بينما يشكل دور موسكو في الشأن السوري موضوعًا رئيسيًا تتناوله وسائل الإعلام العربية والعالمية في مرورها على الشأن الروسي، فإن وسائل الإعلام الروسية، وإن كانت تفرد مساحات واسعة للملف السوري وعملية روسيا العسكرية هناك، فإنها تولي في الآونة الأخيرة اهتمامًا أكبر بالعلاقات بين روسيا والولايات المتحدة، إن كانت العلاقات المباشرة بينهما أو غير المباشرة عبر علاقة موسكو بحلف الناتو. ويعود هذا الاهتمام إلى التوتر غير المسبوق بين روسيا والغرب بشكل عام، على خلفية تحركات للناتو مدعومة أميركيًا، تقول روسيا إنها تشكل تهديدًا مباشرًا لأمنها، وتلوح بأنها سترد بالشكل المناسب على ما ترى فيه سياسة عدائية من جانب الناتو.
ومع انطلاق قمة الناتو في وارسو مطلع الشهر الحالي زاد اهتمام الإعلام الروسي بالتحركات العسكرية للحلف ونيته نشر قوات إضافية في جمهوريات البلطيق مع ما يشكله هذا من تهديد لروسيا. صحيفة «كوميرسانت» حرصت على تذكير القراء بالخلفية التاريخية للتوتر بين الجانبين. وأشارت إلى أنه «بعد سقوط الاتحاد السوفياتي تحولت 12 دولة كانت ضمن حلف وارسو إلى أعضاء في حلف الناتو»، لافتة إلى أن «الحلف قد توسع منذ عام 1991 بنسبة 33.2 في المائة»، بينما «ينفق الحلف على المجال الدفاعي أكثر بـ13 مرة مما تنفقه روسيا في هذا المجال»، وتضيف الصحيفة موضحة أن «الميزانية العسكرية لحلف الناتو عام 2015 بلغت 870.7 مليار دولار أميركي؛ 253.2 مليار دولار منها نفقات الدول الأوروبية، و617.5 مليار نفقات عسكرية أميركية وكندية. ويزيد عدد أفراد قوات الناتو بأربع مرات عن عدد الأفراد في الجيش الروسي». أما روسيا فإن إنفاقها العسكري لا يزيد عن 66.4 مليار دولار، ورغم هذا حسب «كوميرسانت» فإن «الأمين العام لحلف الناتو ينس ستولتنبيرغ قد أعلن عن زيادة ميزانية الناتو بقدر 1.5 في المائة. وتتابع صحيفة «كوميرسانت»، فتقول إن «الولايات المتحدة وبغض النظر عن الأحداث العالمية، ما زالت منذ بداية الألفين تنظر إلى القوة العسكرية الروسية على أنها مصدر تهديد، هذا بينما لا تعارض الغالبية من مواطني الدول أعضاء الناتو الدخول في حرب مع روسيا بحال اعتدت على الجوار. في الوقت الذي تكونت فيه لدى المواطنين الروس نظرة مستقرة سلبية نحو الناتو والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وألمانيا»، حسب صحيفة «كوميرسانت» الروسية. من جانبها لفتت صحيفة «آر بي كا» الروسية إلى أن الرئيس الأميركي باراك أوباما قد تعهد للدول الأوروبية الأعضاء في الحلف بتقديم المساعدة لهم «في الأوقات الجيدة والسيئة»، وأضافت إنه تعهد خلال آخر مشاركة له بصفته رئيسا في قمة الحلف بضمان أمن أوروبا.
ولم تكتف «آر بي كا» بتناول تصريحات أوباما، بل أشارت إلى ما قاله أمين عام الحلف ينس ستولتنبيرغ بشأن نشر قواعد الدرع الصاروخية في أوروبا، لتنتقل بعد ذلك وتعرض وجهة نظر الرئيس السوفياتي الأول والأخير ميخائيل غورباتشوف (قبل غورباتشوف لم يكن هناك منصب رئاسة بل منصب أمين عام اللجنة المركزية للحزب وهو زعيم البلاد) بخصوص ممارسات الناتو، في اهتمام واضح من جانب الصحيفة بتصريحات غورباتشوف الذي ارتكب خطأ تاريخيا حين لم يطالب الغرب بتوثيق خطي لتعهدات شفهية قدموها له في التسعينات بأن لا يمنحوا أي من دول حلف وارسو عضوية الناتو، وهو نفسه الذي كان من قادة نهج التقارب مع الغرب والانفتاح في العلاقات بعد عقود طويلة من الحرب الباردة بين الجانبين.
في تعليقه على تلك التطورات وخطط الناتو في جمهوريات البلطيق ودول أوروبا الشرقية يقول غورباتشوف لوكالة «إنترفاكس» إن اللهجة الخطابية لحلف شمال الأطلسي تدل على أنهم يحاولون جر روسيا وكل العالم إلى مواجهة حقيقية، معربًا عن قناعته بأنهم «يتحدثون عن الدفاع فقط، لكنهم يقومون عمليا بالتحضير لعمليات هجومية»، داعيًا كل شعوب العالم للرد بحزم «ووقف تحول الحرب الباردة إلى مواجهة حقيقية». ولم تكن «إنترفاكس» الوحيدة التي رصدت ردود الفعل الروسية على تحركات الناتو، وفي هذا السياق عرضت وكالة «ريا نوفوستي» وجهات نظر عدد كبير من الخبراء والمحللين والمسؤولين الروس، بينهم قسطنطين كوساتشوف، رئيس لجنة مجلس الدوما للعلاقات الدولية، الذي قال في حديثه للوكالة إن «كل القرارات التي اتخذها الناتو خلال قمته الأخيرة في وارسو تنطلق من منطق المواجهة السائد إبان حقبة الحرب الباردة»، ليؤكد بعد ذلك أن روسيا رغم هذا كله ستبقى بأمان لأنها دولة قوية.
كما ركزت وسائل الإعلام الروسية على الرد الرسمي الروسي على قرارات قمة الناتو في وارسو، ونقلت «ريا نوفوستي» بيان الخارجية الروسية الذي قالت فيه إن «حلف شمال الأطلسي يركز جهوده على تهديد وهمي غير موجود» في إشارة إلى أن روسيا لا تشكل تهديدًا للناتو. ومن جانبها، رأت صحيفة «نيزافيسمايا غازيتا» أن قرارات الناتو الأخيرة إنما تعني أن «روسيا ما زالت هدفًا لحلف شمال الأطلسي»، الأمر الذي سيستدعي ردًا روسيًا مناسبًا، وهو ما توقفت عنده صحيفة «إزفستيا» التي نقلت عن ألكسندر غروشكو، مندوب روسيا الدائم لدى الناتو قوله إن روسيا سترد على خطوات الناتو، معربًا عن يقينه بأن ما سيجري نتيجة ممارسات الحلف يعني «تحولات ملموسة في المجال السياسي - العسكري»، ملوحًا بأن روسيا ستقوم بنشر «مكونات عسكرية» بقرب أي دولة ينوي الناتو نشر قوات إضافية فيها، ويقصد بذلك جمهوريات البلطيق التي قرر الحلف نشر كتائب إضافية جديدة على أراضيها.
ممارسات «ناتو» تستفز الإعلام في موسكو
تحذيرات من التصعيد والانتقال إلى مواجهة حقيقية بين روسيا والغرب
ممارسات «ناتو» تستفز الإعلام في موسكو
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة