فك ارتباط «النصرة» بـ«القاعدة» يؤسس لمرحلة جديدة في سوريا

توقع تغيير التحالفات الاستراتيجية على الأرض عبر بدء التنسيق مع الفصائل المعارضة

مقاتلون من جيش العزة أحد فصائل الجيش الحر يتلقون تدريبات في معسكر لهم بإحدى القرى القريبة من حماه أمس (رويترز)
مقاتلون من جيش العزة أحد فصائل الجيش الحر يتلقون تدريبات في معسكر لهم بإحدى القرى القريبة من حماه أمس (رويترز)
TT

فك ارتباط «النصرة» بـ«القاعدة» يؤسس لمرحلة جديدة في سوريا

مقاتلون من جيش العزة أحد فصائل الجيش الحر يتلقون تدريبات في معسكر لهم بإحدى القرى القريبة من حماه أمس (رويترز)
مقاتلون من جيش العزة أحد فصائل الجيش الحر يتلقون تدريبات في معسكر لهم بإحدى القرى القريبة من حماه أمس (رويترز)

في ضوء ترقّب ردود فعل المجتمع الدولي من إعلان «جبهة النصرة» فك ارتباطها بتنظيم القاعدة، يتوقع مراقبون أن يشكّل هذا القرار بداية مرحلة جديدة في سوريا سياسيا وعسكريًا، قد تكون ساحة اختبارها الأولى معركة مدينة حلب المحاصرة، إضافة إلى الاتفاق الروسي - الأميركي حول سوريا الذي بات قاب قوسين من الإعلان عنه.
كانت واشنطن حذرة في التعامل مع الموضوع بإعلانها على لسان المتحدث باسم وزارة الخارجية أن مقاتلي «جبهة النصرة» ما زالوا هدفا للطائرات الحربية الأميركية، وأردف المتحدث: «علينا أن ننتظر ونرى. سنصدر حكمنا على (جبهة فتح الشام) بناء على ما تقوم به وليس على ما تصف به نفسها»، في حين أعلنت الخارجية الروسية، أمس، أن تنظيم جبهة النصرة سيبقى إرهابيا غير شرعي مهما أطلق على نفسه من تسميات.
وفي حين من المتوقع أن يؤدي فك الارتباط إلى تغيير التحالفات الاستراتيجية على الأرض في سوريا، يرى مدير مركز الشرق للبحوث، سمير التقي، أن هذا القرار هو اتجاه نحو توحّد القوى المقاتلة الإسلامية وانتقالها من الموقف الآيديولوجي إلى الموقف البراغماتي التفاوضي، ولا سيما بعدما أعلنت «فتح الشام» أنه لم يعد لديها أي أجندة خارجية ولن تُستخدم منصةً ضد الغرب، علما بأن الخلاف الأساسي بين «داعش» و«القاعدة» كان حول العدو الحقيقي. بدوره توقّع القيادي في «الجيش الحر»، رامي الدالاتي، أن يبدأ التنسيق بين «فتح الشام» والمعارضة العسكرية في وقت قريب، معتبرا أنه «بعد فك الارتباط لم يعد هناك ذريعة بيد المجتمع الدولي وأي تصرّف أحمق في هذا الاتجاه سيؤدي إلى ضرب الثورة السورية، لا سيما أن المناطق التي تتواجد فيها (النصرة) متداخلة بشكل كبير مع تلك التي تتواجد فيها فصائل المعارضة والجيش الحر». وتجدر الإشارة إلى أن «جبهة النصرة» مدرجة في قائمة الولايات المتحدة للتنظيمات الإرهابية وتم استبعادها كـ«داعش» من اتفاق هدنة في سوريا في فبراير (شباط)، كما تبحث روسيا والولايات المتحدة تعزيز التنسيق بينهما ضد التنظيمين.
التقي قال، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، معلقًا على هذا التطور: «من المتوقع أن تتبلور أجندة هذا الفصيل على الأقل على صعيد التحالفات السورية وتنظيم بيته الداخلي بعيدا عن المجموعات الأجنبية في صفوفه. وهو ما قد ينعكس إيجابا ليس فقط على صعيد الحل السياسي وما يحكى عن اتفاق أميركي – روسي، إنما أيضا على المعارك على الأرض». وتابع: «للعلم فإن نظرة الولايات المتحدة إلى (النصرة) كانت مختلفة عن نظرتها إلى (داعش) كما أنها كانت تلعب دورا في تحييدها عن العمليات العسكرية التي كانت تستهدف التنظيم، والسعي الدائم لإقصاء العناصر الأجنبية المنضوية تحتها، تمهيدا لجعلها تصل إلى اتخاذ هذا القرار».
