأثير الإيراني واضح في تصريحات الناطق باسم الحوثيين الذي كان يمتدح السعودية منذ أسابيع، وهو الآن يهاجمها وهو ما يعتبره حدا لإحراز أي تقدم سلمي في المفاوضات، مشيرا إلى أن السياسة الإيرانية واضحة في ممارسات الوفد السياسي في الكويت، وكذلك الجناح العسكري بمحاولة تشكيل جبهة مضطربة اجتماعيا وطائفيا في اليمن.
شهية القتل لا السلام
التحالف العربي بقيادة السعودية أفقد الحوثي شوكته العسكرية ودمر كثيرا مما كانوا يعدون العدة له، ومواجهة المشروع الفارسي الحالم بتطويق المنطقة، فيما يبقي التحالف على يد ممدودة لتحقيق السلام وتطبيق القرارات الدولية، لكن إطالة أمد الحرب باختراقات حدودية تراه الأوساط الرسمية أنه محاولة تحقيق مكاسب استراتيجية للحليفين الحوثي وصالح، مع كل جولة دبلوماسية تقودها الأمم المتحدة لتطبيق قرار مجلس الأمن الدولي.
فيما لا يزال التصعيد الحوثي، مؤشرا على تنفيذ أجندات دموية لم يعد يحتملها الوضع الإنساني في اليمن، وهو ما يجعل الباب مسدودا في التوجه نحو معالجات سياسية في ظل تطورات بعد «الإعلان السياسي» والاتفاق بين الحوثي وصالح، علاوة على تواتر أنباء خلافات داخلية في الحركة الانقلابية الحوثية.
واعتبر الدكتور الشوكاني أن إيران توعز لحليفها الحوثي، بوضع العراقيل نحو أي تقدم في الجانب السياسي، على سيناريو يرى أن المغامرات العسكرية التي ينتهجها الحوثي ستعمل على وضع يفضي إلى دفع التحالف العربي والسعودية باتجاه الضغط على الحكومة اليمنية للتوقيع على اتفاق سياسي مستمد من الرؤية الحوثية، مشيرا إلى أن الحوثي لم يعد بيده أي محاولة للمغامرة في المجالات السياسية أو العسكرية، مستشهدا بمحاولات الانقلابيين وعلي عبد الله صالح، وضع دول تحظى بالقبول لدى عدد من دول التحالف في موقف المفاوض الموثوق بغية وضع حد لخسائرهم، وإعادة ترتيب صفوفهم ورفع الأوراق الأخرى التي يخبئونها.
هذا الأمر يتفق فيه المحلل السياسي عبد الرحمن الطريري، أن الانقلابيين ينهجون شراء الوقت، ولا يعبأون بالجانب الإنساني، معتبرين أن الضحايا جزء من ثمن الانتصار، معتبرا بأن المشاورات الكويتية «نحرت قبل أن تموت بزمن، منذ أن رفضت ميليشيات الحوثي وصالح الانصياع لقرار مجلس الأمن 2216، وكانت تسعى من خلال المفاوضات لتقديم الحل السياسي على الحل الأمني».
محملا إيران المسؤولية الكبرى، إذ أنها تقسم المعركة باعتبار أن سوريا أرض استنزاف لتركيا المنشغلة بالانقلاب الفاشل، واليمن أرض استنزاف للسعودية؛ لذا تعتقد أن شراء الوقت من مباحثات لأخرى، هو فرصة لاستنزاف التحالف والسعودية تحديدا، مما قد يحسن شروط المفاوض الحوثي وصالح، عبر الهدف الرئيسي وهو تجاوز بند تسليم السلاح الذي ينص عليه القرار الأممي.