لم تخمد نيران التعليقات من مختلف الأطراف السياسية والاجتماعية، حول مبادرة الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي، ليلة أول من أمس، بشأن تشكيل حكومة وحدة وطنية، بديلة عن حكومة الحبيب الصيد، الذي كلفه منذ شهر فبراير (شباط) 2015 بتشكيل الحكومة الحالية، حيث تبع الإعلان عن هذه الحكومة تساؤلات كثيرة حول جدوى إقرارها في هذه المرحلة، وإن كانت مبادرة سياسية جادة أم مجرد مناورة هدفها كسب الوقت.
وساند محمد الناصر، رئيس مجلس نواب الشعب (البرلمان)، المقترح الرئاسي بتشكيل حكومة وحدة وطنية، بمشاركة الاتحاد العام التونسي للشغل (نقابة العمال)، بما ظهر وكأن تنسيقا بين السلطتين التنفيذية والتشريعية قد سبق هذا الإعلان.
وفي تصريح إذاعي، قال الصيد، صباح أمس، إنه مستعد لخدمة تونس من أي منصب، وإنه سيقبل بتكليفه بمنصب رئيس الحكومة المقبلة، في حال الاتفاق على إبقائه على رأس المجلس الوزاري المقبل، معلنا عن برمجة لقاء برئيس الجمهورية بعد غد الاثنين، في إطار الاجتماعات الدورية التي يعقدها معه، موضحا أنه سيبحث في هذا اللقاء مقترح حكومة الوحدة الوطنية الذي لم يعرض عليه، وتمسك الصيد قبل أيام بمنصبه وقال إنه لن يقدم استقالته.
وأعلن الباجي قايد السبسي، في حوار تلفزيوني، عن دعمه لخيار تشكيل حكومة وحدة وطنية، وقال إنه يمثل اليوم «مقترحا واقعيا»، ويحظى، على حد تعبيره، بتأييد أغلبية الأطياف السياسية والاجتماعية، التي التقى عددا من ممثليها تباعا خلال الفترة الماضية.
واقترح الباجي أن تضم هذه الحكومة بالضرورة الاتحاد العام التونسي للشغل (نقابة العمال)، والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية (نقابة رجال الأعمال)، إلى جانب الائتلاف الرباعي الحاكم حاليا، ممثلا في حركة نداء تونس، وحركة النهضة، وحزبي آفاق والوطني الحر، بالإضافة لوجوه مستقلة وممثلين لأحزاب المعارضة.
وأضاف الباجي أن هذه الحكومة يجب أن تكون ذات «مضمون اجتماعي»، وهو ما يبرر محاولة إشراك الأطراف الاجتماعية في الحكومة المرتقبة، وأكد على ضرورة مشاركة اتحاد الشغل في حكومة الوحدة الوطنية، باعتبار ذلك شرطا أساسيا للنجاح، وإلا «فإن هذه الحكومة سيكون مصيرها الفشل».
واعترف الباجي أن الانتقادات التي تطال الحكومة حاليا هي أكثر من ملاحظات الاستحسان، ووصف مردودها بالمقبول والمتوسط، واستعرض الأولويات الكبرى التي تنتظر تونس، وفي مقدمتها الحرب ضد الإرهاب والفساد، وترسيخ الديمقراطية، وخلق مناصب التشغيل وظروف ملائمة للاستثمار في الجهات المهمشة، والرهان على الطاقات الشابة، وتطبيق القانون حتى تتمكن مؤسسات الدولة من العمل بشكل طبيعي.
كما انتقد الباجي أسلوب بعض الأطراف المعارضة في التعاطي مع الوضع والحكومة القائمة، مؤكدا أن «المعارضة في النظام الديمقراطي الانتقالي لا يجب أن تكون دائما احتجاجية»، ودعا إلى تجنب المعارضة المعتمدة على المواجهة والمصادمة والاحتجاج.
وبخصوص المقترح الرئاسي الجديد، اعتبر خالد شوكات، المتحدث باسم الحكومة، أن المقترح الذي قدمه الرئيس السبسي بشأن تشكيل حكومة وحدة وطنية يعتبر «إيجابيا»، وقال في تصريح إعلامي على هامش مؤتمر حول قانون الجماعات المحلية، انعقد أمس في العاصمة التونسية: «نحن نتفهم مبادرة رئيس الجمهورية ونتقبلها بإيجابية، وسنترك الحوار حولها إلى مؤتمر وطني».
ودفع يوسف الشاهد، وزير الشؤون المحلية المقرب من الباجي، عن نفسه «تهمة» تولي رئاسة الحكومة المقبلة، وأعرب عن دعمه لمبادرة رئيس الجمهورية بقوله: «لست معنيا برئاسة الحكومة، والحكومة الحالية لا تزال تعمل، كما أن رئيس الحكومة أوضح صباح اليوم (أمس الجمعة) في تصريح إذاعي بأنه لا ينوي الاستقالة من منصبه، وأنه سيواصل تحمل مسؤوليته الوطنية بكل أمانة»، مضيفا أن هذه المبادرة تخدم المصلحة العامة، وتهدف إلى تشريك كل الأطراف الفاعلة في البلاد في تحمل المسؤولية الوطنية للخروج من الأزمة الراهنة، على حد قوله.
أما بالنسبة لمواقف الأحزاب المشاركة في الائتلاف الحكومي، فقد كانت متباينة، إذ قال زبير الشهودي، القيادي في حركة النهضة، إن الحكومة الحالية، برئاسة الحبيب الصيد، لا تزال تحافظ على توازنها، مؤكدا أن حركة النهضة تدعم مبدأ توسيع المشاركة السياسية، وتراه أمرا مطلوبا، وتحدث عن توسيع الحكومة، لا تغييرها بالكامل.
وفي السياق ذاته، قال وليد صفر، المتحدث باسم حزب آفاق تونس، الذي يتزعمه ياسين إبراهيم، إن الحديث عن تحوير على مستوى الحكومة برمتها، وفي هذا الظرف بالذات، من شأنه أن يعطل مصالح البلاد، وأبدى تخوفات من تغيير الحكومة في هذا التوقيت، مؤكدا أن الرئيس التونسي لم يحسم الأمر بعد.
من جانبه، قال عمار عمروسية، القيادي في تحالف الجبهة الشعبية المعارض، إن الباجي لمح إلى إخراج الصيد من رئاسة الحكومة، واعتبر الدعوة إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية إقرارا بفشل الائتلاف الحكومي في تسيير الدولة، موضحا أنه «اعتراف متأخر بفشل حكومة الحبيب الصيد»، مؤكدا في هذا السياق على دعوة الجبهة الشعبية منذ زمن إلى تغيير السياسات عوض تغيير الأسماء.
وبشأن مدى احترام دعوة رئيس الجمهورية لتشكيل حكومة وطنية لدستور 2014، قال قيس سعيد، الخبير التونسي في القانون الدستوري: «إن الفصل 98 من الدستور يخول لرئيس الحكومة تقديم استقالته، أو للبرلمان سحب الثقة من الحكومة، كما أن الفصل 99 من نفس الدستور يمكن رئيس الدولة من إمكانية طلب التصويت على الثقة في البرلمان لمواصلة الحكومة نشاطها من عدمه. ولكن هذين الفصلين لم يفعلا. وفضل رئيس الجمهورية تقديم مقترح تشكيل حكومة وحدة وطنية في ظل التوازنات السياسية الحالية، والبحث عن مساندة كل الأطراف بما فيها النقابية لمؤسسات الدولة».
وتساءل سعيد من ناحية أخرى عن مدى تمثيلية هذه الحكومة المرتقبة أو قاعدتها التمثيلية، وعن البرنامج السياسي الاجتماعي الذي ستتفق حوله، وهو ما قد يمثل عائقا أوليا أمام نجاحها.
السبسي «ينقلب» على رئيس الحكومة.. ويقترح تشكيل حكومة وحدة وطنية
المقترح أثار مخاوف الطبقة السياسية.. و«النهضة» لا تساند التغيير
السبسي «ينقلب» على رئيس الحكومة.. ويقترح تشكيل حكومة وحدة وطنية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة