استهداف ثاني الحرمين.. دلالات كاشفة

اليقظة الأمنية تربك الإرهاب وتستبق خطواته

عملية التفجير التي حدثت قرب المسجد النبوي في المدينة المنورة الرابع من يوليو الحالي (رويترز)
عملية التفجير التي حدثت قرب المسجد النبوي في المدينة المنورة الرابع من يوليو الحالي (رويترز)
TT

استهداف ثاني الحرمين.. دلالات كاشفة

عملية التفجير التي حدثت قرب المسجد النبوي في المدينة المنورة الرابع من يوليو الحالي (رويترز)
عملية التفجير التي حدثت قرب المسجد النبوي في المدينة المنورة الرابع من يوليو الحالي (رويترز)

لم تكن حوادث الرابع من يوليو (تموز)، واستهداف المصلين بالقرب من مسجد النبي، صلى الله عليه وسلم، في المدينة المنورة، وفي مساجد جدة والقطيف، عشية العيد الذي ينتظره الصائمون، إلا عبورا وتوحيدا بين أبناء الطوائف والوطن والدولة، وغير دليل بالدم على الهوة الشاسعة والمفاصلة الواسعة بين الإرهاب والإسلام وبين السعودية وبين الإرهابيين.
هكذا تعاني وتكافح السعودية، في القلب من العالم، ضد ويلات الإرهاب وجرائمه، وتقدم كل يوم الأدلة تلو الأدلة بدماء الشهداء والأبناء على وقوفها، والعداء الذي لا يلين بينها وبين هذا الاستهداف المتوحش لأمنها وأمانها، المبذول من قبل جماعات تناسلت فيها عداوتها.
وكانت السعودية العدو الأول الأكثر استهدافا في كتابات وخطب أسامة بن لادن، بينما كان يستثني إيران ويوصي بعدم استهدافها؛ إذ كانت السعودية هدفه الأول زمانا ورؤية دائما، منذ أن أسس أول فروع «القاعدة» فيها سنة 2003.
استهداف المساجد والبيع والصلوات استراتيجية توسع فيها تنظيم داعش سعوديا، بشكل واضح في السنوات الأخيرة. ولا تكشف هذه الاستراتيجية المتطرفة إلا عن أزمة هذا التنظيم، وهربه من اليقظة الأمنية والمجتمعية، وأن حربه على العالم أجمع، خصوصا على الدولة التي تصر على إبادته.
جاءت التفجيرات الأخيرة استجابة معتادة من بعض موتوريه لتراث التطرف وأدبياته، التي تجعل السعودية في مرتبة «العدو الأول» قبل سائر دول المنطقة، وقبل غيرها من نظم ودول المنطقة، التي يكفر هؤلاء المملكة لرفضها استهدافهم ومشاركتها في التحالف الدولي للحرب على الإرهاب، وقمعها واستراتيجياتها الصلبة عبر العمليات الأمنية والاستباقية. وكذلك استراتيجياتها الناعمة، مثل برنامج ومركز المناصحة وحملة السكينة، في وأد بذوره الخبيثة على أرض الحرمين، وإجبار أقوى فروع «القاعدة» على الخروج منها، وإنهاء عملياته ووجوده بها عام 2005.
كما نجحت الرياض في مايو (أيار) من العام الحالي في القضاء على خلايا الاتصال والتنسيق بين عناصر «داعش» في المنطقة، وهي خلية «قزعان العتيبي» الذي مثل حلقة الوصل في عمليات «داعش» ضد المملكة خلال العامين الماضيين، وقادت جهدا دوليا في الدعوة للحرب على الإرهاب، واجتثاث روافده السياسية والثقافية بعد زلزال الانتفاضات العربية عام 2011.
وربما نظرا لهذه الاستراتيجيات الأمنية والمتكاملة من الحكومة السعودية، كان لجوء عناصر تنظيم داعش المتصاعد مؤخرا للعمليات الانتحارية في المساجد والحسينيات خلال عملياتها الخمس في مساجد القطيف والدمام والدالوة خلال العام الماضي، ومحاولة لتوظيف الورقة الطائفية في تأجيج كراهيتها، كما كان في تفجير مسجد علي بن أبي طالب في القديح بمحافظة القطيف في 21 من مايو، أو في المحاولة الفاشلة لتفجير مسجد العنود في الشهر نفسه، التي راح ضحيتها ثلاثة من الشهداء مع الانتحاري نفسه، وهذه أمثلة وليست حصرا لهذه العمليات.
استهداف المساجد والبيع والصلوات استراتيجية توسع فيها «داعش» سعوديا، بشكل واضح في السنوات الأخيرة. وذلك بعد أن بدأتها فروع تنظيم القاعدة في كل من العراق ومصر، التي استهدفت كنيسة بشارة النجاة سنة 2010، ومزارات الشيعة وكنيسة القديسين في مصر وتونس وغيرها، وبلغت قمة توحشها باستهداف المسجد النبوي نفسه في الحادث الأخير.
وتكشف هذه الاستراتيجية عن أزمة هذا التنظيم، وهربه من اليقظة الأمنية والمجتمعية، كما يكشفها توجه عناصره لاستهداف الأقارب، ممن تؤمن أواصرهم، في عمليات متعددة كان آخرها استهداف توأم مراهق لوالده ووالدته في الرابع والعشرين من يونيو (حزيران) الماضي، وكذلك محاولة ترهيب العلماء والدعاة والمملكة عبر بيانات تهديد وتكفير لهم، ونشرته «داعش» في مجلتها «دابق» في يناير (كانون الثاني) سنة 2016.
شهدت السعودية بين مايو 2015 ومايو 2016 فقط نحو ثلاثين عملية إرهابية، أي بمعدل عملية كل 12 يوما. وشهدت منذ استهداف أسامة بن لادن و«القاعدة» لها وانطلاق عملياتهما ضدها في مارس (آذار) سنة 2003 وحتى العام الماضي فقط ما يقارب (124 عملية إرهابية) راح ضحيتها عشرات من المدنيين ورجال الأمن، وأصيب مئات آخرون.
وبين مارس 2003 و2011 شهدت السعودية نحو 98 عملية إرهابية، راح ضحيتها أكثر من 90 شخصا من المدنيين وأصيب من 608 آخرين، وقتل فيها نحو 65 شخصا من رجال الأمن وما يربو على 360 آخرين من رجال الأمن. وتعرضت السعودية ما بين مايو 2015 ومايو 2016 لنحو 30 عملية إرهابية بمعدل عملية كل 12 يوما، وعملية في 24 يونيو الماضي قتل فيها شقيقان متطرفان والدتهما.
ووفق تصريحات رسمية، بلغ عدد المقاتلين السعوديين في سوريا والعراق نحو 3 آلاف مقاتل عاد منهم نحو 760 مسلحا، خلال العام الأخير، ويلاحظ انخفاض معدل الانجذاب للتطرف في الآونة الأخيرة.
كما شهد عام 2014 عددا من عناصر «داعش» يقطعون جوازات سفرهم الصادرة عن السعودية، متنكرين لوطنهم وأصولهم ومواطنيهم، وكان في مقدمتهم عثمان آل نازح العسيري أحد عناصر «داعش» المقتول في يناير من العام الماضي.
إن القطع والمفاصلة بين الإرهاب والسعودية دلائله بينة، تأتي دما ينهمر في أعظم الأماكن المقدسة وأشرف البقاع الإسلامية، كما تأتي كفرا وتكفيرا للوطن والوطنية والانتماء إليها، كما تزخر بها أدبيات التنظيم القديمة والجديدة باستمرار، كما سنوضح في الجزء التالي.
إن استقراء بسيطا لخطابات قائد وزعيم «القاعدة» الراحل أسامة بن لادن يعلمنا أن السعودية تحتل المرتبة الأولى في تصورات العدو عنده، ويأتي الآخرون بعدها، كما كانت الوحيدة التي خصها منظرو «القاعدة» و«داعش» بكتابات مستقلة لتكفيرها، كما سنوضح.
فمنذ فترة، توالي مؤسسة الغرباء، إحدى الأذرع الإعلامية لـ«داعش»، رسالة صغيرة للمدعو أبو أسامة الغريب بعنوان: «هل مكة دار كفر؟» التي يلح فيها كاتبها المتطرف على اعتبار مكة والمدينة، أقدس الأماكن عند المسلمين قاطبة، داري كفر! متابعا في ذلك ما سبق أن ما سطره شيخه السلفي المتشدد أبو محمد المقدسي في كتابه «الكواشف الجلية في كفر الدولة السعودية» وفي رسالته المعروفة بـ«الرسالة الثلاثينية في التحذير من الغلو في التكفير» وقد وضع الأخيرة في التحذير من التكفير، ولكنه أكد - وفقط - على ما سبق أن سطره في كتابه الأول على كفر الدولة والدار السعودية.
