استضافت العاصمة الكازاخية آستانة، يوم أمس، قمة زعماء الدول الأعضاء في الاتحاد الاقتصادي الأوراسي، وهو الاجتماع الذي يُطلق عليه «اجتماع المجلس الأعلى للاتحاد»، الذي يضم رؤساء كل من: روسيا، وكازاخستان، وبيلاروس، وأرمينيا، وقرغيزستان. وركز المجتمعون على بحث سبل تعزيز التعاون الاقتصادي بين دول الاتحاد في هذه المرحلة التي يواجه الجميع فيها ظروفا اقتصادية معقدة بدرجات متفاوتة ولأسباب مختلفة.
وفي هذا السياق اقترح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على زعماء دول الاتحاد المشاركة في برنامج «التعويض عن الصادرات» الذي تبنته الحكومة الروسية بعد أن فرض الغرب عقوبات على روسيا، التي ردت من جانبها بعقوبات تحظر استيراد كثير من المنتجات الأوروبية.
ويهدف المشروع إلى إيجاد بديل محلي عن كل ما كانت روسيا تعتمد في السابق على استيراده من الغرب، ويشمل المنتجات الغذائية، وتقنيات تُستخدم في الصناعات الثقيلة، وغيرها.
أما المبادرة الأهم، التي وافق عليها المجتمعون، فهي تأسيس سوق موحدة للنفط والغاز بين دول الاتحاد الأورواسي، التي وصفها بوتين بأنها «خطوة إضافية مهمة على هذه الدرب»، موضحا أنه «تم إعداد الوثائق الضرورية ونصوص الاتفاقيات التي تقدم شروط منافسة متساوية للجميع على أراضي دول الاتحاد، بغية أن تزداد الفعالية في هذا المجال لتصل إلى مليار دولار في مجال الغاز سنويا، وإلى 8 مليارات دولار في مجال النفط»، داعيا الدول أعضاء الاتحاد إلى المضي على درب توسيع التعاون في مجال الطاقة بشكل عام وإنشاء سوق مشتركة في مجال الطاقة الكهربائية كذلك عام 2019، لافتا إلى أن «المجلس الأعلى قد وافق على العمل بهذا الشأن، ويجري تحضير الوثائق القانونية الضرورية»، وأضاف أن الخبراء يقدرون الحصول على نمو إضافي بقدر 7 مليارات دولار في الناتج المحلي الإجمالي لدول الاتحاد الأوراسي كثمرة لتنفيذ مشروع إنشاء سوق موحدة للطاقة الكهربائية.
وعلى الرغ من كل ما يحمله اجتماع المجلس الأعلى للاتحاد الاقتصادي الأوراسي من جوانب إيجابية للتعاون بين الدول الأعضاء فيه بشكل عام، فإن المراقبين ينظرون إلى اجتماع آستانة بصورة أكبر من زاوية النتائج التي سيخلفها على الخطط الروسية الرامية إلى تأمين أسواق بديلة للمنتجات الروسية من جانب أول، ومصادر لجملة من المنتجات المتنوعة التي تحتاج إليها الأسواق الروسية من جانب آخر، في ظل توتر شبه دائم، تتفاوت حدته من حين لآخر مع الشركاء الأوروبيين.
ويشير خبراء اقتصاديون إلى أن خطوات التكامل داخل الاتحاد الأوراسي ستحقق لروسيا كما لدول الاتحاد الأخرى قدرا عاليا من الاكتفاء الذاتي، لكن هذا لا يعني السعي إلى قطيعة اقتصادية مع الغرب؛ ذلك أن نمو أي تكتل اقتصادي يبقى دوما رهنا بقدرته على توسيع علاقاته التجارية مع الدول أو التكتلات الأخرى.
ومن المتوقع أن يصبح الاتحاد الاقتصادي الأورواسي تكتلا جاذبا مع الوقت، عندما تتبلور العلاقات داخله إلى المستويات المطلوبة، ومن أهم مقومات الاتحاد الأولية أنه يمتد على مساحة تزيد عن 20 مليون كيلومتر مربع، وبعدد سكان يصل إلى 182.7 مليون نسمة، وبناتج إجمالي محلي قرابة 1.1 تريليون دولار، وإنتاج صناعي بقيمة إجمالية 907.1 مليار دولار، بينما يصل حجم التبادل التجاري بين الدول الأعضاء في الاتحاد إلى 45.5 مليار دولار. أما ميزان التجارة الخارجية لتلك الدول مجتمعة فقد بلغ عام 2015 قرابة 600 مليار دولار. وأخيرا تنتج الدول الأعضاء في الاتحاد الأوراسي 607.5 مليون طن نفط سنويا، أي 14.6 في المائة من الإنتاج العالمي، فضلا عن 682.6 مليار متر مكعب من الغاز، وهو ما يشكل 18.4 في المائة من الإنتاج العالمي.
في غضون ذلك، وعلى الرغم من توفر آفاق واعدة اقتصاديا ضمن الاتحاد الاقتصادي الأوراسي، تواصل روسيا سعيها لتطبيع العلاقات مع الاتحاد الأوروبي، وهو ما يتقاطع مع اقتراح قدمه الرئيس الكازاخي نور سلطان نزار بايف خلال اجتماع المجلس الأعلى للاتحاد الاقتصادي الأورواسي، ويدعو فيه إلى إطلاق تعاون بين الاتحاد الأوراسي والاتحاد الأوروبي، مشددا على ضرورة أن تعمل «المفوضية الاقتصادية الأوراسية» على صياغة مبادرة التعاون بين الاتحادين الأوراسي والأوروبي، وقد رحب المجتمعون في آستانة بمبادرة الرئيس الكازاخي.
وفي إطار الحديث عن المساعي الروسية للتطبيع مع الاتحاد الأوروبي، يتوقع أن يتم بحث هذا الأمر خلال لقاء مرتقب بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ورئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر، الذي أعلن عن عزمه المشاركة في أعمال منتدى بطرسبورغ الاقتصادي الدولي منتصف الشهر القادم. وقد أكد دميتري بيسكوف، المتحدث الرسمي باسم الكرملين، أن بوتين سيستقبل يونكر، كما أكدت المفوضية الأوروبية أن يونكر تلقى دعوة للمشاركة في المنتدى، وينوي زيارة بطرسبورغ تلبية لتلك الدعوة. وبينما تعلق روسيا الآمال على أن تؤدي تلك الزيارة إلى تحول في الوضع الراهن والانتقال من التوتر إلى الحوار تمهيدا للتطبيع وإعادة العلاقات إلى ما كانت عليه وإلغاء العقوبات المتبادلة بين الجانبين، سارع المتحدث باسم المفوضية الأوروبية إلى القول بأنه لا توجد أي علاقة بين زيارة يونكر والعقوبات الأوروبية ضد روسيا.
ويبدو أن تصريحات المتحدث باسم المفوضية الأوروبية جاءت لطمأنة الحلفاء في أوروبا وفي الولايات المتحدة، الذين حذروا من أن تستغل روسيا المحادثات مع يونكر لصالحها، لاسيما أنه سيلتقي بوتين قبل اجتماع أوروبي مرتقب؛ لبحث تمديد العقوبات ضد روسيا. وكان دميتري بيسكوف قد قال يوم أول من أمس إن الرئيس بوتين أعرب أكثر من مرة عن اهتمامه بتوسيع الحوار مع الاتحاد الأوروبي، وعليه يقول بيسكوف إن «الجانب الأكثر إيجابية في زيارة يونكر إلى روسيا هو أنها تعكس استعدادا ورغبة للحوار بهدف البحث عن إجماع حول تلك القضايا التي ما زالت توجد حولها تباينات كبيرة بيننا»، لافتا إلى أن روسيا ترى أنه «عبر الحوار فقط يمكن تقريب المواقف»، بينما «لا يمكن تقريب المواقف عبر العقوبات وتبادل التصريحات التصعيدية». وبعد أن رحب بما وصفه «استعدادا للحوار» من جانب المفوضية الأوروبية، أعرب بيسكوف عن يقينه بأن الأمور لا تجري بسرعة، وأن الحوار قد يطول وتطبيع العلاقات بين روسيا والاتحاد الأوروبي يحتاج إلى كثير من الوقت.
روسيا تؤسس سوقًا للطاقة مع «الأوراسي».. وتأمل التطبيع مع أوروبا
شاركت في اجتماع المجلس الأعلى للاتحاد.. وتستعد لاستقبال يونكر
روسيا تؤسس سوقًا للطاقة مع «الأوراسي».. وتأمل التطبيع مع أوروبا
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة