عادت قضية اللبنانيين الذين فرّوا إلى إسرائيل في عام 2000 إلى الواجهة، عبر إثارة الرابطة المارونية قضيتهم مجددًا، ووصفها بـ«الجرح النازف الواجب معالجته لمرة أخيرة ونهائية»، علما بأن كثيرا من المعوقات القانونية والسياسية وحتى الشعبية، تحول دون التوصل إلى تسوية لهذا الملف، من دون إخضاع هؤلاء إلى المحاكمة أمام المراجع القضائية المختصّة.
تحريك هذا الملف، جاء خلال زيارة قام بها رئيس الرابطة المارونية أنطوان إقليموس على رأس وفد من الرابطة إلى عدد من القرى المسيحية في جنوب لبنان، ولقائه فاعلياتها الدينية والاجتماعية، حيث أثاروا معه مسألة لجوء المئات من أبنائهم إلى إسرائيل وانعكاساتها السلبية عليهم، وأبلغ إقليموس الأهالي أن «قضية المبعدين هي جرح ينزف في خاصرة الوطن وسنتابعها». ومن المنظور القانوني، رأى أنه «لو ارتكب المبعدون جناية أو جنحة أو مخالفة، فقد مضى عليهم 16 سنة وهم خارج وطنهم، أنا أعتبر من وجهة نظري كمحامٍ أنهم أمضوا فترة عقوبتهم». وأكد أن «وجود المبعدين خارج وطنهم ليس متعة أو سياحة، بل علينا أن نعطيهم فرصة ليعيشوا بكرامة».
وكان ما بين ألفين و3000 لبناني مع أسرهم، فرّوا إلى إسرائيل، مع انسحاب قوات الاحتلال من جنوب لبنان في 25 مايو (أيار) من عام 2000. وكان هؤلاء ينضوون ضمن ميليشيات «جيش لبنان الجنوبي» المتعاملة مع إسرائيل بقيادة اللواء أنطوان لحد، ولم يتمكنوا من العودة إلى لبنان، بفعل الملاحقات القضائية التي تنتظرهم وتوقيفهم أولاً، وثانيًا وهي الأهم خوفهم من ردود فعل حزبية أو شعبية انتقادية ضدهم وضدّ أسرهم.
في هذا الوقت، أوضح مصدر قضائي لـ«الشرق الأوسط»، أن «لا تسوية في قضية عملاء إسرائيل، لكن إذا أرادوا العودة إلى لبنان عليهم أن يسلموا أنفسهم للقضاء، للتحقيق معهم ومحاكمة من يثبت تورطه في التعامل مع العدو وإلحاق الضرر بالمصلحة الوطنية»، لافتًا إلى أن «وضع النساء والأطفال والقاصرين الذين فرضت ظروف فرار أهلهم إسرائيل، لا يسري عليهم جرم العمالة». ورأى المصدر القضائي، أن «مجرّد التفكير بإلغاء العقوبة وعدم إخضاع هؤلاء إلى تحقيق قضائي، هو أقرب إلى التمنّي». وقال: «من يريد تسوية على قياس هؤلاء عليه أن يضغط لاستصدار قانون عفو عن المجلس النيابي يلغي الجرم من أساسه، وبالتالي تسقط العقوبة عنهم تلقائيًا، لكن هذا أمر مستبعد حاليًا».
وكان البرلمان اللبناني، أقرّ خلال شهر نوفمبر (تشرين الثاني) من عام 2011. مشروع قانون تقدّم به «تكتل التغيير والإصلاح» الذي يرأسه النائب ميشال عون، ينصّ على «معالجة أوضاع جميع اللبنانيين الذين لجأوا قسرًا إلى إسرائيل خلال انسحابها من لبنان في عام 2000». وتحدثت الأسباب الموجبة لهذا القانون على أن «هؤلاء المواطنين غير مسؤولين في الأصل عما أصابهم بسبب تخلي الدولة عنهم منذ بدء الأحداث اللبنانية وتركهم لمصيرهم الأسود تحت نيران الاحتلال الإسرائيلي».
رئيس الرابطة المارونية أنطوان إقليموس، أشار إلى أن «مسألة المبعدين إلى إسرائيل هي قضية خلافية، وسأعمل على إخراجها من الخلاف، لوضعها في إطار المعالجة». وأكد لـ«الشرق الأوسط»، أن «وجود مئات اللبنانيين في إسرائيل هو الذّل بحد ذاته، بمعزل عن إذلالهم يوميًا من قبل العدو عبر طريقة معاملتهم». وقال: «إذا صحت الشبهات على هؤلاء، أنا أعتبر أن عقوبتهم استنفذت ويجب استيعابهم وإعادتهم إلى حضن الوطن، خصوصا أنهم عابرون للطوائف، لأن فيهم مسلمين ومسيحيين، ويجب النظر إليهم بعين الاستيعاب، لا التشفّي والانتقام».
وفي مقاربته لهذه المعضلة ومسبباتها من زاوية مختلفة، قال: «نحن الآن نستوعب المليون ونصف المليون نازح سوري، في حين ممنوع على لبنانيين أجبرتهم الظروف أن يفرّوا إلى إسرائيل خوفًا من ردود فعل ضدهم، وأن يعودوا إلى قراهم ومنازلهم وعائلاتهم»، مشددًا في الوقت نفسه على «عدم القفز فوق القضاء والمؤسسات الرسمية».
وتابع إقليموس وهو نقيب سابق للمحامين في لبنان: «أنا لا أبحث عن تسوية أو عملية استيعاب عشائرية، أنا رجل قانون وأعتبر أن القضاء اللبناني هو صاحب الصلاحية في التحقيق معهم، لأنه هو الذي يظنّ ويتهم ويحاكم، فإما يدين وإما يبرّئ، لكني أرفض محاكمات شعبية لهؤلاء، أو ردود فعل خارج القانون والدستور وإطار المؤسسات الشرعية»، كاشفًا عن «مساعٍ تبذلها الرابطة مع القيادات المعنية، لمعالجة هذه المعضلة ضمن المبادئ التي تحدثنا عنها، لأن البلد لا يمكن أن يستمرّ على الأحقاد والمكائد وتصفية الحسابات».
تحريك مفاجئ لملف المبعدين إلى إسرائيل.. والرابطة المارونية تطالب بـ«منحهم فرصة»
مصدر قضائي لـ«الشرق الأوسط»: لا مفرّ من محاكمة المتورطين بالتعامل مع العدو
تحريك مفاجئ لملف المبعدين إلى إسرائيل.. والرابطة المارونية تطالب بـ«منحهم فرصة»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة