الضاحية الجنوبية تحتفل بمحرري أعزاز.. وأسئلة عن مصير المتهمين بخطف الطيارين التركيين

نقلوا 13 مرة من مواقع احتجازهم بسبب الحرب.. والخاطفون لم يكونوا متشددين

عباس حمود أحد المحررين التسعة يقبل يد والدته عقب وصوله إلى منزله في صيدا جنوب لبنان (أ.ف.ب)
عباس حمود أحد المحررين التسعة يقبل يد والدته عقب وصوله إلى منزله في صيدا جنوب لبنان (أ.ف.ب)
TT

الضاحية الجنوبية تحتفل بمحرري أعزاز.. وأسئلة عن مصير المتهمين بخطف الطيارين التركيين

عباس حمود أحد المحررين التسعة يقبل يد والدته عقب وصوله إلى منزله في صيدا جنوب لبنان (أ.ف.ب)
عباس حمود أحد المحررين التسعة يقبل يد والدته عقب وصوله إلى منزله في صيدا جنوب لبنان (أ.ف.ب)

لا تكفّ الألسن في الضاحية الجنوبية لبيروت، معقل حزب الله، عن شكر كل من ساهم «في تحرير المخطوفين اللبنانيين التسعة الذين كانوا محتجزين في مدينة أعزاز (شمال سوريا)، ليل أول من أمس. شملت عبارات الشكر، حكومات لبنان وقطر وتركيا والسلطة الفلسطينية. وحده رجل خمسيني خرج عن القاعدة علنا، ممازحا بالقول: «كان علينا توجيه الشكر لمجهولين اختطفوا الطيارين التركيين، اللذين ساهما أيضا في الضغط لعقد الصفقة». يضحك المتجمعون بالقرب منه، ويسارع أحدهم للقول: «الشكر يشمل الجميع»، خلال وجودهم جميعا أمام مقرّ «حملة بدر الكبرى» في بئر العبد، إحدى الجهتين المنظمتين لرحلة زيارة الأماكن المقدسة في إيران، التي انتهت بخطف اللبنانيين أثناء عودتهم برا عبر سوريا، في شهر مايو (أيار) 2012.
تغيّر مزاج الضاحية الجنوبية كثيرا منذ الإفراج عن المخطوفين اللبنانيين في أعزاز. تعم الاحتفالات المنطقة جميعها، وتنتشر صور المحررين وصور عملاقة للمدير العام للأمن العام اللبناني اللواء عباس إبراهيم، المفاوض اللبناني في تحرير المخطوفين اللبنانيين في سائر الشوارع.
وحدهم المحررون، تبدو عليهم علامات الإعياء والتعب الإرهاق. «منذ ثلاثة أيام لم أنم»، يقول المفرج عنه علي ترمس لـ«الشرق الأوسط»، ومعزيا نفسه في الوقت ذاته بالقول: «لكنني خرجت مجددا إلى الحياة».
وجاءت عملية الإفراج عن اللبنانيين المعتقلين في مدينة أعزاز السورية، ليل أول من أمس، ضمن صفقة ثلاثية، أفرج خلالها أيضا، في الوقت نفسه، عن الطيارين التركيين المختطفين في لبنان، وعدد من المعتقلات السوريات في سجون النظام السوري. وأغلق الملف على خاتمة سعيدة، بعد تعثر المفاوضات أكثر من مرة لإطلاق سراحهم، بينما لم تتضح بعد أسباب عدم اشتمال صفقة تحرير المخطوفين اللبنانيين والمعتقلات السوريين على المطرانين المخطوفين بريف حلب؛ بولس يازجي ويوحنا إبراهيم.
في شوارع الضاحية، كما في منازل المحررين في حي السلم وبئر العبد وحارة حريك، تتكرر الروايات. ولا ينتهي السرد بوصول زائرين جاءوا يقدمون التهنئة للمفرج عنهم بالسلامة. أحداث جديدة يخبرها هؤلاء، تؤكد معاناتهم طوال 17 شهرا، نقلوا خلالها 13 مرة من مواقع احتجازهم، بين مدينة أعزاز ومدينة المارع (شمال حلب)، ومعسكر «لواء عاصفة الشمال» التابع للجيش السوري الحر في أعزاز، وبلدة أخرى تبعد سبعة كيلومترات عن المدينة. وترافق الضغط النفسي الذي عاشه هؤلاء، مع ضغوط الحرب، واقتراب الخطر من مواقع احتجازهم. لكن خبر نقلهم إلى داخل الحدود التركية، قبل ثلاثة أيام، بهدف الإفراج عنهم، محا «عذابات الماضي»، على الرغم من أنهم لم يبلغوا بإطلاق سراحهم إلا بعد نقلهم إلى داخل الحدود التركية.
ويحكي علي ترمس، في منزله في حارة حريك، معاناة فترة الاحتجاز. يعرف هذا الرجل خاطفيه بأسمائهم. يقول لـ«الشرق الأوسط»: «أحد الخاطفين كان متعاطفا معنا تماما من الناحية الإنسانية، وهو ضابط منشق من مطار منغ العسكري (شمال حلب)»، مشيرا إلى أن أحدا لم يعذبه. ويوضح أن «العذاب اقتصر على الانتقال من مقرات احتجاز إلى أخرى، علما بأنه كان لدى الحراس تعليمات واضحة بعدم أذيتنا».
ويشير ترمس إلى «أننا عانينا الأمرين بعد مقتل المسؤول عن احتجازنا عمار الداديخي (أبو إبراهيم) في فبراير (شباط) الماضي، حيث لم يهتم بنا الآخرون مثله»، لافتا إلى أنه أبلغهم أن «مسؤولا لبنانيا دفع له مبلغ 50 ألف دولار لتوفير ما نحتاج إليه، وعدم حرماننا أي شيء، ومعاملتنا بشكل حسن».
لم يخضع اللبنانيون التسعة المحررون لتحقيقات قاسية خلال فترة احتجازهم، باستثناء الأيام الأولى. يقول ترمس: «جاءنا ثلاثة أشخاص ملتحون للتحقيق معنا، وسؤالنا عن علاقتنا بحزب الله، وعما إذا كنا قياديين فيه، لكن بعد هذا التحقيق، لم نخضع لجلسات مماثلة، قبل أن يتسلمنا أبو إبراهيم».
اللافت أنه، منذ احتجاز اللبنانيين حتى الإفراج عنهم، فقدوا كثيرا من خاطفيهم. ويوضح ترمس في هذا السياق: «في البداية، كانوا نحو 60 شخصا، ومع اشتداد المعارك مع الجيش النظامي حينا، ومع الأكراد بعدها، ولاحقا مع تنظيم (الدولة الإسلامية في العراق والشام)، داعش، توفي ما يقارب الخمسين شخصا، ولم يبقَ منهم إلا العدد القليل». وبعد تقدم داعش، «ازداد الخوف على مصيرنا أكثر».
يعرف هؤلاء الكثير عن واقع المنطقة والمتغيرات التي طرأت عليها منذ سيطرة الجيش السوري الحر عليها. يقول ترمس: «عند كل متغير، كانت لنا حصة. فقد سقطت قذيفة قرب مقر احتجازنا، كما انفجرت عبوة ناسفة في حائط غرفة المحتجزين فيها، وشاهدنا من منور لا يرتفع أكثر من 30 سنتيمترا فعل الانفجار، خلال الشتاء الماضي».



اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.