المشهد: سينما إسلامية

المشهد: سينما إسلامية
TT

المشهد: سينما إسلامية

المشهد: سينما إسلامية

* قبل سنوات عقب كارثة 2001 قررت شركة إنتاج محلية في إحدى الدول العربية إنتاج أفلام عالمية لأجل تقديم صورة صحيحة عن الإسلام والمسلمين. لقاء بين رئيسها وبين كاتب هذه الكلمات تم في مكتبه حيث عرض رئيس الشركة وجهة نظره بالكلمات التالية: «لابد أنك تعلم ما أضحى عليه الإسلام من سوء فهم وما تثيره هوليوود ضده من تشويه متعمّـد. أنت تعيش هناك وتعرف. نريد هنا إنتاج أفلام تقدّم الإسلام على حقيقته وتتصدّى لما يُـقال عنه ويقدّم بإسمه».
* لم تكن هذه هي المرّة الأولى التي يتم فيها طرح هذا الموضوع، لا على مسمع مني ولا في نطاق جلسات عمل أخرى بعيدة. لكن شيئاً ما لم يُـنتج عن هذه الجلسات ولا تم رصد فيلم واحد قامت به مؤسسة إنتاج، أو مؤسسة إعلامية عربية، بغاية تقديم الإسلام بالصورة اللائقة التي يستحق.
* السبب ليس في عدم جدية التفكير، ولا حتى في عدم مواصلته بل في الأسباب التي تحول دون مواصلته. بالنسبة لذلك اللقاء كان ردّي في مجمله نقيضاً لما يود المتحدث سماعه. قلت: «بالنسبة للصورة المشوّهة، هي كذلك لأسباب موضوعية فمع كل ما يحدث حولنا وضمن تركيبة العناصر التي تعتمد عليها السينما السائدة لا يمكن لها إلا تنفذ إلى وسائل الإعلام المختلفة. وأفضل رد عليها ليس إنتاج أفلام إسلامية المضمون، بل إنتاج أفلام جيدة المضمون والصنعة. أفلام يُـعجب بها القسط الأوفر من مشاهديها لرسالات ومضامين مهما بدت بعيدة عن موضوع الإسلام بحد ذاته.»
* لم يكن فيلم «وجدة» السعودي ولا فيلم «ذيب» الأردني قد إنتجا بعد لكي أضرب المثل فيهما. وكلامي لم يعجب الجالس أمامي فانطلق يفنّـد الأفلام الغربية التي يراها معادية للإسلام (ذكر «علاء الدين» وهو بحق معاد وبوضوح) بينما دافعت عن وجهة نظري من ناحية اقتصادية فقلت أنه ليس هناك من جمهور عالمي جاهز يريد أن يرى فيلماً دينياً يهودياً أو مسيحياً أو إسلامياً. لكن الرجل لم يقتنع وانتهت المقابلة على هذا النحو.
* الموقف من الإسلام ومن العرب في السينما الغربية ليس جديداً وهو يعتمد على أسباب مختلفة من بينها كيف كان وضع البلاد العربية إقتصادياً ومعيشياً وسياسياً في أواخر القرن الثامن عشر ولعقود أولى من القرن العشرين. أي سائح أجنبي يحط الرحال في أي يقعة سيجد ثقافة لا يستطيع هضمها. سلوكيات لا يفهمها. تقاليد لا علم له بأسبابها. علاقة الأوروبي والأميركي بالأماكن والشعوب تتبع ما في تلك الأماكن من شعوب وكيف سيّـرت حياتها. لذلك كان نقل صور سوق مكتظ بالباعة وبالمتسوّلين يستند إلى حقائق. هذه استغلت لكتابة وتصوير أفلام (غالبها أفلام مغامرات) تستثمرها على نحو معيب لنا.
* صحيح أن فيلم «الرسالة» للراحل مصطفى العقاد حقق ما لم ينجزه فيلم عربي الموضوع عن الإسلام، لكن كانت هناك ظروفه الخاصة التي رعته. لم تكن أواخر السبعينات، قد شهدت ما عرفته العقود التالية من إرهاب التصق بالإسلام وشوّهه، لذا ظهر غير مندفع للبرهنة على شيء. تولاه مخرج ومنتج يعرف قيمة الفيلم التاريخي بمعادلات هوليوود، جاء متميزاً وجاء فريداً. اليوم، كل ما هو مطلوب منا تقديم أفلام جيّـدة تعيد تركيب قناعات بديلة وأفضل وسيلة لذلك أن تبتعد عن اسلوب الدعاية إيجاباً أو سلباً.



8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
TT

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬

تُحرّك جوائز «الأوسكار» آمال العاملين في جوانب العمل السينمائي المختلفة، وتجذبهم إلى أمنية واحدة هي، صعود منصّة حفل «الأوسكار» وتسلُّم الجائزة وإلقاء ما تيسَّر له من تعابير فرحٍ وثناء.

لا يختلف وضع العام الحالي عن الوضع في كل عام، فجميع آمال العاملين في هذه الصّناعة الفنية المبهرة يقفون على أطراف أصابعهم ينتظرون إعلان ترشيحات «الأوسكار» الأولى هذا الشهر. وحال إعلانها سيتراجع الأمل لدى من لا يجد اسمه في قائمة الترشيحات، وترتفع آمال أولئك الذين سترِد أسماؤهم فيها.

يتجلّى هذا الوضع في كل مسابقات «الأوسكار» من دون تمييز، لكنه أكثر تجلّياً في مجال الأفلام الأجنبية التي تتقدّم بها نحو 80 دولة كل سنة، تأمل كل واحدة منها أن يكون فيلمها أحد الأفلام الخمسة التي ستصل إلى الترشيحات النهائية ومنها إلى الفوز.

«ما زلت هنا» لوولتر ساليس (ڤيديو فيلمز)

من المسافة صفر

لا يختلف العام الحالي في شكل التنافس وقيمته بل بأفلامه. لدينا للمناسبة الـ97 من «الأوسكار» 89 دولة، كلّ واحدة منها سبق أن تنافست سابقاً في هذا المضمار. لكن المختلف هو بالطبع الأفلام نفسها. بعض ما شُوهد منها يستحق التقدير، والفرق شاسع بين ما يستحق التقدير وبين ما يستحق الترشيح والوصول إلى التّصفية.

الحلمُ في تحقيق هذه النقلة يسيطر على المخرجين والمنتجين العرب الذين نفّذوا أعمالهم الجديدة خلال هذه السنة وسارعوا لتقديمها.

من بينهم المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي، الذي وفّر خلال العام الحالي فيلمين، واحدٌ من إخراجه بعنوان «أحلام عابرة»، والثاني بتوقيع 22 مخرجاً ومخرجة أشرف مشهراوي على جمع أفلامهم في فيلم طويل واحد بعنوان «من المسافة صفر»، وجميعها تتحدّث عن غزة، وما حدث فيها في الأسابيع الأولى لما يُعرف بـ«طوفان الأقصى». بعض تلك الحكايا مؤثرٌ وبعضها الآخر توليفٌ روائي على تسجيلي متوقع، لكنها جميعها تكشف عن مواهب لو قُدِّر لها أن تعيش في حاضنة طبيعية لكان بعضها أنجز ما يستحق عروضاً عالمية.

لا ينحصر الوضع المؤلم في الأحداث الفلسطينية بل نجده في فيلم دانيس تانوفيتش الجديد (My Late Summer) «صيفي المتأخر». يقدم تانوفيتش فيلمه باسم البوسنة والهرسك، كما كان فعل سنة 2002 عندما فاز بـ«الأوسكار» بصفته أفضل فيلم أجنبي عن «الأرض المحايدة» (No Man‪’‬s Land). يفتح الفيلم الجديد صفحات من تاريخ الحرب التي دارت هناك وتأثيرها على شخصية بطلته.

«صيفي الأخير» لدانيس تانوفيتش (بروبيلر فيلمز)

مجازر كمبودية

تختلف المسألة بالنسبة للاشتراك الصّربي المتمثّل في «قنصل روسي» (Russian Consul) للمخرج ميروسلاڤ ليكيتش. في عام 1973 عندما كانت يوغوسلاڤيا ما زالت بلداً واحداً، عاقبت السلطات الشيوعية هناك طبيباً إثر موت مريض كان يعالجه، وأرسلته إلى كوسوڤو حيث وجد نفسه وسط تيارات انفصالية مبكرة ونزاع حول الهوية الفعلية للصرب. حسب الفيلم (الاشتراك الثاني لمخرجه للأوسكار) تنبأت الأحداث حينها بانهيار الاتحاد السوفياتي و«عودة روسيا كروسيا» وفق قول الفيلم.

التاريخ يعود مجدداً في فيلم البرازيلي والتر ساليس المعنون «ما زلت هنا» (I‪’‬m Still Here) وبطلته، أيضاً، ما زالت تحمل آلاماً مبرحة منذ أن اختفى زوجها في سجون الحقبة الدكتاتورية في برازيل السبعينات.

في الإطار نفسه يعود بنا الاشتراك الكمبودي (التمويل بغالبيته فرنسي) «اجتماع مع بُل بوت» (Meeting with Pol Pot) إلى حقبة السبعينات التي شهدت مجازرعلى يد الشيوعيين الحاكمين في البلاد، ذهب ضحيتها ما بين مليون ونصف ومليوني إنسان.

وفي «أمواج» (Waves) للتشيكي ييري مادل، حكاية أخرى عن كيف ترك حكمٌ سابقٌ آثاره على ضحاياه ومن خلفهم. يدور حول دور الإعلام في الكشف عن الحقائق التي تنوي السلطة (في السبعينات كذلك) طمسها.

تبعات الحرب الأهلية في لبنان ليست خافية في فيلم ميرا شعيب «أرزة»، الذي يدور حول أم وابنها يبحثان عن سارق دراجة نارية ويتقمصان، في سبيل ذلك، شخصيات تنتمي إلى الطائفة التي قد تكون مسؤولة عن السرقة. هما سنّيان هنا وشيعيان هناك ومسيحيان أو درزيان في مواقع أخرى وذلك للتأكيد على أن التربة الطائفية ما زالت تنبض حية.

حتى كوريا الجنوبية ما زالت تحوم حول الانقلاب (وهي تعيش اليوم حالة مشابهة) الذي وقع في مثل هذا الشهر من سنة 1979 عندما اغتيل الرئيس بارك على يد رئيس شعبة الدفاع لي تايدو-غوانغ (أُلقي القبض عليه لاحقاً وأُعدم). هذا هو ثالث فيلم شاهده الناقد كاتب هذه الكلمات حول الموضوع نفسه.