علي إبراهيم.. بعيون زملاء المهنة 1952ـ 2016

علي إبراهيم.. بعيون زملاء المهنة 1952ـ 2016
TT

علي إبراهيم.. بعيون زملاء المهنة 1952ـ 2016

علي إبراهيم.. بعيون زملاء المهنة 1952ـ 2016

فجعت الأوساط الصحافية العربية برحيل الصحافي البارز علي إبراهيم نائب رئيس تحرير صحيفة «الشرق الأوسط»، الذي وافته المنية بعد صراع طويل مع المرض، في مستشفى سانت توماس بوسط لندن.
رحلة الأستاذ الراحل علي إبراهيم المهنية، في بلاط صاحبة الجلالة، امتدت لسنوات عدة، منذ تخرجه من جامعة بيروت العربية في لبنان عام 1973، والتحاقه بـ«وكالة أنباء الشرق الأوسط»، المصرية.. ثم محررًا في جريدة «الأنباء» الإمارتية، وانتهاء برحلته في صحيفة «الشرق الأوسط»، عام 1990. التقى خلال سنوات عمله بزملاء مهنة عديدين، وعمل مع 5 رؤساء تحرير في «الشرق الأوسط»، هم عثمان العمير، وعبد الرحمن الراشد، وطارق الحميد، وعادل الطريفي، وسلمان الدوسري. وساهم بفكره وقلمه في معظم مراحل صحيفة «الشرق الأوسط» حتى صار اسمًا بارزًا. لا غرو أن وفاته شكلت صدمة كبيرة في الأوساط الإعلامية العربية، بين زملائه وأصدقائه ومحبيه، الذين تسابقوا في إرسال عبارات التعازي عبر وسائل الإعلام الاجتماعية مثل تويتر وفيسبوك وغيرهما. وهنا بعض ما قيل عنه بأقلام زملاء مهنته.

* لا يعرف غير الإتقان
* الصيف موسم الفواجع والأحزان، ها هي نحلة صحافية، تغادر مجموعتها وتمضي. على إبراهيم أتى «الشرق الأوسط» صامتًا، وذهب صامتًا، لكنه كان في العمل دؤوبًا، لا يملّ، مجدًا لا يتوقف.. كان لا بد من أن يموت، لأنه أرهق نفسه بالعمل الملتزم. قبله ذهب زميل آخر خدم الصحافة العربية وابن بلده مصر الأستاذ محمود عطا الله، كانا صديقين اختارا الصحافة المتعبة؛ صحافة الداخل المنهك.. المزعج، الذي لا يعرف إلا الإتقان والجودة وخروج الصحيفة كرغيف الخبز لا يمسه الخطأ. وماتا بالطريقة نفسها؛ الإجهاد.. العمل بلا انقطاع، ثم الهزيمة أمام الموت عن طريق القلب.
عثمان العمير

* أفضل أهل المهنة
* أول انطباع لي عن الزميل علي إبراهيم، شخصية إيجابية، متفائلة ومريحة للنفس، ثم عرفناه دائمًا كذلك، ومنذ اليوم الأول الذي التقيته في التسعينات، ثم عملت معه في صحيفة «الشرق الأوسط»، عرفته من أفضل أهل المهنة، صحافيًا ومديرًا مميزًا. وبوفاته نفقد أخًا عزيزًا، نبيلاً وجميلاً، رحم الله علي إبراهيم وألهم أهله الصبر والسلوان.
عبد الرحمن الراشد

* وداعًا أستاذ علي.. سنفتقد كرمك وضحكتك
طيلة عشر سنوات، الحقبة الأكبر من عملي الصحافي، كان الأستاذ علي إبراهيم رحمه الله معلمًا وزميلاً، وفي السنوات الأخيرة، صديقًا يشاركني الأفكار والأفراح والأحزان.. أفكار من بينها تطوير صحيفتنا العزيزة.. وأفراح شخصية وعملية.. وأحزان على بلدي العراق والوطن العربي الذي كنا نشترك في تغطية مصائبه يوما تلو الآخر.
خلال شغلي لمنصب مساعدة رئيس تحرير «الشرق الأوسط» كان عملي اليومي مشتركا مع الأستاذ علي، وبعد أن تركت «الشرق الأوسط» لم ينقطع الاتصال. ورغم أن العمل والحديث السياسي كان يأخذ الحيز الأكبر من وقتنا، كان دائما يحب الحديث عن الفن والسفر وآخر الكتب وأخبار العائلة. كانت عيناه تلمعان وهو يتحدث عن بناته الثلاث وفخره بهن.
كان الأستاذ علي رحمه الله يتعامل بجدية عالية مع عمله ولكن في الوقت نفسه لم تفارقه الضحكة. أحيانا كنا نعمل حتى الثانية عشرة بعد منتصف الليل وفي ظروف صعبة مع شدة الأزمات في المنطقة وزحمة الأخبار.. وعندما كنت أشعر بأن ضغط العمل بات منهكا، كان يجد طريقة للتخفيف عني بخفة دم ولطف نادرا ما نجدهما في صالات الأخبار.
يمكن كتابة الكثير عن الأستاذ علي ولكن ربما الصفة الأهم بالنسبة لي كانت كرمه. كان كريما بدعواته لي لتناول قهوة الصباح أو أحيانا الخروج لتناول الغداء سريعا مع شدة متطلبات العمل. ولكن أكثر من ذلك كان كريما بوقته، وهي العملة النادرة التي نحرص عليها كصحافيين مع زحمة العمل. فلم أتوجه يوما لمكتبه لاستشارته بأي أمر إلا ورحب بي. أحيانا كان يجري اتصالا هاتفيا أو يعمل على مقال رأي، لكنه يصر علي أن أجلس معه ويتفرغ تماما للإصغاء لي. كرمه في الاستماع لي ولغيري من الزملاء، تارة نحمل شكاوى وتارة طلبا ما، كان ضمن عطائه الكبير لأسرتنا في «الشرق الأوسط» وكان يقدم كل ما بوسعه من نصيحة أو حل لمشكلة ما.. أو على الأقل ضحكة من القلب ترفع من معنوياتنا. كم أنا محتاجة لهذه الضحكة والتخفيف عن ألمي.. فقدانك اليوم يا أستاذ علي.
مينا العريبي

* مدرسة العناوين البراقة
* كان مدرسة صحافية متكاملة.. تعلمنا منها جميعًا.. الدقة المثابرة، التفاني والإخلاص في العمل.. وكان مدرسة للعناوين الجميلة البراقة.. فهي حاضرة دائما.. لا يحتاج إلى معاناة لاستحضارها.. فهي الآن باقية في أذهان تلاميذه الكثر.. وستبقى إلى سنوات وأجيال قادمة.
كنا نجلس جنبا إلى جنب.. في الطابق الرابع من مبني الصحافة العربية بوسط لندن، لعدة سنوات، قبل أن يتم اختياره مساعدًا لرئيس التحرير وبعدها نائبًا لرئيس التحرير.. تعلمت من القرب منه أسرارًا كثيرة في العمل.. أو كما يقال أسرار المهنة وخفاياها.. وضغط الوقت، وسرعة التصرف في اللحظات الحرجة، والمعالجات للمواقف المستعصية. تعلمت منه كيف يمكن مواجهة الأزمات.. والصبر والتحمل.. وعرفت معه كم هي هذه المهنة قاسية ومتعبة.. ولكنها تنتهي بابتسامة رائعة ونكات وقفشات حلوة جميلة ورائعة، بعد إرسال الصفحات إلى المطابع المنتشرة في أنحاء العالم. كانت «الشرق الأوسط».. بيته وأسرته.. نخرج ونتركه.. ونأتي الصباح ونجده مبتسمًا مشرقًا. علي إبراهيم لن يغيب أبدًا عن مبنى الصحافة العربية في هولبورن بوسط لندن.. لأنه موجود بيننا.. صدى ضحكاته لا يزال يرن في آذان الجميع.. وروحه تغرد.. ومدرسته مفتوحة الأبواب لكل من أراد أن ينهل منها.
عيدروس عبد العزيز

* وداعًا علي إبراهيم
* يعرف الصحافي في عالمنا بأنه يعاني من تضخم في الذات، وأنه يعتقد أنه دائمًا على حق، وأنه على استعداد لفعل أي شيء لتحقيق هدفه مهما كان على خطأ.. ولكن علي إبراهيم كان من طراز فريد في العمل الإعلامي، فقد كان رجلاً سويًا، ولديه رصيد أخلاقي رفيع، ويتميز بدماثة الخلق وحسن المعشر.. فلم أرَ يومًا أخي العزيز الراحل غاضبًا أو منفعلاً. ومنذ عرفت الراحل الكبير قبل عقود طويلة، عندما التحق بـ«وكالة أنباء الشرق الأوسط» فيما كنت أنا أستعد للسفر إلى أوروبا لكي أتولى منصب مدير «أ.ش.أ» في وسط أوروبا (يوغوسلافيا السابقة)، فإنني لمست فيه الحس الصحافي، ورادار حب الاستطلاع والمعرفة. وكنت واثقًا بأن التجربة ستفرز مواهبه وستجعل منه صحافيًا مرموقًا.
وفعلاً أثبتت الأيام صحة ما توقعت.. فقد لمع اسم علي إبراهيم في سماء الإعلام، سواء التلفزيوني في دبي، أو الصحافة المكتوبة في دولة الإمارات، وبعد ذلك في صحيفة «الشرق الأوسط».
إنني سأفتقد شخصيًا الراحل العزيز يوميًا..
حسني إمام

