متاهة الجماعات المتشددة.. واختطافها للتراث

كتاب مصري يتناول أخطاء «الجهاديين» في فهم ابن تيمية

متاهة الجماعات المتشددة.. واختطافها للتراث
TT

متاهة الجماعات المتشددة.. واختطافها للتراث

متاهة الجماعات المتشددة.. واختطافها للتراث

قلة قليلة من المتتبعين في المجال التداولي الإسلامي تعلم أن الإنتاج العلمي الضخم لابن تيمية لا يمكن قط اختزاله فيما تروج له بعض المشاريع الإسلامية الحركية، سواء كانت دعوية أو سياسية أو متشددة، ولا في موسوعة «مجموع الفتاوى» ولا في حقل معرفي مُعين دون سواه.
من هنا تأتي أهمية كتاب الباحث المصري الدكتور هاني نسيره، الذي صدر بعنوان: «متاهة الحاكمية: أخطاء الجهاديين في فهم ابن تيمية»، عن مركز دراسات الوحدة العربية. (بيروت، ط 1. 2015، صدر العمل ضمن سلسلة أطروحات الدكتوراه (115)، وجاء في 431 صفحة).
ميزة هذا العمل أنه يساهم بداية في زحزحة الاعتقاد السائد لدى القارئ العربي والغربي أيضًا (في حال ترجمة الكتاب أو ترجمة أهم مضامينه)، ولكنه يساهم أيضًا في فك الارتباط السائد منذ عقدين على الأقل بين المتن التيمي والخطاب الإسلامي الحركي في نسخته المتشددة، كما هو قائم مثلاً مع لائحة عريضة من الجماعات السائدة في الساحة، من قبيل تنظيم القاعدة أو تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (المعروف اختصارًا بتنظيم داعش).
أصاب المؤلف كثيرًا عندما أشار إلى أن ابن تيمية يُعتبر من أكثر علماء الأمة ظلمًا وافتراءً عليه بما لم يقل، وقد اختلق عليه خصومه، بدءا من محنته عام 705هـ وفي محنته حتى حبسه الأخير سنة 726هـ، كثيرا من الفتاوى والآراء التي لم يقلها، كما اختلقت عليه رسائل وكتابات لم يكتبها، كرسالة «النصيحة الذهبية»، ووصل الأمر بخصومه أن اتهموه بموالاة التتر في مشاركته الدعوية والإصلاحية غير الجهادية في حرب التتر، في معركة شقحب سنة 702 هـ، ولعل أهم رسائل الكتاب كونه يساهم في رد الاعتبار لهذا الهرم العلمي في مجالنا التداولي الإسلامي، وهذا بإقرار كثير من الرموز الفكرية في الساحة، ونذكر منها طه عبد الرحمن وأبو يعرب المرزوقي وحمو النقاري وغيرها من الأسماء.
ثمة لائحة عريضة من المقدمات أو الدوافع التي تقف وراء اشتغال نسيرة على الكتاب، وقد لخصها في ثلاثة دوافع رئيسية: أولها ضبط مسألة ومشكلة الاشتباه في فهم ابن تيمية، عبر ضبط نسقه، وفق منهج المقولات الحاكمة؛ هناك أيضًا الرغبة في استجلاء فهم هذه الجماعات لشيخ الإسلام ابن تيمية، وتأويله عند المتشددين، وكيفيات القراءة وأدواتها؛ وأخيرًا، إضافة آثار وكتابات ابن تيمية من مسائل الجهادية والإمامة والتكفير والخروج على الحكام، بما يتفق مع نسقه الكلي ويضم شوارده لوحدة خطابه المركزية.
الاشتباه في فهم ابن تيمية
فرضية الدراسة تزكي ما أشرنا إليه سلفًا: «ثمة اشتباه في فهم ابن تيمية في بعض أجزائه»، وهو اشتباه حسب هاني نسيرة، قد يكون موجودًا عند غيره من فلاسفة ومتكلمي وعلماء الإسلام، واختبارًا لصحة هذه الفرضية، سعى الكتاب إلى تعريف وتحديد الهوية والنظام المعرفي لدى كل من طرفي الدراسة: خطاب شيخ الإسلام ابن تيمية من ناحية، وخطاب الجماعات الإسلامية المتشددة المعاصرة من جهة ثانية، مع الكشف عن المقولات الحاكمة والمنطلقات الفكرية والتأسيسية المرتبطة بهما.
توزع العمل على مقدمة وخمسة فصول، حيث جاء الفصل تحت عنوان «ابن تيمية: محطات السيرة وإشكالات الخطاب» في جزأين، تطرق المؤلف في الجزء الأول لمسألة الاشتباه في فهم ابن تيمية، تعريفًا وتمثيلاً، وتطرق في الجزء الثاني لمواضع الاشتباه في مسألة خطيرة، وهي فقه الدعوة والخوارج بين ابن تيمية والمتشددين. في حين جاء الفصل الثاني بعنوان «النظرية السياسية الإسلامية من الماوردي إلى ابن تيمية» حول الفكر السياسي لشيخ الإسلام ابن تيمية، وأهميته في العمل تكمن في تناول جماعات ذات هدف سياسي ديني تعود إليه، وهي الجماعات المتشددة أو قل «الجهادية»، فكان لا بد من استجلاء نظريته وفكره السياسي أولاً.
أما الفصل الثالث، فجاء تحت عنوان «ابن تيمية وتأسيسات السلفية الجهادية» للتعريف بالأسس الفكرية «للسلفية الجهادية»، وأهم مرجعياتها المعاصرة، وأجيالها المختلفة، وهو ما كان مُهمًا نظرًا إلى غيبة الاهتمام بتأسيسات الخطاب السلفي الجهادي عمومًا، أو موقع ابن تيمية فيه، حيث تطرق المؤلف في الجزء الأول من الفصل إلى ابن تيمية ومسار الحركات الإسلامية المعاصرة، في حين تطرق الجزء الثاني لروايتين مختلفتين حول نشأة التنظيمات الجهادية، قبل التوقف عند تأثير ابن تيمية في البواكير الأولى لأفكار تنظيمات «الجهاد» عند المهندس محمد عبد السلام فرج في «الفريضة الغائبة» ثم في أدبيات وتراث الجماعة الإسلامية المصرية في مرحلة تأسيسها، قبل مرحلة مراجعاتها.
وجاء الجزء الثالث بعنوان «تبلور السلفية الجهادية ومرجعياتها» تعريفًا بأهم رموزها الفكرية وأهم كتاباتهم، وأدبياتهم التأسيسية ثم بالمفاهيم المؤسّسة لخطابهم، وهي مفاهيم أربعة: «توحيد الحاكمية» أو «كفر الحكم بالقوانين الوضعية»؛ وتقسيم الديار بين «دار الإسلام ودار كفر»؛ و«الجهاد ووجوب الخروج على الحاكم»؛ و«الولاء والبراء». ومن هنا جاء الفصل الرابع بعنوان «قراءة مغايرة: مراجعات السلفية الجهادية وابن تيمية»، ومؤسّس على التفصيل في مقتضى الأسئلة التالية: ما علاقة الفتاوى بالنظرية السياسية لشيخ الإسلام بن تيمية؟ وهل يجوز استنطاق واستتباع نظرية سياسية في الإمامة والسياسة، من فتاوى شيخ ابن تيمية تحديدًا، خصوصا أن الفتاوى تظل تاريخية متغيرة وليست مبدأ عامًا كليًا لا يتغير؟ وما القواعد الصحيحة والمعرفية الواجبة في مثل هذا النوع من القراءات؟
أما الفصل الخامس، فجاء بعنوان «مراجعة ابن تيمية من فلسفة الجهاد إلى الفتاوى السياسية»، حيث حاول فيه المؤلف إنتاج قراءة مستقلة عن خطاب الحركات الإسلامية المتشددة، وتأويلاتها لابن تيمية، وكاشفة له في آن، عبر الربط بين الفتاوى والنظر السياسي عند ابن تيمية.
سوء توظيف المتن التيمي
يعج الكتاب بكثير من الخلاصات التي نحسب أنها ستفيد كثيرًا في مشاريع «المراجعات» أو تهذيب الخطاب الإسلامي المتشدد، أو لإدراجها في مشاريع إعادة تأهيل وإدماج المعتقلين الإسلاميين المتورطين في قضايا العنف والتطرف، ونجد في مقدمة هذه الخلاصات، أن كثيرًا ما خالف المتشددون ابن تيمية في كثير من المسائل وخطّأوه، وهو ما ينفي كونه مُلهما أو مَرجعًا، ولكنه كان توظيفًا لغاية الحاكمية، حيث اعتبر المؤلف أنه رغم اللبوس والصياغات السلفية لهذا الخطاب فإنه يغرق في تأويلية جديدة تستهدف الحاكمية فقط.
ليس هذا وحسب، أورد المؤلف عدة نماذج في التسامح وإنصاف المخالف لدى ابن تيمية، منها العفو عمن آذوه من متعصبي المذاهب؛ والتمييز والإنصاف للمخالف؛ وإنصاف الأشعري والأشعرية رغم خلافه مع بعضهم؛ وحمايته البكري الصوري الذي اعتدى عليه بالضرب؛ ونقده للمرزوقية ومتعصبة الحنابلة؛ ورفض تكفير المعيَّن والتماس الأعذار، وجاءت هذه الأمثلة مفصلة في ص 81 وص 88 من الفصل الأول.
من الخلاصات المهمة والمفصلية، تلك المتعلقة بالموقف من التكفير، ففي حين يبدو شيخ الإسلام ابن تيمية رفضًا ومنكرًا لتكفير المعين، يحضر إصرار الجماعات المتشددة المعاصرة على مسائل التكفير، سواء في ذلك تكفير المعين أو التكفير استنادًا إلى أحكام الديار، بل اعترض بعضهم على آرائه فيها صراحة، وخرجوا عليها ولم يقبلوا آراءه فيها، ولم يلتزموا منهجه، مخالفين له، رغم أنهم يستندون بشكل رئيس لفتواه في ماردين التي هي جزء من تصوره للديار في الإسلام، ويشير المؤلف في مقام آخر من الكتاب، وبالتحديد في خاتمة الفصل الخامس أن هذه «الفتوى كانت نظرية»، وحسب تحقيقها النصي تميز في وصفها بالدار المُركبة، بين المغول المسيطرين فعليًا والحكم الاسمي والبروتوكولي للمسلمين؛ بمعنى آخر، ترتيب الخصومة عند الفقيه ابن تيمية تقف ضد الفرق والمذاهب الإسلامية الأخرى، والتحفز ضدها انطلاقًا من هاجس الخطر على العقيدة والدولة السنية، وليس ضد الدولة رغم ما اخترم كثيرًا من حكامها من شوائب الخروج والمعاصي وفي مقدمتهم الناصر بن قلاوون الذي يبجله ابن تيمية في هذه الرسالة. (ص 389).
وفيما يتعلق بالموقف من مسألة الإمامة والحكم، يتضح كذلك أن الإمامة ومسألة الحكم لم تكن مسألة أولوية أو رئيسية في خطاب ابن تيمية وجهاده، وعلى العكس من الحركات والجماعات المتشددة، أكد شيخ الإسلام في «منهاج السنة» ردًا على الشيعة أنها ليست أشرف المسائل في الدين، بل مسألة متأخرة، لأن قضيته الأولى كانت هي التوحيد وإصلاح عقائد الناس وفهمهم للدين، والخوف من الفرق والبدع أكثر من خوفه من الملل والنحل الأخرى، وهذه خلاصة تطرق إليها المؤلف بالتفصيل في مضامين الفصل الثاني من الكتاب، وتحديدًا في الجزء الثاني منه («النظرية السياسية عند ابن تيمية»)، عندما اعتبر أن شيخ الإسلام لا ينكر جوهرية مسألة الإمامة لدنيا الناس ودينهم، عقليًا ونقليًا، ولكنه يرفض وضعها في الأصول، ويرى أن أقل ما يمكن أن تصل إليه أن تكون من الفروع وفق منطق الضرورة. (ص129).
الفروق بين شيخ الإسلام والجماعات المتشددة
إهمال المتشددين للنظرية السياسية عند ابن تيمية، كانت إحدى خلاصات الكتاب، حيث أهملت الجماعات الإسلامية المتشددة والحركات التابعة لها في مرحلتها الأولى، وفي مراجعاتها، أيضًا النظرية السياسية الإسلامية السنية في الإمامة، عندما قبلت منذ البداية بالخروج الذي كان سمة للفرق غير السنية كالشيعة والخوارج، والحال أن الخروج يبدو مستبعدًا في فكر وسيرة شيخ الإسلام الذي كان يتحرك دائمًا من داخل المشروعية الحاكمة وليس خارجًا عليها.
ولعل كبرى خلاصات العمل، تكمن في تسليط المؤلف الضوء على خطأ المتشددين في قراءتهم لشيخ الإسلام ابن تيمية وللمنظومة السلفية بعموم، من خلال تنظيماتهم المختلفة، واستخدامهم مفاهيم خلطت بين الزمني والتاريخي من جهة، والعقيدي والثابت من جهة أخرى، واستخدامهم مفاهيم وحمولات ابن تيمية النظرية بالمفاهيم نفسها المعاصرة والخاصة بها، من ذلك على سبيل المثال، مفهوم الشريعة الذي يستخدمه ابن تيمية بمفهوم كل الدين اعتقادًا وشرائع، خصوصا الأولى، بينما تستخدمه هذه الجماعات بمفهوم القوانين والتشريعات الإسلامية.

* باحث مغربي



الشاعر السوري أدونيس يدعو إلى «تغيير المجتمع» وعدم الاكتفاء بتغيير النظام

أدونيس لدى تسلمه جائزة جون مارغاريت الدولية للشعر التي يمنحها معهد سرفانتس (إ.ب.أ)
أدونيس لدى تسلمه جائزة جون مارغاريت الدولية للشعر التي يمنحها معهد سرفانتس (إ.ب.أ)
TT

الشاعر السوري أدونيس يدعو إلى «تغيير المجتمع» وعدم الاكتفاء بتغيير النظام

أدونيس لدى تسلمه جائزة جون مارغاريت الدولية للشعر التي يمنحها معهد سرفانتس (إ.ب.أ)
أدونيس لدى تسلمه جائزة جون مارغاريت الدولية للشعر التي يمنحها معهد سرفانتس (إ.ب.أ)

دعا الشاعر السوري أدونيس من منفاه في فرنسا الأربعاء إلى "تغيير المجتمع" في بلده وعدم الاكتفاء بتغيير النظام السياسي فيه بعد سقوط الرئيس بشار الأسد.

وقال أدونيس (94 عاما) خلال مؤتمر صحافي في باريس قبيل تسلّمه جائزة أدبية "أودّ أولا أن أبدي تحفّظات: لقد غادرتُ سوريا منذ العام 1956. لذلك أنا لا أعرف سوريا إذا ما تحدّثنا بعمق". وأضاف "لقد كنت ضدّ، كنت دوما ضدّ هذا النظام" الذي سقط فجر الأحد عندما دخلت الفصائل المسلّحة المعارضة إلى دمشق بعد فرار الأسد إلى موسكو وانتهاء سنوات حكمه التي استمرت 24 عاما تخلّلتها منذ 2011 حرب أهلية طاحنة.

لكنّ أدونيس الذي يقيم قرب باريس تساءل خلال المؤتمر الصحافي عن حقيقة التغيير الذي سيحدث في سوريا الآن. وقال "أولئك الذين حلّوا محلّه (الأسد)، ماذا سيفعلون؟ المسألة ليست تغيير النظام، بل تغيير المجتمع". وأوضح أنّ التغيير المطلوب هو "تحرير المرأة. تأسيس المجتمع على الحقوق والحريات، وعلى الانفتاح، وعلى الاستقلال الداخلي".

واعتبر أدونيس أنّ "العرب - ليس العرب فحسب، لكنّني هنا أتحدّث عن العرب - لا يغيّرون المجتمع. إنّهم يغيّرون النظام والسلطة. إذا لم نغيّر المجتمع، فلن نحقّق شيئا. استبدال نظام بآخر هو مجرد أمر سطحي". وأدلى الشاعر السوري بتصريحه هذا على هامش تسلّمه جائزة عن مجمل أعماله المكتوبة باللغتين العربية والفرنسية.

ونال أدونيس جائزة جون مارغاريت الدولية للشعر التي يمنحها معهد سرفانتس وتحمل اسم شاعر كتب باللغتين الكتالونية والإسبانية.