قبل قرار اليونيسكو بضم الأهوار ومواقع أثرية عراقية على لائحة التراث العالمي، كانت هذه المسطحات المائية التي تحتفظ بعشرات أنواع الطيور والأسماك وتسيجها بنباتات القصب والبري قبلة للشعراء والعاشقين حتى ثمانينات القرن الماضي. ففي إطار الصراع بين العراق وإيران الذي تحول إلى حرب ضروس (1980 - 1988) فإن رئيس النظام السابق صدام حسين قرر تجفيف تلك المسطحات المائية بعد أن تحولت إلى مرتع لمعارضيه بسبب التداخل على صعيد هذه المسطحات المائية بين العراق وإيران. ومنذ ذلك التاريخ تحولت هذه المسطحات المائية إلى المساومات السياسية بين ثلاث دول، هي العراق وتركيا وإيران حتى بعد سقوط نظام صدام حسين عام 2003 وعودة المياه إلى الأهوار التي تقع على نهري دجلة «أهوار العمارة» والفرات «أهوار ذي قار» التي تضم أيضًا مدينة زقورة أور ومدينة أريدو. ففي الوقت الذي لم تلتزم فيه تركيا بالاتفاقيات التي كانت قد وقعتها معها الحكومات العراقية المتعاقبة منذ عشرات السنين فيما يتعلق بالحصة المائية المقررة للعراق من نهري دجلة والفرات، بينما توجد مساحة مشتركة لبعض الأهوار لا سيما هور الحويزة بين البلدين وهو ما أدى إلى استمرار الخلافات بينهما على صعيد هذه الجزئية رغم تطور العلاقات السياسية بينهما، لا سيما بعد عام 2003 وبلوغها مرحلة التحالف في كل الميادين والمجالات.
لكن وفي إطار الجهود التي بذلها العراق منذ نحو سبع سنوات لإدراج الأهوار ومواقع أثرية عراقية على لائحة التراث العالمي، قررت منظمة اليونيسكو الأحد الماضي ضم الأهوار والمناطق الأثرية في العراق على لائحة التراث العالمي بعد تصويت جميع الأعضاء بالموافقة. وبموجب قرار اليونيسكو فإن المواقع المشمولة هي «آثار أور في ذي قار وآثار الوركاء في المثنى وآثار اريدو في ذي قار وهور الحويزة في ميسان والأهوار الوسطى في ذي قار وميسان وهور الحمار الشرقي في البصرة وهور الحمار الغربي في ذي قار».
وسيكون للعراق 8 مواقع على لائحة التراث العالمي، حيث أدرج العراق على مدى تاريخه أربعة مواقع فقط، وهي آشور وسامراء والحضر وقلعة أربيل، بالإضافة إلى الجديدة.
والأهوار مجموعة المسطحات المائية التي تغطي الأراضي المنخفضة الواقعة في جنوب السهل الرسوبي العراقي، وتكون على شكل مثلث تقع مدن العمارة والناصرية والبصرة على رؤوسه. وتتسع مساحة الأراضي المغطاة بالمياه وقت الفيضان في أواخر الشتاء وخلال الربيع، وتتقلص أيام الصيهود. وأطلق العرب الأوائل على هذه المناطق اسم «البطائح»، جمع بطيحة، لأن المياه تبطحت فيها، أي سالت واتسعت في الأرض وكان ينبت فيها القصب. تتراوح مساحة الأهوار 9000 و20000 كيلومترًا مربعًا، وتنقسم مساحتها بحسب تقديرات أخرى على أساس وحداتها الإدارية الصغرى والبالغة 20 ناحية ضمن المحافظات الثلاث التي تقع فيها منطقة الأهوار وهي محافظات (ميسان - ذي قار - البصرة) التي تعتبر مراكز التوازن المكاني والسكاني فيها. ويعيش سكان الأهوار في جزر صغيرة طبيعية أو مصنعة في الأهوار، ويستخدمون نوعا من الزوارق يسمى بالمشحوف في تنقلهم وترحالهم. للأهوار تأثير إيجابي على البيئة فهي تعتبر مصدرًا جيدًا لتوفير الكثير من المواد الغذائية من الأسماك والطيور والمواد الزراعية التي تعتمد على وفرة وديمومة المياه مثل الأرز وقصب السكر.
وفي هذا السياق، أكد وزير السياحة والآثار العراقي السابق عادل الشرشاب في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إن «جهود العراق في ضم مواقعه الأثرية والتراثية على لائحة التراث العالمي تم تتويجها أخيرا بالقرار الذي صوتت عليه اليونيسكو خلال اجتماعها الأخير في تركيا وبمشاركة 21 دولة حيث حظي الملف بموافقة جميع الدول التي كانت متحمسة لهذا الأمر، ولم تحصل اعتراضات إلا في جوانب فنية بسيطة تم تلافيها»، مشيرا إلى أن «الحكومة العراقية التي عملت على هذا الملف منذ سنوات تشكر جميع من وقف معها ودعمها في هذا الملف، وهم الأشقاء العرب بالإضافة إلى تركيا وإيران رغم ما يشار عن وجود خلافات بين هذه الدول مع العراق سواء على صعيد الإطلاقات المائية بالنسبة لتركيا والحدود المشتركة بالنسبة لإيران». وأضاف الشرشاب أن «العراق حاله حال الكثير من الدول التي تملك إرثا حضاريا عالميا وتتسابق على ضمها على لائحة التراث العالمي فإنه هو الآخر عمل على ذلك منذ سنوات حتى تحقق له ما أراد مما يضاعف مسؤوليتنا في هذا الإطار على صعيد ما باتت تحظى به هذه المواقع من حماية دولية مما يجعل الاهتمام مشتركًا بيننا كدولة عراقية وبين المجتمع الدولي، وذلك في تنفيذ كل ما يتوجب علينا من التزامات».
وأوضح الشرشاب أن «ضم هذه المواقع إنما يمثل اعترافا بأهميتها، كما أننا نعدها رسالة مهمة على صعيد وقوف العالم معنا على هذا الصعيد مثلما هي وقفته معنا في محاربة الإرهاب».
وبشأن الالتزامات الدولية حيال هذه المواقع قال الشرشاب إن «العالم أصبح شريكًا لنا في حمايتها سواء لجهة تعرضها للعدوان أو على صعيد حمايتها وصيانتها وهو ما يرتب علينا التزامات متقابلة أمام المجتمع الدولي، حيث قمنا بتدريب الكوادر الوطنية المطلوبة للتعامل مع هذا التطور المهم وسبق لنا أن استقبلنا وفودًا دولية معنية بهذا الأمر، واطلعوا على طبيعة استعداداتنا والتزاماتنا».
من جهته، أكد مجلس محافظة ذي قار (350 كم جنوب بغداد) إن «هناك تحديات ستواجهنا في مرحلة ما بعد الإدراج تتطلب تعاونًا واسعًا من قبل كل الجهات المسؤولة سواء على صعيد الحكومة المحلية أم المركزية». وقال سعد البدري عضو مجلس محافظة ذي قار في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إن «مرحلة ما بعد الإدراج تحتاج إلى تشريعات يتوجب على مجلس المحافظة بموجب صلاحياته الدستورية القيام بها وذلك من خلال تفعيل الواقع السياحي في المحافظة وتشجيع شركات الاستثمار للقدوم إلى هذه المناطق والاستثمار فيها وجعلها قبلة للسائحين».
وأضاف أن «من بين المسائل الأكثر أهمية وهي مطار ذي قار الذي يعد هو المدخل الطبيعي للسياحة في مرحلة ما بعد ضم الاهوار إلى لائحة التراث العالمي حيث نسعى لتحويله إلى فرصة استثمارية، وكنا في السابق قد واجهتنا صعوبات تتعلق بالإجراءات والقوانين والروتين وهو ما يتطلب الآن تخطيها بسرعة لأن استمرار مثل هذه العراقيل سوف ينعكس سلبا على الموضوع كله»، مشيرًا إلى أن «هناك ميزات لمطار ذي قار على صعيد الترانزيت مثلا إذ إنه يفرق عن مطار دبي بنحو ساعة ونصف وبالتالي فإن أية عرقلة أو عدم الارتفاع إلى مستوى هذا الإنجاز سوف تنعكس سلبا».
من جانبه، فقد رئيس البرلمان العراقي سليم الجبوري، اللجنة القانونية النيابية إلى صياغة قرار يوصي الحكومة بحماية الأهوار. وقال بيان لمكتب الجبوري تلقت «الشرق الأوسط» نسخة منه إن الجبوري «أوصى بدعوة الحكومة ومؤسسات الدولة إلى تخصيص الموازنة الكافية لتفعيل السياحة ومعالجة اﻻضرار وحماية الأهوار واتخاذ الإجراءات الكفيلة بإعادتها والحفاظ عليها». كما دعا الجبوري بحسب البيان «اللجنة القانونية لإعداد صيغة قرار بهذه التوصيات لعرضها على البرلمان للتصويت عليها».
«اليونيسكو» تنقذ أهوار العراق من التجفيف للحماية الدولية
وزير السياحة والآثار السابق: ضم هذه المواقع إلى لائحة التراث العالمي يمثل اعترافًا بأهميتها
«اليونيسكو» تنقذ أهوار العراق من التجفيف للحماية الدولية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة