جلسة المفاوضات الفلسطينية ـ الإسرائيلية كادت تتحول إلى عراك بالأيدي

مسؤول في السلطة لـ «الشرق الأوسط»: سبعة شروط لتمديد التفاوض

فلسطيني يبدو متأثرا مع ابنه إثر هدم السلطات الإسرائيلية كوخه في بلدة العيزرية بالضفة الغربية أمس (رويترز)
فلسطيني يبدو متأثرا مع ابنه إثر هدم السلطات الإسرائيلية كوخه في بلدة العيزرية بالضفة الغربية أمس (رويترز)
TT

جلسة المفاوضات الفلسطينية ـ الإسرائيلية كادت تتحول إلى عراك بالأيدي

فلسطيني يبدو متأثرا مع ابنه إثر هدم السلطات الإسرائيلية كوخه في بلدة العيزرية بالضفة الغربية أمس (رويترز)
فلسطيني يبدو متأثرا مع ابنه إثر هدم السلطات الإسرائيلية كوخه في بلدة العيزرية بالضفة الغربية أمس (رويترز)

تحولت جلسة «إنقاذ المفاوضات» التي عقدت في القدس واستمرت نحو ثماني ساعات حتى فجر الأمس إلى جلسة لـ«تبادل التهديدات» بين أعضاء الوفدين الإسرائيلي والفلسطيني، على الرغم من وجود مارتين إنديك، المبعوث الأميركي الخاص لعملية السلام.
وقالت مصادر فلسطينية مطلعة، لـ«الشرق الأوسط»، إن الاجتماع الذي عُقد بين رئيسي طاقمي التفاوض الإسرائيلي والفلسطيني، تسيبي ليفني وصائب عريقات، إضافة إلى يتسحاق مولخو، مبعوث رئيس الوزراء الإسرائيلي، وماجد فرج، مدير المخابرات الفلسطينية العامة، كان عاصفا ومعقدا جدا.
وأوضحت المصادر أن الانضمام الفلسطيني لاتفاقيات ومعاهدات دولية، وعدم إفراج إسرائيل عن الدفعة الرابعة من الأسرى، سيطرا على أجواء اللقاء المشحون، وفجرا خلافات كبيرة وتبادلا للاتهامات حول تخريب المفاوضات، وأن المفاوضين اقتربوا من الاشتباك بالأيدي في لحظات كثيرة.
وبحسب المصادر، فقد انفعل مدير المخابرات الفلسطينية ماجد فرج، ورد على التهديدات الإسرائيلية بمعاقبة الفلسطينيين بشدة، بتهديدات أخرى، منتقدا في الوقت نفسه الموقف الأميركي «غير النزيه»، فكاد يشتبك بالأيدي مع الحاضرين. وقالت المصادر «فرج كاد يحولها إلى مفاوضات بالأيدي». وأضافت أن «المفاوضات تلفظ أنفاسها الأخيرة، ولا مجال لإنقاذها الآن إلا عبر معجزة».
لكن المصادر أكدت أن الفلسطينيين ملتزمون بمواصلة الحوار حتى نهاية الشهر الحالي، وهو الموعد المتفق عليه لنهاية عملية التفاوض، وذلك لإعطاء فرصة لوزير الخارجية الأميركي جون كيري لإحداث تقدم ولتجنب الاتهام بإفشال المفاوضات. وكان كيري اتصل الأربعاء، قبل جلسة المفاوضات بساعات، بالرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وحثهما على تقديم تنازلات صعبة من أجل دفع العملية السياسية.
وقالت صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية إن مسؤولين في الإدارة الأميركية نقلوا رسائل شديدة اللهجة إلى مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي في القدس ومكتب الرئاسة في رام الله، حذروا فيها من أن جهود الوساطة الأميركية قد استنفدت، وأن مسؤولية حل الأزمة الحالية ستكون ملقاة على عاتق الطرفين إذا أرادا ذلك، أو فليتحملا تبعات الفشل.
وكشفت مصادر في حركة فتح، لـ«الشرق الأوسط»، أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس رد على التهديدات الأميركية بتأكيده أنه ماض في الانضمام إلى الاتفاقات والمعاهدات الدولية مهما كلفه الثمن. وقال صائب عريقات، أمس، في لقاء مغلق مع مسؤولين في حركة فتح «أبو مازن أخبرني صباح اليوم بأنه لو استشهد لن يتراجع عن أي خطوة من خطواته التي اتخذها».
وقال مسؤول في فتح فضل عدم نشر اسمه، لـ«الشرق الأوسط»: «القيادة وضعت سبعة شروط واضحة من أجل تمديد المفاوضات». وأضاف «أولا: اعتراف واضح وصريح من نتنياهو، يعترف فيه بحدود فلسطين على أراضي عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية وتقوم على أساسه المفاوضات.. وثانيا: إطلاق سراح 1200 أسير وفق اتفاق سابق مع رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إيهود أولمرت، ويضم ذلك مسؤولين كبارا مثل القيادي في فتح مروان البرغوثي، وأمين عام الجبهة الشعبية أحمد سعدات، واللواء في الرئاسة الفلسطيني فؤاد الشوبكي.. وثالثا: إيقاف الاستيطان في كل الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية.. ورابعا: رفع الحصار عن قطاع غزة.. وخامسا: موافقة إسرائيل على طلبات لم شمل 15000 فلسطيني وهي مقدمة سلفا.. وسادسا: عودة مبعدي كنيسة المهد.. وأخيرا: توسيع نفوذ السلطة في مناطق (سي) في الضفة الغربية، ووقف الاعتقالات والاغتيالات، والسماح باستئناف عمل المؤسسات المغلقة في القدس، وبالبناء في المناطق النائية في الضفة الغربية».
وأوضح المسؤول الفلسطيني أنه في حال عدم الموافقة على هذه الطلبات وانتهاء الفترة المحددة للمفاوضات نهاية الشهر، فإن أبو مازن سيوقع على دفعة ثانية من طلبات الانضمام إلى الاتفاقات الدولية، ثم ثالثة ثم رابعة بحسب المرحلة وتطوراتها.
وأقر كيري أمس بأن المفاوضات الجارية بين إسرائيل والفلسطينيين تواجه لحظات حرجة، مضيفا أن «جولة التفاوض التي جرت الليلة الماضية بين الجانبين حققت بعض التقدم، إلا أن الهوة لا تزال قائمة ويتوجب العمل بسرعة على ردمها». وحذر كيري من الجزائر من أن إخفاق الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني في إيجاد آلية للحوار بينهما سيكون بمثابة كارثة عليهما. وقال كيري إنه سيواصل جهوده ومساعيه للتوصل إلى صيغة تعيد الطرفين إلى طاولة المفاوضات «مهما كلف الأمر»، غير أنه أوضح أنه لا يستطيع أن «يجبر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أو الرئيس الفلسطيني محمود عباس على مواصلة المفاوضات».
وحث الوزير الأميركي الجانبين على تقديم تنازلات جوهرية واتخاذ قرارات حاسمة لإنجاح المسيرة السلمية. ورأى أنه يجب على زعماء إسرائيل والفلسطينيين الآن تولي زمام القيادة، مقتبسا المثل القائل إنه يمكنك قيادة الحصان إلى النهر، لكنك لا تستطيع إجباره على الشرب. ونوه الوزير الأميركي بأن قدرة الإدارة الأميركية على دفع الجانبين قدما إلى الأمام محكومة بقيود.
وكانت عملية السلام قد دخلت في أزمة، هذا الأسبوع، عندما رفضت إسرائيل الإفراج عن الدفعة الرابعة من الأسرى الفلسطينيين حسب اتفاق سابق، ما لم تتلق تأكيدات بأن الفلسطينيين سيواصلون التفاوض لما بعد نهاية أبريل (نيسان) وهو موعد انقضاء مهلة المفاوضات، لكن الفلسطينيين ردوا بغضب ووقعوا وثائق للانضمام إلى 15 اتفاقية ومعاهدة دولية من بينها اتفاقيات جنيف الأربع.
وجاءت الخطوة الفلسطينية بينما كان كيري يضع على الطاولة صفقة جديدة لتجاوز الأزمة تقضي بالإفراج عن الدفعة الرابعة من الأسرى الفلسطينيين ومعهم مئات آخرون، مقابل تمديد المفاوضات وحصول إسرائيل على الجاسوس اليهودي المحبوس في الولايات المتحدة جوناثان بولارد. وقال عضو اللجنة المركزية لحركة فتح محمود العالول إن الرئيس والقيادة الفلسطينية لم يغلقوا الباب أمام الجهود الدولية، لكن مسألة الانضمام للاتفاقيات والمعاهدات الدولية هي حق لدولة فلسطين، وهو سيكتمل بخطوات أخرى، وإن هذه الخطوة قد جاءت ردا على السياسة الإسرائيلية الأحادية والتعنت الإسرائيلي الذي دمر هذه الجهود.
وقال كيري «الشجار الحالي والخلاف ليسا على القضية الجوهرية المتمثلة في اتفاق الوضع النهائي، بل على العملية التي تقود إلى ذلك».



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».