بلدة القاع اللبنانية.. صامدة في وجه التهجير

بلدة القاع اللبنانية.. صامدة في وجه التهجير
TT

بلدة القاع اللبنانية.. صامدة في وجه التهجير

بلدة القاع اللبنانية.. صامدة في وجه التهجير

القاع هي قرية لبنانية من قرى قضاء بعلبك في محافظة بعلبك الهرمل، تبعد نحو 136 كلم عن العاصمة اللبنانية بيروت، وترتفع حوالى 657 مترًا عن سطح البحر وتمتد على مساحة تُقدَّر بـ1291 هكتارًا نحو 174 مليون متر مربّع، وتحدها من الشمال سوريا، ومن الجنوب بلدة رأس بعلبك، ومن الشرق الجبل الشرقي، ومن الغرب بلدة الهرمل.
للبلدة مكانة خاصة في تاريخ لبنان السياسي، خصوصًا وأنّ مسيحيي هذه البلدة صمدوا في وجه جميع محاولات التهجير المسلحة التي تعرّضوا لها، منذ بدء الحرب الاهلية اللبنانية.
بالأمس، تداولت وسائل الإعلام اللبنانية والعربية اسم البلدة، التي يعرفها اللبنانيون خير معرفة، إنّما قد يكون اسمها مجهولًا عربيًّا، فهي ليست كجارتها الهرمل وجرود الهرمل التي ورد ذكرها مرارًا في جميع وسائل الإعلام اللبنانية والعربية، لأسباب عدة، أوّلها أنّها معقل ما يسمّى بـ"حزب الله"، وثانيًا لقربها من الحدود السورية، حيث استخدمت معابرها الخفية لتمرير السلاح والمقاتلين من وإلى سوريا، كما أنّها تعرّضت لعمليات انتحارية منذ بدء النزاع السوري.
كما يعرف اللبنانيون جيّدًا، تاريخ بلدة القاع خلال الحرب الاهلية؛ لكن المجازر التي أطاحت بالعديد من أهلها والتهجير الذي فرض عليهم وصمود أهلها، ليس معلومًا للكثيرين من غير اللبنانيين.
يحتفظ أهالي القاع بذكريات أليمة؛ فبعد ثلاثة أشهر من بدء الحرب اللبنانية، 13 أبريل (نيسان) 1975، عندما اشتعلت شرارتها مع حادثة بوسطة عين الرمانة لبنانية_فلسطينية، وتحوّلت إلى حرب أهلية بامتياز، انقضّت مجموعات مسلحة على البلدة، وارتكبت مجزرة ذهب ضحيتها 7 قتلى، أعقبتها مرحلة تهجير واسعة للمسيحيين من معظم بلدات البقاع الشمالي وقراه.
وبعد عامين من الحرب، أي قبل 38 سنة وفي الشهر ذاته، منتصف ليل الثلاثاء/الأربعاء 27/28 يونيو (حزيران) 1978، نفّذت المخابرات السورية ووحداتها الخاصة، مجزرة دموية في القاع، راح ضحيتها 26 شابًا، وذلك بعد أسبوعين على مجزرة إهدن في 13 يونيو، التي أودت بحياة النائب طوني فرنجية وعائلته، واعتّبرت مجزرة "القاع" آنذاك، بحسب ادعاءات النظام السوري، انتقاما لاغتيال فرنجية، إلا أن شهادات أهل البلدة وذوي الضحايا، بيّنت عكس ذلك؛ فقد دبّرت المخابرات السورية والوحدات الخاصة السورية، المجزرة التي شاركت في ارتكابها مجموعات مسلحة، نفّذت عمليات خطف واسعة في بلدات القاع ورأس بعلبك وجديدة الفاكهة المسيحية الكاثوليكية، بقيادة الضابط علي ديب.
وتحدّث شهود عيان عن أن 40 عنصرًا من القوات السورية دخلوا البلدة مدججين بأسلحة فردية من نوع كلاشنيكوف، يرافقهم ثلاثة ملثمين، واقتادوا مجموعة من 6 شبان من أحياء بلدة رأس بعلبك، لا تزيد أعمارهم على 25 سنة، وفي الوقت نفسه، دخلت مجموعة أخرى تقدر بـ30 عنصرًا بلدة الفاكهة واقتادت 5 شبان، كما داهمت مجموعة يقدر عددها بـ60 عنصرًا، بلدة القاع وكانت تحمل لائحة ببعض اسماء أبناء البلدة، فاعتقلت 15 شابًا من منازلهم. واقتادتهم جميعهم بسيارات عسكرية سورية شرق البلدة وأعدمتهم رميًا بالرصاص. فيما نفى ضباط الوحدات الخاصة السورية المكلّفين الأمن في منطقة بعلبك أي معلومات عن المجزرة.
وأثارت مجزرة البقاع الشمالي، حملة واسعة من السخط والاستنكار، شملت معظم القيادات اللبنانية التي طالبت بمعاقبة المسؤولين عنها، ودعت الجبهة اللبنانية إلى إضراب عام وشامل استنكارًا لها نهار السبت 1 يوليو(تموز).
وكما اعتادت الحكومة السورية، في محاولة منها لإبعاد الشبهات عن منفذي المجزرة الحقيقيين، استخدمت عملاءها وأبواقها في لبنان الذين كانوا حلفاء النظام السوري في تلك الفترة، وبدأت تشيع أخبارا أن منفذي المجزرة هم من أرادوا الرد والانتقام من مجزرة إهدن؛ لكن أحدًا لم يقتنع بهذه الروايات.
وبعد انتهاء اجتماع الجبهة اللبنانية الاستثنائي في 29 يونيو، أعلن الرئيس كميل شمعون، أن اتهام المردة الزغرتاويين بمجزرة البقاع الشمالي "كاذب"، كما أفاد أنّه على يقين بمن نفّذوا هذا العمل البربري وسيكشفهم قريبًا. وسارعت حكومة دمشق، في أول تعليق رسمي لها، تستنكر بأشد العبارات المجزرة نافية أي صلة لعناصرها بالمشاركة فيها، معتبرة أنّ أي ادعاءات تتهم النظام، ليست سوى محض أكاذيب لإشعال نار الفتنة في لبنان، ومحاولة لتضييع التحقيق ونشر البلبلة وجو من الذعر بين الأهالي.
قد يكون لشهر يونيو وقع حزين على أهالي بلدة القاع، فقبل أن يفجّر الانتحاريون أنفسهم أمس، كانت البلدة تستعدّ لإحياء ذكرى مجزرة 1978 الأليمة التي لا تزال محفورة في ذاكرة أهالي البلدة. فماذا سيحيون بعد عام من اليوم، ذكرى مجزرتين ارهابيتين بفارق زمني يفصلهما 38 عاما؟



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».