الكوميديا.. لتذويب الجلطات!

الكوميديا.. لتذويب الجلطات!
TT

الكوميديا.. لتذويب الجلطات!

الكوميديا.. لتذويب الجلطات!

عاش الأديب الآيرلندي المولد والبريطاني الجنسية جورج برنارد شو حياة بائسة بالفعل. كان أبوه سكيرًا، وعائلته فقيرة ومعدمة.. فرّت والدته بصحبة أختيه إلى لندن هربًا من سوء المعيشة في دبلن، ولحق بهم إلى هناك لكنه قاسى في لندن ما كان يكابده في آيرلندا.. لم يكمل تعليمه، لكنه واظب على القراءة والكتابة، وأصبح ناقدًا وأديبًا مشهورًا، حوّل معاناته إلى مادة ساخرة، فأصبحت كتاباته ومسرحياته وسيلة للسخرية من الواقع.
أصبح الآيرلندي برنارد شو تراثًا إنجليزيًا، ومرجعًا في الطرافة والفكاهة، رغم أن الإنجليز أنفسهم دأبوا على توجيه نكاتهم وتعليقاتهم الساخرة لجيرانهم الآيرلنديين الذين تصفهم النكت الإنجليزية بالبلاهة والغباء، وكانت سيرة «شو» مثل كتاباته حافلة بروح الطرفة والدعابة. ذات يوم قصد برنارد شو مكتبة تبيع كتبًا مستعملة بأسعار زهيدة، فوقع نظره على كتاب يحوي بعض مسرحياته القديمة، ولما فتحه هاله أن يرى أن هذه النسخة كان قد أهداها إلى صديق له، وكتب عليها بخط يده: «إلى من يقدّر الكلمة الحرة حق قدرها، إلى الصديق العزيز مع أحر تحيات برنار شو»، فاشترى «شو» تلك النسخة من البائع، وكتب تحت الإهداء الأول: «جورج برنارد شو يجدد تحياته الحارة إلى الصديق العزيز الذي قدّر الكلمة حق قدرها».. وأرسل النسخة بالبريد المسجل إلى ذلك الصديق.
يشرح برناردو شو فلسفته في الكوميديا بالقول: «عندما يكون الشيء مثيرا للضحك، فابحث جيدا حتى تصل إلى الحقيقة الكامنة وراءه»، ويقول: «إن أسلوبي في المزاح هو أن أقول الحقيقة».
استخدمت الكوميديا كملهاة وترفيه عن النفس. وتحولت إلى وسيلة لتمرير رسائل، أو تنفيس الاحتقان، أو النفوذ نحو التابوهات المحرمة. فلا يوجد مثل الكوميديا يمكنها اختراق الحواجز الخرسانية الصلبة والوصول لجوهر أي قضية ملتهبة وتبريدها.
وطبيعة الكوميديا أنها تعتمد المبالغة حتى يمكنها أن تصل إلى لحظة البهجة التي يشعر بها المتلقي، وفي الكوميديا السوداء تصبح تلك المبالغة مفيدة، لأنها تنفخ الحدث حتى يتضخم كفقاعة البالون.. ثم ينفجر.
تنجح الكوميديا فيما فشلت فيه المحاولات الجادة بنزع اللحاء السميك حول الأشخاص والجماعات والأفكار والعادات والتقاليد، اللحاء الذي يحيطها بجدار من العزلة، ينمو معه الشك والريبة والخوف، وينشأ مفهوم «الآخر» المقابل للذات. الكوميديا رغم أن لها طعمًا مرًا ولاذعًا - أحيانًا - إلا أنها تذّوب الفروقات بين البشر، تجعلهم يضحكون ويتندرون على أنفسهم وعلى أخطائهم ومواقفهم، ويكتشفون أن الضحك يمكنه أن يزيدهم إنسانية، وينزع عنهم التوحش، ويشذب سلوكهم.
إذا أردت تفريغ أي احتقان اجتماعي، سلّط عليه الكوميديا التي يمكنها أن تنفس شيئا من ذاك الاحتقان، وتعالج بروح السخرية جوهر تلك القضايا المتسم بالجدية والصرامة. الكوميديا يمكنها أن تذيب الجلطات في الشرايين المغلقة، فتجعل الدماء تجري من جديد.
أكثر المعلقين السعوديين على حلقة «سيلفي» التي تناولت الأزمة الطائفية في المجتمع، أبدوا ارتياحهم، لأنهم وجدوا أن أشد قضاياهم المعلقة التي لم ينجحوا في تذويبها، تمكنت عشرون دقيقة من الكوميديا أن تفرغها من كل شحنات التوتر والاحتقان، وتعيدها إلى طابعها الإنساني العفوي. الكوميديا تمكنت من جعل الناس يضحكون وهم ينتقدون واقعهم، بينما بعض الخطب والمناظرات تشعل الناس كراهية وحقدًا وهم يتعصبون لأفكارهم ويتسمرون في واقعهم.



انطلاق الدورة الـ19 لـ«البابطين الثقافية» بمضاعفة جوائز الفائزين

وزير الثقافة والإعلام عبد الرحمن المطيري ووزير الخارجية عبد الله اليحيا ورئيس مجلس الأمة السابق مرزوق الغانم وأمين عام «مؤسسة البابطين الثقافية» سعود البابطين وضيوف الدورة الـ19 (الشرق الأوسط)
وزير الثقافة والإعلام عبد الرحمن المطيري ووزير الخارجية عبد الله اليحيا ورئيس مجلس الأمة السابق مرزوق الغانم وأمين عام «مؤسسة البابطين الثقافية» سعود البابطين وضيوف الدورة الـ19 (الشرق الأوسط)
TT

انطلاق الدورة الـ19 لـ«البابطين الثقافية» بمضاعفة جوائز الفائزين

وزير الثقافة والإعلام عبد الرحمن المطيري ووزير الخارجية عبد الله اليحيا ورئيس مجلس الأمة السابق مرزوق الغانم وأمين عام «مؤسسة البابطين الثقافية» سعود البابطين وضيوف الدورة الـ19 (الشرق الأوسط)
وزير الثقافة والإعلام عبد الرحمن المطيري ووزير الخارجية عبد الله اليحيا ورئيس مجلس الأمة السابق مرزوق الغانم وأمين عام «مؤسسة البابطين الثقافية» سعود البابطين وضيوف الدورة الـ19 (الشرق الأوسط)

كرمّت «مؤسسة عبد العزيز سعود البابطين الثقافية»، صباح اليوم (الأحد)، الفائزين بجوائز الدورة الـ19 للجائزة، مع انطلاق هذه الدورة التي حملت اسم مؤسس وراعي الجائزة الراحل عبد العزيز سعود البابطين، تخليداً لإرثه الشعري والثقافي.

وأُقيم الاحتفال الذي رعاه أمير الكويت، الشيخ مشعل الأحمد الصباح، في مركز الشيخ جابر الأحمد الثقافي، بحضور (ممثل أمير البلاد) وزير الإعلام والثقافة وزير الدولة لشؤون الشباب عبد الرحمن المطيري، ومشاركة واسعة من الأدباء والمثقفين والسياسيين والدبلوماسيين وأصحاب الفكر من مختلف أنحاء العالم العربي، كما حضر الحفل أعضاء المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب.

جانب من حضور دورة الشاعر عبد العزيز سعود البابطين (الشرق الأوسط)

وقال وزير الثقافة والإعلام الكويتي، عبد الرحمن المطيري، في كلمته، إن هذا الملتقى «الذي يحمل في طياته عبق الشعر وأريج الكلمة، ليس مجرد احتفالية عابرة، بل هو تأكيد على أن الثقافة هي الروح التي تحيي الأمم، والجسر الذي يعبر بنا نحو مستقبل زاخر بالتسامح والتعايش والمحبة».

وأضاف: «إن لقاءنا اليوم ليس فقط تكريماً لمن أبدعوا الكلمة وشيَّدوا صروح الأدب، بل هو أيضاً دعوة لاستلهام الإرث الثقافي الكبير الذي تركه لنا الشاعر الراحل عبد العزيز سعود البابطين (رحمه الله)، والذي كان، وسيبقى، قامة ثقافية جمعت بين جمال الكلمة وسمو الرسالة... رسالة تُعبِّر عن القيم التي تجمع بين الحضارات. ومن هنا جاءت مبادراته الرائدة، التي عرَّف من خلالها الشرقَ بالشعر العربي، وقدَّم للغرب بُعدَه الإنساني، جاعلاً من الشعر جسراً يربط القلوب، ومفتاحاً للحوار بين الثقافات».

رئيس مجلس أمناء «مؤسسة البابطين الثقافية» سعود البابطين يلقي كلمته في افتتاح الدورة الـ19 (الشرق الأوسط)

في حين قال رئيس مجلس أمناء «مؤسسة البابطين الثقافية»، سعود البابطين، إن هذه الدورة تأتي احتفاءً «بالشعر، فن العرب الأول على مر العصور، وتكريماً للمبدعين والفائزين مِنَ الشعراءِ والنقاد، ووفاءً ومحبة لشاعر هذه الدورة (عبد العزيز البابطين) الذي أخلص في رعاية الشعر العربي وخدمة الثقافة العربية بصدق ودأب وتفانٍ طيلة عمره كله، بلا ملل ولا كلل».

وفي خطوة لافتة، قدَّم رئيس مجلس الأمناء، أمين عام المؤسسة السابق، الكاتب عبد العزيز السريع، الذي رافق مؤسس الجائزة منذ نشأتها، ليتحدث عن ذكرياته مع راعي الجائزة الراحل، والخطوات التي قطعها في تذليل العقبات أمام إنشاء المؤسسة التي ترعى التراث الشعري العربي، وتعمل فيما بعد على بناء جسور التواصل بين الثقافات والحضارات.

وأعلن البابطين، في ختام كلمته عن مضاعفة القيمة المالية للجوائز ابتداءً من هذه الدورة، وفي الدورات المقبلة لـ«جائزة عبد العزيز البابطين».

ونيابة عن الفائزين، تحدَّث الأديب والشاعر الكويتي الدكتور خليفة الوقيان، مشيداً بـ«جهود (مؤسسة البابطين الثقافية) في دعمها اللامحدود للفعل والنشاط الثقافي داخل وخارج الكويت».

وأضاف: «في هذا المحفل الثقافي البهيج، يمرُّ في الذاكرة شريط لقاءات تمَّت منذ 3 عقود، كان فيها الفقيد العزيز الصديق عبد العزيز البابطين يحمل دائماً هَمّ تراجع الاهتمام بالشعر، ويضع اللَّبِنات الأولى لإقامة مؤسسة تُعنى بكل ما من شأنه خدمة ذلك الفن العظيم، ثم ينتقل عمل المؤسسة إلى الأفق الدولي، من خلال ما يُعنى بقضية حوار الثقافات والحضارات».

وألقى الشاعر رجا القحطاني قصيدة عنوانها «إشعاع الكويت»، من أشعار الراحل عبد العزيز البابطين.

يُذكر أن فعاليات الدورة الـ19 مستمرة على مدى 3 أيام، بدءاً من مساء الأحد 15 ديسمبر (كانون الأول) إلى مساء الثلاثاء 17 ديسمبر الحالي. وتقدِّم الدورة على مسرح مكتبة البابطين المركزية للشعر العربي 5 جلسات أدبية، تبدأ بجلسة بعنوان «عبد العزيز البابطين... رؤى وشهادات»، تليها 4 جلسات أدبية يعرض المختصون من خلالها 8 أبحاث عن الشاعر عبد العزيز سعود البابطين المحتَفَى به، و3 أمسيات شعرية ينشد فيها 27 شاعراً.

وزير الثقافة والإعلام عبد الرحمن المطيري ووزير الخارجية عبد الله اليحيا ورئيس مجلس الأمة السابق مرزوق الغانم وأمين عام «مؤسسة البابطين الثقافية» سعود البابطين وضيوف الدورة الـ19 (الشرق الأوسط)

الفائزون:

* الفائز بالجائزة التكريمية للإبداع الشعري الشاعر الدكتور خليفة الوقيان، وقيمة الجائزة 100 ألف دولار.

* الفائزان بجائزة الإبداع في مجال نقد الشعر «مناصفة»، وقيمتها 80 ألف دولار: الدكتور أحمد بوبكر الجوة من تونس، والدكتور وهب أحمد رومية من سوريا.

* الفائزة بجائزة أفضل ديوان شعر، وقيمتها 40 ألف دولار: الشاعرة لطيفة حساني من الجزائر.

* الفائز بجائزة أفضل قصيدة، وقيمتها 20 ألف دولار: الشاعر عبد المنعم العقبي من مصر.

* الفائز بجائزة أفضل ديوان شعر للشعراء الشباب، وقيمتها 20 ألف دولار: الشاعر جعفر حجاوي من فلسطين.