لم يكن استناد المتطرفين، الغريب أو أستاذه السابق المقدسي في كواشفه غير الجلية، لغير استنادات هشة على العلاقة بالغرب وعلاقة السعودية التي تطبق الشريعة بالنظم العربية الأخرى، التي تراها «القاعدة» كما تراها «داعش» نظما مرتدة، ورفض تكفيرها أو استهدافها من المتطرفين، واحتفاظها بعلاقات دبلوماسية وتعايشية مع العالم من المقيمين فيها أو من المبعوثين عندها، فضلا عن تكفيرها بسبب سنها لقوانين وتشريعات تنظم الشأن العام. شأن القانون التجاري أو قانون البنوك أو غيرها من القوانين، رغم إقرار الكاتبين بأنها تطبق الشريعة وتخدم الدين، وهذا هو الخطر الذي يرونه منها.
رغم كل ما سبق، تتكرر، بين حين وآخر، اتهامات عشوائية وأحيانا مغرضة، شارك فيها كل من إعلام نظام الولي الفقيه، وإعلام بشار الأسد بشكل ما، مفادها محاولة الربط بين المملكة التي يكفرها الإرهابيون ويعتبرونها العدو الأول لهم، وبين الإرهاب، أو اتهامات عشوائية تحمّل التراث الحديثي، والحنبلي خاصة، في القرن السادس عند ابن تيمية (توفي 728 هجرية) وتلامذته، ومن تأثروا به في الدولة السعودية الأولى أواخر القرن الثامن عشر وحتى الآن، المسؤولية عن التأسيس للإرهاب ومنطقه، رغم الحرب الشعواء التي شنتها السلفية على كل علماء هذا التيار، من علماء المؤسسة الدينية السعودية إلى الألباني وصولا للأزهر ذاته، بل وسائر تيارات التجديد الإسلامي المخالفة لهم.
وسار بعض المبتسرين للنصوص بعشوائيتهم زاعمين، أن ما يفعله الإرهابيون والانتحاريون، رغم إقرار الجميع بأن العمليات الانتحارية بدعة محدثة لم يعرفها الأقدمون، هو نتاج له! في اجتزاءات واقتطاعات ونتف خطابية تتجاهل التعارض القائم بين أنصار توحيد الحاكمية، التي لم ترد في اعتقاد السلف كذلك وصكها المودودي ثم نقلها سيد قطب، وبين تراث أهل الحديث الذي عرف عنهم أنهم كانوا جماعة طاعة، وليس جماعة خروج، منذ ظهورهم الأول في القرن الثاني الهجري مرورا بفترة ابن تيمية في القرن السادس التي كان فيها مواطنا للدولة المملوكية في مصر والشام، بمرجعيتها الحنفية والأشعرية والصوفية، غير داعية للخروج، الذي رغم كثرة مؤلفاته وفتاواه، لم يخطوا رسالة واحدة في مسائل الإمامة أو الآداب السلطانية. وإن كتب وتلميذه ابن القيم في مسألة السياسة الشرعية والطرق الحكمية، وهو ما يتعلق بتنظيم المجتمع والحسبة وما شابه من أمور زمنية.
بالعودة إلى البداية، نذكر أن منظري «القاعدة» و«داعش» كتبوا «مكة دار كفر» وكتبوا عن تكفير بلاد الحرمين، بينما رأى ابن تيمية في ماردين التي كان يحكمها التتر، الذين تحولوا للتشيع، ولم يحكموا الشريعة ولكن حكموا ياسق جنكيز خان أنها «دار مركبة» وليست دار كفر، فهي برأيه تجمع وصف الإسلام ووصف الكفر لاحتكامها لتراث جنكيز خان الذي لم يكن على دين سماوي. وكتب ابن تيمية نفسه الكثير من الفتاوى لأهلها عرفت بـ«الفتاوى الماردينية» دون إلحاح منه على تكفير أو إخراج أو انتحار!
إن هذا التاريخ الأسود الثقيل من حرب الإرهاب على المملكة العربية السعودية وبلاد الحرمين، واستهدافها المصلين فيه وفي سائر مساجد المسلمين، يكشف زيف مثل هذه الاتهامات وخطلها.
كما يؤكد على المفاصلة والقطيعة العميقة بين التطرف العنيف المعاصر، تنظيرا وتنظيما، وبين تراث المسلمين ودولهم، فلا يقدس ما يقدسون زمانا (رمضان) أو مكانا (المسجد النبوي أو أي مسجد) أو إنسان (في توسعهم في بدعة العمليات الانتحارية) وأن حربهم على العالم أجمع، وفي القلب منه هذه الدولة التي تحاربه، وتستمر وتصر على حربه ودفع شره.



«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
TT

«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)

ارتبط مسمى «حزب الله» بنوعين؛ أعلام صفراء في لبنان، وحسن نصر الله أمين عام حزب الله، لبنان، لكن النوع العقائدي الأكبر خطورة يسير في دماء العراق، حزب هو بذات الاسم، عقائديون أكبر أثراً في سفك الدماء، حيث يرعون الأمر أكبر من مجرد حزب أصفر له الضاحية الجنوبية في لبنان؛ مسكن ومقر ومشيعون.
بين دجلة والفرات، حزب يسمى كتائب «حزب الله العراق»، له أكثر من 13 عاماً وهو في تشكيله الحالي، ليس بالهين عوضاً عن ميليشيات «الحشد الشعبي» التي أخذت كل الوهج الإعلامي كونها مرتبطة بنظام إيران، لكن «حزب الله العراق» وكتائبه تمر في أزقة السواد وبأخطر من دور ميداني تمارسه «الحشد الشعبي»، لأن العقائدية ونشرها أشد خطورة من ميدان يتقهقر فيه الأضعف، نظراً للضربات الآمنة التي يقودها الحلفاء أولو القوة من غرب الأرض لوقف تمدد النزيف، دائماً ما يكون مصنع الوباء يمر بحزب الله العراق.

قبل أشهر، كان الحزب تعرض لواحدة من أعنف الغارات على مواقعه، بعد هجوم صاروخي استهدف قاعدة التاجي في العراق، وقتل فيها جنديين أميركيين وبريطانياً، وجاء الرد خلال ساعات قليلة بفعل غارات أميركية - بريطانية مشتركة، ضد منشآت لميليشيات حزب الله العراقي في محافظتي بابل وواسط ومنطقة سورية محاذية للحدود العراقية.
نظرة سريعة على حزب الله العراق، من التاريخ، كان عماد مغنية (قتل في 2008 بغارة إسرائيلية في دمشق) الإرهابي اللبناني التابع لإيران، وحزب الله لبنان، كان أحد صنّاع هيكل هذا الحزب في العراق، حيث بدأ في العمل وفقاً لتوجيهات وأوامر نظام الملالي في تكوين حزب يشبه حزب الله اللبناني، وهو ما يبدو أن الأوامر جاءته في تجويد هذا الحزب ليكون بذراعين: عسكرية وعقائدية، ويبدو أن مغنية تجاوز أخطاء عديدة في تشكيل ووهج حزبه اللبناني، فصنع بهدوء هيكلة مختلفة للحزب، جعلت كل المساجد والحسينيات وقوداً يضخ فيها البذور التي يرغبها أولو العمائم.
ظهر الحزب بحضوره الأول بقوام تجاوز 4 آلاف شخص، منتمين بعضويات عدة داخله، وتنامى العدد حتى قبل تصنيف الولايات المتحدة له كـ«تنظيم إرهابي»، لكنه جعل دوره التسويقي للحشد والتنظيم أكبر من مجرد عسكرة، بل فكرة أكثر ارتباطاً في نشر آيديولوجيا عبر مواقع عدة، ومنها تفريخ عناصر في قطاعات مهمة داخل العراق؛ منها وزارة التعليم ووضع لبنات التعاون مع أحزاب دينية؛ منها «الحزب الإسلامي» الذي يتغذى بمنهج الإخوان المسلمين.
ربما ما يدور أن الحزب هو جزء في تكوين «الحشد الشعبي» لكن ذلك يمر بتقاطعات، حيث يشير عبد القادر ماهين، المتخصص في شؤون التنظيمات الإرهابية، إلى أن الحزب يظهر كونها جزءاً من تكوين الحشد، لكنه جزء يصنع الكعكة الميليشياوية ويشارك في تسميمها ويعمل على توزيعها في المناطق المجاورة.
يشير ماهين في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» إلى أنه لا أمين عاماً للحزب أسوة بحزب الله اللبناني، حيث يظهر فيه حسن نصر الله، مبرراً ذلك أن الفرق بين تكوين الحزبين هو الحاجة والدور، حيث يتمركز في جنوب العراق بعتاد عسكري، له هدف في وضع حضور طاغٍ يحاول تفخيخ الحدود، لأن الهدف يرتبط مع إمبراطورية إيران الكبرى الممتدة، ولا يظهر له الأثر السياسي كممثلين له كما هو الحزب اللبناني ليكون أثره في تشكيل الحكومات والبرلمانات.

إذن ما الدور الذي يلعبه الحزب؟

الحزب كما يرى ماهين، أنه ذو دور عسكري في الأصل، لكن الترتيبات ما بعد 2009 جعلته أكثر قدرة في تكوين فريق احتياط عسكري ليس أكثر وفق الحاجة، يدعم التوجهات والسياسات الإيرانية، لكن ما أخل بتلك القاعدة مشاركته المباشرة في دعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وأصبح أكثر من 4 أو 5 آلاف جندي مشاركين في السيطرة على مدن سورية تحت إمرة إيران في سوريا التي تتشكل من 4 فصائل مسلحة.
الحزب ليس عسكرياً فقط؛ كان ولا يزال صاحب دور في الترويج العقائدي، وتصوير الحضور الإيراني بشكل إيجابي مزعوم، إضافة إلى عمله الاقتصادي، حيث يدخل عناصره الكبرى في مفاصل مهمة في الاقتصاد العراقي، من شركات اتصالات وشركات نفطية، وأخرى ذات علاقة بقطاع الطيران، وإدارة المطارات والمنافذ، وبعض الأشخاص أبرزهم هادي العامري الذي كان صاحب صولات وجولات حين حمل حقيبة وزارة النقل العراقية في وقت سابق، وكان أبرز مهددي الاستمرار الكويتي في بناء ميناء مبارك الكبير، حيث هددت كتائب الحزب الشركات من الاستمرار بالعمل، وحينها ظهر العامري بأن ذلك المشروع «يغلق القناة الملاحية لموانئ العراق».
مرحلة مختلفة ظهرت، حين عاودت الآلة العسكرية الحزبية لكتائب حزب الله العراق، بالعمل من خلف الصفوف، حيث كانت أبرز مهددي السفارات وأكثر ملغمي مسارات الحلول السياسية، بل ومن رمى بقادة العراق اليوم في تحدي أن يرضخوا أمام شعب بدأ في كراهية الحضور الإيراني، وكان الحزب أبرز علامات استهداف المتظاهرين في العراق في كل البلاد، بغية كسر حدة السيوف الشعبية لتصبح مجرد مقبض دون رأس حربة كي يحافظ الحزب على الوجود الإيراني، خصوصاً أنه أبرز متلقٍ للأموال من نظام إيران وأكثرها غناءً.
الدور الاقتصادي لكتائب حزب الله العراق أصبح أكثر وضوحاً، حيث كان أكبر المنتفعين في عام 2015، من «الفدية القطرية» التي وصلت إلى أكثر من مليار دولار، مقابل إطلاق سراح قطريين كانوا يقضون وقتهم في الصيد جنوب العراق، ورغم أن الأنباء قالت إن الخاطفين لعدد من أبناء الأسرة الحاكمة القطرية ومعاونيهم الذي بلغ 28 شخصاً، كانوا من تنظيم «داعش»، لكن التقارير المسربة لاحقاً في بدايات 2016 حيث جرى تخليصهم وعودتهم إلى قطر، كانوا يتبعون لكتائب حزب الله العراق، وهو ما ينافي الرواية الرسمية القطرية التي تقول إنها دفعت المبلغ للحكومة العراقية.
الدور المستقبلي لن ينفك عن منهجية تتقاطع مع حزب الله اللبناني، حيث لدى الحزب اليوم الرؤى ذاتها، خصوصاً في اعتماد سياسة «افتعال الأزمات»، كي لا ينكسر الحضور الإيراني ونفوذه في المؤسسات الدينية وبعض السياسية، التي يجد فيها بعضاً من رجاله الذين يقبعون في سياسة تخفيف الضغط على النظام السياسي ومحاصصته التي تستفيد منها ميليشيات إيران في العراق، وما بعد مقتل قاسم سليماني، غربلة يعيشها الحزب الذي يجرب يوماً بعد آخر أسلوب التقدم خطوة بخطوة، مستفيداً من تكتيك الفأر في نشر طاعون على أرض هي الأهم لإيران.