الخريجون الجدد.. بين نقص الخبرة ومديرين لا يريدون المغامرة

معسكرات «الميل الأخير» حل جيد للإعداد.. لكنه كثير الكلفة

تسعى بعض معسكرات التدريب لتقديم الإعداد اللازم لحديثي التخرج  من أجل تيسير دخولهم إلى سوق العمل (أ.ب)
تسعى بعض معسكرات التدريب لتقديم الإعداد اللازم لحديثي التخرج من أجل تيسير دخولهم إلى سوق العمل (أ.ب)
TT

الخريجون الجدد.. بين نقص الخبرة ومديرين لا يريدون المغامرة

تسعى بعض معسكرات التدريب لتقديم الإعداد اللازم لحديثي التخرج  من أجل تيسير دخولهم إلى سوق العمل (أ.ب)
تسعى بعض معسكرات التدريب لتقديم الإعداد اللازم لحديثي التخرج من أجل تيسير دخولهم إلى سوق العمل (أ.ب)

بالنسبة لخريجي الجامعات الباحثين عن وظيفة، فإن ثمة حالة حقيقية من التناقض تقف في وجوههم.. حيث يشترط المديرون أن يتمتع المتقدم بالخبرة، حتى في حال التقدم للوظائف البسيطة، لكن ما من أحد من هؤلاء المديرين يريد أن يكون أول من يمنح تلك الخبرة.
ففي السنوات الأخيرة، ظهرت معسكرات التدريب ومقدمي البرامج التدريبية القصيرة التي تقدمها مؤسسات مثل «جنرال أسمبلي» و«غلانايز» وموقع «ليندا دوت كوم»، لتقدم ما يعرف بـ«تدريب الميل الأخير»، بغرض إعداد خريجي الجامعات وتزويدهم بمهارات محددة، قبل توصيلهم بالمديرين الذين يحتاجون لمهاراتهم، لكن هؤلاء المديرين غير مستعدين لتوفير التدريب المطلوب.
بيد أن معسكرات التدريب تعتبر مكلفة جدًا، حيث يبدأ السعر في بعض البرامج من 10 آلاف دولار يتحتم على الطلاب والآباء سدادها، من أجل الحصول على درجة البكالوريوس. ورغم أن القائمين على تلك البرامج يفتخرون بنتائجها التي تفضي إلى وظائف ذات دخل مرتفع، يواجه المديرون بعض المخاطر في تشغيل الخريجين الجدد حديثي التدريب ممن حصلوا على دورات قصيرة، وما زالوا يفتقدون خبرة العمل الحقيقية.
غير أن نقلة جوهرية نراها الآن في فكرة معسكرات التدريب، إذ تهدف النقلة الجديدة إلى تذليل عقبة الكلفة بتقليل المصروفات المطلوبة من الخريجين الجدد، وكذلك تقليل المخاطر التي تواجه المديرين عند تعيين هؤلاء الخريجين. ففي ولاية نورث فيرجينيا، تتولي شركة تحمل اسم «ريفاتيور» تدريب الخريجين الجدد مجانًا، وشأن وكالات تشغيل العمالة المؤقتة، تقوم بتوصيل المتدربين بالمديرين، مما يسمح للشركات بتجربتهم قبل تعيينهم في وظائف.
عينت شركة «ريفاتيور» نحو 500 خريج جديد العام الماضي في شركات مثل «جيسيو» و«كابيتال وان»، وتأمل في مضاعفة الرقم العام الحالي. ودخلت الشركة في شراكات مع عدد من الكليات والجامعات لتقدم خدماتها داخل الكليات مباشرة، إما كجزء من منهج الدراسة الجامعي أو كدورات إضافية للخريجين الجدد.
ويفتقد نحو ربع المتدربين بشركة «ريفاتيور» إلى الخلفية التكنولوجية، لكنهم يتلقون المساعدة للانخراط في معسكرات التدريب، عن طريق إكمال سلسلة من البرامج عن طريق الإنترنت.
وقال أشوين بهراث، مسؤول العمليات بالشركة، إن نحو 80 في المائة من الطلاب يكملون دورات تدريبية تستغرق من 10 إلى 12 أسبوعًا، مضيفًا أن الكثيرين «لا يكملون تلك الدورات، لا بسبب عدم إتقانهم مهارات التكنولوجيا، لكن بسبب عدم إتقانهم مهارات التواصل مع الآخرين».
في الحقيقة، ما يسمى مهارات التواصل، والعمل ضمن فريق، وحل المشكلات، هي ما وجدته خلال بحثي عن كتاب عن الحياة بعد التخرج من الجامعة، وهذا ما يفتقده المديرون كثيرًا في الخريجين الجدد. لا تحاول شركة «ريفاتيور» بناء مهارات التواصل من خلال تمارين عن تكوين فرق العمل وتقديم عرض عن طبيعة العمل فحسب، بل أيضًا تسعى لأن تكون قريبة مما يريده ويحتاجه المديرون. وتعتبر تخصصات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات الأكثر شيوعًا، لأن الطلاب والآباء يعتقدون بأنها مواد عملية تنتهي دومًا بالحصول على الوظائف.. لكن حتى هذه الدرجات الفنية ليست دومًا مصممة للمساعدة لحصول الطلاب على الوظائف بعد التخرج، إذ إن 22 في المائة فقط من خريجي تخصصات العلوم والرياضيات مثلاً قد حصلوا على وظائف بفضل مهارتهم في تلك التخصصات، بحسب الأكاديمية الوطنية للعلوم. أخبرني جميع الخريجين الجدد الذين قابلتهم في المعسكر التدريبي الذي أقامته شركة «ريفاتيور» للحاصلين على مؤهلات في علوم الكومبيوتر، بأن المقررات الجامعية التي درسوها، والتي ركزت على لغات برمجة الكومبيوتر، إما لم تعد مطلوبة من مديري الشركات مثل برامج (سي ++)، أو تخطت ما هو مطلوب في سوق العمل.
«ما نراه في سوق العمل اليوم أكثر تركيزًا نظرًا لكثرة المشروعات طوال الوقت»، وفق ياسمين شديد، حاصلة على درجة جامعية في الكومبيوتر من جامعة كينت ستيت عام 2014، مضيفة: «في الكلية يدرسوننا الأساسيات فقط، ويعتقدون بأن هذا يكفي للحصول على عمل، لكن ثبت خطأ ذلك».
أتعجب من كل هذا العدد من خريجي الجامعات العاطلين عن العمل، الذين لا ينخرطون في معسكرات التدريب مثل تلك التي تقدمها شركة «ريفاتيور» أو غيرها، مثل «برنامج الجسر» الذي يساعد الخريجين الجدد في الحصول على وظائف. أتعجب من حال هؤلاء الخريجين الذين تسلموا شهادات في حفل تخرجهم بوعد أن الشهادة الغالية التي بأيديهم ستكون تذكرة العبور لحياة أفضل.. لكن للأسف، فإن كليات كثيرة لا تهتم كثيرًا بطلابها بعد التخرج، إلا عندما تحتاجهم لجمع التبرعات الطلابية.
رغم أن حاجة الطلاب والمديرين قد اختلفت عن ذي قبل، لا تزال الكليات متمسكة برسالتها التاريخية المتمثلة في التربية التي تعدهم للانخراط في الحياة. لا يعني هذا أن المؤهل الجامعي لم يعد مهمًا، إذ إن «ريفاتيور» لا تقبل سوى خريجي الجامعة. ويناضل كثير من الخريجين للانطلاق بعد التخرج للعثور على عمل مناسب، ومن شأن البرنامج «التدريبي الاقتصادي» الجديد وقصير المدى للإعداد لمرحلة ما بعد الجامعة، الذي تقدمه شركات مثل «ريفاتيور»، أن يساعد الطلاب على إتقان المهارات التي يحتاجونها لبدء عمل ما.
* خدمة «واشنطن بوست»
خاص بـ «الشرق الأوسط»



كلية الطب في بيروت... 150 عاماً من النجاحات

كلية الطب في بيروت... 150 عاماً من النجاحات
TT

كلية الطب في بيروت... 150 عاماً من النجاحات

كلية الطب في بيروت... 150 عاماً من النجاحات

التحدث عن كلية الطب في «الجامعة الأميركية» وما حققته من إنجازات وتطورات منذ تأسيسها عام 1867 لا يمكن تلخيصه بمقال؛ فهذه الكلية التي تحتل اليوم المركز الأول في عالم الطب والأبحاث في العالم العربي والمرتبة 250 بين دول العالم بالاعتماد على QS Ranking، استطاعت أن تسبق زمنها من خلال رؤيا مستقبلية وضعها القيمون عليها، وفي مقدمتهم الدكتور محمد صايغ نائب الرئيس التنفيذي لشؤون الطب والاستراتيجية الدولية وعميد كلية الطب في الجامعة الأميركية، الذي أطلق في عام 2010 «رؤيا (2020)»، وهي بمثابة خطة طموحة أسهمت في نقل الكلية والمركز الطبي إلى المقدمة ووضعهما في المركز الأول على مستوى المنطقة.

