خطوات رسمية سريعة من موسكو للتطبيع مع أنقرة بعد «تكلفة باهظة» للجانبين

الحكومة الروسية تعد اقتراحات للتطبيع.. وتحضيرات للقاء بين بوتين وإردوغان

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع وزير خارجيته سسيرجي لافروف خلال  لقائهما في موسكو أمس (إ.ب.أ)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع وزير خارجيته سسيرجي لافروف خلال لقائهما في موسكو أمس (إ.ب.أ)
TT

خطوات رسمية سريعة من موسكو للتطبيع مع أنقرة بعد «تكلفة باهظة» للجانبين

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع وزير خارجيته سسيرجي لافروف خلال  لقائهما في موسكو أمس (إ.ب.أ)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع وزير خارجيته سسيرجي لافروف خلال لقائهما في موسكو أمس (إ.ب.أ)

أصدر الرئيس الروسي فلاديمير يوتين، يوم أمس، مرسوما يقضي بإلغاء الحظر المفروض في مرسوم رئاسي سابق على سفر المواطنين الروس إلى تركيا، وينص المرسوم كما جاء على الموقع الرسمي للكرملين على «اعتبار الفقرة التي تفرض قيودا على بيع شركات السياحة والمندوبين السياحيين للمواطنين الروس منتجات سياحية (رحلات سياحية) تتضمن زيارة الأراضي التركية ملغاة». كما يكلف بوتين الحكومة في مرسومه الجديد بأن تتخذ «الإجراءات اللازمة لإلغاء الحظر على الرحلات الجوية التجارية (تشارتر) بين روسيا الاتحادية وتركيا»، وإجراء محادثات مع الحكومة التركية حول مسائل العلاقات التجارية بين البلدين، وبناء على نتائجها تقديم اقتراحات حول تعديلات القيود التي فرضتها روسيا على تركيا في هذا المجال، وفق ما جاء في المرسوم على موقع الكرملين.
قبل مرسوم بوتين بساعات وفي خطوة أخرى سريعة ولافتة للتطبيع مع أنقرة، أعلن دميتري مدفيديف، رئيس الحكومة الروسية، عن تكليفه أعضاء حكومته بإعداد التدابير الضرورية لإلغاء القيود التجارية والسياحية التي فرضتها روسيا على تركيا في وقت سابق. وذكرت وسائل الإعلام الروسية أن مدفيديف طالب أعضاء الحكومة خلال اجتماع، يوم أمس، بإعداد «اقتراحات حول تغيير القرارات ذات الصلة، أي تعديل قرارات الحكومة» التي حظرت سفر المواطنين الروس إلى تركيا، وفرضت قيودا على صادرات المواد الغذائية من تركيا، فضلا عن قرارات أخرى طالت التعاون التجاري - الاقتصادي بين البلدين. وتأتي خطوة مدفيديف هذه تنفيذا لما أعلن عنه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، يوم أول من أمس، خلال محادثاته الهاتفية الأولى منذ سبعة أشهر مع نظيره التركي رجب طيب إردوغان؛ حيث قال بوتين إنه سيكلف الحكومة الروسية ببدء محادثات مع الجهات المختصة في تركيا بغية إعادة التعاون التجاري بين البلدين.
بهذا الشكل تكون روسيا قد أقدمت على خطوات جديدة للتطبيع مع أنقرة، بسرعة فاقت كل التوقعات. وأكد مدفيديف أن عملية التطبيع وإعادة العلاقات التجارية بين البلدين إلى سابق عهدها سيجري على مراحل، معربا عن قناعته بأنه «من الضروري من جانب أول أن نلغي تلك القيود (التجارية) نظرا لتحسن المناخ السياسي بين البلدين، لكن على أن لا يكون هذا على حساب المنتجين الروس والشركاء الذين شغلوا الفراغ في الأسواق الذي نجم عن حظر صادرات المواد الغذائية التركية إلى الأسواق الروسية». ولما كانت السياحة من روسيا إلى المنتجعات التركية واحدا من أهم مجالات التعاون بين البلدين وأكثرها تأثيرا في الاقتصاد التركي من جانب وعلى عمل الشركات السياحية وشركات الطيران الروسية من جانب آخر، فقد أكدت الحكومة الروسية أنه سيتم قريبا رفع الحظر على سفر المواطنين الروس إلى تركيا، لكن رئيس الحكومة الروسية ربط هذا الأمر بتقديم أنقرة ضمانات حول أمن السياح الروس في تركيا، لا سيما على ضوء الهجمة التي تعرض لها مطار إسطنبول يوم أول من أمس.
