بدأت المذبحة التي قتل فيها عمر صديقي متين 49 شخصًا في نادٍ للمثليين في أورلاندو (ولاية فلوريدا) في الثانية صباح الأحد قبل الماضي. واستمرت لثلاث ساعات، بين مفاوضات وإطلاق نار، ومفاوضات وإطلاق نار، حتى هجمت الشرطة المسلحة على المكان، وقتلت متين.
لهذا، كان مستحيلاً أن تغطي الخبر الصحف الورقية الرئيسية التي صدرت صباح الأحد. غير أن هذه الصحف استفادت من مواقعها في الإنترنت. تابعت صحيفة «واشنطن بوست» التطورات تحت عنوان «ديفيلوبنغ نيوز» (أخبار تتطور). وتابعت صحيفة «نيويورك تايمز» التطورات تحت عنوان: «كونتيواس كافردج» (تغطية مستمرة).
صباح يوم الاثنين، بعد يوم كامل، صدرت الصحيفتان الورقيتان، وعلى صدر الصفحة الأولى في كل واحد الخبر الكبير.
عن هذا، كتب هنري درايمتنان في مجلة «فاراياتي»: «حسم الصحافيون الأميركيون وأساتذة الصحافة في الجامعات الأميركية، منذ مدة طويلة، هذه النقطة: يظل الخبر جديدا ما دامت الصحيفة لم تنشره. حتى لو مضى عليه يوم كامل»، وأضاف: «لكنهم حسموا هذا الموضوع قبل عصر الإنترنت. لا يبدو أن ذلك سيؤثر، لأن الصحيفة الورقية، في نهاية المطاف، تسجيل تاريخي، ولا يمكن أن تحذف حدثا تاريخيا لأنه كان (خبرا قديما)».
كالعادة، هبت القنوات التلفزيونية لتنقل الخبر مباشرة. في البداية، لم تكن تعرف ما حدث، وظلت تكرر صور سيارات الشرطة وهي تسرع نحو النادي. وحتى بعد أن اقتحمت الشرطة النادي، وبدأت سيارات الإسعاف تنقل القتلى والجرحى، لم يعرف الناس ما حدث. وحتى بعد أن نقلت صور أناس من داخل النادي يبكون ويصرخون، ويحملون زملاءهم، لم يعرف الناس ما حدث.
حتى العاشرة صباحا (بعد سبع ساعات من بداية المذبحة). ومن أين؟ من أعضاء في الكونغرس في لجنة الأمن. وعن هذا كتبت مجلة «فاراياتي»: «لم تعلن الشرطة الخبر مباشرة، أو تعقد مؤتمرا صحافيا سريعا، لسبب بسيط. وهي أنها لم تكن تعرف، حقيقة، ما حدث إلا بعد مرور ساعات».
وقالت صحيفة «واشنطن بوست» إن شرطة أورلاندو، حتى بعد أن انتهت المذبحة، لم تكن تعرف ماذا تفعل. وقالت: «فاوضت الشرطة متين، ثم أطلقت النار. ثم فاوضت، ثم أطلقت النار»، لهذا، إذا تأخر حسم الشرطة ثلاث ساعات حتى قتلت متين، كان لا بد أن يتأخر حصولها على معلومات كافية، وكان لا بد أن يتأخر نشر الخبر للناس.
في العاشرة صباح الأحد، ألغى برنامج المقابلات في تلفزيون «سي إن إن» مقابلات عن الانتخابات، وقدم خبراء تحدثوا حديثًا عامًا، لأن الناس، حتى ذلك الوقت، لم يكونوا يعرفون تفاصيل ما حدث.
وقدمت القناة بيت كينغ (جمهوري، ولاية نيويورك)، ورئيس لجنة الأمن الداخلي في مجلس النواب، لكنه، أيضًا، لم يقل شيئا جديدا. غير أنه أضاف أن الهجوم قام به «إرهابي».
كانت تلك أول مرة تنتشر فيها كلمة «إرهابي»، وفي الحال، وكالعادة، بدأت القنوات التلفزيونية الإخبارية تربط بين ما حدث ومنظمات إسلامية متطرفة، مثل «داعش». لكن، دون معرفة التفاصيل، ودون وجود دليل على صلة محددة.
لساعة كاملة، كانت هذه القنوات التلفزيونية تنتظر القنبلة: الاسم. وكان تلفزيون «سي إن إن» أول من أعلن الاسم، بعد أن تأكد من عضو الكونغرس كينغ. وفي الحال، صارت التغطية، كما قالت مجلة «فاراياتي»، «روتينية»، قصدت أن كل الصحافيين، بعد إعلان أن القاتل مسلم، ربطوا بين الكلمتين: «إرهاب» و«إسلام»، واستدعت هذه القنوات، كالعادة، خبراء في الإرهاب، وخبراء في المنظمات الإسلامية الإرهابية. مع استمرار تكرار لقطات من مسرح الجريمة خلال صباح الأحد، ومشاهد من خارج النادي في الليلة السابقة.
في الثانية ظهرا، تحدث الرئيس باراك أوباما. وكان واضحا أنه، هو نفسه، لم يملك معلومات كثيرة. لهذا، ألقى كلمة «روتينية»، وعن هذا قال مذيع تلفزيون «إي بي سي» جورج ستيفانوبولوس: «كرر الرئيس أوباما مثل هذه الخطب مرات كثيرة»، في الماضي وأشار ستيفانوبولوس إلى بعضها: «إطلاق النار عام 2012 في مدرسة نيوتاون (ولاية كونيتيكات). وإطلاق النار في سان بيرنادينو (ولاية كاليفورنيا) عام 2015».
خلال التغطية، وقعت «قنبلة» ثانية، عندما أعلنت شرطة أورلاندو أن متين اتصل بها تلفونيا، وقال إنه عضو في تنظيم داعش. ومرة أخرى، صارت التغطية «روتينية»: «(داعش)، الإرهاب، المسلمون».
كانت أكثر قناة تلفزيونية استغلت الموضوع هي «فوكس»، وقال معلقون فيها إن «المتطرفين» سيقتلون الأميركيين، شدد القانون في شراء الأسلحة الفتاكة، أو لم يشدد.
وهكذا، تحولت التغطية تدريجيًا من موضوع أمني أميركي داخلي (انتشار الأسلحة)، إلى موضع إرهابي عالمي.
وفي «روتينية»، تكرر الكلمات والعبارات الآتية ربما مئات المرات: «جريمة كراهية» و«عمل إرهابي» و«إطلاق النار الشامل»، و«التطرف» و«المثليون». ووصف الصحافيون متين أوصافا «روتينية» أيضا: «غير مستقر» و«أميركي من أصل أفغاني» و«ذئب منفرد».
مع غروب الشمس، صارت التغطية «روتينية». وبعد نشرات الأخبار المسائية، عادت القنوات التلفزيونية إلى برامجها العادية.
تغطية مذبحة أورلاندو صارت «روتينية»
الإعلام الأميركي ينتظر الاسم.. ومتى كان مسلمًا؟ حتى تعزية أوباما صارت عادية
تغطية مذبحة أورلاندو صارت «روتينية»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة