ساد التوتّر يوم أمس بلدة عرسال البقاعية، ذات الغالبية السنية، على الحدود الشرقية، بعد عملية «ثأر» نفذها والد جندي لبناني أعدمته «جبهة النصرة» بعد أسره مع آخرين قبل نحو سنة ونصف السنة. وبرزت مخاوف من عمليات ثأر مضاد، خصوصا أن القتيل هو ابن شقيقة مصطفى الحجيري، المعروف بـ«أبو طاقية» الذي اتهمته السلطات اللبنانية رسميا بالضلوع في أحداث عرسال التي قتل فيها عشرات الجنود اللبنانيين، وأسر عدد آخر من قبل تنظيمي النصرة وداعش اللذين لا يزالان يحتفظان بعدد آخر من الجنود.
وبعيد ساعات على إعلان اختطاف مجهولين للشاب حسين الحجيري البالغ من العمر 20 عاما، وجدت جثته ملقاة على قبر الجندي محمد حمية، ليظهر بعد ساعات والد الجندي، معروف حمية، معلنا مسؤوليته عن قتل الحجيري في بلدة طاريا ذات الغالبية الشيعية، وهو ما استدعى تحذيرات من ردود فعل ودعوات للتدخل لدرء تداعيات هذه الحادثة الخطيرة ودرء الفتنة. وقال حمية: «أنا قتلت ابن أخ أبو طاقية وانتقمتُ لمقتل ابني»، متوعّدًا أنّ «الدّور سيأتي على أبو طاقية وشقيقه ولن أسلّم نفسي». وأضاف، في حديثٍ تلفزيوني: «إذا قام أهل عرسال بالثأر للحجيري من أي بريء من أهل طاريا أو آل حمية فسيفتحون الطريق أمامنا أمام كل أهالي عرسال»، مؤكدًا «أننا تحت سقف القانون، لكن هذه الدولة لم تقم بشيء». وقال: «لا يمكنني تسليم نفسي حتى إنهاء مهمتي بالثأر. الرسالة وصلت اليوم وهذه بداية الثمن وأول خيط من الثمن الذي ستدفعونه». وكان الأب حمية حمّل مصطفى الحجيري مسؤولية مقتل ابنه منذ إعلان «النصرة» «إعدامه».
وأكّدت مصادر في عرسال، لـ«الشرق الأوسط»، أنّ الشاب حسين الحجيري ليست له علاقة لا من قريب ولا من بعيد بعمّه مصطفى الحجيري، وهو طالب جامعي، مشيرة إلى أن الثأر من عائلة حمية كان متوقعا إنما ليس بهذه الطريقة أو بقتل شاب بريء.
وأشارت «الوكالة الوطنية للإعلام» إلى أن الجيش ومنذ الإعلان عن مقتل الحجيري، اتخذ إجراءات أمنية في محيط بلدة عرسال وفي بعلبك، ونفذ مداهمات لمنازل مشبوهين في طاريا، بحثا عن المدعو معروف حمية.
من جهته، أشار رئيس بلدية عرسال، باسل الحجيري، إلى توتّر ساد المنطقة بعد الإعلان عن مقتل الشاب، نافيا المعلومات التي أشارت إلى ظهور مسلّح، ولفت لـ«الشرق الأوسط» إلى أن ما حصل ترك جرحا عميقا، وهو ما سيؤثر سلبا على كل المحاولات التي كانت تبذل على خط التقارب بين عرسال ومحيطها، قائلا: «لكن ما حصل اليوم يعيدنا خطوات إلى الوراء»، مشددا في الوقت عينه على «أن الجريمة التي حصلت يتحمّل مسؤوليتها الشخص المعني، لا سيما أنه اعترف بفعلته وليس طائفة أو مذهبا أو منطقة، والآن هي مهمة القوات الأمنية لتقوم بواجباتها، مع تأكيدنا رفض الثأر والأمن الذاتي».
وأوضح رئيس البلدية أنّ الشاب المقتول محمد الحجيري اختطف على يد مجموعة مسلحة من مدينة بعلبك صباح اليوم (أمس)، وعندما علمت عائلته بالأمر أبلغت القوات الأمنية التي بدأت بالتحرك بحثا عنه إلى أن جاء خبر مقتله خلال وقت قصير.
وأشارت «الوكالة الوطنية للإعلام» إلى أنّ «الصليب الأحمر والدفاع المدني والقوات الأمنية عملت على نقل جثة حسين محمد الحجيري (مواليد 1996) التي كانت ملقاة على قبر الجندي (الشهيد) محمد معروف حمية، وتم تسليمها إلى الجهات المختصة لإجراء التحقيقات اللازمة والكشف عليها في مستشفى دار الأمل الجامعي في دورس من قبل الطبيب الشرعي علي سلمان. ومن ثم سيتم تسليمها إلى أهله بمواكبة أمنية لإجراء مراسم الدفن».
وفي ظل الخوف من أن تؤدي هذه الجريمة إلى أحداث أمنية في البقاع، لا سيما بين منطقة عرسال، ذات الغالبية السنية، والمناطق المحيطة بها ذات الغالبية الشيعية، أطلقت دعوات للتهدئة كي تأخذ العدالة مجراها. وطالب تيار المستقبل الحكومة والقيادات السياسية بالتدخل لدرء تداعياتها الخطيرة ودرء الفتنة. محذرا من «خطورة الانجرار وراء عقلية الثأر».
كما أهاب بأهل الحل والربط في عرسال واللبوة وجوارهما «المسارعة إلى احتواء ما حصل، والعمل على تغليب منطق الحكمة على عقلية الثأر، والتمسك بمنطق الدولة ومؤسساتها، باعتبارها الوحيدة الكفيلة بإعطاء كل ذي حق حقه، تحت سقف القانون».
ورأى أن «الجريمة المستنكرة التي أزهقت روح هذا الشاب البريء، فقط لأنه ابن شقيق من يتهمه البعض بالمساهمة في خطف العسكريين، هي انتقام بشع، لا يعيد الجنود (الشهداء) إلى أهلهم، ولا ينصف تضحيات الجنود الذين ما زالوا مخطوفين، وهي نذير شؤم يعيد النفخ في رماد الفتنة، ويفتح الباب على مخاطرها التي تستهدف السلم الأهلي، بما يخدم أهداف المجموعات الإرهابية، المسؤولة أولا وأخيرا، عن جريمة خطف جنودنا وقتل بعضهم».
من جهته، أصدر الشيخ عباس زغيب، الذي يعمل بدوره على خط قضية العسكريين المختطفين، بيانا دعا فيه جميع الأطراف إلى ضرورة ضبط النفس وعدم الانجرار إلى الفتنة وأن لا يؤخذ أحد بجريرة أحد، وأضاف: «من غير الجائز أو المقبول التعاطي بالأسلوب نفسه الذي تعاطى به القاتل، وأن ما حصل ويحصل سببه هو غياب الدولة وتقاعسها عن القيام بواجباتها».
من جهة أخرى، أفادت «الوكالة الوطنية للإعلام» يوم أمس، بأن الجيش أوقف مسؤول تنظيم داعش في عرسال سامح البريدي، في حين جدد قائد الجيش العماد جان قهوجي في الذكرى السادسة عشرة ليوم المقاومة والتحرير، باسم العسكريين «التزام الجيش العمل بكل الوسائل على كشف مصير المخطوفين لدى التنظيمات الإرهابية والعمل على تحريرهم أسوة برفاقهم المحررين».
لبنان: توتر في عرسال ومحيطها بعد عملية «ثأر» نفذها والد عسكري قتلته «النصرة»
دعوات للتهدئة ودرء الفتنة بعد مقتل ابن شقيقة مصطفى الحجيري
لبنان: توتر في عرسال ومحيطها بعد عملية «ثأر» نفذها والد عسكري قتلته «النصرة»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة