وزراء ونواب «حزب الله» يتقاضون رواتبهم نقدًا منذ شهرين نتيجة للعقوبات الأميركية

بيئته الحاضنة مستاءة من حصارها.. والتجار يعتمدون على شركائهم المسيحيين

عناصر حزب الله أثناء تشييع القيادي في الحزب مصطفى بدر الدين الذي قتل في سوريا مؤخرا (أ.ب)
عناصر حزب الله أثناء تشييع القيادي في الحزب مصطفى بدر الدين الذي قتل في سوريا مؤخرا (أ.ب)
TT

وزراء ونواب «حزب الله» يتقاضون رواتبهم نقدًا منذ شهرين نتيجة للعقوبات الأميركية

عناصر حزب الله أثناء تشييع القيادي في الحزب مصطفى بدر الدين الذي قتل في سوريا مؤخرا (أ.ب)
عناصر حزب الله أثناء تشييع القيادي في الحزب مصطفى بدر الدين الذي قتل في سوريا مؤخرا (أ.ب)

على الرغم من كل التطمينات التي حملها دانيال غلايزر، مساعد وزير الخزانة الأميركية لشؤون تمويل الإرهاب، خلال زيارته إلى لبنان للمسؤولين اللبنانيين، كما للمواطنين، وبالتحديد الشيعة منهم، بعدم استهداف العقوبات المالية الأميركية المفروضة على ما يسمى «حزب الله» النظام المصرفي اللبناني أو اللبنانيين المنتمين إلى الطائفة الشيعية، فإن النقمة والاستياء يتفاقمان، وبالتحديد لدى البيئة الحاضنة للحزب التي وجدت نفسها محاصرة ماليًا، حتى لو لم تكن معنية بشكل مباشر بنص القانون الأميركي.
حسب مصادر معنية، بدأ التجار الشيعة يعانون من التشدّد في تعاطي المصارف معهم، خصوصا أولئك الذين يسكنون في الضاحية الجنوبية لبيروت، حيث معقل الحزب، إذ بات هؤلاء يخضعون لـ«عمليات استجواب ماراثونية» لدى تلقيهم تحويلات الخارجية ولا يُسمح لهم في كثير من الأحيان أن يستقبلوها في حساباتهم. وأشارت المصادر في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن هؤلاء «باتوا يعتمدون في موضوع التحويلات على شركائهم وخصوصا المسيحيين منهم».
والواقع، أنه لم يكن مستغربا على الحزب، ما أعلنه مساعد وزير الخزانة غلايزر من بيروت أن العقوبات المالية ستشمل نوابه ووزراءه، ولقد كشفت مصادر نيابية في الحزب عن أن الوزراء والنواب من أعضائه وأعضاء كتلته يتقاضون منذ شهرين رواتبهم نقدًا بخلاف زملائهم. ولفتت إلى أن المشكلة لا تكمن في الإجراءات المتخذة بحق النواب والوزراء، بل «تتركز بشكل أساسي على الحصار الذي يطال البيئة الحاضنة التي تتألف في معظمها من غير المحازبين (الرسميين)، بيد أنها تعمل في مؤسسات صحية وتربوية واجتماعية وإعلامية تابعة إداريا للحزب». وقالت المصادر لـ«الشرق الأوسط»: «نحن نقوم بجهود كبيرة لاستيعاب نقمة الشارع الذي قد يُقدم على ردة فعل لا تُحمد عقباها في حال استمرت الأمور والحصار على ما هو عليه». وكان قد تردد في وقت سابق أن الحزب هدّد باتخاذ «إجراءات قاسية» وبإصدار «تكليف شرعي» للطلب من المودعين سحب أموالهم وودائعهم بشكل كامل من بعض المصارف التي يعدها تتشدّد في تطبيق القانون الأميركي. وفي الوقت نفسه، لا تزال لجان من المتخصّصين في الحزب تعمل على محاولة استيعاب تداعيات العقوبات الأميركية، في ظل ورود معلومات عن اقترابها من إيجاد «سبُل وآليات مناسبة للالتفاف على هذه العقوبات من خلال نظام مالي خاص بالحزب». وفي سياق متّصل، علمت «الشرق الأوسط» أن عددًا من الخبراء الأميركيين بدأ بالفعل تدريب أعضاء «هيئة التحقيق الخاصة» في مصرف لبنان على كيفية التعامل مع القانون الأميركي المتعلق بالعقوبات المفروضة على الحزب. وأشارت مصادر مصرفية إلى أن إحدى الإشكاليات الأساسية التي تواجه المصارف اللبنانية هي «كيفية التعاطي مع الزبائن الذين يدفعون قروضًا وتشملهم العقوبات، لكون معظمهم غير قادر على سداد هذه القروض قبل المدة المحددة في اتفاقات مسبقة مع المصارف، كما أن هذه الأخيرة لا يمكن أن تتحمل تبعات وقف التعامل مع هؤلاء الأشخاص من دون أن تستوفي أموالها».