وفيما يبدو أنه إصرار روسي على تجاوز كل العقبات أمام خطوات سريعة للتطبيع مع تركيا، وإلى جانب الخطوة التي اتخذتها الحكومة الروسية، أعلن دميتري بيسكوف، المتحدث الصحافي باسم الكرملين، مساء أمس، عن بدء التحضيرات للقاء مرتقب بين الرئيسين بوتين وإردوغان، وأكد بيسكوف للصحافيين أن «التحضيرات للقاء الرئيسين ستنطلق خلال أيام»، وإذ أبقى على احتمال أن يتم ذلك اللقاء على هامش قمة مجموعة «العشرين» المرتقبة في شهر سبتمبر (أيلول)، لم يستبعد بيسكوف أن يلتقي الرئيسان بصورة مستقلة في المكان والزمان عن قمة العشرين.
في السياق ذاته، وبينما يستمر الجدل حول ما إذا كان إردوغان قد أبدى استعداده أم لا للتعويض عن الطائرة الروسية التي أسقطتها مقاتلات تركية في سوريا خريف العام الماضي، أطل يوري أوشاكوف، معاون الرئيس الروسي، ليضع النقاط على الحروف بهذا الشأن، وأكد في تصريحات له، يوم أمس ، أن «اتصالات بين روسيا وتركيا ستجري بهذا الشأن»، لكنه فضل عدم الحديث عن النتائج بانتظار ما ستتمخض عنه تلك الاتصالات.
ويرى مراقبون أن الرئيس التركي رجب طيب إردوغان اضطر إلى توجيه رسالة الاعتذار للرئيس بوتين لسببين، الأول مرتبط بتأثير القيود التجارية - الاقتصادية الروسية على الاقتصاد التركي، والثاني مرتبط بتدهور العلاقات بين أنقرة وواشنطن، حسب قول الخبير الروسي أليكسي بورتانسكي، البروفسور في المدرسة العليا للاقتصاد. ويتفق كثيرون مع وجهة النظر السابقة، لا سيما أن معطيات هيئة الجمارك الروسية تشير إلى أن حجم التبادل التجاري بين روسيا وتركيا بلغ عام 2015 قرابة 23.4 مليار دولار، وبعد الأزمة الناجمة عن إسقاط الأتراك لقاذفة روسية، تراجع حجم التبادل التجاري خلال الربع الأول من عام 2016 بشكل ملحوظ وبلغ 4.8 مليار دولار، أي بانخفاض قدره 18 مليار دولار تقريبا. بينما تراجع حجم الصادرات الروسية إلى تركيا بنسبة 43 في المائة، وهذا ليس سوى جزء من «ثمن» الأزمة بين أنقرة وموسكو.
وفي المجال السياحي، حيث كانت تركيا من الوجهات المفضلة لغالبية المواطنين الروس، خسرت المنتجعات التركية أكثر من 75 في المائة من السياح الروس، الذين تشير معطيات الوكالة الفيدرالية الروسية للسياحة بأن عددهم في الفترة التي سبقت الأزمة عام 2015 كان قد بلغ 3.8 مليون سائح روسي في تركيا، بينما يقدر خبراء في سوق السياحة خسارة قطاع السياحة التركي جراء القيود الروسية على السفر إلى تركيا بما يقارب 10 مليارات دولار أميركي. أما بالنسبة إلى قطاع النقل الجوي الروسي فتقدر خسائره بـ15 مليار روبل؛ بسبب حظر الرحلات الجوية التجارية لنقل السياح إلى تركيا.
أما بالنسبة إلى صادرات الغاز الروسي إلى تركيا، فإنها لم تتأثر بالأزمة بين البلدين، وبقيت تركيا المستهلك الثاني للغاز الروسي بعد ألمانيا، وفي الأشهر الأولى من عام 2016 بلغ حجم صادرات الغاز الروسي إلى تركيا 8.1 مليار متر مكعب، أي ما يعادل 49 في المائة من الاستهلاك المحلي. وكذلك الأمر لم تؤثر الأزمة السياسية في المحادثات بشأن تشييد مؤسسة «روس آتوم» الروسية لمحطة «أكويو» النووية في تركيا. لكن المحادثات تجمدت بين موسكو وأنقرة بخصوص مشاريع واعدة، مثل مشروع شبكات أنابيب «السيل التركي»، ومشروع «السيل الجنوبي»، ويتوقع أن تنشط المحادثات في هذا المجال في وقت قريب.



هل يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة عن «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
TT

هل يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة عن «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)

تخضع «هيئة تحرير الشام»، التي قادت قوات المعارضة للإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد، لعقوبات من الأمم المتحدة منذ فترة طويلة، وهو ما وصفه المبعوث الخاص للمنظمة الدولية إلى سوريا غير بيدرسون، بأنه «عامل تعقيد لنا جميعاً».

كانت «هيئة تحرير الشام» تُعرف في السابق باسم «جبهة النصرة»، الجناح الرسمي لتنظيم «القاعدة» في سوريا، حتى قطعت العلاقات بالتنظيم في عام 2016. ومنذ مايو (أيار) 2014، أُدرجت الجماعة على قائمة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لعقوبات تنظيمي «القاعدة» و«داعش»، كما فُرض عليها تجميد عالمي للأصول وحظر أسلحة.

ويخضع عدد من أعضاء «هيئة تحرير الشام» أيضاً لعقوبات الأمم المتحدة مثل حظر السفر، وتجميد الأصول، وحظر الأسلحة، ومنهم زعيمها وقائد إدارة العمليات العسكرية أحمد الشرع، المكنى «أبو محمد الجولاني»، المدرج على القائمة منذ يوليو (تموز) 2013.

وقال دبلوماسيون إنه لا يوجد حالياً أي مناقشات عن رفع العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة على الجماعة. ولا تمنع العقوبات التواصل مع «هيئة تحرير الشام».

لماذا تفرض الأمم المتحدة عقوبات على «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟ (رويترز)

لماذا تفرض الأمم المتحدة عقوبات على «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

فرضت الأمم المتحدة عقوبات على «جبهة النصرة»، لأن الجماعة مرتبطة بتنظيم «القاعدة»، ولأنها كانت «تشارك في تمويل أو تخطيط أو تسهيل أو إعداد أو ارتكاب أعمال أو أنشطة» مع «القاعدة» أو دعماً لها وتستقطب أفراداً وتدعم أنشطة «القاعدة».

وجاء في قائمة العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة: «في يناير (كانون الثاني) 2017، أنشأت جبهة النصرة (هيئة تحرير الشام)، وسيلة لتعزيز موقعها في التمرد السوري وتعزيز أهدافها باعتبارها فرعاً لتنظيم (القاعدة) في سوريا»... ورغم وصف ظهور «هيئة تحرير الشام» بطرق مختلفة (على سبيل المثال كاندماج أو تغيير في الاسم)، فإن جبهة «النصرة» استمرت في الهيمنة والعمل من خلال «هيئة تحرير الشام» في السعي لتحقيق أهدافها.

وفُرضت عقوبات على الجولاني بسبب ارتباطه بتنظيم «القاعدة» وعمله معه.

كيف يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة؟

تستطيع أي دولة عضو في الأمم المتحدة في أي وقت تقديم طلب لرفع العقوبات عن كيان أو شخص إلى لجنة عقوبات تنظيمي «داعش» و«القاعدة» التابعة لمجلس الأمن الدولي المؤلف من 15 دولة.

وإذا جاء الطلب من دولة لم تقترح في البداية فرض عقوبات الأمم المتحدة، فإن اللجنة تتخذ القرار بالإجماع.

وإذا تقدمت الدولة التي اقترحت في البداية فرض العقوبات بطلب الشطب من القائمة، فسيمحى الاسم من القائمة بعد 60 يوماً، ما لم توافق اللجنة بالإجماع على بقاء التدابير.

لكن إذا لم يتم التوصل إلى إجماع، يستطيع أحد الأعضاء أن يطلب إحالة الطلب إلى مجلس الأمن للتصويت عليه في غضون 60 يوماً.

ولم تتضح بعد الدول التي اقترحت فرض عقوبات على جبهة «النصرة» والجولاني.

ويستطيع أيضاً الشخص أو الكيان الخاضع للعقوبات أن يطلب إزالة التدابير عن طريق الاتصال بأمين عام المظالم، وهو منصب أنشأه المجلس في عام 2009، ليقوم بمراجعة الطلب.

وإذا أوصى أمين عام المظالم بإبقاء اسم ما على القائمة، فسيظل مدرجاً على القائمة. وإذا أوصى أمين عام المظالم بإزالة اسم ما، فسترفع العقوبات بعد عملية قد تستغرق ما يصل إلى 9 أشهر، ما لم توافق اللجنة في وقت أسبق بالإجماع على اتخاذ إجراء أو الإحالة إلى المجلس لتصويت محتمل.

هل هناك استثناءات من العقوبات؟

يستطيع الأشخاص الخاضعون لعقوبات الأمم المتحدة التقدم بطلب للحصول على إعفاءات فيما يتعلق بالسفر، وهو ما تقرره اللجنة بالإجماع.

ويقول المجلس إن عقوباته «لا تستهدف إحداث عواقب إنسانية تضر بالسكان المدنيين».

وهناك استثناء إنساني للأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة يسمح «بتوفير أو معالجة أو دفع الأموال أو الأصول المالية الأخرى أو الموارد الاقتصادية، أو توفير السلع والخدمات اللازمة لضمان تقديم المساعدات الإنسانية في الوقت المناسب، أو لمساندة الأنشطة الأخرى التي تدعم الاحتياجات الإنسانية الأساسية».