برنامج «التحوّل الوطني»، جاء مستوعبا لكل مستحقات التنمية المستدامة ورفاهية المواطن، محولا التحديات إلى فرصة خلّاقة، والتي من بينها شح المخزون المائي في المملكة، من خلال خلق معادلة توازن بين الاستثمار الزراعي والحفاظ على الأمن المائي، حتى لا تكون الندرة المائية عائقا أم تحقيق المملكة للأمن الغذائي من خلال تعظيم الاستثمار الزراعي بالخارج بدول بعينها، لتوافر موارد المياه بها خاصة للمحصولات التي تستنزف كميات كبيرة من المياه كالقمح والأرز بالإضافة إلى الأعلاف والتي أصدر مجلس الوزراء بشأنها أخيرا قرارا بمنع زراعتها في المملكة لذات الأسباب.
وتبرز أزمة استهلاك القطاع الزراعي للمخزون المائي في السعودية لأنه أشد القطاعات استنزافا للموارد المائية، حيث إن القطاع الزراعي يستهلك أكثر من 85 في المائة من مجمل أوجه الاستهلاك المائي في السعودية، الأمر الذي يستدعي اتخاذ تدابير احترازية تعمل على ترشيد الاستهلاك المائي في القطاع الزراعي عبر سلسلة من الخطوات لأجل الحفاظ على الموارد المائية، في ظل شح هذه الموارد وقلتها في البلاد، مع أهمية التركيز على القيمة الاقتصادية للمنتج الزراعي، في ظل ضعف القيمة الاقتصادية للقمح والأعلاف، حيث لا تشكل أكثر من 8 في المائة من القيمة الاقتصادية للقطاع الزراعي في السعودية، علما بأن زراعة الأعلاف الخضراء، تستنزف 4 أضعاف الحجم المائي الذي تستهلكه زراعة القمح سنويا.
وجاء برنامج «التحوّل الوطني»، متناغما مع تحقيق التوازن بين الاستثمار الزراعي والحفاظ على المورد المائي، وذلك وفق رؤية استراتيجية بعيدة المدى، تستهدف بشكل رئيسي تأمين الغذاء بشكل مدرك لمعادلة الاتزان بين المقدرات المالية وشح الموارد المائية، فضلا عن توفير الغذاء بسعر عادل، حيث عززت الحكومة الاستثمار الزراعي في الخارج، من خلال أكثر من بعد، أولها تخصيص صندوق للتنمية الزراعية، وخلق شراكات ثنائية بين المملكة والبلاد التي تتوفر فيها الموارد المائية والتربة الشاسعة الخصبة.
وتبقى الفرصة مواتية لدى المستثمر السعودي للاستفادة من محفزات السياسات الحكومية الاقتصادية وفق برنامج «التحوّل الوطني»، لتفادي التحديات التي تواجه زراعة المحصولات التي تستنزف كميات كبيرة من المياه كالأعلاف والقمح والأرز والسكر وغيرها من المحصولات الشبيهة بجانب الأعلاف، باعتبارها المنتجات الرئيسية في السلة الغذائية لدى المستهلك السعودي، في حين يصعب إنتاجها داخليا نسبة لحاجتها الكبيرة من المياه.
ولذلك صدرت الكثير من السياسات من قبل الجهات المعنية المتعلقة بالمحافظة على الموارد المائية على شحّها واستخدامها الاستخدام الأمثل في سبيل تحقيق الأمن الغذائي، من خلال اتباع استراتيجية تنويع الإنتاج الزراعي والتركيز على المحاصيل ذات الاحتياجات المائية المنخفضة وذات الميزة النسبية لكل منطقة، ثم الاستفادة من نظم الري الحديثة مثل نظم الري بالرش والري بالتنقيط في زراعة الكثير من المحاصيل الزراعية وذلك لما تتميز به هذه النظم من كفاءة عالية حيث إنها تساهم في التقليل من كميات المياه المستخدمة في الري كما تمثل عنصرا هامًا في الترشيد في استعمالات المياه للأغراض الزراعية.
وفي هذا الإطار، أوضح محمد الحمادي عضو الغرفة التجارية الصناعية بالرياض بدورتها الحالية، لـ«الشرق الأوسط»، أن برنامج «التحوّل الوطني» لم يغفل ضرورة الحفاظ على الموارد المائية على شحها في المملكة، مع تشجيع الاستثمار الزراعي في دول بعينها من بينها السودان ومصر، مبينا أن البرنامج يوازن بين مستحقات دعم الزراعة المحلية والتركيز على المنتجات قليلة الاستهلاك للمياه من خلال تحديد ودراسة المحاصيل الزراعية واحتياجاتها المائية والطرق المثلى لريها وأفضل المناطق لتوطينها.
وأكد الحمادي وهو رئيس لجنة الأمن الغذائي والزراعة بغرفة الرياض في دورتها السابقة وعضو الغرفة المنتخب حاليا، أن برنامج «التحوّل الوطني»، سيعظم من مساهمة القطاع الزراعي في الناتج المحلي البالغة 54 مليار ريال (14.4 مليار دولار) على 700 ألف هكتار عبارة عن مساحة المزروعات، من خلال المحافظة على المكتسبات الزراعية والحفاظ على المشروعات الزراعية المرشدة لاستخدام الري على ألا يكون فيها هدر للمياه، مشيرا إلى أن الزراعة تستهلك 85 ف المائة من مياه السعودية في حين تستنزف زراعة الأعلاف 4 أضعاف ما تستنزفه زراعة القمح من مياه.
ولفت الحمادي إلى أن القطاع الزراعي في السعودية حاليا، مطلوب منه أن يواكب المتغيرات والتداعيات، وفق التوجيهات الجديدة للسياسات الزراعية وضرورة التحولات كالقرار الزراعي المتعلق بإيقاف زراعة الأعلاف والتوجه نحو الزراعات المستخدمة مثل زراعة البيوت المحمية والاستزراع السمكي وكذلك صناعة الدواجن، مشيرا إلى أن التقارير تؤكد أن المخزون المائي في السعودية، يقدر بنحو 500 مليار متر مكعب، ويقدر استهلاك القطاع الزراعي من المياه بنحو 20 مليار متر مكعب، منها نحو 13 مليار متر مكعب من المياه الجوفية العميقة غير القابلة للتجديد.
وشدد الحمادي على ضرورة التركيز على المنتجات الزراعية التي تحقق فيها السعودية ميزة نسبية ولا تحتاج إلى مياه وفيرة كالنخيل وإنتاج التمور مثلا، مبينا أن عدد النخيل في المملكة تجاوز 25 مليون نخلة والناتج أكثر من مليون طن ويقدر حجم الاستثمار في قطاع النخيل بالمملكة بأكثر من 75 مليار ريال (20 مليار دولار)، منوها أن المملكة تعتبر أكبر دولة في العالم من حيث إنتاج التمور، مقدرا حجمه بواقع 1.3 مليون طن.
أسامة فيصل وزير الدولة بوزارة الاستثمار السودانية، أكد في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، أن إشارة الأمير محمد بن سلمان ولي ولي العهد السعودي، إلى أن السودان إحدى الدول المرشحة بقوة لتعظيم الاستثمار الزراعي السعودي فيها، يتماشى مع «الرؤية 2030». وهو تعبير آخر وملمح آخر من برنامج «التحوّل الوطني»، الذي أطلقه أخيرا، كونه يخلق حالة اتزان بين توفر الإمكانات المالية السعودية، مقابل شح المياه في المملكة، في وقت توفرت لدى الطرفين إرادة سياسية ستعزز تأمين الغذاء للبلدين.
ولفت الوزير السوداني، إلى أن 90 في المائة من الاستثمارات السعودية بالسودان موجهة للاستثمار الزراعي، حيث يمتلك 140 مليار متر مكعب من المياه، منوها أن حجم الأراضي الزراعية الصالحة للزراعة يبلغ نحو 75 مليون هكتار، مستغل منها فقط 30 في المائة، مبينا أن هناك أكثر من مليوني هكتار مرويين، في ظل إطلاق عدد من الخزانات الجديدة، ما يعني أن برنامج «التحوّل الوطني»، يعزز رؤية المملكة، وبالتالي توفير فرصة لتحقيق التكامل بين البلدين في هذا المجال.
السعودية توازن بين الاستثمار الزراعي والحفاظ على الأمن المائي
المخزون المائي يقدر بـ500 مليار متر مكعب.. والقطاع الزراعي يستنزف 85 %
السعودية توازن بين الاستثمار الزراعي والحفاظ على الأمن المائي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة