سلط الاعتداء الدامي الأخير الذي تعرض له مطار أتاتورك الدولي في مدينة إسطنبول، العاصمة الاقتصادية والثقافية لتركيا، وتوجيه أصابع الاتهام في المسؤولية عنه لتنظيم داعش الإرهابي المتطرف، الضوء على نقلة نوعية في إرهاب الجماعات الإرهابية المسلحة. وحسب مراقبين فإن المطارات باتت الآن هدفًا بالنسبة لهذه الجماعات وعلى رأسها «داعش»، ولا سيما، بعد عدة حوادث شهدتها أو ارتبطت بها مطارات عالمية بينها مطار شارل ديغول في العاصمة الفرنسية باريس ومطار بروكسل - زافينتيم الدولي في بلجيكا ومطار شرم الشيخ الدولي في شبه جزيرة سيناء المصرية.
«داعش في المطارات». ليست هذه صيحة إنذار أو جرس تنبيه في عملية أمنية افتراضية يتم التدريب عليها أو تصورها، وإنما أصبحت حقيقة ماثلة على الأرض، خاصة، بعدما غيّرت المنظمات المتطرفة، وفي مقدمتها تنظيم داعش الإرهابي الذي يعد اليوم أكثر التنظيمات المتطرفة نشاطا خلال الفترة الماضية، توجهاتها وتقنيات استراتيجيتها الإرهابية. والحال أن مطارات العالم أصبحت تمثل الآن «مصايد» جديدة تصطاد من خلالها جماعات العنف المزيد من الضحايا الأبرياء، لبث عنف أكثر، وتأكيد قدرتها على اختراق المطارات التي هي عادة من الأماكن الأكثر تأمينا في دول العالم.
خبراء أمنيون معنيون في هذا الشأن قالوا لـ«الشرق الأوسط» إن «استهداف المطارات الدولية لأنها أكثر الأماكن مثالية، وتضم الكثير من الجنسيات، وبالتالي وقوع عدد أكبر من الضحايا»، موضحين أن «استهداف المطارات من قبل تنظيم داعش تغير نوعي في تكتيكات الجماعات المتطرفة لإحداث «فرقعة إعلامية» وإثبات فشل سلطات الدول في مواجهة التنظيمات الإرهابية. وتابعوا أن العمليات الإرهابية التي تقع في أي مطار بالعالم دائمًا ما تتسبب بتأثيرات ممتدة إلى كل المجالات الاقتصادية وغيرها، وذلك نظرا لطبيعة المكان الذي يستخدمه أصحاب مختلف الوظائف والمهن، فخسائر البورصة تكون فورية، والخسائر في قطاع السياحة تظهر آثارها سريعا، والأمر نفسه يصدق على باقي المجالات الأخرى التي لها علاقة بالمطارات.
جانب آخر مهم، هو أن الجماعات الإرهابية تضمن عبر إجرائها أي عملية في مطارات العالم، اهتماما إعلاميا عالميا بالحادث على أوسع مدى، نظرا لتعدد الجنسيات التي تكون موجودة في المطارات، بخلاف أي مكان آخر يكون الاهتمام به على النطاق المحلي فقط. ولقد جدد التفجير الانتحاري الذي وقع في مطار إسطنبول - أتاتورك بتركيا قبل أيام، الحديث عن مخطط «داعش» الإرهابي الجديد لاستهداف المطارات، ومن المرجح أن يتبنى التنظيم مسؤوليته عن الهجوم الذي سقط فيه نحو 50 قتيلاً ونحو 147 من الجرحى وإن كان لم يفعل في الهجمات السابقة. إذ لم ينس العالم كله حادثة طائرة «مصر للطيران» التي أقلعت من مطار شارل ديغول في باريس وانفجرت في مياه البحر المتوسط قبل وصولها للقاهرة، وسط ترجيحات بتورط «داعش».
بصمات «داعش»
مراقبون حاورتهم «الشرق الأوسط» قالوا إن «هجوم مطار تركيا يحمل بصمات (داعش) بسبب الموقع الذي اختاره المسلحون لتنفيذ التفجيرات الانتحارية والأسلوب الذي اتبعوه، وطريقة تنسيق الهجوم باستخدام الأسلحة والمتفجرات، وهي طرق متعارف عليها عند الدواعش». ويشار إلى أن مطار أتاتورك، الواقع في ضواحي إسطنبول، يمثل نقطة التلاقي الرئيسية لنحو 30 مليون شخص يزورون تركيا كل عام، كما أنه أيضا المركز الرئيسي لشركة الخطوط الجوية التركية، وهي العلامة التجارية الدولية الأكبر للنقل الجوي في البلاد، ناهيك من أنه بوابة الأعمال التجارية في إسطنبول. وللعلم، عملية إسطنبول التي استهدفت ساحة انتظار السيارات المقابلة للباب الخلفي للمطار، جعلت الكثير من دول العالم تفقد الثقة في تأمين مطارات تركيا وقامت بإلغاء رحلاتها الجوية من وإلى مطار أتاتورك، وسط مخاوف من استهدافات أخرى بأماكن متجددة في العالم.
اللواء أحمد رجائي عطية مؤسس الفرقة 777 لمكافحة الإرهاب الدولي في مصر، قال في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إن «استهداف المطارات من قبل جماعات العنف لكونها أكثر مثالية في الضجة الإعلامية والعالمية، ولأنها تضم الكثير من الجنسيات وتوقع ضحايا أكثر»، موضحا أن «استهداف المطارات من قبل تنظيم داعش يُعد تغيرا نوعيا في تكتيكات الجماعات المتطرفة». ويشار إلى أن المطارات من أكثر الأماكن المكلفة ماديا لأي دولة في العالم، نظرا لصعوبة إنشائها وحاجتها إلى تقنيات عالية، خاصة أن خدمة الطيران هي الأعلى في القيمة المادية ما بين كل وسائل النقل، لذا فإن أي خسارة تحدث في تلك الأماكن تُسفر عن خسائر فادحة، حتى وإن كان الانفجار أو العملية – التي قد تكون في الغالب انتحارية - محدودة التأثير، وذلك بسبب حساسية المكان، وطبيعة رواده. وعلى سبيل المثال فإن العمليتين الانتحاريتين اللتين وقعتا في مطار بروكسل - زافينتيم الدولي العاصمة البلجيكية بروكسل مارس (آذار) الماضي، وأسفرت عن وقوع 16 قتيلا، تسببت في خسائر مادية وصلت إلى مئات ملايين اليوروات، وذلك وفقا لتقارير غير رسمية.
من جهته، قال اللواء محمد نور الدين، مساعد أول وزير الداخلية المصري الأسبق، إن «حوادث الطرق عندما تحدث في العالم لا تكون مؤثرة إلا في المكان الذي وقعت فيه، وسرعان ما تدخل في (دائرة النسيان) بعدها بفترة قصيرة؛ لكن حوادث الطائرات تسمع العالم كله. والجماعات الإرهابية توجه رسالة إلى العالم مفادها أننا موجودون ونمثل خطرا عليكم ووصلنا لأماكن أكثر حساسية وتأمينا»، لافتا إلى أن «الجماعات المتطرفة تهدف من عملها الإرهابي بث مزيد من الرعب والفزع، ومحاولة تأكيد فشل سلطات الدول بالوقوف في وجهها، حتى تصدر مبدأ عدم الثقة من المواطنين في سلطات دولهم»، مضيفا أن «استهداف المطارات بتفجيرات يهدف إلى عمل (فرقعة) كبيرة لكون هذه المواقع هامة جدا للدول».
لكن اللواء نور الدين، أوضح أنه «لا يجب أن نتخوف من تصرفات الجماعات الإرهابية، وألا ترعبنا تصرفات هذه التنظيمات باستهداف المطارات، وأن تراجع الدول من وقت لآخر خطط تأمين مطاراتها، فضلا عن تطوير خط التدريب على مواجهة أساليب الجماعات الإرهابية.
اهتمام «داعش» بالمطارات
على صعيد آخر، يشار هنا إلى أن «داعش» لا تهدف فقط إلى استهداف المطارات والطائرات بعمليات تفجيرية؛ بل إنها تمتلك مجموعة صواريخ متوسطة المدى بالإضافة إلى منظومة كاملة للدفاع الجوي من راميات وصواريخ مختلفة الاستعمال. ولديها الكوادر الأجنبية المدربة على استعمال كل أنواع الطائرات وإطلاق الصواريخ، وما ينقصها هو بعض المطارات التي تنطلق منها. لذلك كان التوجه السريع لأفضل وحداتها البرية نحو مطارات المناطق التي تسيطر عليها في سوريا والعراق، فسقط بيدهم مطار الطبقة العسكري قرب الرقّة رغم مزاعم النظام السوري أنه كان يحاربهم بسلاح الجو، ويخطط التنظيم أو تتجه نحو مطار دير الزور العسكري الذي يحوي نحو 12 في المائة من القدرة الجوية للنظام السوري، وإذا ما سيطرت عليه سيكون بإمكانها خوض حرب حقيقية مع جميع خصومها بمن فيهم سلاح الجو الأميركي وقوى التحالف الدولي – بحسب الخبراء.
وكانت طائرة تابعة لشركة «مصر للطيران» في مصر قد تحطمت وهي في طريقها من مطار شارل ديغول الدولي في باريس إلى القاهرة، مما أسفر عن مقتل كل من كانوا على متنها وعددهم 66 شخصا، بينهم 30 مصريا، و15 فرنسيا. وما زال يرجح مسؤولون مصريون فرضية أن يكون العمل الإرهابي وراء تحطم الطائرة، وحال ثبوت هذه الفرضية بأن الطائرة المصرية تم تفخيخها قبل إقلاعها من باريس.. فهذا يعني أن المتفجرات مرت على أجهزة التفتيش دون اكتشافها وهذا مؤشر خطير، مؤكدين أنه «لو صح هذا التصور فهذا يؤكد وجود خلايا للتنظيمات الإرهابية موجودة في فرنسا منذ أحداث نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، قد اخترقت مطار شارل ديغول، المطار الأشهر في أوروبا، مما قد يُنذر باختراقات مماثلة في مطارات أخرى في المستقبل، مشيرين إلى أن ذلك قد يتسبب في شلل العالم، عبر تنفيذ سلسلة من الهجمات في أكثر من مطار، وفي توقيتات متزامنة.
الخبير الأمني والاستراتيجي في مصر اللواء طلعت مسلم، قال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك احتمالا قائما أن العالم الآن أمام تقنية جديدة للتنظيمات الإرهابية تُصعب على الأجهزة الأمنية الكشف عن العبوات أو المتفجرات في المطارات»؛ لافتا إلى أنه لو توصلت سلطات الدول إلى أن المطارات التي وقعت بها التفجيرات وراءها قنابل وعبوات يدوية، فهذا يعني أن العبوات الناسفة قد مرت على أجهزة التفتيش في المطارات دون أن يلحظها أحد، وهذا مؤشر خطير من أن هذه المتفجرات قد مرت من أجهزة التفتيش من دون أن يتم اكتشافها أو رؤيتها، وهذا يدل على تطور خطير للجماعات الإرهابية. ومن جهة ثانية، قال خبراء ومراقبون معنيون بشأن التنظيمات الإرهابية إن تنظيم داعش يمتلك أساليب تصنيع قنبلة الدخان، المسماة علميا «القنبلة المجهرية». وكان خبير المتفجرات بالتنظيم إبراهيم العسيري – بحسب مزاعم التنظيم - أمر باستخدامها حينما كلف النيجيري عمر فاروق بتفجير طائرة تابعة لـ«نورثويست إيرلاينز» أثناء هبوطها في مطار ديترويت بولاية ميتشيغان الأميركية، واستطاع الأخير اختراق المطار، نظرا لأنه من الصعب على أجهزة الكشف عن المعادن والمتفجرات رصدها؛ لكنه أخفق في تفجيرها، بعدما أبلغ عنه أحد زملائه.
وفي السياق نفسه، يرجح الخبير الأمني والاستراتيجي بمصر اللواء خالد عكاشة أن يكون وراء حادث الطائرة المصرية الأخير، بعض خلايا التنظيمات الإرهابية، التي قامت من قبل بتنفيذ عمليات كبيرة في العاصمة الفرنسية باريس خلال الأشهر الماضية، لافتا إلى أنه «ربما تكون هذه الخلايا لديها اختراق للمطار، رغم أنه المطار الأشهر في أوروبا، وإن صح هذا التصور، فهو أمر خطير». وهنا تجدر الإشارة إلى أنه يصعب تصنيف مرتادي أي مطار في العالم، رغم وسائل التكنولوجيا الحديثة، فالطبيعي أن المطار يستقبل أشخاصا من كل جنسيات العالم، ويمكن لأي شخص غير مطلوب لجهات أمنية السفر إلى أي مكان؛ لذا يكون مستحيلا تحديد هوية هؤلاء المسافرين أو ميولهم. لكن بعض الخبراء أكدوا أن «بعض سلطات المطارات قد أجرت فحصا أمنيا روتينيا على أطقم الموظفين في المطارات، في أعقاب الحوادث الإرهابية التي شهدها عدد من المطارات مؤخرا، وفي باريس مثلا تم فصل 12 موظفا بسبب صلاتهم بالتيار ببعض الجماعات المتطرفة، وذلك في أعقاب أحداث نوفمبر من العام الماضي. ويقول مراقبون إن «داعش» استطاع خلال عام 2015 تطوير نوعية القنابل والتي من الممكن وضعها في الملابس الداخلية، والقدرة التفجيرية للقنبلة الواحدة قوية جدا.
تداعيات العمليات
وقال اللواء أحمد رجائي إن «داعش» يتحرك بحسب السياسة العالمية، لافتا إلى أن ما حدث في مطار شرم الشيخ مع الطائرة التي سقطت في سيناء كان معدا مسبقا أن تنفجر الطائرة على الأراضي المصرية، حيث إن الطائرة كانت قادمة لمصر من دون ركاب وقد يكون تم وضع القنبلة لها قبل وصولها لمصر، بدليل أنها بمجرد إقلاعها من مطار «شرم الشيخ» انفجرت، وكان هذا التوقيت معمول حسابه جيدا.
أما اللواء محمد نور الدين، مساعد أول وزير الداخلية المصري الأسبق، فيرى أن تأمين المطارات في مصر والعالم على أعلى مستوى، وهي مؤمنة وبها أخطر نظم التأمينات، وصعب جدا اختراق أي منها. بينما يرى المراقبون أن هناك مخاوف الآن في الغرب من قيام «داعش» بهجمات مُتلاحقة، خاصة بعد أن طور التنظيم من قدراته القتالية بشكل يتيح له شن هجمات إرهابية كبيرة على الصعيد العالمي، خاصة بعد تهديدات «داعش» الأخيرة للغربيين بتنفيذ هجمات قد تنسيهم أحداث 11 سبتمبر في أميركا – على حد زعم التنظيم. ويلفت المراقبون إلى أن «ما توعد به التنظيم ضد الغربيين عقب تفجيرات بروكسل في مارس الماضي، كان مُؤشرا خطيرا جدا، وكان يتطلب أكثر اكتراثا واهتماما لتطور أسلوب التنظيمات الإرهابية، خاصة (داعش) الأخطر دموية في جميع التنظيمات المُتطرفة».
في سياق آخر، يشكل اكتساب «داعش» قدرة على استهداف الطائرات تطورا مثيرا، بالنظر إلى دقة النظام الذي طوره والذي يصيب أهدافه من الطائرات بنسبة 99 في المائة، كما استطاع خبراء «داعش» أن يطوروا سيارات مفخخة بمثابة قنابل متحركة بالقرب من المطارات، لتوجيهها عن بعد صوب الهدف المراد تفجيره. ويقول المراقبون إن التنظيم أنتج بطارية حرارية في الرقة لأجل الاستخدام في صواريخ أرض - جو، وهو أمر لم يكن واردا، بالنظر إلى غياب بنية عسكرية في المناطق التي يسيطر عليها بسوريا. وأكد المراقبون أنه بشأن المتفجرات التي يستخدمها «داعش» في استهداف المطارات، فإن هذه القنابل لا تتطلب سوى بضع عشرات من الغرامات من المواد الكيماوية التي يُمكن وضعها في الأحذية، أو زرعها في جسم أحد الانتحاريين خصوصا في الصدر والبطن أو في الملابس، لتفادي أجهزة الكشف على المعادن في المطارات، بهدف تفجير تلك القنابل على متن طائرات الركاب.
ويؤكد المراقبون أن القنابل «الجسدية» لا تستطيع الماسحات الضوئية في مطارات الغرب اكتشافها، وأن تفجير تلك القنابل يتم باستخدام عملية جراحية تجرى للانتحاري، الذي يفجر نفسه، أو عن طريق إخفائها بأي وسيلة أخرى، ما يتسبب في النهاية بعملية حريق كبير، داخل الطائرة المستهدفة.
ويقول اللواء محمد نور الدين، إن تنظيم داعش الإرهابي يعتمد تكتيكا جديدا يقوم على استهداف المطارات والمنشآت الحيوية المكتظة بالبشر بشكل متزامن، بهدف نشر الذعر وإيقاع أكبر عدد من الضحايا.