على الرغم من جهود وزارة الدفاع الأميركية «البنتاغون» التي تكلفت 500 مليون دولار لتدريب وتسليح قوة من المعارضين السوريين لمواجهة تنظيم داعش، فإنه لم تنجح سوى مجموعة واحدة صغيرة في الصمود.
«الجيش السوري الجديد» كان قد أكمل دورة التدريب الأميركية في الأردن، ومن ثم تسلل إلى داخل سوريا. ثم خلال شهر مارس (آذار) الماضي، من دون جلبة أو دعاية، استولى على مساحة صغيرة من الأرض من المتشدّدين، عند معبر التنف الحدودي البعيد، مع العراق في أقصى الجنوب الشرقي لمحافظة حمص السورية.
لقد تمكّن أفراد هذا «الجيش» من الصمود والاحتفاظ بالأرض التي سيطروا عليها، من دون فرار أو انشقاق أو التعرّض إلى الاختطاف، بخلاف كثير من المعارضين الآخرين الذين تلقوا تدريبًا مشابهًا، والذين تسببت حوادث مؤسفة وقعت لهم في التعجيل بتعليق البرنامج خلال الشهر الماضي. ولكن مع هذا، بات هذا النجاح المتواضع مهددًا الآن، في أعقاب هجوم انتحاري شنه إرهابيو تنظيم داعش في وقت سابق من مايو (أيار) الجاري. وكانت عربة مدرعة قد اندفعت بسرعة نحو قاعدة لمسلحي المعارضة فجر يوم السابع من مايو، فقتلت عددا منهم، بحسب المقدم مهند الطلاع، وهو ضابط سوري منشق وقائد المجموعة.
لم يذكر الطلاع عددًا دقيقًا للخسائر – أو عدد مسلحي المعارضة الموجودين في القاعدة المستهدَفة – مخافة تعريض المسلحين المعارضين الباقين لمزيد من الخطر. إلا أنه قال إن الهجوم كان بمثابة ضربة قوية لقوة لا تزال صغيرة بالفعل، وتعاني نقص الأسلحة والعتاد الذي وُعدت به - بحسب قوله - ولم يتم تسليمه. وتابع الطلاع في مقابلة معه قرب بلدة الريحانية، بجنوب تركيا، إن من تبقوا من المسلحين المعارضين يتساءلون عما إذا كانوا يريدون البقاء بالأساس في تلك النقطة الصحراوية التي يصعب الدفاع عنها، في انتظار مزيد من الهجمات. وتابع الطلاع: «أنا لا أقول إن الأميركيين خذلونا، ولكن هناك إهمالاً للواجب. إنهم لا يفعلون ما يمكنهم القيام به، ونحن لا نريد للأميركيين أن يتعاملوا بقلة احترام مع أرواح رجالنا». في المقابل، اعترف متحدث عسكري أميركي بأن طائرات حربية استجابت لطلب نجدة عندما تعرّضت القاعدة للهجوم، لكنها لم تصل في الوقت المناسب؛ لأن الهجوم حدث بشكل سريع جدًا. ومنذ ذلك الحين جرى تنفيذ عدد من الغارات الجوية ضد مواقع «داعش» في المنطقة، كما جرى تسليم إمدادات جديدة من الأسلحة، بحسب الكولونيل ستيف وارن، المتحدث العسكري الأميركي. الذي أضاف أن الجيش الأميركي يعتقد أن المجموعة ستبقى. واستطرد: «لا زالوا (مسلحو المعارضة) يسيطرون على التنف، ولقد أعيد إمدادهم، ونعتقد أنهم قادرون على الصمود. كذلك نعتقد أن لديهم ما يكفي من قوة النيران، ومن جانبنا، فإننا نقدم لهم الدعم عبر غارات جوية حسبما هو متاح». مع هذا، كشف التفجير الانتحاري مزيدًا من أوجه الخلل والأخطاء التي أفسدت منذ البداية الجهد الأميركي لبناء قوة من السوريين المعارضين مؤهلة لمواجهة «داعش». وتوقف الجهد الذي قادته «البنتاغون» بطلب من الرئيس باراك أوباما قبل سنتين، بتكلفة بلغت 500 مليون دولار، بعد بداية بطيئة، وكان التدريب قد بدأ في الربيع الماضي فقط. ولكن بعد مرور بضعة أشهر توقّف هذا المجهود بعد تعرّض المجموعة الأولى من المتدرّبين للاختطاف على أيدي «جبهة النصرة»، في حين انشقت المجموعة الثانية وسلّمت أثناء اختطافها بعضًا من أسلحتها إلى «الجبهة» المرتبطة بتنظيم «القاعدة».
ثم في مارس الماضي استؤنف برنامج التدريب، ولكن بهدف أقل طموحًا، يتمثل في العمل مع جماعات المعارضة الموجودة في محافظة حلب بشمال سوريا. وفي الوقت الراهن تقاتل المجموعات من أجل البقاء في مواجهة مقاتلي «داعش» الذين يتقدمون في المنطقة المحيطة بمدينة أعزاز، القريبة من الحدود مع تركيا.
ولكن في الوقت نفسه، مضت واشنطن قدمًا عبر «البنتاغون» في تحالف مختلف مع ميليشيا «وحدات حماية الشعب» الكردية، التي ينظر إليها كثير من جماعات المعارضة العربية بوصفها خصما أو أسوأ من هذا. وحقًا، كانت «وحدات حماية الشعب» (المدعومة من واشنطن) وراء تحقيق معظم المكاسب تقريبًا على الأرض التي تحققت حتى الآن ضد «داعش» في سوريا. لكن تنسيقها الوثيق مع الجيش الأميركي بات مصدر استياء عميق في أوساط المعارضين السوريين. وحتى الآن لم ينضم سوى عدد صغير من العرب إلى هذه الميليشيا الكردية، على الرغم من الجهد الذي بُذل لتغيير صورتها، بحيث تبدو في إطار «تحالف» مع المعارضين العرب.
من ناحية ثانية، مع تسريع الولايات المتحدة وتيرة خطط من أجل التقدم بمزيد من العمق في معاقل «داعش» العربية، بما في ذلك التحرك المدعوم أميركيًا من جانب ميليشيا «قوات سوريا الديمقراطية» التي يغلب عليها الأكراد باتجاه مدينة الرّقّة، عاصمة التنظيم، فـ«إن الحاجة لقوة عربية قادرة على كسب تأييد السكان الذين يعيشون تحت سيطرة (داعش) تزداد إلحاحًا»، على حد قول بسام بربندي، وهو دبلوماسي سوري من دير الزور، انشق عن النظام ويعيش اليوم في واشنطن.
ويتابع بربندي موضحًا: «هذه ليست معركة للأكراد، بل معركة للعرب، ومعظم العرب السنة يريدون أن يكونوا جزءا من هذه المعركة. والوسيلة الوحيدة القائمة هي (جيش سوريا الجديد)، ولقد سمعت من كثيرين أنهم يريدون أن ينضموا لهذا الجيش».
من ناحية أخرى، يتمتع «جيش سوريا الجديد» بإمكانية الفوز بالتأييد الشعبي – حسب بربندي – لأن أفراده يتحدّرون من محافظة دير الزور القريبة والممتدة على الحدود مع العراق، وتحوي أرضها معظم النفط السوري. ومعظم عناصر هذا «الجيش» الجديد الذين جرى تجنيدهم هم من بقايا وحدة «الجيش السوري الحر» المسماة بـ«جبهة الأصالة والتنمية»، والتي كانت معروفة في المحافظة قبل هزيمتها أمام «داعش» أثناء اجتياح التنظيم المتطرف لسوريا والعراق عام 2014. ويختتم بربندي كلامه بالقول: «في اللحظة الراهنة، لا يزال جيش سوريا الجديد صغيرًا جدًا، لكن سيكون من السهولة تمكينه وزيادة أعداد عناصره».
مع هذا، تبيّن أن تجنيد المقاتلين أصعب تحدٍّ على المدى الطويل بالنسبة إلى البرنامج. وللعلم، حال شرط توقيع المتقدّمين للالتحاق بهذا «الجيش» على وثيقة يتعهدون فيها بقتال «داعش» حصرًا، والامتناع عن مقاتلة نظام بشار الأسد، دون الانضمام إليه من الأساس. أما الآخرون الذين انخرطوا في التدريب بالأردن، فقد اضطروا للانتظار طويلاً، لدرجة أن هذا الانتظار طال أحيانا لشهور بينما بحث المسؤولون الأميركيون في خلفية كل من المعارضين المتقدمين. وبالنتيجة، تراجع كثيرون وقرّروا العودة إلى سوريا قبل البت بطلباتهم، بحسب مسؤول أميركي سابق مطلع على جهد التدريب والتسليح، طلب إغفال ذكر اسمه، ليتمكن من الحديث بصراحة. ومما قاله المسؤول السابق: «إننا نستأهل كثيرا من الانتقادات حول هذا البرنامج. من بين المشكلات أن التدقيق استغرق وقتًا طويلاً للغاية، وكانت هناك مشكلة أخرى هي إجبار هؤلاء الناس على إلزام أنفسهم بقتال (داعش) وحده».
وفي الوقت نفسه، تسبب هذا في إحساس لدى أفراد «جيش سوريا الجديد» بأنه خُذل وجرى التخلي عنه، وبات مكشوفًا في قاعدة معزولة في منطقة بعيدة ووعرة في الصحراء على مسافة أميال من أي بلدات كبيرة. ومع أن «الجيش» نفذ عددا من العمليات ضد «داعش»، بدعم أميركي - حسب مسؤولين أميركيين وأعضاء بالمعارضة - فإنه، وفق المعارضة السورية، لم يتسلم أبدا الأسلحة أو المعدات التي كان يأمل في الحصول عليها.
ولطالما كانت هناك افتراضات أن مزيدا من المعارضين سيلتحقون بـ«جيش سوريا الجديد»، لكن تعليق البرنامج كان معناه أن هذا لم يحدث. وفي وقت لاحق، زادت المجموعة الأصلية في «الجيش»، التي قوامها 50 فردا دربهم الجيش الأميركي، من عددها، وذلك عن طريق قيام عناصرها بأنفسهم بتجنيد وتدريب مزيد من المسلحين، لكن القوة ظلت أصغر بشكل كبير مما كان متوقعًا.
*خدمة «واشنطن بوست»
علامات استفهام تحيط بإمكانيات نجاح تجربة «جيش سوريا الجديد»
آخر مجموعة تبقت من المعارضين الذين دربهم «البنتاغون»
علامات استفهام تحيط بإمكانيات نجاح تجربة «جيش سوريا الجديد»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة