«كبار العلماء» في مصر ترفض إجراءات حكومية لتعميم «الخطبة المكتوبة» بالمساجد

الهيئة عدته تجميدًا للخطاب الديني.. وارتباك في «الأوقاف» لاعتزامها التطبيق «الجمعة المقبل»

«كبار العلماء» في مصر ترفض إجراءات حكومية لتعميم «الخطبة المكتوبة» بالمساجد
TT

«كبار العلماء» في مصر ترفض إجراءات حكومية لتعميم «الخطبة المكتوبة» بالمساجد

«كبار العلماء» في مصر ترفض إجراءات حكومية لتعميم «الخطبة المكتوبة» بالمساجد

في تصعيد خطير ضد إجراءات حكومية تحاول وضعها الدولة المصرية لحصار ظاهرة التطرف والفكر المتشدد داخل المساجد التابعة لوزارة الأوقاف، عقب إحكام السلطات قبضتها على المساجد والزوايا التابعة للجمعيات الشرعية وجماعة الإخوان المسلمين، رفضت هيئة كبار العلماء بمصر بالإجماع أمس، قرار توحيد نص «الخطبة المكتوبة» في المساجد الرسمية، وعدت القرار الحكومي «خطوة نحو تجميد الخطاب الديني».
في حين ما زالت وزارة الأوقاف، وهي المسؤولة عن المساجد، تدافع بقوة عن القرار الذي أثار جدلا في البلاد منذ الإعلان عنه، مؤكدة أنه «جاء للحفاظ على المنابر من الفكر المتشدد»، لكن القرار أثار غضب وحفيظة أئمة ودعاة رسميين هددوا بعدم صعود المنابر نهائيا.
وقال مراقبون إن «قرار هيئة كبار العلماء كشف عن عدم وجود انسجام بين الأزهر والأوقاف، وهو ما حاول المسؤولون في المؤسستين نفيه خلال الفترة الماضية، لكن التصعيد الأخير مؤشر على عدم الوصول إلى صيغة نهائية لتجديد الخطاب الديني الذي يطالب به الرئيس السيسي».
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي كان قد أبدى أكثر من مرة استياءه من وتيرة إصلاح الخطاب الديني في البلاد، ودعا المؤسسة الدينية الرسمية إلى التصدي إلى الجذور الفكرية للجماعات المتشددة، التي نفذت خلال العامين الماضيين مئات العمليات ضد عناصر الجيش والشرطة.
واجتمعت هيئة كبار العلماء، وهي أعلى هيئة دينية في مصر، برئاسة الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر بمقر مشيخة الأزهر أمس، وقالت إنه «اضطلاعا بدور الأزهر الذي حدده له الدستور المصري بأنه المسؤول عن الدعوة الإسلامية، قررت الهيئة بالإجماع رفض الخطبة المكتوبة»، معتبرة هذه الخطوة (أي الخطبة المكتوبة) تجميدا للخطاب الديني، مؤكدة أن الأئمة يحتاجون إلى تدريب جاد وتثقيف وتزويدهم بالكتب والمكتبات، حتى يستطيعوا مواجهة الأفكار المتطرفة والشاذة بالعلم والفكر الصحيح، وحتى لا يتكئ الخطيب على الورقة المكتوبة وحدها، مما سيؤدي بعد فترة ليست كبيرة إلى تسطيح فكره وعدم قدرته على مناقشة الأفكار المنحرفة والجماعات الضالة التي تتخذ الدين ستارا لها، وتستخدم من بين أساليبها تحريف بعض آيات القُرآن الكريم والأحاديث النبوية عن مواضعها، والتلبيس بها على أفهام عوام المسلمين.
وتابعت بقولها: «مما قد يُصعب على الإمام مُناقشة هذه الأفكار وتفنيدها والرد عليها وتحذير الناس منها، وهو الأمر الذي يوجب مزيدا من التدريب للخطيب والداعية وإصقاله بمهارات البحث العلمي والدعوة والابتكار، حتى يستطيع الحديث بما يُناسب بيئته والتغيرات المتطورة كل يوم، وحتى يجتمع الناس من حوله منصتين إليه».
وسبق للدولة المصرية أن وحدت عنوان خطبة الجمعة في المساجد، وتركت مساحة للأئمة ليتحدثوا فيما يريدون، بشرط عدم الخروج عن مضمون الخطبة، بهدف ضبط المنابر التي شهدت انفلاتا عقب عزل جماعة الإخوان الإرهابية عن السلطة عام 2013.
وقدرت هيئة كبار العلماء أمس الدور الذي يقوم به الأزهر في العمل على تعميق الثقافة الفكرية الإسلامية لدى وعاظه، وذلك بعقد دورات دورية مستمرة ومكثفة في جميع المجالات الشرعية، وإمداد الوعاظ بمجموعات كبيرة من الكتب التي تعمق ثقافتهم وتوسع مداركهم.
كما قدرت الهيئة الدور الذي يقوم به مركز الرصد العالمي بالأزهر، ووافقت على تبعيته العلمية لهيئة كبار العلماء، وذلك دعما له وتفعيلا لدوره في رصد وتفنيد كل ما يتعلق بالأفكار المغلوطة والفتاوى الشاذة بكل اللغات الحية في العالم، وإعداد ردود شرعية مناسبة لها باللغات التي كتبت ونشرت بها تلك الأفكار.
من جانبه، يؤكد وزير الأوقاف محمد مختار جمعة، أن «هدفه من الخطبة المكتوبة صياغة الفكر المستنير بصورة علمية ومنهجية». وسبق أن طبق الوزير المصري الخطبة المكتوبة على نفسه، وحصل على دعم من اللجنة الدينية في البرلمان المصري بتأييد الخطبة المكتوبة، وضرورة تعميمها على المساجد.
ويشار إلى أن أغلب مساجد مصر يحاضر فيها علماء من جامعة الأزهر ووعاظ مجمع البحوث الإسلامية وكبار العلماء، وسبق أن وضعت سلطات البلاد شروطا وإجراءات عقابية على المساجد تصل لحد السجن والغرامة لكل من يصعد للمنابر من غير الأزهريين، لكن مراقبين قالوا إن «عدم وجود رقيب أتاح الفرصة لأي شخص يخطب ويمنح دروسا قد تكون يومية خاصة في مساجد الأحياء والزوايا المنتشرة في العاصمة ومحافظات مصر»، لافتين إلى أن «هذا الأمر جعل هذه الدروس أبوابا خلفية لنشر الفكر المتشدد في المجتمع».
مصادر مسؤولة في الأوقاف، أكدت أن «رفض هيئة كبار العلماء وضع وزارة الأوقاف والحكومة والبرلمان في مأزق كبير جدا». ورغم تلميحات وزير الأوقاف في تصريحات سابقة له بأن «الوزارة تنوي عمل استثناءات لبعض الأئمة وكبار العلماء بالأزهر الذين لن تلزمهم بالخطبة الورقية»، لكن هيئة كبار العلماء قضت بذلك على الخطبة المكتوبة.
وشهدت أروقة وزارة الأوقاف أمس، حالة من الارتباك بعد قرار «هيئة كبار العلماء بالأزهر». المصادر المسؤولة أكدت أن «الوزارة كانت عازمة على تطبيق قرار (الخطبة المكتوبة) الجمعة المقبل على جميع المساجد في مصر»، لافتة إلى أن «الوزارة الآن تجري اتصالات مع الأئمة الرسميين لاحتواء غضبهم، بعد إصرارها خلال الفترة الماضية على ضرورة التزام الدعاة بـ(الخطبة المكتوبة) دون اقتناع منهم بالأمر»، وتوعدت وقتها بإحالة المخالفين لعدم إلقاء الخطبة من الورقة للتحقيق والنقل خارج محافظته التي يعمل بها.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».