رؤية 2025

اليوم ومع مرور 150 عاماً على تأسيسها (احتفلت به أخيراً) ما زالت كلية الطب في «الجامعة الأميركية» تسابق عصرها من خلال إنجازات قيمة تعمل على تحقيقها بين اليوم والغد خوّلتها منافسة جامعات عالمية كـ«هارفرد» و«هوبكينز» وغيرهما. وقد وضعت الجامعة رؤيا جديدة لها منذ يوليو (تموز) في عام 2017 حملت عنوان «رؤية 2025»، وهي لا تقتصر فقط على تحسين مجالات التعليم والطبابة والتمريض بل تطال أيضاً الناحية الإنسانية.
«هي خطة بدأنا في تحقيقها أخيراً بحيث نستبق العلاج قبل وقوع المريض في براثن المرض، وبذلك نستطيع أن نؤمن صحة مجتمع بأكمله». يقول الدكتور محمد صايغ. ويضيف خلال حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «لا نريد أن ننتظر وصول وفود المرضى إلى مركزنا الطبي كي نهتم بهم، بل إننا نعنى بتوعية المريض قبل إصابته بالمرض وحمايته منه من خلال حملات توعوية تطال جميع شرائح المجتمع. كما أننا نطمح إلى إيصال هذه الخطة إلى خارج لبنان لنغطي أكبر مساحات ممكنة من مجتمعنا العربي».
تأسَّسَت كلية الطب في الجامعة الأميركية في بيروت عام 1867، وتعمل وفقاً لميثاق صادر من ولاية نيويورك بالولايات المتحدة الأميركية، ويقوم على إدارتها مجلس أمناء خاص ومستقل.
وتسعى الكلية لإيجاد الفرص التي تمكن طلبتها من تنمية روح المبادرة، وتطوير قدراتهم الإبداعية واكتساب مهارات القيادة المهنية، وذلك من خلال المشاركة في الندوات العلمية والتطبيقات الكلينيكية العملية مما يُسهِم في تعليم وتدريب وتخريج أطباء اختصاصيين.
وملحَق بكلية الطب في الجامعة الأميركية في بيروت مركز طبي يضم أقساماً للأمراض الباطنية والجراحة والأطفال وأمراض النساء والتوليد ‏والطب النفسي. كما يقدم المركز الطبي خدمات الرعاية الصحية المتكاملة في كثير من مجالات الاختصاص، وبرامج للتدريب على التمريض وغيرها ‏من المهن المرتبطة بالطب.

اعتمادات دولية

منذ عام 1902، دأب المركز الطبي في الجامعة الأميركية في بيروت على توفير أعلى معايير الرعاية للمرضى في مختلف أنحاء لبنان والمنطقة. وهو أيضاً المركز الطبي التعليمي التابع لكلية الطب في الجامعة الأميركية في بيروت التي درّبت أجيالاً من طلاب الطب وخريجيها المنتشرين في المؤسسات الرائدة في كل أنحاء العالم. المركز الطبي في الجامعة الأميركية في بيروت هو المؤسسة الطبية الوحيدة في الشرق الأوسط التي حازت على خمس شهادات اعتماد دولية وهي JCI)، وMagnet، وCAP، وACGME - I و(JACIE مما يشكّل دليلاً على اعتماد المركز أعلى معايير الرعاية الصحية المتمحورة حول المريض والتمريض وعلم الأمراض والخدمات المخبرية والتعليم الطبي والدراسات العليا. وقد خرَّجَت كلية الطب أكثر من أربعة آلاف طالب وطبيب. وتقدم مدرسة رفيق الحريري للتمريض تعليماً متميزاً للعاملين في مجال التمريض، ويلبي المركز الطبي احتياجات الرعاية الصحية لأكثر من 360 ألف مريض سنوياً.
ويتألف المركز من عدد من مراكز الامتياز كمركز سرطان الأطفال التابع لمستشفى «سانت جود» البحثي في ولايتي ممفيس وتينيسي. كما تتضمن برنامج باسيل لأورام البالغين وفيه وحدة لزرع نخاع العظام، إضافة إلى مراكز طب الأعصاب المختلفة وأمراض القلب والأوعية الدموية ومركز للرعاية الصحية للنساء.
«هناك استثمارات تلامس نحو 400 مليون دولار رصدت من أجل بناء البنية التحتية اللازمة للمركز الطبي مع مشروع افتتاح عدة مبانٍ وأقسام جديدة خاصة بأمراض السرطان وأخرى تتعلق بالأطفال، إضافة إلى نقلة نوعية من خلال زيادة عدد الأسرة لتلبية الحاجات الصحية المختلفة لمرضانا»، كما أوضح د. صايغ في سياق حديثه.

تبرعات للمحتاجين

يعمل المركز الطبي على تأمين العلاج المجاني لأمراض مستعصية من خلال تأسيس صناديق تبرُّع للمحتاجين، هدفها تأمين العلاج لذوي الدخل المحدود. وهي تخصص سنوياً مبلغ 10 ملايين دولار لمساعدة هذه الشريحة من الناس التي تفتقر إلى الإمكانيات المادية اللازمة للعلاج.
وينظم المركز الطبي مؤتمراً سنوياً ودورات وورش عمل (MEMA) تتناول مواضيع مختلفة كطب الصراعات ومواضيع أخرى كصحة المرأة، والصحة العقلية، وعبء السرطان وغسل الكلى أثناء الصراع وتدريب وتثقيف المهنيين الصحيين للتعامل مع تحديات العناية بأفراد المجتمع.
تُعدّ كلية الطب في الجامعة الأميركية السباقة إلى تأمين برنامج تعليمي أكاديمي مباشر لطلابها، بحيث يطبقون ما يدرسونه مباشرة على الأرض في أروقة المركز الطبي التابع لها.
ويرى الدكتور محمد صايغ أن عودة نحو 180 طبيباً لبنانياً عالمياً من خريجيها إلى أحضانها بعد مسيرة غنية لهم في جامعات ومراكز علاج ومستشفيات عالمية هو إنجاز بحد ذاته. «ليس هناك من مؤسسة في لبنان استطاعت أن تقوم بهذا الإنجاز من قبل بحيث أعدنا هذا العدد من الأطباء إلى حرم الكلية وأنا من بينهم، إذ عملت نحو 25 عاماً في جامعة (هارفرد)، ولم أتردد في العودة إلى وطني للمشاركة في نهضته في عالم الطب». يوضح دكتور محمد صايغ لـ«الشرق الأوسط».

رائدة في المنطقة

أبهرت كلية الطب في الجامعة الأميركية العالم بإنجازاتها على الصعيدين التعليمي والعلاجي، ففي عام 1925. تخرجت فيها أول امرأة في علم الصيدلة (سارة ليفي) في العالم العربي، وبعد سنوات قليلة (1931) كان موعدها مع تخريج أول امرأة في عالم الطب (ادما أبو شديد). وبين عامي 1975 و1991 لعبت دوراً أساسياً في معالجة ضحايا الحرب اللبنانية فعالج قسم الطوارئ لديها في ظرف عام واحد (1976 - 1977) أكثر من 8000 جريح. وفي عام 2014 تلقت إحدى أضخم التبرعات المالية (32 مليون دولار) لدعم المركز الطبي فيها وتوسيعه.
كما لمع اسمها في إنجازات طبية كثيرة، لا سيما في أمراض القلب، فكان أحد أطبائها (دكتور إبراهيم داغر) أول من قام بعملية القلب المفتوح في العالم العربي، في عام 1958. وفي عام 2009، أجرت أولى عمليات زرع قلب اصطناعي في لبنان، وفي عام 2017 أحرز فريقها الطبي أول إنجاز من نوعه عربياً في أمراض القلب للأطفال، عندما نجح في زرع قلب طبيعي لطفل.
كما تصدرت المركز الأول عربياً في عالم الطب لثلاث سنوات متتالية (2014 - 2017) وحازت على جوائز كثيرة بينها «الجائزة الدولية في طب الطوارئ» و«جائزة عبد الحميد شومان» عن الأبحاث العربية، و«جائزة حمدان لأفضل كلية طبية في العالم العربي» لدورها في التعليم الطبي لعامي 2001 – 2002.