* لن نطاردك من أجل مقال الثلاثاء
* كان مثل «النسمة».. تضعه على الجرح يبرد، كما يقول المصريون. هكذا كان الزميل والصديق علي إبراهيم نائب رئيس تحرير «الشرق الأوسط» الذي غيبه الموت عنا بعد رحلة معاناة مع المرض استمرت شهورًا قليلة عاد خلالها إلى العمل.
تعلمنا من علي إبراهيم الكثير في رحلة أكثر من 30 عامًا من المهنية والأخلاق الحميدة، ولم نرَ يوما صوته يرتفع على موظف أو زميل، وكان قبل اتخاذ أي قرار «يحسب» و«يفكر» ولا يتسرع، وخصوصًا فيما يتعلق بمستقبل الآخرين، لم أرَه يومًا غاضبًا أو خارجا عن شعوره، كان له أصدقاء وزملاء في كل مكان من الشرق والغرب، أحب علي إبراهيم كل من عمل معه، وكان يحب عمله أكثر من أي شيء آخر، حتى بعد عودته الأخيرة من رحلة علاج طويلة كان لا يغادر الطابق الثالث إلى المنزل إلا بعد أن تخرج الصفحة الأولى إلى النور, ويطمئن على محتواها. أخي علي نم آمنا مطمئنًا، فالجميع يدعون لك بالرحمة والمغفرة، ولن نطاردك من أجل مقال الثلاثاء، ولن تطلب رأينا في المقال.. كان أجمل ما في علي إبراهيم ذهنه الصاحي اليقظ يتذكر التفاصيل، وخصوصًا في مجال الأخبار والسياسة. في يوم السقوط الأول يوم عيد الفالنتاين العام الماضي ذهبت معه إلى المستشفى، وكان يقول لي رجلي لا أشعر بها.. أبلغ الطبيب رجاء، ويبتسم ويقول ردًا على السؤال الذي لا يوقفه مع طلة «كل ممرض أو طبيب» يبدو: «الدفعة اطلبت.. خلي بالك من نفسك».
كان يحدثني كثيرًا خارج العمل عن والده ضابط المدفعية في تنظيم الضباط الأحرار الذي غضب عليه عبد الناصر، لأنه طالب زملاءه بالعودة إلى الثكنات وإقرار مبادئ الثورة المصرية من حرية وديمقراطية وعدالة اجتماعية، كنت أساله من أين تأتي ببرودة الأعصاب في معمعة العمل اليومي، كان يضحك ويقول زوجتي تقول: «أنا مركب مروحة على قلبي»، وكان محبًا للحياة، إلى أبعد مدى وتمتع بها في كل الأشياء، ولكنها لم تعد له مهمة في الأيام الأخيرة، كان قارئا متابعًا لكل ما يجري في العالم العربي، بما في ذلك صراعات القوى، قبل أن نصل العمل كان يرسل مختاراته من «نيويورك تايمز» والـ«واشنطن بوست» وأحيانًا من «الفورين أفيرز» للعمل على ترجمتها، والاستفادة منها.. الحياة تستمر ولن نتوقف عن الدعاء لك بالرحمة والمغفرة، وأن يحفظك المولى في أعلى عليين.
محمد الشافعي

* قلب علي
* قلما تجد أحدًا يمنحك وقته ليعلمك أو يوجهك أو يبعث فيك روح التفاؤل والأمل هذه الأيام، إلا أن أستاذنا العزيز الراحل علي إبراهيم كان من أهم المحفزات لفريق العمل، تجده داعمًا لأعضاء الفريق سواء بتوجيهاته السريعة، أو جلوسه في مقعد أحدهم ليعلمه أو يعطيه بعض المهارات لترتقي بأداء العمل.
على إبراهيم كان رجلاً متفائلاً دائمًا رغم كل الظروف التي مر بها آخر سنتين من مرض وأيام عصيبة، رجلاً يعشق محبوبته صاحبة الجلالة، ولا يدخر عنها شيئًا، كان لا يتوانى في أن يعود لمكتبه لحظة وصوله إلى عتبة منزله، وفعلها كثيرًا، لأجل مهنته وأداء العمل. كان لا يروق له التكاسل أو التخاذل في أداء المهمة، بل يتعب لتتم على الوجه المطلوب، وفي الأخير أخذت قلبه! في القسم السياسي لدى كل زميل ملف سياسي، وما أكثر ملفات «الشرق الأوسط» الملتهبة؛ من سوريا إلى ليبيا إلى العراق واليمن.. ملفات ثقيلة جدًا بثقل وحجم مأساة أهلها، من الحروب والنزاعات التي ما زالت مستعرة منذ سنين طويلة.. علي إبراهيم كان يحمل كل هذه الملفات في قلبه، كان دائما يردد: «قدر للشرق الأوسط أن يبقى ملتهبًا».
قبل أيام دخلت إلى مكتبه لمناقشة إحدى القضايا في عملنا اليومي، وكان مكتبه يزخر بكثير من الصور التي التقطت مع عدد من الشخصيات السياسية والعالمية تحكي مسيرته، فقلت له: «حياة يا أستاذ علي»، قال: «صحيح، ولكن لا بد من أن تتوقف يومًا ما». وها هي توقفت في عيني علي إبراهيم. رحمك الله يا أستاذ علي، وجبر الله عزاءنا فيك.
زيد بن كمي

* حتى لا نقع في فخ الرثاء
* الموت علامة في تحولات لا ندركها، وقل الروح من أمر ربي، وحتى لا نقع في فخ الرثاء أرى الأستاذ علي إبراهيم، رحمه الله، فيمن يتبع مهنيته فيمن يأتون بعده ويتسلمون نفس المهام لدفع مسيرة الصحافة العربية إلى الأمام. علي إبراهيم كان صحافيًا متميزًا في كل ما قام به سواء كصحافي اقتصادي أو سياسي أو رجل يطبخ الوجبة الصحافية بشكل محترف كل يوم. تخليد ذكرى الأستاذ علي وأمثاله من القامات الصحافية التي رحلت هو الالتزام بأخلاقهم المهنية. علي كان صحافيًا هادئًا لا يثير اهتمامًا مبالغًا فيه في حضوره الجسدي ولكن حضوره على الورق وحضوره الصحافي كانا مثار اهتمام كبير.
ما يميز علي عن غيره من جيل الصحافيين الأصغر منه، هو أنه لا يدعي العلم والإلمام بكل شيء، بل كان يقول إنه يتعلم كل يوم.
عرفت الأستاذ علي من خلال ما يكتب، ومعرفتي الشخصية به لا تتعدى مقابلات اجتماعية تعد على الأصابع، ومع ذلك أعتبره صديقًا وصديقًا وفيًا، كان يراسلني عندما أجيد في كتابة مقال وكنت أبادله الشيء نفسه. رجل مهني لأبعد الحدود.
قابلت أسرته مرة واحدة (زوجته وبناته) وكان في عيونهم حب أسري جميل، أعانهم الله على فقدانه. الهم دائمًا شخصي ومهما قلت من كلمات التعازي يبقى المصاب عند أهله فقط. ومع ذلك أتمنى لهذه الأسرة المكلومة أن يلهمها الله الصبر والقدرة على تجاوز الألم.
غفر الله لعلي إبراهيم، فكان مثالاً لكل ما هو جاد ونبيل في الصحافة العربية المعاصرة.
د. مأمون فندي

* وداعًا صديقي علي إبراهيم
* جاءني خبر وفاة الكاتب الصحافي علي إبراهيم وأنا في حجرتي بفندق في مدينة جراس بالنمسا، للاستعداد لإلقاء محاضرتي في المدينة عن أسرار الفراعنة. نزل الخبر عليّ كالصاعقة، وجعل الحزن يعتصر قلبي على فقدان هذا الرجل الطيب العظيم.
تعرفت على الكاتب علي إبراهيم في لندن.. قدمني إليه الصديق محمد الشافعي، وكان ذلك في بداية كتابتي عمودي الأسبوعي في صحيفة «الشرق الأوسط». وبعد ذلك جاء إلى مصر مرات كثيرة، وكان يطلب مني أن أساعده في مقابلة بعض الشخصيات التي يريد أن يجري معها حوارًا صحافيًا، وقد كان يحضر كثيرًا من اجتماعات المثقفين في مصر.
كان علي إبراهيم دائمًا حلو الحديث، ولا يتحدث بسوء عن أحد من الذين يقفون في بعض الأحيان ضده، وكان يسامحهم من قلبه. وكان يؤمن بأن مصر سوف تصحو بعد ثورة يناير، وكان يتصل بي دائمًا متابعًا للأحداث السياسية.
وكانت له كلمة جميلة يقولها لي: «يا بختك.. انت مش سياسي وعايش مع ناس عظماء، اسمهم الفراعنة». عندما علمت بمرضه تحدثت معه تليفونيًا مرات كثيرة.. وفي آخر مكالمة قال لي: «عاوز أشوفك في لندن»، فقلت له: «تعال انت إلى مصر أولا»، فرد: «لو كان لنا عمر».
فقدت صديقًا عزيزًا طيب القلب، قدم الخير لكل الناس، وزرع الحب بين كل من عرفهم.. لذلك، سوف يدخل جنة الخلد بإذن الله.
زاهي حواس

* علي إبراهيم .. الصحافي والإنسان
* عندما بلغني ربيع العام الماضي نبأ نقل علي إبراهيم من مكتبه في رابع طوابق دار الصحافة العربية، إلى العناية المركزة، تداخل لديّ، على الفور، إحساس القلق مع شعور التوّقع. قلقت، بالطبع، ليس فقط لأن مجرد ذكر تلك الغرفة يشي باحتمال وقوع أمر جلل، وإنما لأنني عايشت ذلك الاحتمال، هنا في لندن، مرات عدة، ومع عائلات أعزاء غادروا دنيانا بعد سكنى الغرفة ذاتها، ثم لأن علي إبراهيم واحد من زملاء مشوار، قليل منهم ومنهن ترقى العلاقة معهم ومعهن من زمالة عمل تقوم على التفاهم المهني والاحترام المتبادل، إلى صداقة يؤسس لها إحساس مشترك يقرّب بين البشر، والأرجح أنه ليس من تفسير يشرح سر اقتراب المرء من شخص دون آخر، حتى لو لم تتطابق الرؤى بينهما تمامًا، سوى طاقة الجذب المغناطيسية التي تولدها شخصية الفرد ذاته. علي إبراهيم واحد من تلك الشخصيات.
أما شعور التوقع فناشئ عن تخيل ضغوط أن يتحمّل صحافي محترف، كما علي إبراهيم، مسؤولية موقع نائب رئيس تحرير صحيفة عربية دولية بحجم «الشرق الأوسط» ومكانتها. ليس سرًا أن العمل الصحافي ضاغط بطبيعته على أعصاب العاملين في أي من ميادينه، وكل مستوياته، إنما قد تغيب عن البعض حقيقة أن صعود سلم المسؤولية في هذه المهنة «البحث عن المتاعب» تحديدًا يترافق مع تصاعد مخاطر التعرض لمتاعب جمة، بينها ما يفرض على المسؤول أن يتحمل حتى متاعب ليس بالضرورة هو المسؤول عنها، فيكظم في الصدر، خصوصًا إذ هو أو هي من عجينة الخُلق الحسن، المبتسم مهما كان حجم التعب، وعلي إبراهيم - منذ عرفته مع أول أيام عمله في هذه الجريدة سنة 1990 وحتى عودته إلى العمل، وإصراره على التحرك بين زملائه داخل قاعة التحرير على كرسي متحرك - كان واحدًا من هؤلاء، حتى عندما رجوته، بحضور السيدة حرمه، ألا يضغط على نفسه أكثر مما يجب، كان رده أن ابتسم، وراح يطمئنني أن «الحمد لله، كل شيء تمام». ها قد أتى مساء أمس (الثلاثاء) فإذا بروح علي إبراهيم تلبي نداء مَن خلق فأخذ كما أعطى. وها أنا ذا أنقر هذه الكلمات على لوحة مفاتيح اللابتوب، بعد ظهر الأربعاء، وقد فتحت سماء لندن أبوابها للماء الذي أُنزل لإحياء الأرض بعد موتها، أليس من أنزله بمحيي الموتى؟ بلى، إنما كم من راحلين تحيا ذكراهم العطرة في قلوب من عرفوهم عن قرب، فأحبوهم. علي إبراهيم بين هؤلاء. وداعًا أبا نهى، كما اعتدت أن أناديه، نم قرير العين، ولأم نهى، ونهى، وسلمى، وشيرين، وأهلك كافة، الصبر الجميل، كجمال أخلاق راحل سبقنا إلى دار الحق والبقاء، رحمه الله، ورحمنا أجمعين.
بكر عويضة

* وداعًا صاحب التحويلة (2214)
لأول مرة منذ 20 عامًا، لا أضمن إيميل الأستاذ علي إبراهيم، نائب رئيس تحرير جريدة «الشرق الأوسط»، بإرسالية الأخبار الرسمية والمواد المستجدة والصور التي أرسلها إلى المقر الرئيسي في لندن، بعد اكتمال إعدادها لإجازتها للنشر، وأيضًا بكل مرارة حذفت عنوانه الإلكتروني: «[email protected]» من قائمة العناوين المدرجة.
غيب الموت صاحب التوصيلة (2214)، أستاذي وزميلي «عم علي» كما كنت أناديه «رغم أن ما بيننا فرق في العمر سوى بضع سنوات»، بعد رحلة زمالة في هذه الصحيفة امتدت أكثر من 22 عامًا، تعلمت منه معنى المهنية والأخلاق في العمل الصحافي، وكان لي خلالها موجهًا ومعلمًا دون أن يتعالم، وبسيطًا في طرحه وسمته دون تكلف، وفوق هذا كان نقيًا مثل ابتهالات الفجر.
كنا يوميًا على اتصال، سواء عن طريق التحويلة التي كانت سابقًا 2213، وعندما أصبح مساعدا لرئيس التحرير تحولت إلى 2214، أو عن طريق الهاتف النقال، فلم ينقطع الاتصال بيني وبينه إلا بعد سقوطه واقفًا بمكتبه في المرة الأولى في فبراير (شباط) من العام الماضي، وخضع حينها لعملية قلب مفتوح مؤلمة، وخرج بعدها على كرسي متحرك بعد فترة نقاهة استمرت عدة أشهر، وحتى لا أرهقه بالكلام، ورغم ذلك كان هو الذي يبادر بالاتصال للسؤال عن المواد. كان قبل مرضه (رحمه الله) يأتيني صوته هادئًا عميقًا جهورًا مرحًا: «ماذا لدينا اليوم يا أستاذ عزوز»، وعند المستجدات الجسام كان يقول لي بلهجته المصرية «دي باين عليها ليلة مفترجة.. بس كويس إنك موجود» ثم يعقبها بضحكته البريئة المجلجلة.
في أواخر مايو (أيار) 2010، كنت في مدينة مراكش المغربية أتمتع بإجازة سنوية، عندما وجدته على هاتفي يسألني بكل حدة: «فين الأخبار يا عزوز؟!» فقلت له: «يا أستاذ أنا في إجازة»، فقال ضاحكًا: «أنا في جدة أحببت أن أقابلك في المكتب ولكن قيل لي إنك في أجازة».
في السابع عشر من مايو 2015، كتب الراحل مقالاً عنونه بـ«تحويشة العمر» ضمنه شكره وتقديره لكل من سأل عنه خلال مرضه، وفي مقدمتهم الأمير فيصل بن سلمان أمير منطقة المدينة المنورة ورئيس أمناء الجريدة، والزميل الأكبر سلمان الدوسري رئيس التحرير، حينها أرسلت له رسالة هاتفية: «المقال جميل ووجداني.. حمدًا لله على سلامتك.. وأعادك متألقًا»، فكان رده: «تعيش يا عزوز يا جميل».
اللهم ارحم أستاذي ومعلمي وصديقي علي إبراهيم، واغفر له وتجاوز عنه، واربط على قلب زوجه وبناته ومحبيه وزملائه.. فقد عاش جميلاً.. ومات نبيلاً.
أحمد عزوز

* آخر «آه»..
* يصعب عليّ التكلم عن الأستاذ علي بصيغة الماضي، لأني أشعر بأنه موجود، في المكتب.. في غرفة الاجتماعات.. في المصعد وفي كل ثنايا مبنى الصحيفة التي كانت ضحكته المجلجلة والمميزة تصدح فيها. لا أذكره إلا مبتسمًا وهادئًا ولا أنتظر بعد انتهاء أي جملة إلا ضحكة مدوية حتى في الليلة المشؤومة، ليلة عيد الحب العام الماضي، حيث كانت الساعة تشير إلى السابعة مساء، الطابق الرابع كان هادئًا، لم أسمع إلا همسته وهو يقول لي: «إيه اشتريتي الورد لنفسك»؟ ولن أنسى كم ضحكنا، وما هي إلا دقائق لم تتعد الخمس حتى رأيته في مكتبه مستلقيا على الكنبة ومعه صديقه العزيز محمد الشافعي. لا أعرف ما الذي انتابني في هذه اللحظة، فهرعت إليهما من دون أن أعي واستوعب ما الحاصل، ولم أصدق عيني؛ علي كان يتعرض لأزمة قلبية حادة ولكنه لم يتأفف لكن بالتأكيد كان يتألم، وأقر هنا أني لا أبالغ في وصفي للموقف، وعندما تأخر رجال الإسعاف في الوصول كان يسألني «أين الإسعاف»؟ أرد وأقول «بالطريق.. ما تخاف»، حينها رد علي بكلمته المعهودة «آه» التي كان يعني بها دائمًا نعم، ولكنها في ذلك اليوم إنني على يقين أنها كانت «آه» الوجع.
علي من أكثر الناس شجاعة لأنه مر بتجربة صعبة جدًا وظل شامخًا وصلبًا وقويًا، كتب من المستشفى وعاد إلى مكتبه في الجريدة، يومها بدا سعيدًا لأنه عاد إلى قواعده سالمًا ولكن غير متعافٍ.
الكابوس تكرر من جديد عندما ذهبت إلى مكتبه الأسبوع الماضي لاستشيره بشيء؛ إذ بدا وجهه شاحبًا، فسألته إذا كان بخير أجابني «آه»، فقلت له: ومتى ستذهب لتغيير الكرسي لانه لا يبدو مريحًا، رد «السبت»، فقلت: أنا هنا.. اتصل بي إذا احتجت لأي شيء، ابتسم وقال «آه» ولكنه خذلني هذه المرة لأن النوبة القلبية القاتلة أصابته بعد دقائق معدودة وكانت هذه «الآه» الأخيرة.
جوسلين إيليا

رسالة إلى صديقي ومُعلمي علي إبراهيم

لقد أكد لي القدر أمس أن أخي وصديقي الأستاذ علي إبراهيم لن يأتي لزيارتي كما وعدني هذا الصيف، وها هو ذا يخلف وعدًا للمرة الأولى والأخيرة قطعه على نفسه منذ أن عاهدته وأنا أتحسس خطواتي في مدينة لندن في صيف عام 2007، لأتولى مهام منصب إعلامي وأنا قادم من عالم السياسة والدبلوماسية، لكن هذا التحسس جاء أسهل مما توقعت بفضل مُعلم وصديق منحه لي القدر وهو علي إبراهيم، رحمه الله، فلقد تعلمت منه أساسيات العمل الصحافي والمهني بشكل موضوعي وحاسم لم يجعلني أشعر بغربة المهنة وظلمات جهلها ومهانة التأخر في التحصيل، فكان لي منارة علم وفكر ومهنية قلما يجود الزمن بمعلم مثله.
واليوم أنعى صديقي العزيز ومُعلمي والدموع لا تعز عليه وسط موجات الحزن المتتالية التي لا يبدو لها نهاية إلا بالصبر والنسيان، ولكن كيف يُنسى أمثال هذا الرجل وهو يطل علينا ببابه في صحيفتنا «الشرق الأوسط»؟ كيف يمحو الوقت استشراقة قضية صحافية أو سياسية دون الرؤية الثاقبة له؟ من سأستشير وأنا أكتب بابي الأسبوعي «من التاريخ»؟.. أسئلة أعتقد أنني وقراؤه سنحتاج وقتًا طويلاً للرد عليها ونحن نقهر حزننا دون جدوى، ونمسح دموعنا دون أمل في النسيان.. هكذا رحل فارس كلمة وفكرة عن دنيانا، لكن ستبقى معنا ابتسامته التي لم تفارقه، وهدوؤه وسط التوترات، ومهنيته التي تعلمنا منها، لكنني على ثقة بأنه سيبقى له أمام المولى عز وجل دعاء كل من أحبوه وتعلموا منه وتثقفوا منه، وجبال من الخير تشفع له أمام المولى عز وجل.
أما عن نفسي فلا أجد كلمات أنعى بها هذه القيمة والقامة، وأستعين بها صبرًا على مصابي، لكنني سأقولها بكل صراحة لقرائنا ودموعي تصارعني وأمام الجميع «إنني بموتك يا علي قد تيتمت في عالم الصحافة».
أخوك وصديقك..

د. محمد عبد الستار البدري


 



«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
TT

«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما

في مسعى لتمكين جيل جديد من المحترفين، وإتاحة الفرصة لرسم مسارهم المهني ببراعة واحترافية؛ وعبر إحدى أكبر وأبرز أسواق ومنصات السينما في العالم، عقدت «معامل البحر الأحمر» التابعة لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» شراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»، للمشاركة في إطلاق الدورة الافتتاحية لبرنامج «صنّاع كان»، وتمكين عدد من المواهب السعودية في قطاع السينما، للاستفادة من فرصة ذهبية تتيحها المدينة الفرنسية ضمن مهرجانها الممتد من 16 إلى 27 مايو (أيار) الحالي.
في هذا السياق، اعتبر الرئيس التنفيذي لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» محمد التركي، أنّ الشراكة الثنائية تدخل في إطار «مواصلة دعم جيل من رواة القصص وتدريب المواهب السعودية في قطاع الفن السابع، ومدّ جسور للعلاقة المتينة بينهم وبين مجتمع الخبراء والكفاءات النوعية حول العالم»، معبّراً عن بهجته بتدشين هذه الشراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»؛ التي تعد من أكبر وأبرز أسواق السينما العالمية.
وأكّد التركي أنّ برنامج «صنّاع كان» يساهم في تحقيق أهداف «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» ودعم جيل جديد من المواهب السعودية والاحتفاء بقدراتها وتسويقها خارجياً، وتعزيز وجود القطاع السينمائي السعودي ومساعيه في تسريع وإنضاج عملية التطوّر التي يضطلع بها صنّاع الأفلام في المملكة، مضيفاً: «فخور بحضور ثلاثة من صنّاع الأفلام السعوديين ضمن قائمة الاختيار في هذا البرنامج الذي يمثّل فرصة مثالية لهم للنمو والتعاون مع صانعي الأفلام وخبراء الصناعة من أنحاء العالم».
وفي البرنامج الذي يقام طوال ثلاثة أيام ضمن «سوق الأفلام»، وقع اختيار «صنّاع كان» على ثمانية مشاركين من العالم من بين أكثر من 250 طلباً من 65 دولة، فيما حصل ثلاثة مشاركين من صنّاع الأفلام في السعودية على فرصة الانخراط بهذا التجمّع الدولي، وجرى اختيارهم من بين محترفين شباب في صناعة السينما؛ بالإضافة إلى طلاب أو متدرّبين تقلّ أعمارهم عن 30 عاماً.
ووقع اختيار «معامل البحر الأحمر»، بوصفها منصة تستهدف دعم صانعي الأفلام في تحقيق رؤاهم وإتمام مشروعاتهم من المراحل الأولية وصولاً للإنتاج.
علي رغد باجبع وشهد أبو نامي ومروان الشافعي، من المواهب السعودية والعربية المقيمة في المملكة، لتحقيق الهدف من الشراكة وتمكين جيل جديد من المحترفين الباحثين عن تدريب شخصي يساعد في تنظيم مسارهم المهني، بدءاً من مرحلة مبكرة، مع تعزيز فرصهم في التواصل وتطوير مهاراتهم المهنية والتركيز خصوصاً على مرحلة البيع الدولي.
ويتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما عبر تعزيز التعاون الدولي وربط المشاركين بخبراء الصناعة المخضرمين ودفعهم إلى تحقيق الازدهار في عالم الصناعة السينمائية. وسيُتاح للمشاركين التفاعل الحي مع أصحاب التخصصّات المختلفة، من بيع الأفلام وإطلاقها وتوزيعها، علما بأن ذلك يشمل كل مراحل صناعة الفيلم، من الكتابة والتطوير إلى الإنتاج فالعرض النهائي للجمهور. كما يتناول البرنامج مختلف القضايا المؤثرة في الصناعة، بينها التنوع وصناعة الرأي العام والدعاية والاستدامة.
وبالتزامن مع «مهرجان كان»، يلتئم جميع المشاركين ضمن جلسة ثانية من «صنّاع كان» كجزء من برنامج «معامل البحر الأحمر» عبر الدورة الثالثة من «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» في جدة، ضمن الفترة من 30 نوفمبر (تشرين الثاني) حتى 9 ديسمبر (كانون الأول) المقبلين في المدينة المذكورة، وستركز الدورة المنتظرة على مرحلة البيع الدولي، مع الاهتمام بشكل خاص بمنطقة الشرق الأوسط.