بعد محاولات نسبت فيما بعد إلى «مندسين»؛ بهدف جر الكتل والفصائل والأحزاب الشيعية التي عرفت منذ 2003 وحتى اليوم بـ«البيت الشيعي»، جاءت «معركة الفلوجة» لتعيد رسم المشهد من جديد. المشهد يجمع بين أطراف التحالف الوطني (الكتلة الشيعية الأكبر داخل البرلمان)، بينما كانت كل من الكتلتين السنية (تحالف القوى) والكردية (التحالف الكردستاني) تجلسان على مصاطب الاحتياط في انتظار فرصة المشاركة في اللعب، حتى لو كان في الوقت بدل الضائع من مسار العملية السياسية.
ولا تزال الكتلة الكردية غير معنية بشكل مباشر بمسار «معركة الفلوجة»، لكنها تنتظر انطلاق معركة الموصل، التي كانت كل الخطط جارية لبدئها قبل الفلوجة. فيما الكتل السنية وجدت نفسها في حالة من التناقض بين دعم معركة تحرير مدينة سنية بالكامل، مثل الفلوجة من قبل تنظيم داعش من جهة، وبين أولويات القتال وصيغ المشاركة في ظل قرار لم تكن لهم يد في صنعه، من جهة أخرى. وهو ما يناقض موقف قيادات التحالف الوطني التي بدأت ترمم خلافاتها السابقة على وقع معارك الفلوجة، باستثناء استمرار زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر في حث أنصاره على الاستمرار في التظاهر دعما لخطته في الإصلاح. غير أن المفاجأة التي لم يكن يتوقعها الصدر نفسه هي تراجع عدد المناصرين له في التظاهرتين الأخيرتين اللتين حصلتا خلال معارك الفلوجة، وهو ما عبر عنه في بيان رسمي.
لكن هناك تناقضا في المواقف داخل الكتل السنية حيال قضية الفلوجة، بحسب ما أكده سياسي مستقل لـ«الشرق الأوسط»، طلب عدم الإفصاح عن اسمه. ويقول السياسي: «هناك أكثر من موقف داخل الجبهة السنية، أحدها يمثله الأخوان النجيفيان أسامة وأثيل اللذان كانا يعدان العدة لبدء معركة الموصل بالتنسيق مع الولايات المتحدة الأميركية قبل معركة الفلوجة. وهي التي بدأ فيها التنسيق بين فصائل الحشد والإيرانيين، ما يعني انتصار الإرادة الإيرانية ـ الحشدية على الإرادة الأميركية ـ النجيفية» مشيرا إلى أن «ما يترتب على ذلك مسألة في غاية الأهمية، وهي أنه بعد مشاركة ميليشيا الحشد في معارك الفلوجة إنما تعني أنه سيشارك حتما في معارك الموصل. ولعل مسلسل المواجهات بين بعض فصائل الحشد والبيشمركة الكردية في طوزخورماتو تكاد تكون مستمرة».
وكان النجيفي بحث مع ستيوارت جونز سفير الولايات المتحدة الأميركية في العراق بمشاركة عدد من نواب ومسؤولية كتلة تحالف القوى العراقية معركة الفلوجة. وقال بيان لمكتب النجيفي تلقت «الشرق الأوسط» نسخة منه، إن «الاجتماع تضمن مناقشة تفصيلية لمعركة تحرير الفلوجة، وما رافقها من خروقات وانتهاكات تؤثر في الهدف الوطني الكبير في التحرير والخلاص من تنظيم داعش الإرهابي».
لكن، وبحسب البيان، لم يحقق المسار السياسي النجاح المنشود، فحدوث الانتهاكات رافق صفحاتها، وهي انتهاكات خطيرة تمثلت في القتل والخطف والتغييب وتوجيه الإهانات غير المقبولة لمواطنين ظلموا مرتين، مرة بسبب فشل الحكومة السابقة في الدفاع عن الفلوجة، وأخرى بسبب الاتهام الظالم بأن كل من بقي في مدينته وداره معرض للاتهام بكونه من «داعش». ودعا النجيفي إلى «معالجات فورية على الصعيد الأمني أو الإنساني، والأمني. فأهل المنطقة مصرّون على إبعاد قوات ميليشيا الحشد الشعبي عن مناطقهم بسبب الخروقات والانتهاكات الحاصلة بحق المدنيين. وطبقا للبيان، فإن السفير الأميركي «عبر عن قلق بلاده من موضوع الانتهاكات، ورفض أي تجاوز على المدنيين، ولا بد من معالجة الخروقات، ووعد ببذل الجهود مع المعنيين بالأمر».
من جانبه، أكد عضو البرلمان العراقي محمد الكربولي في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «الحديث عن الخروقات والانتهاكات يحيد بمعركة الفلوجة عن هدفها الحقيقي، وهو تحريرها من قبضة (داعش)، مع عدم تجاهل ما يحصل من انتهاكات». وأضاف، أن «هناك فرقا بين الإشارة إلى الخروقات بصفتها هدفا بحد ذاته أو التنبيه لها لتجاوزها وحث المسؤولين على محاسبة من يقوم بذلك طالما أن هناك تأكيدات أن هذه الخروقات ليست ممنهجة وإنما هي فردية». وكشف الكربولي عن قيام الأجهزة الأمنية بتسليم مجلس محافظة الأنبار 609 مواطنين من أهاليها كانوا محتجزين لغرض التحقيق معهم، لكن 4 منهم قتلوا جراء التعذيب، واثنين في حالة خطيرة.
«معركة الفلوجة» تعيد ترميم البيت الشيعي وتناقض مواقف داخل الكتل السنية
الكربولي: قتل 4 واثنان حالتهما خطيرة من أهالي الأنبار بسبب التعذيب
«معركة الفلوجة» تعيد ترميم البيت الشيعي وتناقض مواقف داخل الكتل السنية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة