زلة لسان لرئيس الوزراء البريطاني زعيم حزب المحافظين ديفيد كاميرون أوقعته في إحراج مع قصر باكينغهام عندما عبر بشكل مازح عن فرحة ملكة بريطانيا إليزابيث الثانية بعد أن التقاها بعد قرار استفتاء اسكتلندا في عدم الانفصال عن بريطانيا، قائلاً إنها كانت، أي الملكة، مثل «قطة في حالة من النشوة» تطلق أصواتًا ابتهاجًا بأن مملكتها بقيت على ما كانت عليه محتفظة بأطرافها.
اسكتلندا صوتت في سبتمبر (أيلول) 2014 في استفتاء تاريخي للانفصال عن المملكة المتحدة، بعد أكثر من 3 قرون من الاتحاد، وكانت النتيجة متقاربة، 55 في المائة مقابل 45 في المائة لصالح عدم الانفصال. وكان الحزب الوطني الاسكتلندي الحاكم في برلمان أدنبرة، حاليًا وسابقًا، قد طالب بإجراء استفتاء على وجود اسكتلندا داخل المملكة المتحدة الذي يعود إلى عام 1707.
ديفيد كاميرون في عام 2013 واجه مطالب الحزب الوطني الاسكتلندي الذي كان يتزعمه اليكس ساموند، بشجاعة وبدستورية كاملة، قائلاً آنذاك إنه يريد أن يضع حدًا لهذه المطالب ولهذه القضية، ويدفن إلى الأبد هذه المسألة من خلال العملية الديمقراطية. لكن أحلامه دفنت هي الأخرى أمس مع خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وتصريحات الوزيرة الأولى نيكولا ستيرجون، زعيمة الحزب الوطني الاسكتلندي، التي جددت أحلامها أمس بالاستقلال عن بريطانيا. وحذر كاميرون آنذاك من أن فوز مؤيدي الاستقلال في الاستفتاء حول انفصال اسكتلندا عن المملكة المتحدة سيكون «طلاقًا مؤلمًا»، لكنه سيقبل بنتيجته، مثلما قبل في الأمس بنتيجة الاستفتاء حول خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، التي أدت أيضًا إلى نهاية مستقبله السياسي، واستقالته من رئاسة الوزراء. وقال كاميرون مخاطبًا الناخبين: «أرجوكم، لا تحطموا هذه العائلة».
وأقر أليكس ساموند بعد فشل الاستفتاء، بهزيمته أمام أنصاره المحبطين، وقال: «قررت اسكتلندا بغالبيتها ألا تصبح دولة مستقلة»، مضيفًا: «إنني أقبل بحكم صناديق الاقتراع وأدعو جميع الاسكتلنديين إلى القيام بذلك والقبول بقرار الشعب».
لكن أحلام ساموند والزعامة الجديدة للحزب الوطني الاسكتلندي بقيادة نيكولا ستيرجون ظلت قائمة. وقالوا آنذاك إن جسم المملكة المتحدة سيبقى حاليًا واحدًا، إلا إذا حصل تغيير أساسي في العلاقة التي تجمع اسكتلندا بباقي أعضاء المملكة المتحدة.
وجود بريطانيا في الاتحاد الأوروبي، اعتبره الاسكتلنديون الانفصاليون من القضايا الأساسية التي إذا تعرضت لأي تغيير قد تسمح لهم بطرح مسألة الاستفتاء على استقلال اسكتلندا ثانيًا.
وفي الأمس عبرت رئيسة وزراء اسكتلندا نيكولا ستيرجن عن هذه الأحلام المبيتة، قائلة إن بلادها سوف تقاتل من أجل البقاء في الاتحاد الأوروبي، ولذا فإنها سوف تبدأ في الإعداد لإجراء استفتاء جديد بشأن الاستقلال عن بريطانيا. وقالت: «أود أن أوضح بشكل جلي اليوم أنني أعتزم اتخاذ كل الخطوات الممكنة وتأمين مكاننا المستمر في الاتحاد الأوروبي وفي السوق الواحدة». وأضافت أن الناخبين الاسكتلنديين قد اختاروا عدم الانفصال عن بريطانيا في استفتاء في عام 2014، في الوقت الذي أعرب فيه كثيرون عن خشيتهم من أن مثل هذه الخطوة سوف تخرج اسكتلندا من الاتحاد الأوروبي، ولكن الموقف الآن تغير. وأوضحت أنها لا تستطيع أن تعلن عن استفتاء جديد، لأن هذه القضية سوف يقررها البرلمان الاسكتلندي.
وقالت إن أغلبية الناخبين الاسكتلنديين اختارت البقاء في الاتحاد الأوروبي، بعكس النتيجة الإجمالية للاستفتاء البريطاني. وقالت ستيرجن أمس الجمعة إن النتيجة «توضح أن شعب اسكتلندا ينظر إلى مستقبله باعتباره جزءًا من الاتحاد الأوروبي». وقبل الاستفتاء الذي جرى أول من أمس الخميس، أعلن الحزب القومي الاسكتلندي بزعامة ستيرجن أنه سيكون هناك تصويت شعبي آخر في حال إجبار اسكتلندا على الانسحاب من الاتحاد الأوروبي ضد رغبتها.
وتابعت أنه على أي حال، سوف يتعين إجراء استفتاء في غضون العامين المقبلين، لا سيما أنه يتعين على الحكومة البريطانية أن تتفاوض بشأن الخروج من الاتحاد الأوروبي.
المملكة المتحدة تضم إنجلترا وإقليم ويلز وشمال آيرلندا، وهذه جميعها تتمتع ببرلمانات مستقلة وبحكم ذاتي، وتشرع لكثير من القضايا باستثناء الخارجية والدفاع. وكان كاميرون يعتقد بأن استفتاء اسكتلندا وضع حدًا ولفترة طويلة، قد لا تحدث في عهده. إلا أن استفتاء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي أعاد الكرة إلى ملعبه، وأنعش أحلام الانفصاليين من جديد، التي قد تفكك بريطانيا إلى دويلات صغيرة، وأن ما وعد كاميرون به الأعضاء الآخرين قد لا يكون كافيًا للحفاظ على بريطانية متماسكة.
الزعيم الاستقلالي ساموند حصل في نهاية المطاف على حكم ذاتي أوسع للبلد الذي كان يديره. ودعا ديفيد كاميرون المملكة المتحدة إلى «وحدة الصف» متعهدًا بمنح بلدانها الأربع صلاحيات أوسع في إدارة شؤونها. وكان كاميرون قد قال في كلمة ألقاها أمام مقر الحكومة البريطانية في لندن بعد استفتاء اسكتلندا: «لقد حان الوقت لمملكتنا المتحدة لكي توحد صفوفها وتمضي قدمًا»، معتبرًا أنه تمت تسوية مسألة استقلال اسكتلندا «لجيل». وقال كاميرون إن «الشعب الاسكتلندي قال كلمته وقراره واضح. قرر الحفاظ على وحدة أراضي بلداننا الأربع (اسكتلندا وويلز وآيرلندا الشمالية وإنجلترا) ومثل الملايين الآخرين، أنا سعيد بذلك». وتابع: «مثلما سيحصل الاسكتلنديون على مزيد من السلطات في إدارة شؤونهم، كذلك يجب أن تكون لسكان إنجلترا وويلز وآيرلندا الشمالية صلاحيات أكبر في إدارة شؤونهم». وسبق أن وعد كاميرون بزيادة الحكم الذاتي لاسكتلندا، غير أنها أول مرة يقطع تعهدات مماثلة للبلدان الثلاثة الأخرى.
وهذا قد يشجع الآخرين على المطالبة باستفتاء.
خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي يفتح الباب على مصراعيه لاستقلال اسكتلندا
زعماء الانفصال في اصطفاف جديد لتنظيم قد يفكك المملكة المتحدة
خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي يفتح الباب على مصراعيه لاستقلال اسكتلندا
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة