«داعش» يتبنى تفجير الكاظمية.. ومساع لتطويق مخاوف الفتنة الطائفية

الفارس: غياب المنظومة الأمنية وقصور الحكومة استخباراتيًا سمح للتنظيم بتجاوز الحدود

قوات أمن عراقية تطوق مكان تفجير الكاظمية بالعاصمة العراقية بغداد (أ.ب)
قوات أمن عراقية تطوق مكان تفجير الكاظمية بالعاصمة العراقية بغداد (أ.ب)
TT

«داعش» يتبنى تفجير الكاظمية.. ومساع لتطويق مخاوف الفتنة الطائفية

قوات أمن عراقية تطوق مكان تفجير الكاظمية بالعاصمة العراقية بغداد (أ.ب)
قوات أمن عراقية تطوق مكان تفجير الكاظمية بالعاصمة العراقية بغداد (أ.ب)

في وقت سارع فيه المجمع الفقهي العراقي (أعلى مرجعية سنية في العراق) إلى إدانة واستنكار التفجير الذي استهدف مدينة الكاظمية ذات الغالبية الشيعية، والذي أسفر عن قتل وجرح العشرات من المواطنين، عبرت نائبة عن ائتلاف دولة القانون عن الاستغراب من استمرار استهداف الكاظمية بالتفجيرات من قبل تنظيم داعش بينما لا يجري استهداف الأعظمية المجاورة لها. وقال المجمع الفقهي العراقي (ومقره في جامع أبي حنيفة النعمان بالأعظمية ذات الغالبية السنية) في بيان له عن عميق حزنه وأسفه لهذا الحادث الأليم. ودعا المجمع «الحكومة العراقية والأجهزة الأمنية المسؤولة عن كشف ملابسات هذا الحادث الإرهابي وتقديم الجناة إلى العدالة».
وكان تفجير بحزام ناسف استهدف ساحة عدن عند مدخل مدينة الكاظمية شمال بغداد أدى إلى مقتل وجرح نحو27 شخصا. وبعد أقل من ساعة على وقوعه تبنى تنظيم داعش هذا التفجير، في وقت تواصلت فيه بيانات الشجب والاستنكار من قبل كبار المسؤولين العراقيين. فقد طالب رئيس البرلمان سليم الجبوري في بيان له كل الأطراف السياسية إلى «الوقوف صفا واحدا أمام كل ما يهدد أمن واستقرار البلاد». وفي السياق نفسه، عبر تحالف القوى العراقية (الكتلة السنية في البرلمان العراقي) عن أسفه لاستمرار مثل هذه التفجيرات التي تستهدف المواطن العراقي. وقال عضو البرلمان العراقي فارس الفارس في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إن «هذه العمليات الإرهابية تأتي بالتأكيد بعد فشل تنظيم داعش الإرهابي في مواجهة القوات العراقية في ميادين القتال، حيث تمت هزيمته بالفلوجة والرمادي ومعظم مناطق الأنبار، والآن تجري المعارك على تخوم الموصل، وهو ما يعني النهاية الحتمية لهذا التنظيم على الأرض». وأضاف أن «البديل الذي يلجأ إليه هذا التنظيم حين يخسر المعارك في الميدان هو التوجه إلى الأهداف السهلة مثل الأسواق والمقاهي ومحلات التسوق والساحات العامة، الأمر الذي يؤدي إلى إيقاع أكبر عدد ممكن من المواطنين الأبرياء». وردا على ما يشاع باستهداف «داعش» مناطق معينة دون غيرها وذات أغلبية شيعية، يقول الفارس إن «الهدف الحقيقي لتنظيم داعش إحداث الفتنة بين فئات الشعب العراقي، لأنه من الناحية العملية لا يفرق بين السنة والشيعة، ففي المحافظات الغربية التي احتلها قتل الآلاف من السنة وهجر الملايين منهم»، مبينا أن «الخلل يكمن في عدم وجود منظومة أمنية حقيقية تستطيع التعامل مع هذا العدو وخططه بطريقة استخبارية وتضع حدا لجرائمه». وكانت عضو البرلمان العراقي عن «دولة القانون» عواطف نعمة، أبدت استغرابها لقيام تنظيم داعش باستهداف المناطق ذات الكثافة الشيعية دون المناطق السنية. ووصفت نعمة التفجير الذي استهدف الكاظمية بأنه «يأتي ضمن الإبادة الجماعية التي يتعرض لها شيعة العراق، بدليل استهداف الكاظمية فقط دون المساس بالأعظمية القريبة منها أو مناطق بقية المكونات». وأضافت نعمة أن «الشيعة يتعرضون لإبادة جماعية أمام أنظار أصحاب القرار الذين عجزوا عن توفير الأمن لشعبهم، وباتت وظيفتهم لا تتعدى إصدار بيانات الاستنكار والتنديد»، مشيرة إلى أن «اللجان التي شكلت للتحقيق في التفجيرات الإرهابية كعادتها لم تتمخض عن أي نتائج، كما هي الحال في التحقيق بمجزرة الكرادة، وبالتالي تضيع دماء الشهداء ويفلت القاتل من العقاب».
في السياق نفسه، أكد مسؤول أمني رفيع المستوى لـ«الشرق الأوسط» طالبا عدم ذكر اسمه أن «هناك خللا في منظومة الأمن الوطني التي لم تستطع القيام بواجبها لأسباب مختلفة يتعلق بعضها بتداخل المهام بينها وبين الداخلية والدفاع والاستخبارات، فضلا عن الترهل الوظيفي، وعدم جلب أصحاب الخبرة والكفاءة، مما جعل هذه الأجهزة بمثابة عبء بدلا من القيام بحماية المواطن». وأشار إلى أن «تداخل مثل هذه المهام واتباع أسلوب المحاصصة في بنائها وتضخمها بشكل غير سليم أدى إلى فقدان البوصلة تماما، لا سيما على صعيد المعلومة الاستخبارية التي تضيع في الطريق في كثير من الأحيان رغم ورودها من مصادر مختلفة، لكن المشكلة تكمن في عدم التعاطي معها في اللحظة المناسبة» مبينا أنه «ما لم تتم معالجة مثل هذه الثغرات، فإن القادم قد يكون أسوأ».
إلى ذلك، أعلن قائد عمليات بغداد اللواء الركن جليل الربيعي، الاستمرار بمشروع السور الأمني حول العاصمة بغداد. وقال إن «بناء هذا السور الذي يحيط بالعاصمة لا يتقاطع في الصلاحيات مع وزارة الداخلية». وشدد على «الحاجة لتفعيل دور المواطن مع القوات الأمنية في الإدلاء بالمعلومات، وهذا ما نركز عليه من أجل جعل العاصمة أكثر أمانًا». وأكد الربيعي أن «الجهود كبيرة لحفظ الأمن في العاصمة، ولكن نحتاج إلى وقت لتحقيقها». وكانت قيادة عمليات بغداد أعلنت في 1 فبراير (شباط) الماضي مباشرتها، بتنفيذ سور أمني يحيط بالعاصمة من جميع الجهات بهدف منع تسلل العناصر المشبوهة والإرهابيين إلى داخلها، مؤكدة أن «المشروع يسهم برفع السيطرات داخل بغداد وفتح الطرق المغلقة». وأثار هذا السور اعتراض بعض القوى السياسية وعدته محاولة لفصل العاصمة عن بعض المحافظات والمناطق الغربية، ونفى مكتب رئيس الوزراء حيدر العبادي، أن يكون السور لعزل بغداد عن محافظات أخرى أو منع المواطنين من الدخول إليها، مؤكدا أنه «يهدف إلى إعادة تنظيم السيطرات وغلق جميع الثغرات، لتسهيل دخول وخروج المواطنين الآمنين من وإلى بغداد».
من جانبها، أوضحت اللجنة الأمنية في مجلس محافظة بغداد، أن السور سيكون إلكترونيا يتضمن 18 بوابة تفتيش إلكترونية نظامية، وسيمنع عبور أي سيارة إلى بغداد دون المرور بهذه البوابات». ونفت قيادة عمليات بغداد أن يكون السور كله من «كتل كونكريتية وفوقها أسلاك شائكة».



اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.