دليلك لأقدم 10 مدن في العالم

لمحبي التاريخ والغوص في طياته

جبيل مدينة الجمال - صيدا التي تحكي التاريخ - دمشق الشامخة
جبيل مدينة الجمال - صيدا التي تحكي التاريخ - دمشق الشامخة
TT

دليلك لأقدم 10 مدن في العالم

جبيل مدينة الجمال - صيدا التي تحكي التاريخ - دمشق الشامخة
جبيل مدينة الجمال - صيدا التي تحكي التاريخ - دمشق الشامخة

تتميز المدن القديمة على مستوى العالم بطابع جمالي مميز لا تخطئه العين، يتجلى في أسواقها المزدحمة تحت السماء الزرقاء الصافية، والملابس المزدانة بالتطريز والألوان الزاهية، المصنوعة من القطن الأبيض، والمباني الحجرية التي كستها أشعة الشمس باللون الأصفر.
ومع ذلك، لم يخل تاريخ هذه المدن الطويل من فترات اضطرابات وقلاقل، والمثير للأسف أن بعض هذه المدن لا يزال من المتعذر العيش بها حتى هذه اللحظة، جراء ما سببته لها مثل هذه الفترات العصيبة. على سبيل المثال، نجد أن مدينة حلب السورية التي ربما تشكل أقدم مدن العالم المسكونة، ترزح حاليًا تحت وطأة حرب أهلية مدمرة، الأمر الذي ينطبق كذلك على دمشق.
بيد أن ذلك لا يعني أن هذه المدن الرائعة قد ضاعت إلى الأبد، فلا تزال بعض أقدم مدن العالم مزدهرة بالحياة، مثلما الحال مع مدينة بلوفديف في بلغاريا، والتي نجحت في التأقلم مع الحياة الحديثة، مع الاحتفاظ بجمالها الذي ورثته من عصور غابرة.
وفيما يلي سنستعرض مجموعتين من المدن: تلك المزدهرة، والأخرى التي لا تزال تقاتل.

10. بيروت، لبنان - 3000 قبل الميلاد:
تعرضت بيروت، التي غالبًا ما يجري تشبيهها بطائر الفينيق «الفينكس» الخرافي، للتدمير وإعادة البناء 7 مرات. وورد ذكرها في خطابات مرسلة إلى حاكم مصر الفرعون، يعود عمرها إلى القرن الـ14 قبل الميلاد. وقد عثر علماء الآثار على أدوات تعود للعصر الحجري، مرورًا بالعصر الحجري الحديث، وصولاً إلى العصر البرونزي.
أبرز المواقع: المتحف الوطني ببيروت، وهو أبرز مؤسسة ثقافية بالبلاد تسلط الضوء على تاريخ لبنان. ويضم قطعا أثرية تعود إلى العصرين البرونزي والحديدي، وكذلك الحقب الهيلينسية والرومانية والبيزنطية والمملوكية.

9. عنتاب، تركيا - 3650 قبل الميلاد:
مثلما الحال مع كثير من أقدم مدن العالم، مرت عنتاب عبر كثير من الحقب المختلفة على امتداد تاريخها الطويل على نحو استثنائي، بما في ذلك حقب بيزنطية وصليبية وعثمانية.
تقع المدينة جنوب تركيا، قرب الحدود السورية، وتعد اليوم واحدة من المدن الرائدة بمجال إنتاج السجاد المصنع آليًا، حيث صدرت عام 2006 فقط سجادا بقيمة 700 مليون دولار.
أبرز المواقع: متحف عنتاب زوغما للفسيفساء، ويعد أكبر متحف للفسيفساء بالعالم، ويضم 1700 متر مربع من الفسيفساء، يعود كثير منها إلى موقع بيلكيس زوغما الروماني، قبل أن يغرق سد البيرة كثيرا من أرجاء الموقع إلى الأبد.

8. بلوفديف، بلغاريا - 4000 قبل الميلاد:
تعد ثاني أكبر مدينة في بلغاريا، ولطالما نافست العاصمة صوفيا. تعد في الأصل مستوطنة للتراقيين، ثم أصبحت في وقت لاحق مدينة رومانية كبرى، قبل أن تسقط بأيدي البيزنطيين والعثمانيين.
اليوم، تعد مدينة متنوعة عرقيًا ودينيًا، حيث تضم كنائس ومساجد ومعابد يهودية، بجانب كنيسة أرمينية وكاتدرائية قوطية. كما تتميز المدينة بالتسامح وحياتها الثقافية النشطة.
أبرز المواقع: مسرح بلوفديف الروماني، جرى بناؤه في عهد الإمبراطور تراجان. ولم يكشف النقاب عن المسرح في العصور الحديثة بعد حدوث هبوط أرضي عام 1972. وقد جرى ترميم المسرح ويجري تنظيم فعاليات وحفلات مميزة به.

