أضاف فوز صديق خان، العمدة المسلم الأول للعاصمة البريطانية لندن، تغيرًا كبيرًا على وجه المدينة المالية الأولى عالميًا، فضلاً عن كونها بالأساس مدينة تحقق المفهوم «الكوزموبولياتني» بكل عناصره من التنوع بكل أشكاله. وإلى جانب ما يضفيه الحدث من «ليبرالية» على المستويات السياسية والاجتماعية، ينتظر غالبية أهل لندن «سقف التطلعات» الذي رفعه البرنامج الانتخابي لمرشح حزب العمال، وبخاصة فيما يخص القطاع العقاري، متسائلين بكل جدية: «هل يمكن أن تعود لندن مدينة سكنية في متناول ساكنها؟»
وأظهرت استراتيجية خان للتعامل مع المشكلة الكبرى التي تواجه العاصمة حقيقة أن تلك المدينة ببساطة لا تبني منازل تكفي لاستيعاب أعداد قاطنيها، إضافة إلى كون منازلها غاية صعبة التحقق لقاطني لندن من غير الأثرياء.
وكان ملف الإسكان لـ«محدودي الدخل» أحد أهم الأولويات في خطة خان للمدينة التجارية، خصوصًا أنه كان على يقين أن عمد لندن السابقين لم يعالجوا مشكلة السكن، خاصة مع ارتفاع تكاليف المعيشة، «فأصبح الكثيرون في المدينة يستأجرون وغير قادرين على شراء منازلهم»؛ وفقًا للبرنامج الانتخابي لعمدة لندن الحالي.
ووعد خان أنه سيعمل على تقديم منازل بأسعار معقولة لسكان مدينة لندن، والعمل أيضًا على خفض الإيجارات.. ووسع العمدة من نطاق التنفيذ ليشمل عدة من المطورين العقاريين لبناء منازل بأسعار معقولة، وحدد هدفًا أن تكون 50 في المائة من المنازل الجديدة «في متناول» سكان المدينة. مؤكدًا من خلال خطته الانتخابية أنه سينهي مشكلات الآلاف من المنازل الجديدة التي يتم بيعها للمستثمرين بالخارج كل عام.
وقال خان مرارًا وتكرارًا إنه يجب دعم الجمعيات السكنية في خططها لضمان 80 ألف وحدة سكنية بحد أدنى كل عام. بينما يذكر أن العمد السابقين للمدينة فشلوا في توظيف استثمار سكني قدر بنحو 400 مليون جنيه إسترليني (أكثر من 580 مليون دولار) لتوفير منازل بأسعار معقولة.
وتتمحور خطة خان في الحصول على المزيد من الأراضي المملوكة من قبل الهيئات العامة، إضافة إلى إنشاء نماذج جديدة من المساكن بأسعار معقولة، مع الإيجار على أساس مستوى ثلث المتوسط من الدخل، والكف عن الاعتماد على أسعار السوق، وتغيير شكل الحيازة العقارية مما يتيح فرصة لتوفير الدفعات المقدمة.
ووعد صديق خان بإنشاء وكالة لتأجير المنازل «غير هادفة للربح»، تهدف إلى تسويق عقود الإيجار المستقرة وطويلة الأجل في جميع أنحاء لندن.
وقال عمدة لندن في تصريحات له منتصف الشهر الحالي، إن «الوقت حان لبناء منازل لذوي الأجور المنخفضة في العاصمة البريطانية»، وهي القضية التي كانت قد وصلت إلى طريق مسدود قبل أسبوع فقط من تولي خان المنصب.
وأظهرت بيانات رسمية حديثة أن 4880 وحدة سكنية تم بناؤها بـ«أسعار معقولة» العام الماضي في لندن، وهو أقل معدل لبناء مساكن لمحدودي الدخل منذ عام 1991.
وأوضح خان أنه سوف يعطي موافقات سريعة على البناء في مواقع «لاندمارك كورت» في ضاحية ساوثوورك، والتي يمكن تدبير بناء 120 وحدة سكنية على مواقع تجاور تقاطع السكك الحديدية، مشددًا على أنه سيصر على «مستويات أعلى بكثير من مجرد إسكان ميسر» في المباني الجديدة.
وقال خان: «أنا عاقد العزم على إصلاح أزمة السكن في لندن، والتأكد من أن جميع سكان لندن لديهم الفرصة لاستئجار أو شراء منزل لائق بسعر يمكنهم تحمله، ولكن حجم التحدي هو الآن أكثر وضوحًا من أي وقت مضى، ونحن لن نكون قادرين على تغيير الأمور بين عشية وضحاها»، مشيرًا إلى أن أول الأشياء التي يمكن القيام بها هو العمل على تسريع التطوير في المواقع الفارغة، من أجل التنمية التي سبق التخطيط بها.
وانتقد خان سلفه بوريس جونسون لضعف معدل المنازل الجديدة التي يمكن أن تعد في متناول اليد، بنحو 13 في المائة. وأرجع عمدة لندن ضعف نسبة المساكن في متناول اليد إلى «جشع المطورين».
كما أعلن خان أنه يدرس «شرط» تسويق الوحدات السكنية الجديدة محليًا لمدة 6 أشهر على الأقل «قبل بيعها للمستثمرين الأجانب».
وأفادت مؤسسة مولير أن 15 في المائة من المنازل الجديدة تم بيعها للمستثمرين الأجانب في عام 2013، وأصبح متوسط سعر المنازل يصل إلى ما يقرب من 60 ألف جنيه إسترليني (نحو 87 ألف دولار) منذ عام 2009.
وفي الوقت ذاته، أكد خان على أنه قابل الكثير من الرؤساء التنفيذيين والعاملين في الشركات متعددة الجنسيات، الذين عبروا عن مشكلاتهم في ضم موظفين جدد بسبب أزمة السكن. مما يعني أن المشكلة صارت «مزدوجة»، سواء لأهالي لندن الأصليين، أو لأولئك الأجانب من العاملين أو الدارسين بها.
وعلى الجهة الأخرى، يقف المطورون العقاريون في وجه تلك الخطط التي من شأنها أن تقلص من مكاسبهم إلى حد بعيد. وبينما يضغطون سياسيًا ضد تعيين جيمس مواري نائب عمدة للسكن، وهو الرجل الذي قضى ست سنوات عضوًا بالمجلس التنفيذي للإسكان في لندن، والذي قد ينجح في تنفيذ خطط العمدة الجديد.. والذي سيواجه عاصفة متوقعة من الانتقادات الحادة من قبل المطورين والمستثمرين والوسطاء العقاريين، في مقابل دعم من سكان المدينة الذين أطلقوا على خان لقب «قائد الإسكان».
وتقول الأرقام السابقة في القطاع العقاري على مدار السنوات الماضية، إن القطاع شهد عرقلة للتطورات التي تفتقر إلى مستويات عالية من المساكن بأسعار معقولة، وهو الأمر الذي وصفه محللون بأنه «تخبط في تنمية العاصمة».
وبينما يواجه خان معركته الخاصة مدعومًا بآلاف المؤيدين من السكان، فإن التحذيرات تتوالى من قبل المعسكر المعارض لانفصال بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي، قبل نحو شهر واحد من الاستفتاء المقرر في 23 يونيو (حزيران) المقبل.
وخلال وجوده في اليابان على هامش لقاء وزراء مالية الدول السبع الكبرى نهاية الأسبوع الماضي، أعلن وزير المالية البريطاني جورج أوزبورن عن تخوفه من أن أسعار المساكن في بريطانيا ستهبط ما بين 10 إلى 18 في المائة إذا ما صوت البريطانيون لصالح الانسحاب من الاتحاد الأوروبي.
وكانت قضية الانفصال أحد أهم القضايا التي استحوذت على اهتمام «السبع الكبار» خلال جلساتهم، والتي انتهت بإجماعهم على ضرورة تفادي حدوثها، نظرًا للآثار السلبية التي ستترتب عليها لكل من بريطانيا، والاتحاد الأوروبي، وربما العالم أجمع.
وقال أوزبورن لهيئة الإذاعة البريطانية، (بي بي سي)، إن مغادرة بريطانيا للاتحاد ستحدث أيضًا اضطرابًا في الأسواق المالية، وستدفع أسعار فائدة القروض العقارية للارتفاع، وستلحق ضررًا بالبريطانيين الذين يحاولون شراء مسكن.
ويرى فريق الداعين إلى البقاء، الذي يتزعمه رئيس الوزراء البريطاني جيمس كاميرون، ويقود هجومه أوزبورن، أن الانفصال سيؤدي إلى انسحاب إجباري لرؤوس الأموال، ومن بينها تلك المتعلقة بالأصول العقارية، مما يمكن أن يؤدي إلى انهيار بالسوق.
فيما يقول الفريق الداعي للانفصال، ويقوده عمدة لندن السابق بوريس جونسون، إن تلك المتوالية ستؤدي إلى تحسن السوق العقارية، نظرًا لانتهاء «الفقاعة العقارية» غير المبررة في بريطانيا ولندن على وجه الخصوص، والتي جعلت الأسعار أغلى بمرات مضاعفة عن التقييمات الحقيقية نتيجة لنقص المعروض عن المطلوب، والمزايدات من قبل الأثرياء الأجانب، التي جعلت من أهالي لندن الطبيعيين «خارج المنافسة».
ويؤكد أوزبورن أن الخزانة البريطانية ستنشر خلال الأيام المقلبة تحليلاً للتأثيرات قصيرة الأجل لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. موضحًا أن «تحليل الخزانة يظهر أن قيمة مساكن الناس ستنخفض بما لا يقل عن 10 في المائة، وبما يصل إلى 18 في المائة.. وفي الوقت نفسه، فإن مشتري المساكن للمرة الأولى سيتضررون، لأن فوائد القروض العقارية سترتفع وسيصبح الحصول على القروض العقارية أكثر صعوبة».
وأيا كانت نتيجة الاستفتاء، فإن سكان العاصمة البريطانية ينتظرون أن يفي خان بوعوده، لكنهم يترقبون أيضًا كيف يتصرف العمدة الجديد في مواجهة متغيرات قد تكون أكبر من العاصمة، بل قد تكون أكبر من المملكة المتحدة ذاتها.
وعود صديق خان وأزمة الإسكان.. قضية لندنية تترقب الحسم
«لوبي المطورين» أبرز المعارضين.. وتخوفات من انهيار السوق
وعود صديق خان وأزمة الإسكان.. قضية لندنية تترقب الحسم
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة