على هامش الانقلاب!

ميرزا الخويلدي
ميرزا الخويلدي
TT

على هامش الانقلاب!

ميرزا الخويلدي
ميرزا الخويلدي

أكثر المفجوعين بما جرى في تركيا مساء الخامس عشر من يوليو (تموز) الجاري، وما بعده، هو «الديمقراطية»..!
العسكر الذين حاولوا الانقضاض على السلطة، قالوا إنهم يريدون إعادة البلاد إلى النهج الديمقراطي.
والقوى التي تصدّت لهم قالت هي الأخرى إنها تدافع عن الديمقراطية.
وآلاف العرب الذين جندوا أنفسهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي تلك الليلة للتنديد بالانقلاب، قالوا إنهم يدافعون عن النظام الديمقراطي.
حسنًا، اندحرّ الانقلاب، وهذا أمرّ حسن، فالعسكر المتعطشون للسلطة أبعد ما يكونون عن الديمقراطية، فضلاً عن أن الانقلاب يمثل «نكوصًا» لتجربة الديمقراطية الفتية والحكم المدني في تركيا، وعودة للوراء، وباب دخول إلى حقبة مليئة بالفوضى والشرّ وعدم الاستقرار.
لكنّ موجة الانتقام العشوائي التي عمت تركيا ولا تزال منذ فشل الانقلاب، لا تمت هي الأخرى إلى الديمقراطية بصلة. بسرعة البرق، وبعيدًا عن المحاكم جرى تصفية الجسم القضائي، والبطش بالمعارضين، ومن دون محاكمة تم الزج بآلاف العسكريين في السجن، بل جرى إهانة الجيش عبر تشليح أفراده ملابسهم وجلدهم في الشوارع بالأحزمة وهم شبه عراة. حفلة الانتقام هي الأخرى لا تمت إلى الديمقراطية بصلة.
لكن أين أولئك الذين تباكوا تلك الليلة على الديمقراطية المسلوبة؟ لماذا سكتوا عن سفح دمها بعد ذلك؟ هذه هي المعضلة. فـ«الحقيقة لا تتجزأ»، كما يقول جبران خليل جبران.
نزل النشطاء العرب عبر مواقع التواصل الاجتماعي للميدان الافتراضي قبل أن ينزل الشعب التركي. لكن أغلبهم رفع شعار الديمقراطية، وهو لا يؤمن بها، ودافع عن العدالة وهو مستعد لسحقها، بمعنى أن الأهم في تلك الليلة أن يعود الرئيس المحسوب على الحزب الديني إلى السلطة، لذلك فهي انتفاضة لا علاقة لها بالديمقراطية، والدليل أن المنتفضين راحوا يبررون إجراءات القمع والتعسف التي حدثت بعد الانقلاب.
كثير من النشطاء العرب المناهضين للانقلاب أساءوا التقدير. الشعب التركي نزل إلى الشارع دفاعًا عن تجربته الديمقراطية، وخوفًا من تراجعها، وليس من أجل أشخاص أو رموز. لذلك كانوا موحدين خلف علم بلادهم، وحدهم بعض النشطاء العرب اصطفوا خلف صورة الرئيس بوصفه رأس الجماعة وليس بصفته رأس الدولة.
هذا يؤشر إلى أننا بعيدون جدًا عن استيعاب مفهوم الديمقراطية؛ تبدو جميلة ما دامت تمنحنا القوة والسلطة، وتبدو كافرة تغريبية ما دامت تأخذ منا السطوة والاستحواذ.
ثمة مفارقة أخرى، تركيا توحدت بجميع أحزابها ومجتمعها المدني وحتى بصلب المؤسسة العسكرية لإحباط الانقلاب. الجميع تناسى خلافاته، الأحزاب العلمانية والقومية والكردية والفئات المختلفة ووسائل الإعلام التي طالما هاجمها إردوغان وشيطنها، كلهم تناسوا خلافاتهم ووقفوا صفًا واحدًا.. لكن لماذا حاول بعض النشطاء العرب سريعًا استغلال الحدث للتصويب هنا وهناك، وافتعال أزمات وخلافات وصراعات بينية داخل مجتمعاتهم؟ كانوا حريصين على وحدة تركيا، لكنهم لا يملكون الحرص نفسه بالنسبة لبلدانهم!
كشفت ليلة الانقلاب، أن كثيرا من المثقفين العرب وبالذات أولئك المحسوبون على التيارات الإسلامية يعيشون انقلابا في مفاهيمهم وقيمهم ومعاييرهم الأخلاقية.



الشاعر السوري أدونيس يدعو إلى «تغيير المجتمع» وعدم الاكتفاء بتغيير النظام

أدونيس لدى تسلمه جائزة جون مارغاريت الدولية للشعر التي يمنحها معهد سرفانتس (إ.ب.أ)
أدونيس لدى تسلمه جائزة جون مارغاريت الدولية للشعر التي يمنحها معهد سرفانتس (إ.ب.أ)
TT

الشاعر السوري أدونيس يدعو إلى «تغيير المجتمع» وعدم الاكتفاء بتغيير النظام

أدونيس لدى تسلمه جائزة جون مارغاريت الدولية للشعر التي يمنحها معهد سرفانتس (إ.ب.أ)
أدونيس لدى تسلمه جائزة جون مارغاريت الدولية للشعر التي يمنحها معهد سرفانتس (إ.ب.أ)

دعا الشاعر السوري أدونيس من منفاه في فرنسا الأربعاء إلى "تغيير المجتمع" في بلده وعدم الاكتفاء بتغيير النظام السياسي فيه بعد سقوط الرئيس بشار الأسد.

وقال أدونيس (94 عاما) خلال مؤتمر صحافي في باريس قبيل تسلّمه جائزة أدبية "أودّ أولا أن أبدي تحفّظات: لقد غادرتُ سوريا منذ العام 1956. لذلك أنا لا أعرف سوريا إذا ما تحدّثنا بعمق". وأضاف "لقد كنت ضدّ، كنت دوما ضدّ هذا النظام" الذي سقط فجر الأحد عندما دخلت الفصائل المسلّحة المعارضة إلى دمشق بعد فرار الأسد إلى موسكو وانتهاء سنوات حكمه التي استمرت 24 عاما تخلّلتها منذ 2011 حرب أهلية طاحنة.

لكنّ أدونيس الذي يقيم قرب باريس تساءل خلال المؤتمر الصحافي عن حقيقة التغيير الذي سيحدث في سوريا الآن. وقال "أولئك الذين حلّوا محلّه (الأسد)، ماذا سيفعلون؟ المسألة ليست تغيير النظام، بل تغيير المجتمع". وأوضح أنّ التغيير المطلوب هو "تحرير المرأة. تأسيس المجتمع على الحقوق والحريات، وعلى الانفتاح، وعلى الاستقلال الداخلي".

واعتبر أدونيس أنّ "العرب - ليس العرب فحسب، لكنّني هنا أتحدّث عن العرب - لا يغيّرون المجتمع. إنّهم يغيّرون النظام والسلطة. إذا لم نغيّر المجتمع، فلن نحقّق شيئا. استبدال نظام بآخر هو مجرد أمر سطحي". وأدلى الشاعر السوري بتصريحه هذا على هامش تسلّمه جائزة عن مجمل أعماله المكتوبة باللغتين العربية والفرنسية.

ونال أدونيس جائزة جون مارغاريت الدولية للشعر التي يمنحها معهد سرفانتس وتحمل اسم شاعر كتب باللغتين الكتالونية والإسبانية.