مصر: السياسة النقدية ضمن عوامل الضغط على المالية العامة

عجز متوقع في الموازنة يبلغ 36 مليار دولار

البنك المركزي المصري  -  طارق عامر محافظ البنك المركزي المصري
البنك المركزي المصري - طارق عامر محافظ البنك المركزي المصري
TT

مصر: السياسة النقدية ضمن عوامل الضغط على المالية العامة

البنك المركزي المصري  -  طارق عامر محافظ البنك المركزي المصري
البنك المركزي المصري - طارق عامر محافظ البنك المركزي المصري

رسم مشروع الموازنة العامة للحكومة المصرية للعام المالي 2016 - 2017 السياسة المالية للبلاد خلال الفترة المقبلة، وحاولت أن «توازن بين بنود الإنفاق والدين العام الإجمالي مع الالتزام بالتمويل غير التخصصي للعجز المتوقع تحقيقه، أو مكونات الدين التي تستحق خلال السنة من خلال الأدوات المالية والأسعار السائدة في السوق». بحسب المحدد الثالث في البيان التحليلي لمشروع الموازنة العامة.
ويقدر العجز المتوقع في الموازنة بنحو 320 مليار جنيه (36 مليار دولار)، بنسبة 9.8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي - المقدر بنحو 3.2 تريليون جنيه (360 مليار دولار) - مقابل حجم مصروفات تقدر بنحو 936 مليار جنيه (105.4 مليار دولار).
ورغم أن المحدد الأول - المبني عليه التقديرات المالية - في البيان التحليلي عن الموازنة الصادر عن وزارة المالية المصرية، يؤكد «مراعاة المتغيرات المحلية والعالمية والمؤشرات الاقتصادية في إعداد تقديرات العناصر الرئيسية للموازنة، بعد تحديد معاملات الارتباط»، إلا أن ثمة متغيرات قد ترفع العجز لأكثر من 400 مليار جنيه (45 مليار دولار) في موازنة العام المقبل؛ مثل ارتفاع أسعار الفائدة على القروض المصرفية المحلية، وهو ما يتبعه زيادة حجم الديون الحكومية وخدمة الدين المحلي.
ورفع البنك المركزي المصري أسعار الفائدة المصرفية بنسبة واحد في المائة الأسبوع قبل الماضي، مبررًا قراره بالرغبة في «العمل على استقرار الأسعار والحد من توقعات التضخم». وتزامن قرار المركزي مع بداية شهر رمضان، الذي يتميز بأعلى معدل استهلاك خلال شهور العام.
ويقول أحمد زايد، المستشار السابق لوزير التخطيط والتعاون الدولي، إن «البنك المركزي المصري جزء من المنظومة الاقتصادية وأهمية التنسيق بين السياسة المالية والنقدية يعطي مناخ الاستثمار استقرارًا طالما احتاج إليه المستثمرون».
وقال زايد لـ«الشرق الأوسط»: «يوجد عزف منفرد، كل على حدة في أداء المجموعة الاقتصادية... نشاز اقتصادي ينفر منه المستثمرون ورجال الأعمال». مشيرًا إلى التخبط في بعض القرارات الاقتصادية بين الوزارات المعنية من جهة والمركزي من جهة أخرى.
وقال وزير المالية عمرو الجارحي أمام مجلس النواب يوم الثلاثاء الماضي، إن «العجز المقدر في موازنة العام المالي الجديد 2016 - 2017 قابل للزيادة، نظرًا لظهور مستجدات يمكن أن تقفز بالعجز، ومنها احتساب سعر النفط بـ40 دولارًا للبرميل في حين قفز إلى 48 دولارًا حاليًا»، مقدرًا الزيادة الناتجة عن فروق السعر بنحو 15 مليار جنيه (1.7 مليار دولار). موضحًا أن رفع سعر الفائدة سيزيد من فوائد الدين العام المحلي، وبالتالي زيادة العجز وزيادة معدلات التضخم.
وقفز معدل التضخم السنوي في أسعار المستهلكين في المدن إلى 12.3 في المائة في مايو (أيار) مقابل 10.3 في المائة في أبريل (نيسان)، وفقا لآخر بيانات معلنة من الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.
وبقرار البنك المركزي الأخير، بلغ سعر الفائدة على الودائع البنكية 11.75 في المائة و12.75 في المائة للإقراض، وهو أعلى مستوى في عشر سنوات تقريبًا.
ووفقًا للمعادلات الاقتصادية الكلاسيكية، فإن أي زيادة في نسب التضخم يقابلها زيادة في نسب الفائدة المصرفية، وهو ما لجأ إليه البنك المركزي المصري برفع سعر الفائدة مائة نقطة أساس (1 في المائة)، إلا أن الوضع الاقتصادي الحالي في مصر لا يتفق والمعادلات الاقتصادية المتعارف عليها، إذ إن ارتفاع التضخم ناتج بالأساس عن تراجع قيمة العملة المحلية وبالتالي ارتفاع الأسعار، وليس بسبب زيادة الطلب، وهو الأمر الذي أجبر البنك المركزي أن يتخذ سياسة نقدية مخالفة للسياسة المالية التي تحاول تقليص عجز الموازنة.
والوضع الاستثنائي لاقتصاد مصر، يتطلب مسؤولاً استثنائيًا يدير الأمور خارج سياق المعادلات الاقتصادية الكلاسيكية التي تقف بجانب محافظ البنك المركزي المصري طارق عامر في قراره رفع أسعار الفائدة في محاولته كبح زيادة التضخم.
وبالإضافة إلى السياسة النقدية في مصر التي ضغطت على السياسة المالية، هناك 3 عوامل أخرى لها تأثير مباشر على بنود الموازنة، وبالتالي قيمة العجز المتوقع، وذلك قبل دخول الموازنة حيز التنفيذ في بداية 1 يوليو (تموز) المقبل، الأول يتمثل في تسعير العملة المحلية أمام الدولار، الذي جاء أقل من التسعير الفعلي في السوق، إذ تم احتساب الدولار الواحد بنحو 9 جنيهات في الموازنة الجديدة، في حين أنه يتداول حاليًا عند 10.8 جنيه في السوق الموازية.
أما العامل الثاني فيتمثل في احتساب سعر برميل النفط عند 40 دولارًا في الموازنة، في حين أنه يتداول حاليًا قرب مستويات 50 دولارًا، وسط توقعات بارتفاعات لمستوى 60 دولارًا في النصف الثاني من العام.
ويتمثل العامل الثالث في زيادة أسعار الحبوب عالميًا بنحو 15 في المائة، في حين أن مصر أكبر مستورد للحبوب في العالم، تحتسبه بالأسعار القديمة.
وفي محاولة لسد فجوة التمويل، قال وزير المالية المصري عمرو الجارحي، يوم الثلاثاء، إن بلاده تدرس إصدار سندات دولية بقيمة ثلاثة مليارات دولار بين سبتمبر (أيلول) وأكتوبر (تشرين الأول) من العام الحالي.
وقال الجارحي: «ندرس طرح سندات في الأسواق الدولية بين سبتمبر وأكتوبر هذا العام بقيمة 3 مليارات دولار لسد جزء من الفجوة التمويلية في موازنة السنة المالية المتوقع أن تبلغ 10 مليارات دولار».
وتوقع الوزير بدء تطبيق قانون ضريبة القيمة المضافة في مطلع سبتمبر المقبل.
وأضاف الجارحي في تصريحات للصحافيين: «نتوقع بدء تطبيق قانون ضريبة القيمة المضافة بداية سبتمبر وذلك مرهون بسير الإجراءات الخاصة بموافقة مجلس النواب عليه، الحصيلة المتوقعة من تطبيق القانون في 2016 - 2017 تتراوح ما بين 20 و25 مليار جنيه».
وضريبة القيمة المضافة هي ضريبة مركبة تفرض على الفرق بين سعر التكلفة وسعر البيع للسلع المحلية والمستوردة.
ويُعرّف تقرير شركة يورو مينتور الدولية، الاقتصاد المصري للمستثمرين الأجانب، بأنه يمتلك ثلاثة محركات رئيسية في الوقت الحالي، هم: «الاستثمار في البنية التحتية، والطاقة، ونمو الاستهلاك»؛ إلا أنه أشار إلى أن الأمن وبطء تنفيذ مشاريع جديدة تقيد النمو، مشيرًا إلى الآفاق الاقتصادية المتعلقة بتطبيق ضريبة القيمة المضافة، فضلاً عن حقول الغاز الجديدة.
وأضاف التقرير أن نقص الدولار مشكلة قائمة، ما لم يكن هناك تحسن كبير في الأمن، الذي سيأتي بالاستثمار الأجنبي المباشر والسياحة.
وتعتمد السياسة المالية في مصر على أدوات السياسة النقدية لمعالجة المشكلات الاقتصادية، في ضوء ارتفاع بنود الموازنة، مثل بند خدمة الدين والأجور، الأمر الذي يقلل الوفر المالي، وهو ما ظهر في عدم التزام الموازنة بالنسبة المقررة في الدستور المصري للإنفاق على الصحة والتعليم.
وتتمثل أدوات السياسة المالية في الإنفاق الحكومي وفرض الضرائب، وتقوم باستخدامها لتحقيق الاستقرار الاقتصادي، أما السياسة النقدية فتتحكم في المعروض من النقود وقيمتها الشرائية، وتتمثل أدواتها في معدل الخصم (معدل الفائدة السائد)، ونسبة الاحتياطي النقدي، وعمليات السوق المفتوحة المتمثل في دخول البنك المركزي بائعا أو مشتريا السندات الحكومية في الأسواق المالية.
ويبلغ حجم المصروفات العامة بالموازنة نحو 936 مليار جنيه (105.4 مليار دولار)، بزيادة 3.8 في المائة عن العام الحالي، مقابل إيرادات متوقعة بـ631 مليار جنيه (71 مليار دولار).
وتصل مدفوعات خدمة الدين إلى 292 مليار جنيه (32.9 مليار دولار)، تمثل 31 في المائة من مجموع المصروفات العامة، و228 مليار جنيه (25.7 مليار دولار) لبند الأجور وتمثل 24 في المائة، و210 مليار جنيه (23.6 مليار دولار) لجميع بنود الدعم، بنسبة 22 في المائة، ويتبقى نحو 23 في المائة لجميع البنود الأخرى.
ووفقًا لبيان مشروع الموازنة، فإن الحكومة تتوقع 433 مليار جنيه (48.7 مليار دولار) حصيلة ضريبية، بنسبة 69 في المائة من إجمالي الإيرادات العامة، و195 مليار جنيه (21.9 مليار دولار) موارد غير ضريبية.
ومرر مجلس النواب المصري يوم الأربعاء الماضي، بشكل نهائي مشروع الموازنة العامة بعد مناقشات حادة، وأحاله لمجلس الدولة (هيئة قضائية مستقلة) لإبداء الرأي فيه، وفقًا لما نص عليه الدستور المصري.



الصين تتعهد بتحفيز الاقتصاد عبر زيادة الديون وتخفيض الفائدة

الرئيس الصين شي جينبينغ يُلقي خطاباً خلال مؤتمر العمل الاقتصادي المركزي في بكين (وكالة أنباء شينخوا)
الرئيس الصين شي جينبينغ يُلقي خطاباً خلال مؤتمر العمل الاقتصادي المركزي في بكين (وكالة أنباء شينخوا)
TT

الصين تتعهد بتحفيز الاقتصاد عبر زيادة الديون وتخفيض الفائدة

الرئيس الصين شي جينبينغ يُلقي خطاباً خلال مؤتمر العمل الاقتصادي المركزي في بكين (وكالة أنباء شينخوا)
الرئيس الصين شي جينبينغ يُلقي خطاباً خلال مؤتمر العمل الاقتصادي المركزي في بكين (وكالة أنباء شينخوا)

تعهدت الصين، يوم الخميس، بزيادة العجز في الموازنة، وإصدار مزيد من الديون، وتخفيف السياسة النقدية، للحفاظ على استقرار معدل النمو الاقتصادي، وذلك في ظل استعدادها لمزيد من التوترات التجارية مع الولايات المتحدة مع عودة دونالد ترمب إلى البيت الأبيض.

جاءت هذه التصريحات في بيان إعلامي رسمي صادر عن اجتماع سنوي لتحديد جدول أعمال كبار قادة البلاد، المعروف بمؤتمر العمل الاقتصادي المركزي (CEWC)، الذي عُقد في 11 و12 ديسمبر (كانون الثاني)، وفق «رويترز».

وقالت هيئة الإذاعة والتلفزيون الصينية بعد الاجتماع المغلق للجنة الاقتصادية المركزية: «لقد تعمق الأثر السلبي الناجم عن التغيرات في البيئة الخارجية». ويُعقد هذا الاجتماع في وقت يعاني فيه ثاني أكبر اقتصاد في العالم من صعوبات شديدة، نتيجة أزمة سوق العقارات الحادة، وارتفاع ديون الحكومات المحلية، وضعف الطلب المحلي. وتواجه صادراتها، التي تعد من بين النقاط المضيئة القليلة في الاقتصاد، تهديداً متزايداً بزيادة الرسوم الجمركية الأميركية.

وتتوافق تعهدات اللجنة الاقتصادية المركزية مع اللهجة التي تبناها أكثر تصريحات قادة الحزب الشيوعي تشاؤماً منذ أكثر من عقد، التي صدرت يوم الاثنين بعد اجتماع للمكتب السياسي، الهيئة العليا لصنع القرار.

وقال تشيوي تشانغ، كبير الاقتصاديين في «بين بوينت أسيت مانجمنت»: «كانت الرسالة بشأن رفع العجز المالي وخفض أسعار الفائدة متوقعة». وأضاف: «الاتجاه واضح، لكنَّ حجم التحفيز هو ما يهم، وربما لن نكتشف ذلك إلا بعد إعلان الولايات المتحدة عن الرسوم الجمركية».

وأشار المكتب السياسي إلى أن بكين مستعدة لتنفيذ التحفيز اللازم لمواجهة تأثير أي زيادات في الرسوم الجمركية، مع تبني سياسة نقدية «مرنة بشكل مناسب» واستخدام أدوات مالية «أكثر استباقية»، بالإضافة إلى تكثيف «التعديلات غير التقليدية المضادة للدورة الاقتصادية».

وجاء في ملخص اللجنة الاقتصادية المركزية: «من الضروري تنفيذ سياسة مالية أكثر نشاطاً، وزيادة نسبة العجز المالي»، مع رفع إصدار الديون على المستوى المركزي والمحلي.

كما تعهد القادة بخفض متطلبات الاحتياطي المصرفي وبتخفيض أسعار الفائدة «في الوقت المناسب».

وأشار المحللون إلى أن هذا التحول في الرسائل يعكس استعداد الصين للدخول في مزيد من الديون، مع إعطاء الأولوية للنمو على المخاطر المالية، على الأقل في الأمد القريب.

وفي مؤتمر العمل الاقتصادي المركزي، تحدد بكين أهداف النمو الاقتصادي، والعجز المالي، وإصدار الديون والمتغيرات الأخرى للعام المقبل. ورغم أن الأهداف يجري الاتفاق عليها في الاجتماع، فإنها لن تُنشر رسمياً إلا في الاجتماع السنوي للبرلمان في مارس (آذار).

وأفادت «رويترز» الشهر الماضي بأن المستشارين الحكوميين أوصوا بأن تحافظ بكين على هدف النمو عند نحو 5 في المائة دون تغيير في العام المقبل.

وقال تقرير اللجنة الاقتصادية المركزية: «من الضروري الحفاظ على نموٍّ اقتصادي مستقر»، لكنه لم يحدد رقماً معيناً.

التهديدات الجمركية

وأثارت تهديدات ترمب بزيادة الرسوم الجمركية حالة من القلق في المجمع الصناعي الصيني، الذي يبيع سلعاً تزيد قيمتها على 400 مليار دولار سنوياً للولايات المتحدة. وقد بدأ كثير من المصنِّعين في نقل إنتاجهم إلى الخارج للتهرب من الرسوم الجمركية.

ويقول المصدِّرون إن زيادة الرسوم الجمركية ستؤدي إلى تآكل الأرباح بشكل أكبر، مما سيضر بالوظائف، والاستثمار، والنمو. وقال المحللون إنها ستفاقم أيضاً فائض القدرة الإنتاجية في الصين والضغوط الانكماشية التي تولدها.

وتوقع استطلاع أجرته «رويترز» الشهر الماضي أن الصين ستنمو بنسبة 4.5 في المائة في العام المقبل، لكنَّ الاستطلاع أشار أيضاً إلى أن الرسوم الجمركية قد تؤثر في النمو بما يصل إلى نقطة مئوية واحدة.

وفي وقت لاحق من هذا العام، نفَّذت بكين دفعة تحفيزية محدودة، حيث كشف البنك المركزي الصيني في سبتمبر (أيلول) عن إجراءات تيسيرية نقدية غير مسبوقة منذ الجائحة. كما أعلنت بكين في نوفمبر (تشرين الثاني) حزمة ديون بقيمة 10 تريليونات يوان (1.4 تريليون دولار) لتخفيف ضغوط تمويل الحكومات المحلية.

وتواجه الصين ضغوطاً انكماشية قوية، حيث يشعر المستهلكون بتراجع ثرواتهم بسبب انخفاض أسعار العقارات وضعف الرعاية الاجتماعية. ويشكل ضعف الطلب الأسري تهديداً رئيسياً للنمو.

ورغم التصريحات القوية من بكين طوال العام بشأن تعزيز الاستهلاك، فقد اقتصرت السياسات المعتمدة على خطة دعم لشراء السيارات والأجهزة المنزلية وبعض السلع الأخرى.

وذكر ملخص اللجنة الاقتصادية المركزية أن هذه الخطة سيتم توسيعها، مع بذل الجهود لزيادة دخول الأسر. وقال التقرير: «يجب تعزيز الاستهلاك بقوة».