المشهد

سينما عربية وجنود مجهولون

المشهد
TT

المشهد

المشهد

* اليوم الجمعة، تطل باقة من الأفلام العربية على شاشة تقع في قلب هوليوود اسمها هارموني غولد ثيتر. تتجمـع مثل حبـات مطر خفيف ومنعش تحت مظلـة «مهرجان الفيلم العربي» الذي أقيم لأول مرة سنة 1996 في مدينة سان فرانسيسكو. كان وحيدا من نوعه واختصاصه آنذاك إلى أن انطلق في جواره مهرجان آخر في مدينة واشنطن. كلاهما ساهم، ولو بمقدار، في تعريف المشاهد الأميركي باهتمامات السينما العربية وطرقها في التعبير. كذلك حمل للمشاهد العربي هناك ما لا يستطيع مشاهدته (إلا مقرصنا على الإنترنت أحيانا!) من أفلام جديدة.
* التظاهرة التي تمتد صوب لوس أنجليس في الصالة التي تقع في منتصف سانست بوليفارد الشهير، تحتوي على نحو ثلاثين فيلما مختلفا أمـت المدينة من عواصم مختلفة: من مصر، على سبيل المثال، «في البحث عن النفط والرمال» لوائل عمر وفيليب ديب، من لبنان «تنورة ماكسي» لجو بوعيد، من العراق حيدر رشيد (الذي يعيش ويعمل في إيطاليا) «على وشك المطر»، ومن الأردن «عندما ابتسمت الموناليزا» لفادي حداد.
* معظم الأفلام المقدمة عرضت سابقا في مهرجانات عربية (دبي، أبوظبي، مراكش خصوصا)، لكن هذا طبيعي. عروضها الأميركية كلها «برميير»، إذ ليس هناك سوق للأفلام العربية هناك، و«مهرجان السينما العربية» يؤدي، بذلك، خدمة تحتاج إلى التشجيع لا لتؤسس تلك السوق، فهذا صعب المنال دوما، بل لكي تفتح الآفاق وتمد الجسور بين عالمنا وعالم غربي طالما بقيت نوافذه صوبنا مسيسة وضبابية.
* الصالة التي تعرض هذا المهرجان، الممتد لأربعة أيام، يتولـى إدارتها شخص متوسط القامة، عريض الابتسامة وفي نحو السبعين من العمر اسمه فرانك أجراما. بالعربي فاروق عجرمة، المخرج المصري الذي ترك بلاده إلى لبنان وإيطاليا وحقق بضعة أفلام شعبية في الستينات قبل أن يستقر في هوليوود، ربما على نفس طائرة الأحلام التي شد إليها الرحال سينمائيون عرب آخرون، من بينهم مصطفى العقاد وعبد الله الشماس وماريو قصار.
* فاروق لم يخرج فيلما من سنة 1981 عندما حقق فيلم رعب عنوانه «فجر المومياء»، ربما أراده بداية لسلسلة على غرار «ليل الموتى الأحياء» (لجورج أ. روميرو) الذي تفرع منه «فجر الموتى الأحياء» ثم «يوم الموتى الأحياء» إلخ... لكنه لم يتوقـف عن الإنتاج منذ ذلك الحين. والسلسلة التي نجح في تفعيلها أفلاما متوالية هي أفلام ديجيتال أنيماشن بعنوان «روبوتك»، معظمها، إن لم يكن جميعها، توجـه إلى سوق أسطوانات الأفلام.
* في الفترة ذاتها التي كان فيها فاروق عجرمة نشطا في لبنان وإيطاليا في أواخر الخمسينات ومطلع الستينات، كان هناك سينمائي مصري آخر اسمه فؤاد سعيد، انطلق من البداية إلى إيطاليا وأنتج بضعة أفلام رعب هناك، ثم تحول إلى هوليوود مدير تصوير من عام 1960. إنه جندي مجهول في الواقع، لأنه ابتكر ما عرف في أواخر الستينات بـ«موبايل سينما» وهي شاحنة تحتوي على استوديو فيه كل المعدات اللازمة للتصوير والتوليف ومونتاج الصوت. كان حلا مناسبا للسينما إذا ما أرادت الابتعاد عن شروط الاستديوهات الكبيرة.
* فؤاد سعيد أنتج أربعة أفلام، شاهدت في بيروت ثلاثة منها؛ هي: «هيكي وبوغز»، و«عبر الشارع 110»، و«المقتفون المميتون»، وكلها ما بين 1972 و1973، والثاني والثالث من باري شير الذي مات شابـا بعد رهجة سريعة. فؤاد اختفى تماما عن الساحة بعد فيلمه الرابع «ألوها بوبي وروز» (1975). هل ما زال حيا؟ هل غير مهنته؟ هل عاد إلى القاهرة؟ الله وحده يعلم.



8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
TT

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬

تُحرّك جوائز «الأوسكار» آمال العاملين في جوانب العمل السينمائي المختلفة، وتجذبهم إلى أمنية واحدة هي، صعود منصّة حفل «الأوسكار» وتسلُّم الجائزة وإلقاء ما تيسَّر له من تعابير فرحٍ وثناء.

لا يختلف وضع العام الحالي عن الوضع في كل عام، فجميع آمال العاملين في هذه الصّناعة الفنية المبهرة يقفون على أطراف أصابعهم ينتظرون إعلان ترشيحات «الأوسكار» الأولى هذا الشهر. وحال إعلانها سيتراجع الأمل لدى من لا يجد اسمه في قائمة الترشيحات، وترتفع آمال أولئك الذين سترِد أسماؤهم فيها.

يتجلّى هذا الوضع في كل مسابقات «الأوسكار» من دون تمييز، لكنه أكثر تجلّياً في مجال الأفلام الأجنبية التي تتقدّم بها نحو 80 دولة كل سنة، تأمل كل واحدة منها أن يكون فيلمها أحد الأفلام الخمسة التي ستصل إلى الترشيحات النهائية ومنها إلى الفوز.

«ما زلت هنا» لوولتر ساليس (ڤيديو فيلمز)

من المسافة صفر

لا يختلف العام الحالي في شكل التنافس وقيمته بل بأفلامه. لدينا للمناسبة الـ97 من «الأوسكار» 89 دولة، كلّ واحدة منها سبق أن تنافست سابقاً في هذا المضمار. لكن المختلف هو بالطبع الأفلام نفسها. بعض ما شُوهد منها يستحق التقدير، والفرق شاسع بين ما يستحق التقدير وبين ما يستحق الترشيح والوصول إلى التّصفية.

الحلمُ في تحقيق هذه النقلة يسيطر على المخرجين والمنتجين العرب الذين نفّذوا أعمالهم الجديدة خلال هذه السنة وسارعوا لتقديمها.

من بينهم المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي، الذي وفّر خلال العام الحالي فيلمين، واحدٌ من إخراجه بعنوان «أحلام عابرة»، والثاني بتوقيع 22 مخرجاً ومخرجة أشرف مشهراوي على جمع أفلامهم في فيلم طويل واحد بعنوان «من المسافة صفر»، وجميعها تتحدّث عن غزة، وما حدث فيها في الأسابيع الأولى لما يُعرف بـ«طوفان الأقصى». بعض تلك الحكايا مؤثرٌ وبعضها الآخر توليفٌ روائي على تسجيلي متوقع، لكنها جميعها تكشف عن مواهب لو قُدِّر لها أن تعيش في حاضنة طبيعية لكان بعضها أنجز ما يستحق عروضاً عالمية.

لا ينحصر الوضع المؤلم في الأحداث الفلسطينية بل نجده في فيلم دانيس تانوفيتش الجديد (My Late Summer) «صيفي المتأخر». يقدم تانوفيتش فيلمه باسم البوسنة والهرسك، كما كان فعل سنة 2002 عندما فاز بـ«الأوسكار» بصفته أفضل فيلم أجنبي عن «الأرض المحايدة» (No Man‪’‬s Land). يفتح الفيلم الجديد صفحات من تاريخ الحرب التي دارت هناك وتأثيرها على شخصية بطلته.

«صيفي الأخير» لدانيس تانوفيتش (بروبيلر فيلمز)

مجازر كمبودية

تختلف المسألة بالنسبة للاشتراك الصّربي المتمثّل في «قنصل روسي» (Russian Consul) للمخرج ميروسلاڤ ليكيتش. في عام 1973 عندما كانت يوغوسلاڤيا ما زالت بلداً واحداً، عاقبت السلطات الشيوعية هناك طبيباً إثر موت مريض كان يعالجه، وأرسلته إلى كوسوڤو حيث وجد نفسه وسط تيارات انفصالية مبكرة ونزاع حول الهوية الفعلية للصرب. حسب الفيلم (الاشتراك الثاني لمخرجه للأوسكار) تنبأت الأحداث حينها بانهيار الاتحاد السوفياتي و«عودة روسيا كروسيا» وفق قول الفيلم.

التاريخ يعود مجدداً في فيلم البرازيلي والتر ساليس المعنون «ما زلت هنا» (I‪’‬m Still Here) وبطلته، أيضاً، ما زالت تحمل آلاماً مبرحة منذ أن اختفى زوجها في سجون الحقبة الدكتاتورية في برازيل السبعينات.

في الإطار نفسه يعود بنا الاشتراك الكمبودي (التمويل بغالبيته فرنسي) «اجتماع مع بُل بوت» (Meeting with Pol Pot) إلى حقبة السبعينات التي شهدت مجازرعلى يد الشيوعيين الحاكمين في البلاد، ذهب ضحيتها ما بين مليون ونصف ومليوني إنسان.

وفي «أمواج» (Waves) للتشيكي ييري مادل، حكاية أخرى عن كيف ترك حكمٌ سابقٌ آثاره على ضحاياه ومن خلفهم. يدور حول دور الإعلام في الكشف عن الحقائق التي تنوي السلطة (في السبعينات كذلك) طمسها.

تبعات الحرب الأهلية في لبنان ليست خافية في فيلم ميرا شعيب «أرزة»، الذي يدور حول أم وابنها يبحثان عن سارق دراجة نارية ويتقمصان، في سبيل ذلك، شخصيات تنتمي إلى الطائفة التي قد تكون مسؤولة عن السرقة. هما سنّيان هنا وشيعيان هناك ومسيحيان أو درزيان في مواقع أخرى وذلك للتأكيد على أن التربة الطائفية ما زالت تنبض حية.

حتى كوريا الجنوبية ما زالت تحوم حول الانقلاب (وهي تعيش اليوم حالة مشابهة) الذي وقع في مثل هذا الشهر من سنة 1979 عندما اغتيل الرئيس بارك على يد رئيس شعبة الدفاع لي تايدو-غوانغ (أُلقي القبض عليه لاحقاً وأُعدم). هذا هو ثالث فيلم شاهده الناقد كاتب هذه الكلمات حول الموضوع نفسه.