بدأ مشهد التوافق السياسي بين الحكومة والمعارضة في تركيا لافتا بعد التوحد في الشوارع والميادين في مواجهة محاولة الانقلاب الفاشلة التي وقعت منتصف يوليو (تموز) الحالي.
في رأي الكثير من المحللين في تركيا، أن اللقاء بين الرئيس رجب طيب إردوغان وقادة الأحزاب الرئيسية الثلاثة، العدالة والتنمية الحاكم والشعب الجمهوري والحركة القومية المعارضان، جاء في توقيت ضروري بعد التجاذبات حول الإجراءات التي أعقبت محاولة الانقلاب الفاشلة، وكذلك فرض حالة الطوارئ.
ورأى كمال كيليتشدار أوغلو، رئيس حزب الشعب الجمهوري التركي (أكبر أحزاب المعارضة التركية)، أن «التوافق قضية محورية في الأنظمة الديمقراطية»، مؤكدا تضامنه مع النظام الديمقراطي في البلاد.
ولم يصوت حزب الشعب الجمهوري لصالح فرض حالة الطوارئ في البرلمان الخميس الماضي، لكنه أعلن موقفه منذ البداية من المحاولة الانقلابية، ونظم تجمعا حاشدا في ميدان تقسيم في إسطنبول الأحد الماضي تحت شعار«مظاهرة الجمهورية والديمقراطية».
وذكر كيليتشدار أوغلو، أنه قدم لإردوغان خلال اجتماع الاثنين بيانا تضمن 10 نقاط، كان قد أشار إليها خلال خطابه في تجمع تقسيم الذي حضره عدد من الأحزاب السياسية الأخرى والمنظمات المدنية. ولفت إلى أن البيان تضمن مجموعة من المقترحات المتعلقة بأهم الإجراءات الواجب اتباعها بعد محاولة الانقلاب الفاشلة.
وكان كيليتشدار أوغلو ندد في خطابه أمام المواطنين في ميدان تقسيم، الأحد، بالمحاولة الانقلابية الفاشلة، مشددا على أن «المرحلة الراهنة تتطلب تكاتف الجميع والوقوف صفا واحدا ضدّ محاولات الانقلاب، والانصياع للديمقراطية والإرادة الشعبية. ونبه إلى أن جميع الأحزاب السياسية في تركيا عارضت المخطط الانقلابي الفاشل، وأن الجميع في تركيا متفقون على حماية النظام الديمقراطي، مؤكدا ضرورة انعكاس الإجماع الشعبي بالبلاد في تحقيق وحدة سياسية.
واختار حزب الحركة القومية منذ البداية التوافق مع حزب العدالة والتنمية الحاكم، وأيد جميع خطواته بعد محاولة الانقلاب الفاشلة، وصوّت نوابه الأربعون في البرلمان لصالح فرض حالة الطوارئ لثلاثة أشهر، وأبدى أيضا موافقته على إعادة عقوبة الإعدام في الوقت الذي لم يمانع حزب الشعب الجمهوري، الذي أعلنه رئيسه كليتشدا أوغلو، أن الحزب سينظر في الأمر عندما يطرح على البرلمان.
من جانبه، بادر الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، الذي قدم شكره لزعماء أحزاب المعارضة، لاتخاذهم موقفا واضحا من محاولة الانقلاب الفاشلة، ووقوفهم إلى جانب الديمقراطية والحرية وسيادة القانون، إلى التنازل عن جميع القضايا التي رفعها في وقت سابق على رؤساء أحزاب المعارضة بتهمة إهانة رئيس الجمهورية بموجب المادة 223 من قانون العقوبات التركي.
وقالت مصادر برئاسة الجمهورية: إن اللقاء، الذي استثني منه حزب الشعوب الديمقراطي الكردي، عقد في أجواء ودية. وقال المتحدث باسم رئاسة الجمهورية التركية إبراهيم كالين: إن «رئيسنا قال لزعماء الأحزاب إنه لا يمكن نسيان خروج الشعب إلى الميادين، بعد تركهم لتوجهاتهم السياسية جانبا، وبطولة قواتنا الأمنية التي نفذت الأوامر بحذافيرها».
وعلى الرغم من رفض حزب الشعوب الديمقراطي الكردي لمحاولة الانقلاب وتوقيعه البيان المشترك مع الأحزاب، فإن موقفه ظل محل تساؤلات، وقال رئيسه صلاح الدين دميرتاش: إنه من المحتمل أن يكون الانقلابيون قد حصلوا على دعم من نواب ووزراء تابعين لحزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا.
وأضاف دميرتاش، أن هدف الانقلابيين هو القضاء على الأكراد، مؤكدا أن الصراعات القائمة في تركيا توضح أن محاولة الانقلاب قائمة حتى الآن قائلا: «لا يمكن التصدي للانقلاب بإعلان حالة الطوارئ والاحتجاز لمدة ثلاثين يوما»، مشيرا إلى أنه يتوقع توسيع العمليات الأمنية لتطول جميع المعارضين، فضلا عن الانقلابيين.
وأكد دميرتاش، أن حزبه يرفض حالة الطوارئ، مشددا على أن الحكومة ستستغل السلطات الممنوحة لها على خلفية محاولة الانقلاب للقضاء على المعارضة. وقال دميرتاش إن «عبارة أن الانقلابيين خسروا في 15 يوليو وانتصرت الديمقراطية هي عبارة خادعة؛ إذ إن ما نعيشه الآن لا علاقة له بالديمقراطية على الإطلاق، سنواصل معارضتنا للعدالة والتنمية وعقلية الانقلابيين على حد سواء، ونحن بكل تأكيد ندعم السياسة المدنية».
ودعا دميرتاش إلى العودة لعملية السلام الداخلي في البلاد، وقال في كلمة أمام اجتماع الكتلة البرلمانية لحزبه في البرلمان التركي، الثلاثاء: إن «القضية الكردية في تركيا»، هي بمثابة جرح، تقوم بعض الجهات بوخزه؛ لذا «لا بد من العودة إلى طاولة المفاوضات وعملية السلام».
وكانت مفاوضات بين الحكومة التركية ومنظمة حزب العمال الكردستاني استمرت لأكثر من 3 سنوات انهارت في يونيو (حزيران) من العام الماضي، واستؤنفت بعدها الاشتباكات بين القوات التركية وعناصر المنظمة التي كانت أعلنت وقفا للقتال طوال مرحلة المفاوضات.
وندّد دميرتاش بمحاولة الانقلاب الفاشلة قائلا: «هذه المحاولة عبارة عن مجزرة وحشية ارتكبت بحق الحكومة المنتخبة ديمقراطيا، والبرلمان، والشعب، إن حزبنا وقف ضد الانقلابات العسكرية، بكل أشكالها، وأبدى مواقف صريحة لا يساورها أي غموض».
وأضاف: «تركيا نجت من تلك المحاولة الانقلابية، وتخطت مصيبة كانت تلوح في الأفق»، مؤكدا أن تركيا بعد المحاولة الانقلابية ستكون مختلفة تماما، مطالبا كلا من الحكومة ومنظمة حزب العمال الكردستاني بالاستفادة من الأجواء الحالية، وإعادة تقييم الوضع الحالي من أجل العودة إلى عملية السلام الداخلي.
ووجه زعيم الشعوب الديمقراطي تحياته للمواطنين الذين نزلوا بكل شجاعة وبسالة خلال الساعات الأولى إلى الشوارع والساحات للتصدي لمحاولة الانقلاب، والذود عن النظام الديمقراطي، وحماية مكتسبات الدولة، وقال: «أتمنى أن تقوم اللجنة التي سيشكلها البرلمان للتحقيق والوقوف على تفاصيل المحاولة الانقلابية، بإجراء جميع التحقيقات اللازمة، والكشف عن ملابسات الانقلاب ودوافعه»، وفق تعبيره.
كما شدّد دميرطاش على ضرورة إشراك حزبه في الهيئة البرلمانية التي سيتم تشكيلها لإعادة هيكلة مؤسسات الدولة، وأضاف: «علينا أن نتوج تلك الإجراءات بصياغة دستور مدني ليبرالي ديمقراطي تعددي، يليق بشعبنا».
وقفز الدستور الجديد في تركيا إلى الواجهة مجددا بعد اللقاء بين إردوغان وقادة الأحزاب، وأعلن رئيس الوزراء بن على يلدريم، أن «هناك توافقا بين الأحزاب على إحياء عملية كانت توقفت لوضع هذا الدستور».
وشهدت أعمال لجنة صياغة الدستور التي كانت بدأت في مارس (آذار) الماضي تعثرا بسبب رفض أحزاب المعارضة الثلاثة تغيير النظام السياسي في البلاد من البرلماني إلى الرئاسي الذي يتمسك به الرئيس رجب طيب إردوغان من أجل توسيع صلاحياته.
توافق المعارضة والحكومة يرسم أفقًا سياسيًا جديدًا في تركيا
ولّدته محاولة الانقلاب الفاشلة.. والحزب الكردي يبقى رقمًا صعبًا
توافق المعارضة والحكومة يرسم أفقًا سياسيًا جديدًا في تركيا
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة