اختصرت القمة العربية، أمس، بقصر المؤتمرات في العاصمة الموريتانية نواكشوط، دورتها السابعة والعشرون ليوم واحد، وذلك بحضور عدد من القادة العرب، فيما غاب 14 قائدا عربيا.
وترأس جلسة افتتاح القمة، التي أطلق عليها «قمة الأمل»، الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز، وذلك بحضور قادة الدول العربية وممثليهم ورئيس الاتحاد الأفريقي، والأمين العام لجامعة الدول العربية، والأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي، والأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، وممثل الأمين العام للأمم المتحدة، وعدد من ممثلي الهيئات الدولية والشخصيات المدعوة.
وتسلمت موريتانيا خلال هذه الجلسة الافتتاحية الرئاسة الدورية من مصر، رئيسة الدورة الـ26، وبدأت القمة بتلاوة رئيس مجلس الوزراء المصري شريف إسماعيل كلمة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الذي أعرب عن أمله في أن تتوصل هذه القمة إلى كل ما يخدم المصالح العليا للأمة العربية، معبرا عن «تقدير ومودة أبناء الشعب المصري الأبي العظيم لانتمائه للأمة العربية التي بذل كل غال ونفيس من أجل تحقيق استقلالها وازدهارها، وتقرير مصيرها إيمانا منه بوحدة المصير المشترك».
كما أعرب الرئيس المصري عن الشكر لموريتانيا وقيادتها على حسن تنظيم القمة والجهود، التي بذلت لعقدها في أحسن الظروف، موضحا أن مصر عملت خلال رئاستها على تعزيز العمل العربي المشترك ترجمة لتطلعات الأجيال الصاعدة في الأمة العربية نحو تحقيق مستقبل مشرق طال انتظاره، كما عملت على توظيف علاقاتها على الساحة الدولية لهذا الغرض.
وأكد السيسي في كلمته للقمة العربية أن قوة الدول العربية في وحدتهم، وتعهد بأن مصر لن تدخر جهدا لتحقيق التضامن وتعزيز العمل العربي المشترك، وأعرب الرئيس عبد الفتاح السيسي في كلمته عن تقدير الشعب المصري الذي يشكل الانتماء العربي له أحد أهم مكونات هويته التاريخية والثقافية، الذي بذل الجهد الكبير من أجل دعم الأمة العربية وقضاياها في مختلف المحافل.
كما قدم الرئيس السيسي الشكر لنبيل العربي، الأمين العام السابق للجامعة العربية، على ما قدمه من عطاء خلال فترة ولايته وتهنئة الأمين العام الجديد أحمد أبو الغيط على الثقة الكبيرة من الدول الأعضاء، تقديرا لتجربته الدبلوماسية التي ستكون خير عون له في القيام بمهامه الجديدة.
وأضاف السيسي أن الدول العربية «مطالبة باستشراف مسارات المستقبل، ورصد ما نملكه من مقومات النجاح لتحقيق الرفاهية لبلادنا، وعلينا تهيئة البيئة المناسبة لبناء المستقبل، والتوصل إلى تسويات سياسية لأزماتنا، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية التي تواصل بشأنها مصر جهودها»، مضيفا أنه يتعين تسوية الأوضاع في سوريا وليبيا من خلال حلول سياسية تحفظ دماء الشعبين وتحفظ كيان الدولتين، مؤكدا القول إن «قوتنا في وحدتنا».
من جانبه، رحب الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز ترحيبا حارا بضيوف بلاده، وعبر عن اعتزاز موريتانيا شعبا وحكومة باستقبال الضيوف في بلدهم الثاني، وثمن عاليا حضور القادة العرب، موجها الشكر للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي للجهود «الطيبة» التي بذلها طيلة الرئاسة المصرية للدورة السابقة لهذه القمة، «التي كان لها الأثر الكبير في الدفع قدما بالعمل العربي المشترك».
