انطلاق أوسع عملية عسكرية لطرد «داعش» بتنسيق أميركي ـ روسي

اقتراب من منبج شرق حلب.. ومؤشرات على إطلاق معركة متزامنة من الغرب

مقاتلو قوات سوريا الديمقراطية يحملون المدرعات الثقيلة على ناقلات نهرية لعبور الفرات نحو منبج (تويتر)
مقاتلو قوات سوريا الديمقراطية يحملون المدرعات الثقيلة على ناقلات نهرية لعبور الفرات نحو منبج (تويتر)
TT

انطلاق أوسع عملية عسكرية لطرد «داعش» بتنسيق أميركي ـ روسي

مقاتلو قوات سوريا الديمقراطية يحملون المدرعات الثقيلة على ناقلات نهرية لعبور الفرات نحو منبج (تويتر)
مقاتلو قوات سوريا الديمقراطية يحملون المدرعات الثقيلة على ناقلات نهرية لعبور الفرات نحو منبج (تويتر)

عدلت قوات «سوريا الديمقراطية» من خطة السيطرة على معقل تنظيم داعش في الرقة، وعبرت الضفة الشرقية لنهر الفرات باتجاه مدينة منبج، أحد معاقل التنظيم في ريف حلب الشرقي، مطلقة أوسع عملية عسكرية ضد التنظيم ترعاها الولايات المتحدة الأميركية بالتنسيق مع روسيا، وتمتد على 70 كيلومترا، وتفصل مناطق سيطرة «داعش» في ريف حلب الشرقي.
العملية، بضخامتها، تكتسب أهميتها من كونها تقطع خطوط الإمداد والتواصل بين قيادات التنظيم وعناصره في الرقة، عن مناطقه الحيوية في ريف حلب الشمالي، وتحاصره، في مراحل لاحقة، في نقاط جغرافية ضيقة تمتد من عمق الأراضي السورية إلى الشريط الحدودي مع تركيا. وفي الوقت نفسه: «تفصل الرقة عن شريانها الأخير»، بعد أن سيطرت «قوات سوريا الديمقراطية» على قسم كبير من خطوط الإمداد من العراق عبر ريف الحسكة، بحسب ما قال مصدر عسكري كردي مطلع على سير العملية لـ«الشرق الأوسط». وقال المصدر: إن العملية «هي الأضخم»، وتهدف لقطع خط الإمداد الحيوي عن الرقة.
وتلتقي تلك التقديرات مع ما أكده مدير «المرصد السوري لحقوق الإنسان» رامي عبد الرحمن، الذي قال لـ«الشرق الأوسط»: إن العملية «هي الأوسع»، مشددا على أنها «عملية أميركا وروسيا في سوريا لهزيمة تنظيم داعش».
وقال عبد الرحمن، إن المسار العسكري الجديد الذي تتبعه باتجاه الغرب، وراء ضفة نهر الفرات الغربية، وليس جنوبا باتجاه الرقة: «يؤكد ما قلناه في البداية أن العملية ستتجه إلى منبج وريف حلب الشرقي؛ بهدف وصل مناطق سيطرة الأكراد بين الإدارة الذاتية في كوباني والإدارة الذاتية في عفرين»، مشيرا إلى أن هذا التوسيع «لن يقرب الشريط الحدودي مع تركيا بسبب الحساسيات مع أنقرة».
وقال: إن الأكراد «لهم مصلحة كبيرة في التقدم باتجاه منبج، وهم وحدهم من يستفيد من هذا التقدم»، مشيرا إلى أن «احتمالات كبيرة بأن تبدأ المعركة من الطرف المقابل من جهة عفرين باتجاه المنطقة الشرقية في ريف مارع، وشمالا باتجاه تل جبرين، لتكون بذلك العملية العسكرية أشبه بقبضتي كماشة من الشرق في منبج والغرب في عفرين».
وتضاعفت المؤشرات على انطلاق العملية من الغرب، رغم أن أحدا لم يعلن عنها بعد. فقد أكدت مصادر في قوات سوريا الديمقراطية في عفرين لـ«الشرق الأوسط»، أن «محادثات تتم اليوم بين فصائل المعارضة السورية المحاصرة في مارع، وقوات سوريا الديمقراطية، على دخول الأخيرة إلى بلدة مارع والانضمام إلى قوات المعارضة لصد تنظيم داعش وطرده من المدينة، وإبعاد الخطر بالتالي عن مارع وأعزاز»، مشيرا إلى أن المنفذ الغربي من مارع باتجاه ريف حلب الشمالي الذي تسيطر عليه «سوريا الديمقراطية»: «فتح مجددا، وانتقل عبره مقاتلون معارضون مصابون جراء المعارك مع (داعش) لتلقي العلاج في مستشفيات عفرين».