وقبل ثلاثة أيام، أصدرت «هيئة التحقيق الخاصة»، في مصرف لبنان، برئاسة رئيسها الحاكم رياض سلامة، تعميمًا للمصارف اللبنانية يوضح كيفية وجوب التعاطي مع العقوبات الأميركية. ويطلب التعميم من المصارف والمؤسسات المالية ومؤسسات الوساطة المالية وسائر المؤسسات الملزمة بالإبلاغ «عدم اتخاذ أي تدابير لجهة إقفال أي حساب عائد لأحد عملائها أو الامتناع عن التعامل معه أو عن فتح أي حساب له قبل مرور ثلاثين يومًا على إبلاغ الهيئة، على أن يتضمن هذا التبليغ توضيحًا للأسباب الموجبة التي تبرّر اتخاذ هذه الإجراءات والتدابير». ويشير التعميم إلى أنّه «إذا لم يرد أي جواب من الهيئة خلال المهلة المذكورة أعلاه، يعود للمصارف وللمؤسسات المعنية اتخاذ الإجراءات المناسبة بهذا الخصوص». ولا يبدو أن الحزب راض تمامًا على صيغة التعميم، خصوصا فيما يتعلق بـ«مهلة الثلاثين يوما»، وهو ما ينعكس على علاقته بحاكم مصرف لبنان التي تمرّ، بحسب مصادر مطلعة، بمطبات كثيرة.
في هذه الأثناء، أصدرت السفارة الأميركية في بيروت، أمس، بيانًا، بعيد انتهاء زيارة غلايزر إلى لبنان، التي التقى خلالها رئيس مجلس النواب نبيه برّي، ورئيس الحكومة تمام سلام، ووزير المالية علي حسن خليل، ورئيس الوزراء الأسبق النائب سعد الحريري، وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، وأمين سر هيئة التحقيق الخاصّة في مصرف لبنان عبد الحفيظ منصور، بالإضافة إلى جمعية مصارف لبنان ومسؤولين أمنيين. وأوضحت السفارة أن مساعد وزير الخزانة شجّع السلطات اللبنانية والمؤسسات المالية على مواصلة جهودها لـ«مكافحة خطر التمويل غير المشروع ومنع محاولات التهرب من العقوبات المالية الأميركية منها والدولية».
وذكرت في موضوع «قانون حظر التمويل الدولي عما يسمى (حزب الله)» Hizballah International Financing Prevention Act (HIFPA)، الذي طبّق مؤخرا، فقد شرح غلايزر أن هذا القانون «لا يستهدف لبنان، كما أنه لا يستهدف المجتمع الشيعي، بل يستهدف الأنشطة المالية لـ(حزب الله) في جميع أنحاء العالم، وأنه سيتم تطبيقه في جميع أنحاء العالم». كذلك ناقش مساعد وزير الخزانة، بحسب البيان، الجهود المشتركة الأميركية اللبنانية لمكافحة شبكات «داعش» المالية، مجددا تأكيد التزام الولايات المتحدة العمل مع لبنان من أجل حماية النظام المالي فيه وتعزيزه.
وفي مقابلة تلفزيونية، أكّد غلايزر أن قرار العقوبات على الحزب «لا عودة عنه»، لافتا إلى أن واشنطن لا تميّز بين أعضاء الحزب، بخلاف الاتحاد الأوروبي الذي يصنّف الجناح العسكري وحده «إرهابيا» ويفتح نقاشات وحوارات مع الجناح السياسي. وقال غلايزر «ندرك الفرق بين (حزب الله) والطائفة الشيعية، ونؤكد أن العقوبات لا تستهدف الطائفة بل كيان الحزب»، وتابع أنّه قد يكون لهذا القانون المطبق في شتى أنحاء العالم تأثير أكبر في لبنان «لأن لـ(حزب الله) تواجدا كبيرا هنا».



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».