وفي حين اعتبر التقي أن معركة حلب وحصار المدينة كانت أحد أسباب اتخاذ «النصرة» هذا القرار، فإنه يتوقع أن تكون حلب ساحة الاختبار الأولى لفك الارتباط، إضافة إلى معارك أخرى أهمها القلمون والجولان، وسيؤدي هذا الأمر إلى تحالف وتنسيق بين «فتح الشام» والفصائل المعارضة، لحاجة كل منهما إلى الآخر، وبخاصة أن التعامل مع الفصيل الجديد لم يعد من المحظورات كما كان الأمر بالنسبة إلى «النصرة»، وانطلاقا من قدرات «فتح الشام» المعروفة فهي ستكون القوة الضاربة في حلب كما كانت «النصرة» في إدلب.
وفي حين أكّد الدالاتي، من جهته، أن هذا القرار لاقى تجاوبا شعبيا في سوريا، خصوصا في المناطق التي كانت قبل ذلك تتظاهر ضدّ «النصرة»، على غرار ما حصل أمس في كفرنبل بعد صلاة الجمعة، فإنه قال لـ«الشرق الأوسط» مشددًا: «هذا القرار جيد إنما ليس كافيا، ويتطلب الخضوع لموازين الثورة العامة». وأشار الدالاتي في الوقت عينه إلى أنّ خطوة أولى بهذا الاتجاه كانت قد سجّلت قبل نحو أسبوعين، وذلك عبر انضواء «النصرة» في «تجمّع أهل العلم في سوريا»، موضحا أنّ هذا التجمع أسس ليكون مرجعية قضائية وشرعية للفصائل بعد الاعتداءات التي كانت تعرضت لها من قبل («النصرة»، ومعتبرا أن هذا القرار كان خطوة باتجاه التنسيق مع الجيش الحر وفصائل المعارضة المعتدلة وهو سينعكس في المرحلة المقبلة عسكريا على الأرض. وتوقع الدالاتي أيضًا أن يبدأ التقارب بين الطرفين في وقت قريب، إلا أنه في ضوء موقف واشنطن الحذر، من فك الارتباط، ذكر أن اجتماعا قريبا سيعقد بين ممثلي الفصائل وأطراف دولية في اليومين المقبلين للبحث في القضايا العسكرية والسياسية ومن المتوقع أن يكون قرار «النصرة» الأخير على قائمة البحث. واعتبر أن المجتمع الدولي لم يكن يترقب أن تتم هذه الخطوة، لا سيما أن الحديث عن الموضوع استمر شهورا عدّة.
هذا، وبعد إعلان «جبهة النصرة» على لسان زعيمها محمد الجولاني، أول من أمس، انقطاع صلتها بالتنظيم العالمي الذي أسسه أسامة بن لادن، وقال إنها غيرت اسمها لتزيل ما وصفتها بذرائع تستخدمها القوى الدولية لمهاجمة السوريين، أصدرت «جبهة فتح الشام»، أمس، بيانها الأوّل أوضحت فيه مبادئها العقدية والسياسية والعسكرية، داعية إلى الاجتماع، وتوحي «فتح الشام» في بيانها بأنها «تستمد عقيدتها ومنهجها من علماء أهل السنة» واعتبرت أن «دفع العدو الصائل على الدين وحرمات المسلمين من أهم فروض الأعيان ولا يشترط له شرط بل يُدفع بحسب الإمكان».
وتابعت الجبهة في بيانها: «ننبذ الفرقة والاختلاف وندعو إلى جَمْع الكلمة والائتلاف ونرى وجوبَ اجتماع الأمة عامة والمجاهدين خاصة على الحق وتحت راية واحدة».
على صعيد ثان، أثنى عضو في مجلس شورى حركة «أحرار الشام» على قرار فك ارتباط النصرة بـ«القاعدة» الذي كان بحسب قوله: «من أكبر العوائق التي اعترضت جميع محاولات التوحد التي تم طرحها من قبل أهل العلم في الساحة الشامية». ودعا، في تصريح لـ«شبكة شام»، الفصائل إلى التوحد قائلا: «الفصائل التي كانت تقول إن (النصرة) هي السبب في عدم التوحد نقول ها هي قد فكت الارتباط بـ(القاعدة)، وزال السبب، فتعالوا وضعوا أيديكم بأيدي بعض وحققوا آمال الشعب في التوحد وإن لم تقبل (النصرة) فالفصائل كثيرة من دونها».



إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
TT

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)

أوقفت الجماعة الحوثية عشرات القادة والمسؤولين التربويين في العاصمة المختطفة صنعاء عن العمل، وأحالتهم إلى المحاسبة تمهيداً لفصلهم من وظائفهم، بعد أن وجّهت إليهم تهماً برفض حضور ما تُسمى «برامج تدريبية» تُقيمها حالياً في صنعاء وتركّز على الاستماع إلى سلسلة محاضرات لزعيمها عبد الملك الحوثي.

وفي سياق سعي الجماعة لتعطيل ما تبقى من مؤسسات الدولة تحت سيطرتها، تحدّثت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن إرغام الجماعة أكثر من 50 مسؤولاً وقيادياً تربوياً يشملون وكلاء قطاعات ومديري عموم في وزارة التعليم الحوثية على الخضوع لبرامج تعبوية تستمر 12 يوماً.

ملايين الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين عُرضة لغسل الأدمغة (رويترز)

وبموجب التعليمات، ألزمت الجماعة القادة التربويين بحضور البرنامج، في حين اتخذت إجراءات عقابية ضد المتغيبين، وكذا المنسحبون من البرنامج بعد انتهاء يومه الأول، لعدم قناعتهم بما يتمّ بثّه من برامج وأفكار طائفية.

وكشفت المصادر عن إحالة الجماعة 12 مديراً عاماً ووكيل قطاع تربوي في صنعاء ومدن أخرى إلى التحقيق، قبل أن تتخذ قراراً بإيقافهم عن العمل، بحجة تخلفهم عن المشاركة في برنامجها التعبوي.

وجاء هذا الاستهداف تنفيذاً لتعليمات صادرة من زعيم الجماعة وبناء على مخرجات اجتماع ترأسه حسن الصعدي المعيّن وزيراً للتربية والتعليم والبحث العلمي بحكومة الانقلاب، وخرج بتوصيات تحض على إخضاع التربويين لبرامج تحت اسم «تدريبية» على ثلاث مراحل، تبدأ بالتعبئة الفكرية وتنتهي بالالتحاق بدورات عسكرية.

توسيع التطييف

تبرّر الجماعة الحوثية إجراءاتها بأنها رد على عدم استجابة التربويين للتعليمات، ومخالفتهم الصريحة لما تُسمّى مدونة «السلوك الوظيفي» التي فرضتها سابقاً على جميع المؤسسات تحت سيطرتها، وأرغمت الموظفين تحت الضغط والتهديد على التوقيع عليها.

وأثار السلوك الحوثي موجة غضب في أوساط القادة والعاملين التربويين في صنعاء، ووصف عدد منهم في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، ذلك التوجه بأنه «يندرج في إطار توسيع الجماعة من نشاطاتها الطائفية بصورة غير مسبوقة، ضمن مساعيها الرامية إلى تطييف ما تبقى من فئات المجتمع بمن فيهم العاملون في قطاع التعليم».

عناصر حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

واشتكى تربويون في صنعاء، شاركوا مكرهين في البرامج الحوثية، من إلزامهم يومياً منذ انطلاق البرنامج بمرحلته الأولى، بالحضور للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة، وتلقي دروس طائفية تحت إشراف معممين جرى استقدام بعضهم من صعدة حيث المعقل الرئيس للجماعة.

ويأتي تحرك الجماعة الحوثية لتعبئة ما تبقى من منتسبي قطاع التعليم فكرياً وعسكرياً، في وقت يتواصل فيه منذ سنوات حرمان عشرات الآلاف من المعلمين من الحصول على مرتباتهم، بحجة عدم توفر الإيرادات.

ويتحدث ماجد -وهو اسم مستعار لمسؤول تعليمي في صنعاء- لـ«الشرق الأوسط»، عن تعرضه وزملائه لضغوط كبيرة من قبل مشرفين حوثيين لإجبارهم بالقوة على المشاركة ضمن ما يسمونه «برنامجاً تدريبياً لمحاضرات زعيم الجماعة من دروس عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر».

وأوضح المسؤول أن مصير الرافضين الانخراط في ذلك البرنامج هو التوقيف عن العمل والإحالة إلى التحقيق وربما الفصل الوظيفي والإيداع في السجون.

يُشار إلى أن الجماعة الانقلابية تركز جُل اهتمامها على الجانب التعبوي، عوضاً الجانب التعليمي وسط ما يعانيه قطاع التعليم العمومي من حالة انهيار وتدهور غير مسبوقة.