الصحافيون إلى الأمم المتحدة: لا تحاولوا محاصرتنا

مطالب بـ«قواعد وأنماط» يتم من خلالها مكافحة «خطاب الكراهية» و«التطرف»

الصحافيون إلى الأمم المتحدة: لا تحاولوا محاصرتنا
TT

الصحافيون إلى الأمم المتحدة: لا تحاولوا محاصرتنا

الصحافيون إلى الأمم المتحدة: لا تحاولوا محاصرتنا

هل ينبغي على الأمم المتحدة أن تلعب دورًا قياديًا لمواجهة خطاب الكراهية و«التطرف العنيف» في وسائل الإعلام؟
كان هذا تساؤلاً طرح للنقاش في اللجنة الخاصة المنعقدة في قصر الأمم، المقر الأوروبي للأمم المتحدة في جنيف، الاثنين الماضي، تحت رعاية مكتب الاتصال التابع لليونيسكو.
وانعقدت اللجنة على هامش الدورة 32 لمجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة، استجابة للتقرير الخاص الذي أعده الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون عن «التطرف العنيف».
وتولت إدارة اللجنة إيموجين فولكس، مراسلة هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي)، بمشاركة كثير من السفراء، وبحضور غاي بيرغر مدير عام قسم حرية التعبير في اليونيسكو، وعبد العزيز المزيني مدير مكتب الاتصال التابع لليونيسكو، والصحافي الإيراني أمير طاهري، وهو عضو سابق في المجلس التنفيذي للمعهد الدولي للصحافة (آي بي أي)، وممثل وسائل الإعلام.
وفي كلمته الافتتاحية، قال المزيني إنه توجد اليوم ثمة «فرص غير مسبوقة للتعبير بفضل التكنولوجيات الجديدة»، مشيرا إلى أنه ينبغي علينا «تسليح الشباب بالمهارات والقيم لإشراكهم كمواطنين عالميين».
ومن جانبها، أكدت السفيرة بايفي كايرامو، الممثلة الدائمة لفنلندا لدى الأمم المتحدة والمنظمات الدولية في جنيف، على ضرورة محو أمية الإعلام.
وأشارت إلى أن الدور الحاسم لحرية واستقلال الإعلام في تعزيز الحوار بين الثقافات قد تم التأكيد عليه في إعلان فنلندا الخاص بـ«الوصول إلى المعلومات والحريات الأساسية»، الذي اعتمد في يوم الاحتفال بحرية الصحافة العالمي لعام 2016، في هلنسكي، في شهر مايو (أيار) الماضي.
وأكد كثير من الدبلوماسيين على حاجة الأمم المتحدة، من خلال اليونيسكو، لإنشاء «قواعد وأنماط» يتم من خلالها مكافحة «خطاب الكراهية» و«التطرف». كما قالوا إن «خطة عمل» اليونيسكو كانت خطوة على الاتجاه الصحيح لوضع إطار يمكن من خلاله ممارسة حرية التعبير، وفقًا للقيم المقبولة عالميًا، مع كامل الاحترام للتوازن الإيجابي في وجهات النظر.
وازدادت حدة النقاش إثر كلمة أمير طاهري الذي كان آخر من أدلى بحديثه. وورد في كلمته: «بما أنني لم أعد كلمة مكتوبة مسبقا، فاسمحوا لي أن أقدم إجابة واضحة لجميع الخطط التي عُرضت هنا»، متابعا: «وأعتقد أن كثيرين من العاملين في مهنتنا يشاطرونني نفس الآراء».
واستطرد قائلاً إنه في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي، حاولت «بعض القوى» استخدام اليونيسكو كوسيلة لفرض السيطرة على الإعلام في سائر أنحاء العالم، وأكد أنه لطالما «ساورته الشكوك العميقة» حيال تلك المنظمات الدولية التي تحاول تشريع مقاس واحد يناسب الجميع لينظم حرية التعبير.
وبحسب طاهري، «في الماضي التعيس، كان السير في هذا الاتجاه يعرف باسم النظام العالمي الجديد للإعلام والاتصال، الذي كان من بنات أفكار الاتحاد السوفياتي في زمن الحرب الباردة»، مضيفا: «اقترح مهندسو ذلك النظام استصدار تصاريح إعلامية من اليونيسكو للصحافيين حول العالم لفرض قوانين تسرى على كل الدول الأعضاء. أو بمعنى آخر، أرادوا محاصرتنا بزعم توفير الحماية لنا».
وأشار طاهري إلى الحملات التي شنتها مؤسسة الصحافة العالمية، وغيرها من المنظمات المعنية بحرية الصحافة، زاعما أن هزيمة النظام العالمي الجديد للإعلام والاتصال كان بمثابة انتصار كبير لحرية التعبير في جميع أنحاء العالم.
وقال إن «أي إنسان يحاول إحياء هذا الوحش سوف يكون موضع سخرية»، مضيفا أنه يتعين علينا أن نكون يقظين أمام أي محاولة للسيطرة على الإعلام من خلال الأمم المتحدة أو اليونيسكو».
إن غالبية الدول الأعضاء في الأمم المتحدة هي دول لا يمكن النظر لها كـ«بلداء» في مجال حرية الصحافة. فأن تطلب من تلك الدول تنظيم الإعلام بحجة السيطرة على خطاب الكراهية، معناه أن تعطيهم رخصة لبسط المزيد من السيطرة على أنظمة المراقبة.
وزعم طاهري أن الأمم المتحدة لم تنجح في تعريف «السلام» أو «الإرهاب»، بعد عقود من الجدل، ولن تستطيع كذلك تعريف كلمة «الكراهية»، وعليه لا تستطيع ادعاء تنظيم الإعلام بحجة «مناهضة خطاب الكراهية»، مضيفا أن «أي حديث عن تنظيم حرية التعبير يضعنا في منحدر زلق قد يقودنا إلى رقابة تقلص من سقف حرية التعبير التي تعتبر أحد حقوق الإنسان الأساسية»، متابعا: «رسالتي لكم نيابة عن الصحافيين في كل مكان هي ببساطة: لا تحاصرونا».



شركات التكنولوجيا ووسائل الإعلام الليبرالية تتجه يميناً

إيلون ماسك (رويترز)
إيلون ماسك (رويترز)
TT

شركات التكنولوجيا ووسائل الإعلام الليبرالية تتجه يميناً

إيلون ماسك (رويترز)
إيلون ماسك (رويترز)

استقالت رسامة الكاريكاتير الأميركية -السويدية الأصل- آن تيلنيس، الحائزة على جائزة «بوليتزر»، من عملها في صحيفة «واشنطن بوست» خلال الأسبوع الماضي، بعد رفض قسم الآراء في الصحيفة رسماً كاريكاتيرياً يصوّر مالك الصحيفة، الملياردير جيف بيزوس مع مليارديرات آخرين من عمالقة التكنولوجيا، وهم ينحنون أمام تمثال للرئيس المنتخب دونالد ترمب. وفور إعلان الخبر رأى كثيرون أن الواقعة الجديدة تختصر صورة المرحلة المقبلة في الولايات المتحدة.

مارك زوكربيرغ (آ ب)

إعادة تموضع

خلال الحملة الانتخابية الأخيرة، بعدما بدا أن ترمب يتجه إلى العودة مجدداً إلى البيت الأبيض، بدأ الكثير من مسؤولي الشركات الكبرى ووسائل الإعلام الأميركية، رحلة «إعادة تموضع» تماشياً مع العهد الثاني لترمب. وهو ما تُرجم بداية بامتناع وسائل إعلام كانت دائماً تُعد رمزاً لليبرالية، مثل: «واشنطن بوست» و«لوس أنجليس تايمز»، عن تأييد أي من المرشحين الرئاسيين، فضلاً عن تغيير غرف التحرير في محطات تلفزيونية عدة، ومراجعة الكثير من سياسات الرقابة والإشراف والمعايير الناظمة لعملها، إلى إعادة النظر في تركيبة مجالس إدارات بعض شركات التكنولوجيا.

وبعيداً عن انحياز الملياردير إيلون ماسك، مالك تطبيق «إكس»، المبكر لترمب، واتجاهه للعب دور كبير في إدارته المقبلة، كانت الاستدارة التي طرأت على باقي المنصات الاجتماعية والإعلامية مفاجئة وأكثر إثارة للجدل.

ان تيلنيس (جائزة بوليتزر)

خضوع سياسي أم تغيير أعمق؟

البعض قال إنه «خضوع» سياسي للرئيس العائد، في حين عدّه آخرون تعبيراً عن تغيير أعمق تشهده سياسات واشنطن، لا يُختصر في ترمب، بل يشمل أيضاً كل الطبقة السياسية في الحزبَيْن الجمهوري والديمقراطي، وحتى المزاج الشعبي الذي أظهرته نتائج الانتخابات.

في بيانها الموجز، قالت تيلنيس التي تعمل في «واشنطن بوست» منذ عام 2008، إن قرار الصحيفة رفض رسمها الكاريكاتيري «مغيّر لقواعد اللعبة» و«خطير على الصحافة الحرة». وكتبت: «طوال ذلك الوقت لم يُمنع رسم كاريكاتيري قط بسبب مَن أو ما اخترت أن أوجّه قلمي إليه حتى الآن». وأدرجت تيلنيس مسوّدة من رسمها الكاريكاتيري في منشور على موقع «سبستاك»، يظهر بيزوس، مؤسس «أمازون» ومالك الصحيفة، مع مؤسس شركة «ميتا» مارك زوكربيرغ، وسام ألتمان الرئيس التنفيذي لشركة «أوبن إيه آي»، وباتريك سون شيونغ مالك صحيفة «لوس أنجليس تايمز»، و«ميكي ماوس» التميمة المؤسسية لشركة «والت ديزني»، ينحنون أمام تمثال ترمب.

وطبعاً كان من الطبيعي أن «يختلف» ديفيد شيبلي، محرّر الآراء في الصحيفة، مع تقييم تيلنيس، وبالفعل قال في بيان إنه يحترم كل ما قدمته للصحيفة، «لكن يجب أن يختلف مع تفسيرها للأحداث»، معتبراً قرار منع نشر رسم الكاريكاتير «تفادياً للتكرار»، بعدما نشرت الصحيفة مقالات عن الموضوع.

... وزوكربيرغ يعود إلى أصوله

بيد أن تزامن منع الكاريكاتير مع الخطوة الكبيرة التي اتخذتها شركة «ميتا» يوم الثلاثاء، عندما أعلن مارك زوكربيرغ أن «فيسبوك» و«إنستغرام» و«ثريدز» ستُنهي عملية التدقيق في الحقائق من قِبل أطراف ثالثة، قرأها العالم السياسي بوصفها نوعاً من الاستسلام؛ إذ قال زوكربيرغ في مقطع فيديو نشره على «فيسبوك» إن «(ميتا) ستتخلّص من مدقّقي الحقائق، وستستعيض عنهم بملاحظات مجتمعية مشابهة لمنصة (إكس)»، وهو ما رآه البعض «تضحية بقيم الشركة على (مذبح) دونالد ترمب وسياسة (حرية التعبير)» للحزب الجمهوري الجديد. بالنسبة إلى المحافظين اليمينيين، الذين يعتقدون أن المشرفين ومدققي الحقائق ليبراليون بشكل شبه موحّد، واثقون بأن النهج الأكثر تساهلاً في تعديل المحتوى سيعكس الواقع بشكل أكثر دقة، من خلال السماح بمجموعة أوسع من وجهات النظر. وعدّ هؤلاء، ومنهم بريندان كار الذي اختاره ترمب لإدارة لجنة الاتصالات الفيدرالية، قرار «ميتا» انتصاراً.

في المقابل، أعرب الليبراليون عن «فزعهم»، وعدّوه «هدية لترمب والمتطرّفين في جميع أنحاء العالم». وقال معلقون ليبراليون إن من شأن خفض معايير التأكد من الحقائق من قِبل أكبر منصة في العالم يُنذر بمجال رقمي أكثر غرقاً بالمعلومات الكاذبة أو المضللة عمداً مما هو عليه اليوم.

ابتعاد عن الليبرالية

هذا، ومع أنه من غير المتوقع أن يؤدي قرار زوكربيرغ بالضرورة إلى تحويل الإنترنت إلى «مستنقع للأكاذيب أو الحقائق»؛ لأن الخوارزميات هي التي تتحكم بما يُنشر في نهاية المطاف. فإن قراره يعكس، في الواقع، ابتعاد شركات التكنولوجيا عن الرؤية الليبرالية لمحاربة «المعلومات المضلّلة». وهذه مسيرة بدأت منذ سنوات، حين تراجعت «ميتا» عام 2019 عن التحقق من صحة الإعلانات من السياسيين، وعام 2023 عن تعديل الادعاءات الكاذبة حول انتخابات 2020.

وحقاً، كان إعلان يوم الثلاثاء هو الأحدث في سلسلة من تراجعات الشركة، واتجاهها نحو اليمين منذ إعادة انتخاب ترمب. ففي الأسبوع الماضي، عيّنت الشركة الجمهوري جويل كابلان رئيساً عالمياً للسياسة، وعيّنت، يوم الاثنين، دانا وايت، حليفة ترمب التي لعبت دوراً رئيساً خلال المؤتمر الوطني للحزب الجمهوري، في مجلس إدارة الشركة. وفي السياق نفسه تضمّن إعلان يوم الثلاثاء نقل فريق الثقة والسلامة في الشركة من ولاية كاليفورنيا «الليبرالية»، إلى ولاية تكساس «الجمهورية»؛ مما يعكس دعوات من قادة التكنولوجيا اليمينيين مثل إيلون ماسك إلى تركيز الصناعة في بيئات «أقل ليبرالية» من «وادي السيليكون».

ترمب ممثلاً للأكثرية

في مطلق الأحوال، مع أن كثيرين من النقاد والخبراء يرون أن هذا التغيير يعكس بالفعل حقيقة ابتعاد شركة «ميتا» وغيرها من شركات ومواقع التواصل الاجتماعي عن الرؤية الليبرالية للحوكمة الرقمية، لكنهم يشيرون إلى أنه ابتعاد مدفوع أيضاً بالقيم الأساسية للصناعة التي جرى تبنيها إلى حد كبير، تحت الإكراه، استجابة للحظات سياسية مشحونة.

ومع تحوّل ترمب تدريجياً من كونه متطفلاً دخيلاً على الحياة السياسية الأميركية، إلى الممثل الأبرز للأكثرية التي باتت تخترق كل الأعراق -وليس فقط البيض- فقد بدا أن هذا النهج الذي يشبه نظام المناعة بات أقل ملاءمة، وربما، بالنسبة إلى شركات مثل «ميتا»، أكثر ضرراً سياسياً وأقل ربحية.