ومن شأن العملية العسكرية، إذا بدأت من الجهتين الشرقية والغربية على امتداد 70 كيلومترا، أن تفصل مناطق ريف حلب الشرقي، مما يسهل على النظام بدء عملية عسكرية من جهة الجنوب باتجاه مدينة الباب وريف حلب الشرقي، بالتنسيق مع الروس الذين ينسقون مع الأميركيين حول هذه المعركة.
ولم تحدد مصادر «قوات سوريا الديمقراطية» مهلة محددة للعملية، مؤكدة أن «العملية متواصلة، وتجري حتى الآن وفق المخطط لها بإشراف أميركي»، مشيرة إلى أن التكتيكات تتبدل «بحسب الظروف الميدانية على الأرض». وقالت المصادر: إن الخبراء الأميركيين «على تماس مباشر مع المعركة وينسقون مع القوات التي تقاتل في الميدان».
كما أشارت المصادر إلى «تنسيق روسي أميركي حول العملية، لكنه تنسيق لم يثمر تعاونا في الميدان معا، بمعنى أنه تنسيق عامودي وليس أفقيا».
وباتت قوات سوريا الديمقراطية على مسافة تبعد 18 كيلومترا عن مدينة منبج بعد 24 ساعة على الإعلان عن المعركة باتجاه منبج، مدعومة من التحالف الدولي بقيادة واشنطن. وإلى جانب الغطاء الجوي، تدعم قوات من المهمات الخاصة الأميركية المقاتلين الأكراد على الأرض في شمال الرقة، شرق نهر الفرات. وقال مسؤولون أميركيون لوكالة «رويترز»: إن «آلاف المقاتلين المدعومين بعدد صغير من القوات الخاصة الأميركية بدأوا هجوما للسيطرة على مساحة مهمة في شمال سوريا يستخدمها المتشددون منذ فترة طويلة كقاعدة لوجيستية».
وأفاد «المرصد السوري لحقوق الإنسان» بمقتل 15 مدنيا، بينهم ثلاثة أطفال جراء غارات شنتها طائرات التحالف على مدينة منبج في ريف حلب الشمالي الشرقي خلال الساعات الـ24 الأخيرة.
وقال المرصد: إن المعركة «بدأت غرب نهر الفرات الثلاثاء»، لافتا إلى أن قوات سوريا الديمقراطية «نجحت في السيطرة على تسع قرى غرب الفرات خلال الساعات الـ24 الماضية».
وهذا الهجوم هو الثاني الذي تشنه قوات سوريا الديمقراطية ضد تنظيم داعش خلال أسبوع؛ إذ إنها أطلقت في 24 مايو (أيار) عملية لطرد التنظيم من شمال محافظة الرقة، معقله في سوريا، وتمكنت من السيطرة على نحو 23 قرية ومزرعة. وقال مستشار القيادة العامة في قوات سوريا الديمقراطية، ناصر حاج منصور، لوكالة «الصحافة الفرنسية»: «هناك معارك شديدة وقوية (...) بدءا من السلوك وعين عيسى وسد تشرين (شمال الرقة)، وباتجاه محور الطبقة (جنوبا غرب مدينة الرقة)، كذلك باتجاه منبج (غربا)».
وتضاربت الأنباء حول القوات التي ستدخل إلى منبج في وقت لاحق، ففي حين قال مصدر كردي: إن القوات التي ستخوض المعارك في منبج «تتألف بشكل أساسي من المجلس العسكري في منبج الذي يتضمن قوات عربية وأخرى كردية تتحدر من المدينة»، قال رامي عبد الرحمن: إن «الغالبية من الوحدات وهي عملية الوحدات بالأساس» في إشارة إلى وحدات حماية الشعب الكردية.
من جهته، قال المتحدث باسم «قوات سوريا الديمقراطية» العقيد طلال سلو: إن تحرير مدينة منبج بريف محافظة حلب الشمالي «قد أوكلت إلى المكون العربي، وتحديدا للمجلس العسكري لمدينة منبج»، وأكد في الوقت نفسه، أن عملية تحرير الرقة تسير بشكل جيد.
ونفى سلو في تصريح لوكالة الأنباء الألمانية قيام عناصر كردية بقيادة الهجوم الراهن على منبج لتحريرها من سيطرة تنظيم داعش، مشيرا إلى «تواجد عدد محدود جدا من عناصر (وحدات حماية الشعب) الكردية ربما يأتي في إطار التطوع». كما نفى أن يكون هذا الترتيب المتعلق بتولي المجلس العسكري لمنبج مهمة تحرير المدينة قد جاء بضغط أميركي أو غربي، وقال: إن «الأمر قد رتب بناءً على طلب محلي من قبل قيادات المجلس العسكري للمدينة».
وشدد على أن قوات سوريا الديمقراطية تقدم الدعم اللوجستي للمجلس العسكري باعتباره جزءا أساسيا في قوات سوريا الديمقراطية.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».