7. صيدا، لبنان - 4000 قبل الميلاد:
خلال المسيحية، أدى يسوع أولى معجزاته بتحويل الماء إلى خمر في صيدا. تقع المدينة على ساحل البحر المتوسط، على بعد 40 كيلومترًا (25 ميلاً) عن بيروت. وتتألف المدينة القديمة داخل صيدا من مجموعة متداخلة من الشوارع الضيقة والممرات ذات الأسقف المقوسة، وعدد من المساجد يعود عمرها إلى الحقبة الأموية.
ويقال إن القديس بولس زار صيدا ذات مرة، وكذلك الإسكندر الأكبر الذي غزا المدينة العظيمة.
أبرز المواقع: قلعة صيدا البحرية، التي بناها الصليبيون، وتقع على جزيرة صغيرة تتصل بالبر عبر ممر حجري. وقد دمر المماليك القلعة لمنع الصليبيين من العودة إلى المنطقة، ثم رممها لاحقًا فخر الدين.

6. الفيوم، مصر - 4000 قبل الميلاد:
تقع على بعد 100 كيلومتر (62 ميلاً) جنوب غربي القاهرة، وتشغل الفيوم جزءا مما كان يعرف باسم كروكوديلوبوليس، وهي مدينة كان تجري بها عبادة تمساح مقدس يدعى سوبيك. وقد عاش سوبيك في بحيرة صغيرة داخل معبد خاص، وكان يطعمه الكهنة. وعندما توفي سوبيك، جرى حل تمساح آخر محله.
اليوم، تضم الفيوم أسواقًا واسعة ومساجد وحمامات عمومية قرب بحيرة قارون، وهي منطقة شهيرة يرتادها المصريون لقضاء العطلات.
أبرز المواقع: وادي الريان، وهو منخفض طبيعي بالصحراء الغربية في مصر، يضم بحيرتين، تربط إحداهما بالأخرى الشلالات الوحيدة الموجودة في مصر. وقد جرى إعلان وادي الريان محمية طبيعية عام 1989 للحفاظ على الموارد البيولوجية والجيولوجية والثقافية بالمدينة.

5. شوش، إيران - 4200 قبل الميلاد:
تجري أحداث مسرحية «الفرس» في شوش، وهي مسرحية من تأليف إسخيلوس، وتعتبر أقدم مسرحية باقية على قيد الحياة في تاريخ المسرح.
وقد ذكرت شوش بالاسم شوشان في التوراة العبرية، تحديدًا في كتاب إستير، ولكن كذلك في نحميا ودانيال. ويقال إن نحميا ودانيال عاشا في شوش، وأن إستير أصبحت ملكة هناك، وأنقذت اليهود من الإبادة الجماعية. ومنذ ذلك الحين جرى تغيير اسم المدينة إلى شوش.
أبرز المواقع: قلعة شوش، التي شيدت تحت إشراف عالم الآثار الفرنسي جان ماري جاك دي مورغان، في أواخر العقد الأخير من القرن الـ19. والقلعة مفتوحة حاليًا أمام الجمهور بوصفها متحفًا. وقد تعرضت لأضرار بالغة أثناء حرب إيران والعراق في ثمانينات القرن الماضي، لكن جرى ترميمها من قبل الحكومة الإيرانية لاحقًا.

4. دمشق، سوريا - 4300 قبل الميلاد:
يعتبرها البعض أقدم مدن العالم المأهولة بالسكان، وربما يعود تاريخ استقرار الإنسان بها إلى 10000 قبل الميلاد، وإن كان هذا الأمر محط جدال. وتعد واحدة من مدن العالم القديمة العظيمة، وقد غزاها الإسكندر الأكبر وحكمها الرومان والعرب والعثمانيون.
وتحولت المدينة لمستوطنة مهمة بعد وصول الآراميين، وهم شعب من الساميين، من بلاد الرافدين، أنشأوا شبكة من القنوات لا تزال تستخدم حتى الآن.
أبرز المواقع: المسجد الأموي، ويعد أكبر مقصد سياحي بالمدينة، ويقال إنه في الأصل منزل يوحنا المعمدان. كما يضم المسجد ضريح صلاح الدين، ويعتقد المسلمون أنه المكان الذي سيعود إليه المسيح في نهاية الزمان.

3. حلب، سوريا - 4300 قبل الميلاد:
تقع على مفترق كثير من الطرق التجارية القديمة، وتعاقب على حكمها الحيثيون والآشوريون والعرب والمنغول والمماليك والعثمانيون.
تعصف بها حاليًا الحرب الأهلية، وقد عانت المدينة مرارًا على امتداد تاريخها الطويل. وعادة ما تجري الإشارة إلى الزلزال الذي ضربها عام 1138 باعتباره أسوأ ثالث زلزال في التاريخ، بعد الزلزالين اللذين ضربا شينسي وتانغشان بالصين. وجاء الزلزال نتيجة وقوعها على الجزء الشمالي من منظومة فالق البحر الميت، على حدود صفائح بشبه الجزيرة العربية وأفريقيا.
أبرز المواقع: قلعة حلب، وقد بنيت في القرن الـ13. وتطل على المدينة القديمة في حلب وتخضع للحماية بموجب تصنيفها ضمن مناطق التراث الإنساني من قبل منظمة اليونيسكو. المؤسف أن القلعة تعرضت للتدمير العام الماضي بسبب تفجيرات. وأشارت «بي بي سي» إلى أن القتال الدائر على الأرض والضربات الجوية الحكومية دمرا أكثر من 60 في المائة من المدينة القديمة.

2. جبيل، لبنان - 5000 قبل الميلاد:
أطلق عليها اليونانيون اسم «بيبلوس»، وكانوا يستوردون منها ورق البردي. وتعتبر موطن الأبجدية الفينيقية، وهي أول أبجدية استخدمت على نطاق واسع بالعالم.
تقع على بعد 40 كيلومترًا (25 ميلاً) شمال بيروت، وسكنها الإنسان باستمرار منذ العصر الحجري الحديث. اليوم، تزداد شعبيتها بوصفها مزارًا سياحيًا وثقافيًا، وتعرض مزيجًا من المواقع الأثرية والشواطئ والجبال الرائعة.
أبرز المواقع: قلعة جبيل، التي بناها الصليبيون في القرن الـ12، ودمرها صلاح الدين عام 1190. ثم أعيد بناؤها عام 1197 بعد استيلاء الصليبيين مجددًا على المدينة. تقع القلعة قرب عدد من المعابد المصرية ومسرح روماني، ما يعكس تاريخ المدينة المتنوع والثري.

1. أريحا، الأراضي الفلسطينية - 9000 قبل الميلاد:
تبدو متلألئة من بعيد على ضفاف نهر الأردن. وربما تمثل أريحا أقدم مدن العالم. وقد كشف علماء الآثار بداخلها عن بقايا 20 مستوطنة متعاقبة، يعود عمرها إلى 11000 سنة ماضية، وإن كانت المدينة تعرضت للهجر خلال فترات طويلة فيما بينها.
أبرز المواقع: دير القديس جورج الأرثوذكسي بوادي القلط، الذي بني في أواخر القرن الخامس بعد الميلاد، ويقع على منحدر بوادي القلط. وقد تعرض الدير للتدمير ثم إعادة البناء مرارًا على مر القرون، وهو مفتوح اليوم أمام الحجاج والزائرين.



سوق البحرين العتيقة... روح البلد وعنوان المقاهي القديمة والجلسات التراثية

سوق المنامة القديم (إنستغرام)
سوق المنامة القديم (إنستغرام)
TT

سوق البحرين العتيقة... روح البلد وعنوان المقاهي القديمة والجلسات التراثية

سوق المنامة القديم (إنستغرام)
سوق المنامة القديم (إنستغرام)

«إن أعدنا لك المقاهي القديمة، فمن يُعِد لك الرفاق؟» بهذه العبارة التي تحمل في طياتها حنيناً عميقاً لماضٍ تليد، استهل محمود النامليتي، مالك أحد أقدم المقاهي الشعبية في قلب سوق المنامة، حديثه عن شغف البحرينيين بتراثهم العريق وارتباطهم العاطفي بجذورهم.

فور دخولك بوابة البحرين، والتجول في أزقة السوق العتيقة، حيث تمتزج رائحة القهوة بنكهة الذكريات، تبدو حكايات الأجداد حاضرة في كل زاوية، ويتأكد لك أن الموروث الثقافي ليس مجرد معلم من بين المعالم القديمة، بل روح متجددة تتوارثها الأجيال على مدى عقود.

«مقهى النامليتي» يُعدُّ أيقونة تاريخية ومعلماً شعبياً يُجسّد أصالة البحرين، حيث يقع في قلب سوق المنامة القديمة، نابضاً بروح الماضي وعراقة المكان، مالكه، محمود النامليتي، يحرص على الوجود يومياً، مرحباً بالزبائن بابتسامة دافئة وأسلوب يفيض بكرم الضيافة البحرينية التي تُدهش الزوار بحفاوتها وتميّزها.

مجموعة من الزوار قدموا من دولة الكويت حرصوا على زيارة مقهى النامليتي في سوق المنامة القديمة (الشرق الأوسط)

يؤكد النامليتي في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن سوق المنامة القديمة، الذي يمتد عمره لأكثر من 150 عاماً، يُعد شاهداً حيّاً على تاريخ البحرين وإرثها العريق، حيث تحتضن أزقته العديد من المقاهي الشعبية التي تروي حكايات الأجيال وتُبقي على جذور الهوية البحرينية متأصلة، ويُدلل على أهمية هذا الإرث بالمقولة الشعبية «اللي ما له أول ما له تالي».

عندما سألناه عن المقهى وبداياته، ارتسمت على وجهه ابتسامة وأجاب قائلاً: «مقهى النامليتي تأسس قبل نحو 85 عاماً، وخلال تلك المسيرة أُغلق وأُعيد فتحه 3 مرات تقريباً».

محمود النامليتي مالك المقهى يوجد باستمرار للترحيب بالزبائن بكل بشاشة (الشرق الأوسط)

وأضاف: «في الستينات، كان المقهى مركزاً ثقافياً واجتماعياً، تُوزع فيه المناهج الدراسية القادمة من العراق، والكويت، ومصر، وكان يشكل ملتقى للسكان من مختلف مناطق البلاد، كما أتذكر كيف كان الزبائن يشترون جريدة واحدة فقط، ويتناوبون على قراءتها واحداً تلو الآخر، لم تكن هناك إمكانية لأن يشتري كل شخص جريدة خاصة به، فكانوا يتشاركونها».

وتضم سوق المنامة القديمة، التي تعد واحدة من أقدم الأسواق في الخليج عدة مقاه ومطاعم وأسواق مخصصة قديمة مثل: مثل سوق الطووايش، والبهارات، والحلويات، والأغنام، والطيور، واللحوم، والذهب، والفضة، والساعات وغيرها.

وبينما كان صوت كوكب الشرق أم كلثوم يصدح في أرجاء المكان، استرسل النامليتي بقوله: «الناس تأتي إلى هنا لترتاح، واحتساء استكانة شاي، أو لتجربة أكلات شعبية مثل البليلة والخبيصة وغيرها، الزوار الذين يأتون إلى البحرين غالباً لا يبحثون عن الأماكن الحديثة، فهي موجودة في كل مكان، بل يتوقون لاكتشاف الأماكن الشعبية، تلك التي تحمل روح البلد، مثل المقاهي القديمة، والمطاعم البسيطة، والجلسات التراثية، والمحلات التقليدية».

جانب من السوق القديم (الشرق الاوسط)

في الماضي، كانت المقاهي الشعبية - كما يروي محمود النامليتي - تشكل متنفساً رئيسياً لأهل الخليج والبحرين على وجه الخصوص، في زمن خالٍ من السينما والتلفزيون والإنترنت والهواتف المحمولة. وأضاف: «كانت تلك المقاهي مركزاً للقاء الشعراء والمثقفين والأدباء، حيث يملأون المكان بحواراتهم ونقاشاتهم حول مختلف القضايا الثقافية والاجتماعية».

عندما سألناه عن سر تمسكه بالمقهى العتيق، رغم اتجاه الكثيرين للتخلي عن مقاهي آبائهم لصالح محلات حديثة تواكب متطلبات العصر، أجاب بثقة: «تمسكنا بالمقهى هو حفاظ على ماضينا وماضي آبائنا وأجدادنا، ولإبراز هذه الجوانب للآخرين، الناس اليوم يشتاقون للمقاهي والمجالس القديمة، للسيارات الكلاسيكية، المباني التراثية، الأنتيك، وحتى الأشرطة القديمة، هذه الأشياء ليست مجرد ذكريات، بل هي هوية نحرص على إبقائها حية للأجيال المقبلة».

يحرص العديد من الزوار والدبلوماسيين على زيارة الأماكن التراثية والشعبية في البحرين (الشرق الأوسط)

اليوم، يشهد الإقبال على المقاهي الشعبية ازدياداً لافتاً من الشباب من الجنسين، كما يوضح محمود النامليتي، مشيراً إلى أن بعضهم يتخذ من هذه الأماكن العريقة موضوعاً لأبحاثهم الجامعية، مما يعكس اهتمامهم بالتراث وتوثيقه أكاديمياً.

وأضاف: «كما يحرص العديد من السفراء المعتمدين لدى المنامة على زيارة المقهى باستمرار، للتعرف عن قرب على تراث البحرين العريق وأسواقها الشعبية».