وحيا عبد العزيز حضور إدريس دبي إتنو، رئيس جمهورية تشاد الرئيس الدوري للاتحاد الأفريقي، «ما يعبر عن عمق العلاقات التي تربط وطننا العربي بالقارة الأفريقية»، ووجه الشكر للدكتور نبيل العربي، الأمين العام السابق لجامعة الدول العربية، «على العمل الجبار الذي تم إنجازه خلال توليه منصبه، كما رحب بالأمين العام الجديد أحمد أبو الغيط، متمنيا له التوفيق والنجاح في مهامه الجديدة. كما أشاد بالدور الإيجابي لجامعة الدول العربية التي تأسست قبل 70 عاما كمنظمة إقليمية تعني بالدفاع عن المصالح الحيوية للأمة العربية، وتنسيق العمل العربي المشترك، والنهوض بدور إيجابي على الساحة الدولية خدمة للسلم والأمن الدوليين. وقال إن العرب حققوا نجاحات مهمة في مجالات عدة، من بينها العمل على تصفية الاستعمار في الوطن العربي، وتشجيع التضامن والتعاون البيئي وتوحيد مواقف الدول العربية حول القضايا الدولية، مشيرا إلى أن الفضل في هذه الحصيلة الإيجابية يرجع إلى تفاني الزعماء العرب منذ تأسيس الجامعة إلى اليوم في خدمة المشروع المشترك، وتشبثهم الدائم بروح الوفاق والإجماع، خاصة حول قضايا الأمة المصيرية.
وحول الإشكاليات التي تواجهها الدول العربية، قال عبد العزيز: «إننا نواجه اليوم تحديات كبيرة وعلى رأسها إيجاد حل عادل ودائم لقضية العرب المركزية، وهي القضية الفلسطينية، والتصدي لظاهرة الإرهاب، وإخماد بؤر التوتر والنزاعات التي تذكيها التدخلات الأجنبية في الشؤون الداخلية للدول العربية، كما يشكل تحقيق تنمية مستدامة ومندمجة على الصعيد العربي رهانا حقيقيا لتستعيد أمتنا المكانة الرائدة التي تبوأتها بين الأمم خلال الحقبة الذهبية من تاريخها»، وهو ما «أدى إلى اعتقاد البعض أن القضية الفلسطينية تراجعت في أولويات العرب بفعل الأزمات المتجددة، وهو ما شجع الحكومة الإسرائيلية على التمادي في سياسة الاستيطان»، مشددا على أن القضية الفلسطينية ستظل قضية العرب الأولى وكل أحرار العالم حتى يتم إيجاد حل عادل ودائم لها قائم على القرارات الدولية ذات الصلة وعلى مقترحات المبادرة العربية، التي تمثل أساسا للوصول إلى الحل، حتى تنعم المنطقة أخيرا بالسلم والأمن والاستقرار.
وفي هذا السياق دعا الرئيس عبد العزيز إلى استئناف المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين بضمانات دولية ملزمة، وآجال معلومة وتجميد الاستيطان، وإيقاف مسلسل العنف ضد الفلسطينيين، ورفع الحصار الإسرائيلي الظالم عنهم، وإعادة إعمار ما دمره العدوان.
وبخصوص آفة الإرهاب التي تضرب أكثر من بلد، قال الرئيس الموريتاني إن الإرهاب يعد أكبر التحديات التي تواجه الإنسانية اليوم، داعيا إلى مواجهة المجموعات الإرهابية بقوة وحزم، والتصدي لخطاب الكراهية والتطرف الذي يتستر بالإسلام، وطالب بوضع استراتيجية جماعية عربية متعددة الأبعاد لمواجهة الإرهاب.
أما بخصوص الأزمة السورية فقد دعا عبد العزيز إلى توافق سياسي بين جميع الفرقاء يقوم على الحفاظ على وحدة سوريا، معربا في السياق ذاته عن أمله في أن تفضي مفاوضات اليمن التي ترعاها الكويت إلى توافق سياسي يحافظ على الدولة اليمنية الموحدة، كما طالب بدعم جهود الأشقاء في ليبيا الهادفة إلى إيجاد توافق شامل يحافظ على وحدة التراب الليبي.
من جانبه، حدد الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط أولويات المرحلة في ثماني نقاط، أبرزها تطوير أداء الجامعة وتحقيق التعامل بمفهومه الواسع، واستعادة روح المبادرة وحصار الإرهاب، وقال إنه يسعى إلى توظيف كل قدراته وإمكانياته لإعلاء دور الجامعة قولا وفعلا، وتوسيع نشاطها وفقا لتطلعات الشعوب العربية.
واعترف أبو الغيط بأنه يدرك ثقل المسؤولية الملقاة على عاتقه، وحجم التحديات الماثلة أمام الجامعة في الظرف العربي الراهن، مبرزا أن وضع الجامعة الحالي يحتاج بشكل عاجل إلى التجديد والتطوير والتمويل اللازم لمواكبة المتغيرات الكاسحة التي تشهدها المنطقة، ولإحداث التغيير المطلوب بما يجعل الجامعة قادرة على الإسهام في صيانة الأوطان العربية واستقلالها وسيادتها، مبرزا أن ضرورة تكثيف العمل العربي لتصويب الأوضاع واستعادة المبادرة والفعل في الإطار العربي، المطلوبة والمنشودة.
ومن جهته، قال أمير دولة الكويت الشيخ صباح الأحمد إن أعمال الدورة تنعقد والعالم العربي «يشهد استمرارا لظروف دقيقة وأحداثا خطيرة وتطورات متسارعة قوضت استقرار منطقتنا، وبددت الوقت والجهد على حساب تنمية أوطاننا وتحقيق تطلعات شعوبنا، وأضافت أبعادا جديدة وخطيرة للتحديات التي يواجهها عملنا العربي المشترك».
وحول الوضع في سوريا أوضح الشيخ صباح الأحمد بأنه يزداد خطورة، ويتضاعف معه الدمار والقتل والتشريد والمعاناة الإنسانية للأشقاء رغم جهود المجتمع الدولي المتواصلة، التي كان لبلاده الكويت شرف استضافة ثلاثة مؤتمرات دولية ومشاركة في رئاسة المؤتمر الرابع لدعم الوضع الإنساني في سوريا.
وانتقد الشيخ صباح الأحمد المجتمع الدولي الذي لا يزال يقف متفرجا على تعاظم المعاناة الإنسانية التي يعيشها الشعب السوري، دون أن يتمكن من الوصول إلى ملامح حل سياسي يضع حدا لهذه المعاناة، ويبعث الأمل في نفوس أبناء الشعب السوري، ويسهم في تخليص العالم من تداعيات وشرور أعمال إرهابية هددت استقرار العالم وضاعفت من ضحاياه.
كما أبدى أمير دولة الكويت قلقه من الوضع في العراق وليبيا والصومال والسودان، باعتبار هذه الدول مبعث تهديد للأمن والاستقرار، كما أشار إلى عزم دولة الكويت استضافة وتنظيم مؤتمر دولي لدعم التعليم في الصومال، قائلا: «لنسهم معهم في توفير التعليم الذي يحقق لهم الاستقرار والتنمية المنشودة».
وحول مسيرة السلام في الشرق الأوسط، اتهم الشيخ صباح الأحمد إسرائيل بالتعنت والصلف، واعتبرهما عقبة أمام تحقيق السلام الدائم والشامل المنشود وفق قرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية، وأشاد بجهود فرنسا التي استضافت مؤخرا مؤتمرا دوليا حول مسيرة السلام في الشرق الأوسط، واعتبرها مبادرة تحقيق انطلاقة جديدة لمسيرة السلام، وتقود إلى حل لهذه القضية، وأشار إلى استضافة الكويت لمؤتمر دولي حول معاناة الطفل الفلسطيني، لتسليط الضوء من خلاله للعالم أجمع مدى الانتهاك الذي تمارسه إسرائيل للاتفاقيات والأعراف الدولية الخاصة بحقوق الطفل.
وحول العلاقة مع إيران قال الشيخ صباح الأحمد إن نجاح أي حوار بنَّاء يتطلب توفير الظروف الملائمة له، وذلك عبر احترام إيران لقواعد وأعراف القانون الدولي المتعلقة بحسن الجوار واحترام سيادة الدول، وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، كما دعا إلى مكافحة الإرهاب بكل الجهد لمواجهة شروره ومخاطره، معترفا بأن العالم العربي يدرك شراسة المواجهة، التي تتطلب تضافر جهود المجتمع الدولي لردع مخططات التنظيمات الإرهابية وعملها الإجرامي، وأضاف قائلا: «نحن ندرك أن المواجهة شاملة بكل الأبعاد التعليمية والتربوية والثقافية والدينية وهي مسؤولية تتحملها دولنا كجزء من المجتمع الدولي بأجهزتها الرسمية والشعبية».
القمة العربية تختصر أعمالها ليوم واحد.. وغياب 14 قائدًا عربيًا
الشيخ صباح الأحمد: على إيران احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية
القمة العربية تختصر أعمالها ليوم واحد.. وغياب 14 قائدًا عربيًا
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة