مع غروب الشمس على قرية النوبة يفرد إبراهيم البسط والحصر بجانب الطريق المؤدي إلى الخرطوم في حين يضع رفاقه أطباق الطعام وأباريق العصير عليها استعدادا للإفطار.
بعد دقائق ينضم إليهم عدد من أهالي القرية الذين تقوم مهمتهم على توقيف السيارات والشاحنات العابرة للطريق السريع بكل وسيلة ممكنة حتى وإن اضطروا للوقوف في منتصف الشارع والتلويح بأذرعهم حتى تقف.
أوقف أحدهم حافلة، فانضم إليه الباقون وتمكنوا من إقناع السائق بالتوقف على جانب الطريق.
ثم قال أحدهم لركاب الحافلة «تفضلوا افطروا معنا».
صفت على البسط أطباق من الخضراوات واللحوم والأجبان والزيتون والطماطم وفطائر الذرة البيضاء، وبعض الماء والعصائر.
بعد نحو عشرين دقيقة، يعود المسافرون إلى سياراتهم وحافلاتهم وشاحناتهم لاستئناف رحلتهم شاكرين كرم وضيافة أهل القرية الواقعة على بعد خمسين كيلومترا جنوب الخرطوم.
شهر الصوم هو مناسبة يلتئم خلالها شمل العائلات والأصدقاء حول الموائد الرمضانية ولكنها تأخذ في ولاية الجزيرة بعدا آخر.
وليست قرية النوبة سوى مثال على ما تفعله القرى الأخرى المحاذية للطريق السريع الممتد على 160 كيلومترا بين واد مدني، مركز الولاية، والعاصمة، لإجبار السائقين والركاب على التوقف والإفطار معهم.
يقول الطبيب إبراهيم عبد الرحيم إن الإفطارات الجماعية هي تقليد قديم. ويضيف «عندما تحل ساعة الإفطار نقوم بتوقيف كل السيارات التي تمر بقريتنا ونصر على أن يتناول الركاب والسائقون الطعام معنا».
ويقوم متطوعون بتوزيع الطعام على الرجال في حين تتناول النساء الطعام على بساط منفصل بالقرب منهم.
يجازف أهالي القرية المكلفون توقيف السيارات بالتعرض لحادث سير أو التسبب بحادث سير إذا لم يلمحهم السائق في الوقت المناسب أو انحرف إلى جانب الطريق محاولا تفادي الاصطدام بهم.
لكن أهالي القرى يفخرون بهذا التقليد الذي يعتبرونه واجبا يمليه عليهم دينهم الإسلامي وتماشيا مع تقاليد رمضان الذي يعتبر شهرا للخير والرحمة.
ويقول إبراهيم «أهالي النوبة معروفون بكرمهم وضيافتهم. إنهم يعتقدون أن من واجبهم أن يوقفوا العابرين سواء رغبوا في ذلك أم لا. (...) نحن لا ندع مسافرا يمضي جائعا».
ويستشهد إبراهيم بحديث للنبي محمد يقول: «من أطعم مسلما جائعا أطعمه الله من ثمار الجنة».
يعيش في قرية النوبة نحو عشرة آلاف شخص معظمهم من المزارعين والعمال الزراعيين والموظفين الحكوميين.
ولا يمانع الكثير من المسافرين التوقف لتناول الإفطار مع أهالي النوبة بعد صيام يزيد عن 15 ساعة في درجات حرارة تتجاوز 45 درجة مئوية.
ويقول المسافر عبد الله آدم الذي تناول إفطاره مع باقي المسافرين إلى واد مدني «من المعروف عن أهل الجزيرة أنهم يوقفون المسافرين في موعد الإفطار» معبرا عن فخره لأنه واحد منهم.
ويقول متطوع في العشرين من عمره «نحن نجازف عندما نقف في منتصف الطريق لنوقف العابرين. لكن لا يهم. فأهل الجزيرة معروفون بالكرم».
السودان: أهالي قرية النوبة يتشاركون الإفطار مع عابري السبيل
يجبرون السيارات المارة على التوقف مع غروب الشمس
السودان: أهالي قرية النوبة يتشاركون الإفطار مع عابري السبيل
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة