* من بين أسهل ما يمكن فعله، أن يمسك من يود كاميرا ديجيتال لا تزن أكثر من نصف كيلو غرام ويضغط على الزر ويبدأ تصوير الموضوع الذي في باله. لا يحتاج طبعا إلى فيلم، فكل شيء معلـب، ولدى كاميرات الديجيتال الجديدة الكثير من المزايا التي يستطيع استخدامها أو إغفالها واستخدام ما يريد من الكاميرا فقط.
* من ناحية أخرى، هناك المواضيع المتناثرة والمنتشرة في كل حيـز ونطاق. كلما نظرت، هناك شأن يمكن تصويره، وكل شأن له الكثير من الجوانب، ما عليك سوى أن تختار. الأكثر من ذلك، هناك الأحداث التي تمر بها البلاد العربية والتي تزخر وحدها بالكثير من المواضيع. افتح الكاميرا «وهات يا تصوير».
* المشكلة هي في هذه السهولة، ولا يوازيها سوى حب صاحب العمل الأول أن يعرف عن نفسه ويعرّفه البعض إلى الآخرين على أساس أنه مخرج.
* من ثم، تضاعف عدد المخرجين في السنوات الأخيرة. باتوا بالمئات، وكثير منهم حقق فيلما ومضى أو حقق بالكثير فيلمين وتوقـف. البعض لا يزال يقوم بفعل التصوير، لكنه بمثابة المتوقـف لأنه في الواقع لا يزال يفتح العدسة؛ يضغط على الزر ويصور. يصور الموضوع الماثل أمامه. يسمي فيلمه «واقعيا». يصور من يستطيع الوصول إليهم سريعا، فيصبحوا «أبطال» فيلمه، وقد يكونون من الناس العاديين فإذا به يمنحهم بركة أنهم من «الهامشيين» و«المهمـشين». الرسالة ضمن الصورة إذا لم يكن سيتحدث عنها ويشرحها في المؤتمر الصحافي.
* إذا لم يكن ذلك متاحا لأي سبب، صور نفسه يصور فيلما ونعت التجربة بأنها «ذاتية»... لكن لحظة... قلت: ما اسمك؟ متى بدأت الإخراج؟ ما تجربتك فيه؟
* الحقيقة هي أن المرء يحتاج إلى أكثر من كل ذلك لكي يخرج ويستحق حمل الكلمة. دق المسمار لا يحتاج إلى علم كذلك غسل الصحون، لكن الإخراج هو واحد من ذلك الذي لا بد من دراسته ودراسة كل ما هو متـصل به، إلى جانب تكوين ثقافة إنسانية وموضوعية توسـع الرؤية والمدارك عامـة، بحيث يصبح الطرح المنوي تحقيقه عبر الفيلم حاملا المعرفة والحقيقة وليس الرأي وحده.
• الدراسة ليست بالضرورة النجاح في اختراق صفوف المعاهد (ولو أنها ليست فكرة سيئة بحد ذاتها)، بل مشاهدة الأفلام. كل الأفلام. كل يوم. تحويل السنوات القليلة السابقة للبدء بعملية الإخراج إلى رحلة استكشاف. إلى التعلم والمعرفة والمقارنة. ولا بأس إذا تواضع «السيد المخرج» وبدأ مصورا أو مونتيرا أو كاتبا للسيناريو... يفيده ذلك في رصف العلاقة الصحيحة بينه وبين مستقبله.
• النهضة السينمائية الحقيقية ليست بعدد المخرجين، بل بنوعية النتائج. كان الأمل خلال السنوات العشرين الأخيرة أن يكون لدينا أكثر من مارون بغدادي وأكثر من كمال الشيخ ومحمد خان ويوسف شاهين والناصر خمير ونبيل المالح ومحمد ملص ورضا الباهي وعاطف الطيب وعاطف سالم والعشرات ممن سواهم.. لكن هذا الأمل لم يتحقق. وأحد أسباب منعه من التحقيق... نعم: كاميرات الديجيتال!
المشهد
سهل وغير ممتنع
المشهد
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة