تناقلت وكالات الأنباء العالمية خلال الأيام القليلة الفائتة أخبارا وشائعات عن اعتزام إمبراطور اليابان أكيهيتو التنازل عن العرش، وتحدثت عن أن الإمبراطور البالغ من العمر 82 سنة الذي اعتلى «عرش الأقحوان» في مطلع 1989، الذي يعاني منذ بعض الوقت متاعب صحية، يفكر في التنحي خلال فترة غير بعيدة. ولو حصل هذا الأمر فإن أكيهيتو سيغدو أول إمبراطور لليابان يتنازل عن عرشه منذ نحو 200 سنة.
كانت النهاية المأساوية للحرب العالمية الثانية بالنسبة إلى اليابان، في عام 1945، مفصلا تاريخيا بالنسبة إلى دور الإمبراطور. ولئن كان تعرض مدينتي هيروشيما وناغاساكي للقصف بقنبلتين نوويتين، أحد أشهر الأحداث في تاريخ العالم العسكري، وهو الحدث الذي أجبر اليابان على الاستسلام وتجرع طعم هزيمة مريرة بجانب الخسائر البشرية الضخمة، فإن مكانة الإمبراطور التقليدية المقدسة كـ«ابن الشمس» انتهت؛ إذ بعد الهزيمة في الحرب ورضوخ اليابان للهيمنة الأميركية تحول الإمبراطور فعليا إلى ملك دستوري قريب من نموذج الملكيات الأوروبية في بلد تحكمه حكومات حزبية منتخبة، ويقوم فيه برلمان منتخب.
الإمبراطور الذي حدث في عهده هذا التحول التاريخي عام 1945 كان هيروهيتو (1901 - 1989) والد أكيهيتو، ولقد توفي الإمبراطور هيروهيتو يوم 7 يناير (كانون الثاني) 1989، وفور وفاته خلفه ابنه الأكبر وولي عهده على العرش.
* الإمبراطور الـ125
أكيهيتو هو الإمبراطور الـ125 بين أباطرة اليابان، ووفق التقاليد التي تقضي بإطلاق اسم على عصور هؤلاء (أي فترة توليهم العرش) عهد أكيهيتو بـ«عصر هايساي الإمبراطوري»، وسيُطلق على أكيهيتو نفسه بعد وفاته بأمر حكومي اسم «الإمبراطور هايساي»، وعندها سيطلق اسم جديد على عصر خلفه.
ولد أكيهيتو في القصر الإمبراطوري بوسط العاصمة اليابانية طوكيو يوم 23 ديسمبر (كانون الأول) 1933، وهو خامس أولاد الإمبراطور هيروهيتو (أو الإمبراطور شووا، كما يُعرف اليوم بعد وفاته) والإمبراطورة ناغاكو (الإمبراطورة كوجون)، لكنه الأكبر بين الذكور، ولقد عرف في صغره باسم الأمير تسوغو. ولقد تلقى تعليمه على أيدي معلمين خاصين في القصر قبل أن يلتحق بين العامين 1940 و1952 بمدرسة غاكوشوين - التي أسست في طوكيو لتعليم أبناء النبلاء - حيث أنهى دراسته الابتدائية والثانوية، وبعدها التحق لفترة بجامعة غاكوشوين؛ حيث درس العلوم السياسية من دون أن يتخرج.
وما يستحق الإشارة إليه هنا أنه إبان الحرب العالمية الثانية وبسبب تعرض العاصمة اليابانية للقصف عام 1945 أجلي أكيهيتو وشقيقه الأمير ماساهيتو خارج المدينة، وبعد الاحتلال الأميركي درس اللغة الإنجليزية وأصول اللياقة (الإيتيكيت) الأوروبية والغربية على أيدي مُدرسة أميركية. ومن ناحية أخرى، مع أن أكيهيتو كان الوريث الطبيعي للعرش منذ ولادته، فإنه لم يصبح وليا للعهد بصورة رسمية إلا في خريف عام 1952، وفي العام التالي، قام بأول مهمة رسمية دولية له بهذه الصفة عندما حضر مراسم تتويج الملكة إليزابيث الثانية ملكة بريطانيا. غير أنه بخلاف أسلافه في العائلة الإمبراطورية لم يحمل رتبة عسكرية في الجيش بناء على رغبة أبيه.
وفي صيف العام 1957 التقى الأمير الشاب بحسناء من عامة الشعب اسمها ميتشيكو شودا في ملعب لكرة المضرب في منتجع كارويزاوا قرب مدينة ناغانو السياحية والرياضية. وبعد تطور العلاقة بينهما، أقر «مجلس شؤون البلاط الإمبراطوري» الذي يضم رئيسي الحكومة ورئيسي مجلسي البرلمان «الداييت» وكبير القضاة إلى جانب عضوين من الأسرة الإمبراطورية الخِطبة رسميا في نوفمبر (تشرين الثاني) 1958، وبعد الاحتفال بها في 14 يناير (كانون الثاني) 1959. أجريت مراسم الزواج يوم 10 أبريل (نيسان) من العام نفسه، وبهذا بات ميتشيكو شودا أول فرد من عامة الشعب تنضم إلى الأسرة الإمبراطورية. واليوم تتكون عائلتهما من ولدين وبنت هم: الأمير ناروهيتو، ولي العهد الحالي، وفوميهيتو (أو الأمير أكيشينو)، وساياكو (المعروفة سابقا بالأميرة نوري).
* النهضة اليابانية
أقام الإمبراطور أكيهيتو وقرينته الإمبراطورة ميتشيكو قبل أن يعتلي العرش بالكثير من الزيارات الرسمية لدول العالم، كما لعبا في اليابان دورا نشطا في تقريب العائلة الإمبراطورية التي كانت التقاليد تبعدها عن المواطنين. وبعد وفاة هيروهيتو الذي ارتبط بتاريخ كإمبراطور لأكثر من 62 سنة، خلفه أكيهيتو على «عرش الأقحوان»، وتواصلت في عهده مسيرة تعزيز الديمقراطية والحياة الحزبية التي يسيطر عليها منذ عقود الحزب الديمقراطي الحر (يمين الوسط) بأجنحته المختلفة. ولقد توج أكيهيتو رسميا (في احتفال رسمي) كإمبراطور يوم 12 نوفمبر 1990.
وفي عهد أكيهيتو استمرت، بل تعززت مكانة اليابان كعملاق اقتصادي عالمي بعدما كانت اللبنات الأولى للنهضة الصناعية والثقافية قد بدأت عمليا في «العصر الميجي» (1868 - 1912)، الذي يحمل اسم الإمبراطور «ميجي» (ماتسوهيتو)، جد هيروهيتو ووالد جد أكيهيتو. ومع أن المؤسسة العسكرية ذات الطموح الإمبريالي الذي تنامى كثيرا في النصف الأول من القرن الـ20 فرضت وجودها، وحظيت بنفوذ كبير أدى إلى زج البلاد في الحرب العالمية الثانية، فإن كارثة الهزيمة في تلك الحرب أثمرت لاحقا نقلة اقتصادية في الاقتصاد والصناعة والسياسة والثقافة.
ذلك أنه في أعقاب التغييرات البنيوية التي فرضها الأميركيون على اليابان المهزومة انطلقت في البلاد حياة حزبية سليمة. وفي المقابل أدى اندلاع الحرب الكورية (1950 - 1953) إلى اضطرار واشنطن إلى تشجيع نهضة الصناعة اليابانية التي وجدت ضروريا في مرحلة ما ضربها وتقليص حجمها وفرط تكتلاتها الكبرى، وذلك في ضوء تصاعد الخطر الشيوعي في شرق آسيا عبر الصين والاتحاد السوفياتي.
وبالفعل، أسهمت تحديات الحرب الكورية في إقناع الأميركيين بالتعامل مع اليابان كحليف في وجه «الأعداء الجدد» في مناخ «الحرب الباردة». وهكذا، عاشت اليابان نهضة من وسط الركام والرماد في فترة عهد هيروهيتو نفسها. ومن ثم، جاء عهد أكيهيتو عهد تثبيت للاستقرار وتأكيدا لدور اليابان كلاعب عالمي مؤثر، في مختلف المجالات.
أكثر من هذا، منذ تولي أكيهيتو العرش فإنه حرص على الانفتاح ليس على الداخل فحسب؛ حيث زار كل محافظات اليابان الـ47، بل على جيران اليابان أيضا، ولا سيما الجيران الذين عانوا حقبة تسلطها الحربي عليهم، وبالأخص كوريا، وبلغ عدد الدول التي زارها في نطاق زياراته الرسمية الخارجية 18 دولة.
* متاعب صحية
في مطلع العام 2003، مع تقدم السن، أجرى الإمبراطور الياباني عملية جراحية لعلاج سرطان في البروستاتا. غير أن وضعه الصحي قلما أثر في التزاماته وحرصه مع زوجته الإمبراطورة ميتشيكو على تشارك المواطنين في مسرَّاتهم ونكباتهم، وظهر هذا عبر إطلالاته وتشجيعه المواطنين بعد كارثتين حلتا بشمال اليابان، هما زلزال توهوكو وأزمة التسرب النووي في فوكوشيما عام 2011، ولكن في نهاية العام تعرض لالتهاب رئوي حاد استدعى نقله إلى المستشفى، ثم في مطلع العام التالي أجرى عملية جراحية في القلب.
وحقا خلال الأسبوع الفائت راجت تقارير عن اعتزام أكيهيتو التنازل «خلال بضع سنوات» عن العرش لولي عهد الأمير ناروهيتو، وذلك بسبب وضعه الصحي غير المساعد، غير أن مصادر في القصر الإمبراطوري بادرت إلى نفي صحة هذه التقارير. ولكن في حال قرر الإمبراطور حقا التنازل، فإنه سيقدم على خطوة على الأولى من نوعها منذ تنازل الإمبراطور كوكاكو عام 1817.
* أباطرة اليابان منذ «العصر الميجي»
الإمبراطور ميجي (ماتسوهيتو) 1867 - 1912
الإمبراطور تايشو (يوشهيتو) 1912 - 1926
الإمبراطور شوا (هيروهيتو) 1926 - 1989
أكيهيتو 1989 – حتى الآن
* رؤساء وزراء اليابان في عهد أكيهيتو
(السواد الأعظم من الحزب الديمقراطي الحر أو ائتلافات يتزعمها)
سوسكي أونو 3-6-1989 – 10-8-1989
توشيكي كايفو 10-8-1989 – 5-11-1991 (حكومتان)
كيئيتشي ميازاوا 5-11-1991 – 9-8-1993
موريهيرو هوسوكاوا 9-8-1993 – 28-4-1994 (تحالف ليبرالي معارض)
تسوتومو هاتا 28-4-1994 – 30-6-1994 (حزب اليابان الديمقراطي)
توميئيتشي موراياما 30-6-1994 – 11-1-1996 (الحزب الاشتراكي)
ريوتاريو هاشيموتو 11-1-1996 – 30-8-1998 (حكومتان)
كييزو اوبوتشي 30-8-1998 – 5-4-2000
يوشيرو موري 5-4-2000 – 26-4-2001 (حكومتان)
جونيتشيرو كويزومي 26-4-2001 – 26-9-2006 (3 حكومات)
شينزو آبي 26-9-2006 – 26-9-2007
ياسوو فوكودا 26-9-2007 – 24-9-2008
تارو آسو 24-9-2008 – 16-9-2009
يوكيو هاتوياما 16-9-2009 – 8-6-2010
ناوتو كان 8-6-2010 – 2-9-2011
يوشيهيكو نودا 2-9-2011 – 26-12-2012
شينزو آبي 26-12-2012 حتى الآن