مصادر أوروبية: رهان أميركا على الدور الروسي والإيراني «سذاجة سياسية»

قالت لـ «الشرق الأوسط» إن توجهات الإدارة الأميركية لن تنتج حلاً سياسيًا في سوريا

قوات الدفاع المدني تنتشل ضحايا من تحت ركام مبنى انهار في أعقاب غارة من طيران النظام بحي طريق الباب بحلب أمس (أ.ف.ب)
قوات الدفاع المدني تنتشل ضحايا من تحت ركام مبنى انهار في أعقاب غارة من طيران النظام بحي طريق الباب بحلب أمس (أ.ف.ب)
TT

مصادر أوروبية: رهان أميركا على الدور الروسي والإيراني «سذاجة سياسية»

قوات الدفاع المدني تنتشل ضحايا من تحت ركام مبنى انهار في أعقاب غارة من طيران النظام بحي طريق الباب بحلب أمس (أ.ف.ب)
قوات الدفاع المدني تنتشل ضحايا من تحت ركام مبنى انهار في أعقاب غارة من طيران النظام بحي طريق الباب بحلب أمس (أ.ف.ب)

تقول مصادر دبلوماسية أوروبية تتابع عن كثب تطورات الملف السوري، إن الرئيس الأميركي «مصيب» عندما يقول إنه «لا حل عسكريا للنزاع في سوريا»؛ إذ إنه «لا أحد يرى أن هذه الحرب يمكن أن تنتهي بإلغاء أي طرف للطرف الآخر». لكن بالمقابل هو «مخطئ» في اعتباره أن السياسة التي يتبعها في سوريا «يمكن أن تقود إلى الحل السياسي»، لأن الحل «يفترض أن يكون الطرفان مقتنعين به» وأن تكون الأطراف الخارجية «تدفع باتجاهه».
وتضيف هذه المصادر التي تحدثت إليها «الشرق الأوسط»، أن باراك أوباما الذي «يؤمن بقوة بأنه لا مناص من التعامل مع روسيا في الملف السوري»، يبدو في الواقع «غير مهتم» إلا بالحرب على «داعش». أما التصريحات الأميركية التي تصدر بشأن مصير رئيس النظام السوري بين فترة وأخرى والتي تتحدث عن أنه «لا يمكن أن يكون مستقبل سوريا» أو أنه «فقد الشرعية»، فإنها من باب «رفع العتب» والإيحاء بوجود «وجهة نظر موحدة» بين الأطراف الداعمة للمعارضة السورية، بينما الواقع «مختلف تماما».
انطلاقا من هذه المعطيات، تعتبر المصادر المشار إليها أن توقع أي تغيير «جذري» في سياسة الإدارة الأميركية الحالية التي لم يتبق لها سوى ستة أشهر، بسبب الانتقادات من داخل الإدارة أو من خارجها، «مجرد أوهام»، لأن أوباما «مقتنع تماما» بهذه السياسة التي لم يحد عنها في كل مفاصل الحرب السورية. وبحسب هذه المصادر، فقد تبين «منذ البداية»، أنه لم ينو أبدا الذهاب أبعد مما ذهب إليه، وهي تسوق مجموعة من الأدلة على ذلك؛ فالإدارة الأميركية منعت وصول السلاح الحديث، خصوصا الصواريخ المحمولة على الكتف، إلى فصائل المعارضة، وذلك «قبل بروز (داعش)». وباءت خططها المتلاحقة لتدريب عناصر المعارضة «المعتدلة» بالفشل التام، وتراجع أوباما عن تهديده بمعاقبة النظام السوري في حال تجاوز «الخطوط الحمراء» واستخدم السلاح الكيماوي ضد شعبه. كذلك، فإن واشنطن رفضت دائما كل الخطط التي اقترحتها أطراف إقليمية، مثل إقامة مناطق آمنة أو مناطق حظر جوي أو حتى «ممرات آمنة»، بحجج متماثلة، وهي صعوبة حمايتها.
وأخيرا، ترى هذه المصادر أن عبثية واشنطن تظهر في أنها «سلمت عمليا قيادة الملف السوري إلى روسيا وإيران» اللتين «ملأتا الفراغ» السياسي والعسكري الناتج عن خياراتها الخاطئة، ومكنتا النظام من التقاط أنفاسه واستعادة بعض ما خسره ميدانيا، والذهاب إلى جنيف «وهو عازم على إحباط مساعي المبعوث الدولي» ستيفان دي ميستورا و«كسب الوقت» لإحداث التغييرات الميدانية التي تجعله يتصور أنه قادر على «حسم» الوضع عسكريا.
ترى المصادر الغربية أن «رهان أوباما - كيري» على الدور الروسي في سوريا أو على «اعتدال إيراني» بعد التوصل إلى اتفاقية فيينا (بين مجموعة «5+1» وطهران) صيف العام الماضي بشأن ملفها النووي، أقرب إلى «السذاجة الدبلوماسية» وأنه نوع من «التوهم» الذي لا يستند إلى أي أساس واقعي لأن الجميع فهم «الحدود التي لا تريد واشنطن تخطيها»، خصوصا تخليها عن «الخيار العسكري» الذي لم يتردد الطرفان؛ الإيراني والروسي، بأشكال مختلفة من اللجوء إليه. وتضيف هذه المصادر أن هذا الخيار «خرج اليوم من المعادلة بسبب الحضور الروسي العسكري المكثف في سوريا»؛ إذ «لا أحد يريد نزاعا عسكريا مباشرا» بين القوتين العظميين في سوريا، خصوصا أن العلاقات متوترة بين الجانبين بسبب أوكرانيا ومبادرات الحلف الأطلسي في الجوار الروسي. وكانت أوساط روسية قد نبهت لخطورة المقترحات التي تضمنتها «ورقة التوصيات» التي سربتها مجموعة الـ51 دبلوماسيا وموظفا في الخارجية الأميركية، والتي تنتقد بعنف سياسة أوباما وكيري إزاء الأزمة في سوريا وتدعو إلى اللجوء إلى ضربات جوية محددة ضد مواقع الجيش السوري.
وينتظر أن يكون الملف السوري على جدول مباحثات الأمير محمد بن سلمان ولي ولي العهد السعودي الذي سيزور باريس رسميا ابتداء من يوم الاثنين المقبل. كذلك سيتم تناوله في المحادثات التي يجريها غدا الأربعاء وزير خارجية إيران محمد جواد ظريف مع وزير الخارجية الفرنسي جان مارك أيرولت في العاصمة الفرنسية. وتعد باريس من أكثر العواصم انتقادا للسياسة الأميركية في سوريا؛ إذ إن المسؤولين الفرنسيين، بعيدا عن الإعلام، يأخذون على السياسة الأميركية «ميوعتها» في التعاطي مع الطرف الروسي ويتهمونها بـ«الليونة الزائدة» وبتقبل «الرؤية الروسية التي تروج لمقولة إن الحرب على الإرهاب والاستقرار في سوريا يستلزمان بقاء الأسد». وبحسب باريس، فإن التلميحات الروسية التي تقول إن موسكو «غير متمسكة بشخص الأسد»، مجرد «فقاعات إعلامية»؛ إذ إنها في واقع الأمر «تعمل على إلغاء كل المعارضات المعتدلة الموجودة وجعل الأسد بمواجهة التنظيمات الإرهابية وحدها، وتقديمه على أنه الجهة القادرة على منعها من وضع اليد على سوريا وخلق الفوضى وتصدير الإرهاب». والحال، أن كل ما تقول موسكو إنها تريد منعه «قائم اليوم»، وأنه «سيستفحل في حال لم يتم التوصل إلى حل سياسي» مقبول.
إزاء هذا الواقع، تدعو المصادر الأوروبية إلى موقف أميركي أكثر صرامة وتشددا مع روسيا «لا يذهب بالضرورة إلى حد توجيه الضربات العسكرية، لأن واشنطن قادرة عبر إجراءات دبلوماسية واقتصادية وتجارية للضغط أكثر على روسيا». وفي السياق عينه، تدعو أيضا إلى مزيد من الضغط على إيران. وعمليا، تركز هذه المصادر على العودة إلى العمل من أجل فرض وقف جدي للأعمال القتالية مع وجود آليات رقابية تعطيه المصداقية الضرورية، والتزام روسي بعدم استهداف الفصائل المسلحة المعارضة، ومنع طيران النظام من القيام بذلك، مما من شأنه توفير الفرصة للمبعوث الدولي لمعاودة إحياء «مسار جنيف» الذي لم يتوصل إلى تحقيق أي إنجاز بعد ثلاث جولات.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».