أجبرت مظاهرة لقوات الأمن، أمس، الرئيس التونسي المنصف المرزوقي، ورئيس الوزراء علي العريض، ورئيس المجلس التأسيسي مصطفى بن جعفر، على مغادرة موكب رسمي تكريما لعنصرين من قوات الحرس الوطني قتلا الخميس برصاص مجموعة مسلحة شمال غربي تونس.
وهتف المتظاهرون من ممثلي النقابات وبعضهم كان بالزي النظامي والآخر باللباس المدني «ارحل» و«جبان»، في وجوه المسؤولين، مما أجبرهم على مغادرة الموكب الذي نظم بثكنة الحرس الوطني بالعوينة في العاصمة التونسية.
وغادر الرؤساء الثلاثة المكان بعد تعرضهم لنحو 20 دقيقة لصيحات الاستهجان، من دون أن ينبسوا ببنت شفة. وقال أحد المحتجين «لم نعد نقبل حضور السياسيين». وحمل المتظاهرون لافتات تطالب بقوانين «لحماية رجال الشرطة». ولم يتمكن سوى وزير الداخلية لطفي بن جدو من حضور الموكب الذي أقيم لتأبين رئيس مركز الحرس الوطني في قبلاط، وأحد مساعديه، اللذين قتلا برصاص مسلحين «إرهابيين» الخميس في قبلاط بولاية باجة التي يبعد مركزها 100 كم غرب العاصمة التونسية. وقال الوزير بن جدو، في كلمة قصيرة «نحن جميعا ضد الإرهاب، إنها حرب ولن نتوقف» عن الكفاح.
ونظمت نقابات قوات الأمن في الأشهر الأخيرة العديد من التظاهرات وعمليات الاحتجاج للتنديد بنقص الوسائل المتوافرة للتصدي للمجموعات المسلحة الدينية المتشددة التي تشهد تناميا في تونس منذ ثورة 2011. لكنها المرة الأولى التي يحتج فيها ممثلون عن الشرطة والحرس الوطني على أعلى ممثلي الدولة الذين يحضرون باستمرار مواكب تشييع أو تأبين الأمنيين والعسكريين الذين يسقطون في ساحة القتال.
في غضون ذلك، واصلت الوحدات الأمنية والعسكرية ملاحقة المجموعة المسلحة التي فتحت النار وقتلت عوني الحرس، وأصابت عنصرا ثالثا بجراح بليغة. وقالت مصادر أمنية إن دعما من الجيش والعتاد الثقيل من مدفعية وطائرات مروحية، توجه إلى مسرح المواجهات في جبل «التلة» القريب من قبلاط شمال غربي تونس. وذكرت أن اثنين من المجموعة الإرهابية على الأقل توفيا فيما تسعى الوحدات الأمنية إلى إلقاء القبض على البقية، وقدرت عددهم بما بين 20 و25 عنصرا مسلحا.
وقال محمد علي العروي، الناطق باسم وزارة الداخلية التونسية، إن «القوات الخاصة لوزارة الداخلية والحرس الوطني والجيش تشارك في هذه العملية التي بدأت بقصف جوي، والآن نحن في مرحلة الهجوم البري». وأكد أن «عدة إرهابيين قتلوا لكن لا يمكن القول كم عددهم لأن العملية متواصلة»، على حد قوله.
على صعيد آخر، حذر عبد الحميد الجلاصي، نائب رئيس حركة النهضة، متزعمة الائتلاف الحكومي، من معضلات الحوار الوطني المتعثر بين الحكومة والمعارضة، وقال في مؤتمر صحافي عقدته الحركة يوم أمس في تونس العاصمة، إن جلسات الحوار السياسي هدفها الابتعاد عن المفاجآت وتجنب انفجار بعض الألغام الملازمة لجلسات الحوار.
وعدد الجلاصي الملفات السياسية، التي قال إنها ملغومة، على غرار تشكيل الهيئة العليا المستقلة للانتخابات وما رافقها من جدل حول شرعية ترشح بعض الأعضاء، أو الاختلافات التي ستطفو على السطح خلال مناقشة مشروع الدستور الجديد. وقال إن النقاش حول الهيئة العليا للانتخابات هو من بين أهم أسباب تعطيل مسار الحوار السياسي بين الحكومة والمعارضة.
وكشف الجلاصي عن موافقة حركة النهضة على المسار التأسيسي المتضمن لصياغة الدستور، وتشكيل هيئة الانتخابات وسن القانون الانتخابي وتحديد موعد الانتخابات، إلا أن المسار الحكومي بما فيه من تعهد باستقالة الحكومة، وتشكيل حكومة أخرى والتوافق حول الشخصية التي سترأسها، لا يزال محل خلاف بين الطرفين حيث ذكر أن قيادات حركة النهضة متمسكة بفكرة «حكومة تتخلى وحكومة تتولى» حتى لا تدخل البلاد في حالة فراغ سياسي.
ودحض الجلاصي، في المقابل، تهم التمطيط والتعطيل ومحاولة ربح الوقت التي وجهتها أحزاب المعارضة إلى حركة النهضة خلال جلسات الحوار الوطني. وقال إن الإشكال لا يتمثل في التمطيط أو التسريع بقدر ما هو مرتبط بالوفاء بالتعهدات والشروط والمواعيد المنبثقة عن وثيقة الرباعي الراعي للحوار الوطني بين الحكومة والمعارضة.
وقال الجلاصي، وهو مهندس الحملة الانتخابية لحركة النهضة في انتخابات 2011 التي أوصلتها إلى سدة الحكم «لا للتعجل من أجل الفشل، بل التعجل فقط من أجل إتمام المسار الديمقراطي وإنجاح عملية الانتقال الديمقراطي». ودعا الجلاصي الأحزاب، التي لم توقع على وثيقة الحوار الوطني أو غير الممثلة في المجلس التأسيسي (البرلمان)، إلى الالتحاق بأشغال الحوار الوطني، وإيجاد صيغ مرنة لمساهمة كل الأطراف في حل الأزمة السياسية. وصرح قائلا «لا نريد للحوار الوطني أن يصبح مجلسا تأسيسيا موازيا»، وربط بين هذا الأمر والفشل الذي بالإمكان أن يفضي إليه الحوار الوطني، وعلل ذلك بأن ما سيتفق عليه في جلسات الحوار الوطني سيجد صدى تحت قبة المجلس التأسيسي عند التصديق على نتائج الحوار السياسي.
وقال الجلاصي أمام حضور كثيف من الإعلاميين إن «النهضة» تشارك في الحوار الوطني، وتدعو إلى تلازم كل مسارات التفاوض. وأشار إلى تلازم المسار التأسيسي والمسار الحكومي، وقال إن هذا التلازم بين المسارين هو الذي سيؤدي إلى الدخول في مناخ الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في أقرب وقت ممكن.
وأوضح أن تأكيد حركة النهضة على التلازم بين المسارين التأسيسي والحكومي ليس مرده البقاء في مقاعد الحكم لأيام أخرى، بل هو الحرص على تأمين كل الظروف التي تهيئ البلاد للانتخابات المقبلة. وانتقد الجلاصي طول المرحلة الانتقالية، وقال إنها في عيون المراقبين والمختصين «طالت أكثر مما توقعنا وكانت أعقد مما توقعنا». واستدرك ليؤكد أن ما تحقق فيها كان كذلك أكثر مما توقع من لهم اطلاع على تجارب الانتقال الديمقراطي في العالم، والتي كان مآل البعض منها الفشل.
وجدد الجلاصي انتقاداته لأحزاب المعارضة التي تتهم الحكومة بقيادة حركة النهضة بالفشل وتدعوها إلى الاستقالة الفورية، وقال إن الذكرى الثانية للانتخابات البرلمانية الموافقة ليوم 23 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي ترى فيها بعض أطراف المعارضة فرصة لإلغاء نتائج الانتخابات وإلغاء ما ترتب عليها.