ببرنامج غني يلامس، في ندواته، عددًا من القضايا الراهنة، سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وأدبيا وفنيا، وبرنامج يحفل باختيارات فنية وغنائية راقية تلبي مختلف الأذواق، ينتظر أن تكون الدورة الـ38 من موسم أصيلة الثقافي الدولي وفية لروح وتوجه هذه التظاهرة المتميزة، سواء من حيث نوعية وتنوع برنامجها أو قيمة المشاركين فيها.
وعلى غرار المواسم الماضية، حرص القائمون على هذا الحدث السنوي، الذي ينظم تحت رعاية العاهل المغربي الملك محمد السادس، على التجديد النوعي والكمي، ضمن خيار الاستمرارية والمحافظة على الهوية الفكرية، التي طبعت الموسم منذ انطلاقه، بوصفها مظاهرة هادفة غير مسبوقة في المجال الثقافي غير الحكومي في المغرب، مما أكسب الموسم مصداقية متجددة، فصار موعدًا ثقافيا دوليًا بامتياز، تقصده النخب السياسية والثقافية المغربية والأجنبية، خصوصًا من دول الجنوب والمنطقة العربية، على أساس أنه من الواحات الفكرية القليلة في العالم وعالم الجنوب، التي يجري فيها نقاش خصب بين الفاعلين ومنتجي الأفكار بخصوص قضايا وإشكاليات لها اتصال بصميم الراهن الثقافي والمعيشي العام.
وسيمثل حفل الافتتاح، الذي يقام اليوم الجمعة، اللحظة القوية في هذا الحدث الثقافي، الذي يتواصل حتى 28 يوليو (تموز)، بمشاركة أكثر من 400 من رجال ونساء الثقافة والفن وشخصيات سياسية ودبلوماسية وإعلامية.
وما بين الندوات واللقاءات المبرمجة، ذات التوجه السياسي والفكري والفني والأدبي، ومشاغل الفنون التشكيلية، وجداريات ومعارض الموسم، ومرسم ومشغل كتابة وإبداع الطفل، وورشة الحفاظ على التراث العمراني، والعروض الغنائية والموسيقية، ستعيش مدينة أصيلة موسما آخر يزيدها توهجًا، يؤكد قيمتها بوصفها مدينة للفنون والثقافة.
وكما جرت العادة، منذ عام 1978، سبق الافتتاح الرسمي للموسم تنظيم تظاهرة للصباغة على جداريات أزقة مدينة أصيلة القديمة، وذلك تحت إشراف الفنانين المغربيين محمد عنزاوي وسناء السرغيني، ومشاركة 13 من الفنانين التشكيليين المغاربة الشباب.
ويتضمن برنامج جامعة المعتمد بن عباد، الذي تتواصل فعالياته من 15 إلى 28 يوليو (تموز)، بمكتبة الأمير بندر بن سلطان ومركز الحسن الثاني للملتقيات الدولية، مجموعة من الندوات واللقاءات الأدبية ذات الصلة بقضايا الساعة، حيث سيكون الجمهور على موعد مع ندوات «الوحدة الترابية والأمن الوطني: أي مآل لأفريقيا؟»، و«الحكامة (أو الحوكمة) ومنظمات المجتمع المدني»، و«النخب العربية والإسلامية: الدين والدولة»، و«الرواية العربية وآفاق الكتابة الرقمية». فيما ستخصص «خيمة الإبداع» لتكريم الشاعر المغربي محمد بنيس، مع تنظيم حفل تسليم «جائزة محمد زفزاف للرواية العربية»، في دورتها السادسة، التي ذهبت للروائي التونسي حسونة المصباحي. وهي الجائزة التي تمنح مرة كل ثلاث سنوات، بالتناوب مع جائزتي «تشكايا أوتامسي» للشعر الأفريقي، و«بلند الحيدري» للشعراء العرب الشباب.
ونقرأ في برنامج ندوة «الوحدة الترابية والأمن الوطني: أي مآل لأفريقيا؟»، التي يتوزعها محورا «الوحدة الترابية والهوية الوطنية» و«الحدود الوطنية والإرهاب»: «صحيح أن أفريقيا اليوم تعيش نهضة حقيقية على المستويات السياسية والاقتصادية والثقافية يعترف بها العالم ويشيد بها.
ولكن للأسف، لم تسلم القارة من النزاعات الترابية. وقد كان أولها محاولة إنشاء دولة بيافرا الانفصالية في المنطقة الشرقية لنيجيريا، مما أدى إلى قيام حرب حقيقية ما بين سنوات 1967 و1970. وتلتها فيما بعد نزاعات ترابية أخرى مثل تلك التي أدت إلى انفصال إريتريا عن إثيوبيا، أو جنوب السودان عن شماله. من الأكيد أن الجهود المبذولة في إطار عملية الاندماج شبه الإقليمي ساهمت بشكل كبير في احتواء هذه الظاهرة. ولكن مع تفجر الإرهاب في بعض الدول الأفريقية مثل جماعة (بوكو حرام)، والتمرد الانفصالي في شمال مالي، وحركة الشباب في الصومال، وكازامانس في السنغال، وإقليم دارفور في السودان وغيرها، فإن النزاعات الترابية عادت إلى الظهور من جديد، لدرجة أن أفريقيا الآن أصبحت مهددة بعدم الاستقرار. ومن هنا، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو: في الوقت الذي أصبح من الضروري تعميق (الاتحاد الأفريقي) في بعده الإقليمي أو شبه إقليمي من أجل تحقيق نهضة على المستوى الاقتصادي ذات أبعاد جيوسياسية في القارة؛ كيف يمكن تفادي استفحال بلقنة أفريقيا؟».
وجاء في برنامج ندوة «الحكامة (أو الحوكمة) ومنظمات المجتمع المدني»، التي تتناول محاور «كيف نفهم الأدوار الدولية والإقليمية المتصاعدة لمنظمات المجتمع المدني؟»، و«الحكامة كأساس للشراكة بين المجتمع المدني والمجالس المنتخبة»، و«الحكامة والمجتمع المدني: أي مستقبل؟»: «من أهم الأسئلة التي يمكن طرحها، الدور الذي يمكن أن تلعبه آليات الحكامة في الجهد التنموي، لا سيما فيما يخص تجربة المؤسسات المنتخبة، والمؤسسات العمومية، ومراكز صنع القرار، عن طريق الوسائل التي توفرها المنظومة القانونية وآليات الشراكة، والخبرات المكتسبة والمتبادلة عبر الفعل المدني؟».
من جهتها، تتناول ندوة «النخب العربية والإسلامية: الدين والدولة»، التي تتمحور أشغالها على «الدين كتراث مشترك واحتكاره من لدن السياسة»، و«النخب العربية والإسلامية وآليات التأثير السياسي»، و«النخب ومهام التحديث والديمقراطية»، الظروف التي تمرّ بها المجتمعات والكيانات السياسية على امتداد العالم العربي والإسلامي، لا سيما، خلال مرحلة ما بعد «الربيع العربي».
وتتناول ندوة «الرواية العربية وآفاق الكتابة الرقمية» سؤالا عن الكيفية التي يمكن للوسائط التواصلية الطارئة مجتمعة أن تسهم في إنضاج الوعي العربي المعاصر بفن الرواية. ويرى الناقد والباحث شرف الدين ماجدولين، منسق الندوة، أن «ثورة الاتصالات المتسارعة فتحت آفاقا واسعة للرواية العربية لتنتقل من الورقي إلى الرقمي، ومن الحسي إلى المفترض، لتصبح نصا مكتوبا بالضياء (بعد أن كانت حبرا على ورق) يتوجه إلى قارئ - زائر لمواقع وصفحات شخصية، ومنتديات جماعية على الشبكة العنكبوتية، تخضع لرغباته وتحولات نزواته القرائية.
من جهتها، تعرف «خيمة الإبداع» تكريم الشاعر المغربي محمد بنيس، الذي يقول عنه الشاعر المغربي المهدي أخريف، منسق هذه الاحتفالية، إنه «حالة ثقافية فريدة»، بتعبير الشاعر الفلسطيني مراد السوداني. «إنه حركية فرد بصيغة التعدد في الأدوار والأفعال، ممتدة على مدى عقود، تجسدها مساهماته القوية في تطوير التجربة الثقافية الحداثية في المغرب منذ مطلع السبعينات إلى اليوم».
ويتضمن برنامج الفنون التشكيلية والكتابة مشغل صباغة الجداريات ومشغل النحت ومشغل الحفر والصباغة ومرسم الطفل ومشغل كتابة وإبداع الطفل وورشة الحفاظ على التراث العمراني، فضلا عن المعارض.
موسم أصيلة الـ«38» يناقش قضايا وحدة التراب في أفريقيا
«الحكامة» و«الدين والدولة» و«الرواية العربية وآفاق الكتابة الرقمية».. وتكريم الشاعر المغربي محمد بنيس في «خيمة الإبداع»
موسم أصيلة الـ«38» يناقش قضايا وحدة التراب في أفريقيا
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة