تقول مصادر دبلوماسية أوروبية تتابع عن كثب تطورات الملف السوري، إن الرئيس الأميركي «مصيب» عندما يقول إنه «لا حل عسكريا للنزاع في سوريا»؛ إذ إنه «لا أحد يرى أن هذه الحرب يمكن أن تنتهي بإلغاء أي طرف للطرف الآخر». لكن بالمقابل هو «مخطئ» في اعتباره أن السياسة التي يتبعها في سوريا «يمكن أن تقود إلى الحل السياسي»، لأن الحل «يفترض أن يكون الطرفان مقتنعين به» وأن تكون الأطراف الخارجية «تدفع باتجاهه».
وتضيف هذه المصادر التي تحدثت إليها «الشرق الأوسط»، أن باراك أوباما الذي «يؤمن بقوة بأنه لا مناص من التعامل مع روسيا في الملف السوري»، يبدو في الواقع «غير مهتم» إلا بالحرب على «داعش». أما التصريحات الأميركية التي تصدر بشأن مصير رئيس النظام السوري بين فترة وأخرى والتي تتحدث عن أنه «لا يمكن أن يكون مستقبل سوريا» أو أنه «فقد الشرعية»، فإنها من باب «رفع العتب» والإيحاء بوجود «وجهة نظر موحدة» بين الأطراف الداعمة للمعارضة السورية، بينما الواقع «مختلف تماما».
انطلاقا من هذه المعطيات، تعتبر المصادر المشار إليها أن توقع أي تغيير «جذري» في سياسة الإدارة الأميركية الحالية التي لم يتبق لها سوى ستة أشهر، بسبب الانتقادات من داخل الإدارة أو من خارجها، «مجرد أوهام»، لأن أوباما «مقتنع تماما» بهذه السياسة التي لم يحد عنها في كل مفاصل الحرب السورية. وبحسب هذه المصادر، فقد تبين «منذ البداية»، أنه لم ينو أبدا الذهاب أبعد مما ذهب إليه، وهي تسوق مجموعة من الأدلة على ذلك؛ فالإدارة الأميركية منعت وصول السلاح الحديث، خصوصا الصواريخ المحمولة على الكتف، إلى فصائل المعارضة، وذلك «قبل بروز (داعش)». وباءت خططها المتلاحقة لتدريب عناصر المعارضة «المعتدلة» بالفشل التام، وتراجع أوباما عن تهديده بمعاقبة النظام السوري في حال تجاوز «الخطوط الحمراء» واستخدم السلاح الكيماوي ضد شعبه. كذلك، فإن واشنطن رفضت دائما كل الخطط التي اقترحتها أطراف إقليمية، مثل إقامة مناطق آمنة أو مناطق حظر جوي أو حتى «ممرات آمنة»، بحجج متماثلة، وهي صعوبة حمايتها.
وأخيرا، ترى هذه المصادر أن عبثية واشنطن تظهر في أنها «سلمت عمليا قيادة الملف السوري إلى روسيا وإيران» اللتين «ملأتا الفراغ» السياسي والعسكري الناتج عن خياراتها الخاطئة، ومكنتا النظام من التقاط أنفاسه واستعادة بعض ما خسره ميدانيا، والذهاب إلى جنيف «وهو عازم على إحباط مساعي المبعوث الدولي» ستيفان دي ميستورا و«كسب الوقت» لإحداث التغييرات الميدانية التي تجعله يتصور أنه قادر على «حسم» الوضع عسكريا.
ترى المصادر الغربية أن «رهان أوباما - كيري» على الدور الروسي في سوريا أو على «اعتدال إيراني» بعد التوصل إلى اتفاقية فيينا (بين مجموعة «5+1» وطهران) صيف العام الماضي بشأن ملفها النووي، أقرب إلى «السذاجة الدبلوماسية» وأنه نوع من «التوهم» الذي لا يستند إلى أي أساس واقعي لأن الجميع فهم «الحدود التي لا تريد واشنطن تخطيها»، خصوصا تخليها عن «الخيار العسكري» الذي لم يتردد الطرفان؛ الإيراني والروسي، بأشكال مختلفة من اللجوء إليه. وتضيف هذه المصادر أن هذا الخيار «خرج اليوم من المعادلة بسبب الحضور الروسي العسكري المكثف في سوريا»؛ إذ «لا أحد يريد نزاعا عسكريا مباشرا» بين القوتين العظميين في سوريا، خصوصا أن العلاقات متوترة بين الجانبين بسبب أوكرانيا ومبادرات الحلف الأطلسي في الجوار الروسي. وكانت أوساط روسية قد نبهت لخطورة المقترحات التي تضمنتها «ورقة التوصيات» التي سربتها مجموعة الـ51 دبلوماسيا وموظفا في الخارجية الأميركية، والتي تنتقد بعنف سياسة أوباما وكيري إزاء الأزمة في سوريا وتدعو إلى اللجوء إلى ضربات جوية محددة ضد مواقع الجيش السوري.
وينتظر أن يكون الملف السوري على جدول مباحثات الأمير محمد بن سلمان ولي ولي العهد السعودي الذي سيزور باريس رسميا ابتداء من يوم الاثنين المقبل. كذلك سيتم تناوله في المحادثات التي يجريها غدا الأربعاء وزير خارجية إيران محمد جواد ظريف مع وزير الخارجية الفرنسي جان مارك أيرولت في العاصمة الفرنسية. وتعد باريس من أكثر العواصم انتقادا للسياسة الأميركية في سوريا؛ إذ إن المسؤولين الفرنسيين، بعيدا عن الإعلام، يأخذون على السياسة الأميركية «ميوعتها» في التعاطي مع الطرف الروسي ويتهمونها بـ«الليونة الزائدة» وبتقبل «الرؤية الروسية التي تروج لمقولة إن الحرب على الإرهاب والاستقرار في سوريا يستلزمان بقاء الأسد». وبحسب باريس، فإن التلميحات الروسية التي تقول إن موسكو «غير متمسكة بشخص الأسد»، مجرد «فقاعات إعلامية»؛ إذ إنها في واقع الأمر «تعمل على إلغاء كل المعارضات المعتدلة الموجودة وجعل الأسد بمواجهة التنظيمات الإرهابية وحدها، وتقديمه على أنه الجهة القادرة على منعها من وضع اليد على سوريا وخلق الفوضى وتصدير الإرهاب». والحال، أن كل ما تقول موسكو إنها تريد منعه «قائم اليوم»، وأنه «سيستفحل في حال لم يتم التوصل إلى حل سياسي» مقبول.
إزاء هذا الواقع، تدعو المصادر الأوروبية إلى موقف أميركي أكثر صرامة وتشددا مع روسيا «لا يذهب بالضرورة إلى حد توجيه الضربات العسكرية، لأن واشنطن قادرة عبر إجراءات دبلوماسية واقتصادية وتجارية للضغط أكثر على روسيا». وفي السياق عينه، تدعو أيضا إلى مزيد من الضغط على إيران. وعمليا، تركز هذه المصادر على العودة إلى العمل من أجل فرض وقف جدي للأعمال القتالية مع وجود آليات رقابية تعطيه المصداقية الضرورية، والتزام روسي بعدم استهداف الفصائل المسلحة المعارضة، ومنع طيران النظام من القيام بذلك، مما من شأنه توفير الفرصة للمبعوث الدولي لمعاودة إحياء «مسار جنيف» الذي لم يتوصل إلى تحقيق أي إنجاز بعد ثلاث جولات.
مصادر أوروبية: رهان أميركا على الدور الروسي والإيراني «سذاجة سياسية»
قالت لـ «الشرق الأوسط» إن توجهات الإدارة الأميركية لن تنتج حلاً سياسيًا في سوريا
مصادر أوروبية: رهان أميركا على الدور الروسي والإيراني «سذاجة سياسية»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة