في ميونيخ ابتسم.. لأنك لست في ألمانيا بل في بافاريا

شعارها «ميونيخ تحبك».. وحديقتها الإنجليزية أبرز معالمها السياحية

من أهم معالم ميونخ
من أهم معالم ميونخ
TT

في ميونيخ ابتسم.. لأنك لست في ألمانيا بل في بافاريا

من أهم معالم ميونخ
من أهم معالم ميونخ

«أهلا بك في بافاريا» هذه العبارة ستتردد على مسمعك طيلة إقامتك في تلك المدينة الراقية والنظيفة، والسبب وراء هذا الترحيب هو تشديد أهالي ميونيخ على أن مدينتهم هي عاصمة «دويلة» بافاريا، وليست مدينة ألمانية، فهم يفتخرون بإرثهم التاريخي ويحتفلون بمطبخهم البافاري و«حدائق البيرة» المنتشرة في كل زاوية، وكيف لا وهم من ابتكر فكرة ألبير غاردن أو الـ«Beer Garten» كما تُسمى بالألمانية، وهي عبارة عن مساحات مفتوحة ليست فقط لتناول الجعة كما يظن البعض إنما لتناول المأكولات.
وتجدر الإشارة إلى أن القانون في المدينة يسمح للزبائن بجلب طعامهم من المنزل، فلا أحد يجبرهم على شراء المأكولات، وهذه الفكرة بدأت في عام 1718، وتطورت على يد الأسياد والملوك، إلى أن أصبحت إرثًا ثقافيًا تقلده بلدان كثيرة أخرى، والفكرة الأهم من «البير غاردن» هي الجلوس في الهواء الطلق، لأن هذا الأمر لم يكن متوفرا أمام أهالي بافاريا إلى أن ولدت هذه الفكرة وأصبحت جزءًا لا يتجزأ من الثقافة البافارية.
ربيع ميونيخ متقلب هذا العام شأنه شأن كل أرجاء أوروبا، لم أصدق مصلحة الأرصاد الجوية بأن هناك موجة ثلوج آتية، فودعت الشمس في لندن وانطلقت في رحلة تحليق قصيرة لا تتعدى الساعتين، وعند خروجي من الطائرة استقبلتني الرياح الباردة ولم أصدق عيني عندما رأيت الثلوج تتساقط مما أدى إلى تغيير برنامج زيارتنا بشكل كبير، وتم إلغاء كثير من النشاطات الخارجية بما فيها زيارة الحديقة الإنجليزية على متن عربة يجرها الخيل، ورحلة على الدراجة الهوائية في ثنايا المدينة القديمة، وركوب الأمواج في قناة المياه داخل الحديقة، واضطررنا إلى ركوب موجة البرد، غير أن الصقيع لم يقف عائقًا أمام تعرفنا على ميونيخ.
* أهم المعالم
من المعالم البارزة في ميونيخ ساحة «مريانبلاز» التي يقف قبالتها مبنى البلدية الجديد والمبنى القديم. أما Rathaus - Glockenspiel فهي ساعة مزينة فيها شخصيات متحركة، وتوجد أعلى برج بناية البلدية الجديدة. المنطقة بين كارلسبلاتز ومريانبلاتز معروفة بازدحامها، وهي مليئة بالمطاعم والمتاجر. وإلى جانب مبنى البلدية توجد كاتدرائية برافينكرخه Frauenkirche)) أشهر المباني في مركز المدينة. وفي المركز أيضًا توجد عدة كنائس مثل: كنيسة سانت بيتر، وهي أشهر مباني ميونيخ العتيقة، وهناك الميخائلزكرخه (Michaelskirche) وهي أكبر كنائس عصر النهضة شمالي الألب، وكنيسة تياتينركخه (Theatinerkirche) وهي كنيسة على الطراز الباروكي الإيطالي.
وتتميز ميونيخ بأربع جادات مركزية كبيرة تمتد بين مركزها وضواحيها، وهي: براينر شتراسا (Brienner Straße) ولودويغشطراسا (Ludwigstraße) ومكسيمليانشتراسا (Maximilianstraße) وجادة فرينتسريغنشتراسا (Prinzregentenstraße). كما توجد عدة متاحف فنية مهمة منها «بينكوتك» القديم والجديد وبينكوتك المعاصر. كما كانت تنشط في ميونيخ المجموعة الفنية «الفارس الأزرق» (Blaue Reiter)، قبل الحرب العالمية الأولى.
وهناك متحف العلوم (Deutsches Museum) الكائن على جزيرة وسط نهر أيزر وهو من أقدم متاحف العلوم في العالم،
ميونيخ من أغنى مدن ألمانيا وأغلاها، كما أن مستوى الحياة فيها والأمن الذاتي والعام من الأعلى في أوروبا كلها. وتبلغ نسبة الأجانب الذين لا يحملون الجنسية الألمانية في ميونيخ قرابة 23 في المائة، منهم 40.000 تركي و20.000 يوناني و20.000 صربي.
في ميونيخ مطار هو مطار «شتراوس»، وهو ثاني أكبر مطارات ألمانيا بعد مطار فرانكفورت. كما يمكن الوصول إلى ميونيخ عبر القطار بالخطين S1 وS8. وتتمتع ميونيخ بنظام مواصلات كبير يشمل القطار التحتي (U - Bahn) وقطار الضواحي (S - Bahn) والترام الكهربائي والحافلات.
وتشتهر ميونيخ بفريقين معروفين في كرة القدم هما بايرن ميونيخ وميونيخ 1860. والفريقان يلعبان في استاد «إليانتس آرنا» الجديد الذي يتسع لقرابة 69.900 متفرج.
* الحديقة الإنجليزية
من المعالم السياحية المهمة في ميونيخ الحديقة الإنجليزية (Englischer Garten)، التي تمتد على 3.7 كيلومتر مربع.
وهي تقع في قلب المدينة وتعبرها قناة يرتادها محبو رياضة ركوب الأمواج، نعم ركوب الأمواج، قد تكون الفكرة غير معقولة إنما هي موجودة في ميونيخ حيث استطاع الألمان «بـشطارتهم» سد فقرة من القناة وجعلوها أعلى من حيث العلو لتخول الرياضيين ممارسة هذه الرياضة البحرية في قلب مدينة، وتشتهر أيضًا بالخضرة فيها والبرج الصيني وواحد من أجمل وأكبر مقاهي «البير غاردن» في المدينة، وتكون أكثر روعة في فصل الصيف حيث يتجمع السياح وأهل المدينة في أرجائها، ويتناولون الطعام ويستمعون للموسيقى.
* بحيرة «تيغرنزي»
تعد هذه الزيارة من أجمل ما يمكن أن تختبره في ميونيخ أو بالأحرى في تخومها، فيمكن الوصول إلى البحيرة من خلال الطريق السريع ولا تتعدى المسافة الساعة من الزمن، تصل بعدها إلى منطقة راقية تفرض فيها البحيرة نفسها في وسطها بجمالها وروعتها التي تحيط بها الجبال والبيوت المنمقة التي يصحو أصحابها على منظر ولا في الكتب الخيالية، وبحسب ماركس دليلنا السياحي البافاري فهذه المنطقة يسكنها أثرياء ميونيخ من بينهم لاعبو كرة القدم، وبما أننا زرناها في يوم ربيعي غريب لأن الشمس ضلت طريقها واستبدلت بموجة من الصقيع والثلوج، إلا أن البرد لم يمنعنا من التوقف لزيارة واحدة من أقدم الكنائس التابعة للرهبان المؤسسين للمدينة والمدرسة الداخلية التي كانت تابعة لهم أيضًا، وهناك طريقة حلزوني يلتف حول البحيرة يأخذك في رحلة رائعة تختبر خلالها روعة المكان، وفي فصل الصيف يمكنك أن تستقل عربة معلقة كهربائية للوصول إلى رأس الجبل ومشاهدة البحيرة من فوق، ولكن وبما أننا اخترنا التوقيت الخاطئ للزيارة فاكتفينا بتخيل المنظر واستمتعنا به من على مستوى الطريق وليس من علو يذكر.
* المشي في أحياء المدينة
في أي مدينة تزورها حول العالم، يكون المشي هو أفضل طريقة لاكتشاف الخبايا والمعالم الجميلة، وهذا هو حال ميونيخ التي تستقبل السياح في طرقاتها المخصصة للمشاة، وأهم ما تلاحظه فيها هو علو مبانيها المنخفض، فأهالي ميونيخ وقعوا على عريضة تمنع بلدية بافاريا بمنح تصاريح لبناء مبانٍ عشوائية شاهقة العلو، فهناك بناية واحدة في المدينة مؤلفة من عدة طوابق فتبدو عملاقة بالمقارنة مع المباني الأخرى المحاذية.
يوجد في وسط المدينة سوق للمأكولات تبيع الأجبان والمأكولات البافارية الخاصة بهذا القسم من البلاد، وبجانبها «بير غاردن» مفتوح للعموم.
* مدينة المسارح والموسيقى
إذا كنت تحب الفن وتعشق المسرح والموسيقى فأنت في المكان المناسب، حيث توجد في ميونيخ مسارح كثيرة والعروض الفنية فيها لا تنضب، فقمنا بزيارة خاصة لمسرح برينزريغينتن Prinzregententheater وأقول خاصة لأنها كانت فعلاً هكذا، فأخذتنا مديرة المسرح إيزابيل في جولة ما وراء الكواليس في وقت كان يتأهب فيه الموسيقيون لحفل كبير في المساء، ويا لها من تحضيرات في مسرح عريق، قديم وأثري، تعرفنا إلى دهاليزه وكيفية تشغيل التأثيرات الصوتية على الطريقة التقليدية.
* معامل بي إم دبليو
بي إم دبليو هي فعلا فخر الصناعة الألمانية، وإذا كانت لديك شكوك بذلك أنصحك بزيارة معامل تلك السيارات الفارهة ومن المحتم أنك ستغير رأيك.
على مدى ساعتين من الزمن ستتعرف خلال BMW plant tour على كيفية تصنيع السيارات من طراز «بي إم دبليو» 3 Series من الألف إلى الياء، الجولة برفقة دليل من الشركة، حضر نفسك لقطع مسافات طويلة مشيا على الأقدام، ستشاهد كيف يتم تجميع السيارة على يد روبوتات عملاقة لا تعرف التعب، المصنع يعمل طوال أيام السنة من دون توقف، وعندما تصل إلى المرحلة شبه النهائية من تصنيع السيارة تسمع الموسيقى العربية تصدح في المكان، وعندما سألنا عن السبب أخبرنا الدليل أن غالبية العاملين في قسم تركيب الأجهزة الإلكترونية في السيارات والمقاعد هم من الجنسية التركية، وأجمل ما تشاهده خلال الجولة في النهاية منظر صاحب السيارة الذي ينتظر بالخارج لتسلم الحلم الذي وصى عليه منذ أشهر ليصبح حقيقية، فيتسلم الزبون السيارة ويركبها لأول مرة منذ خروجها من المصنع، وبحسب الدليل أيضًا هناك نسبة كبيرة من الزبائن الذين يأتون من بلدان أوروبية مجاورة ليتسلمون سياراتهم في ميونيخ، ويقومون بجولة في ألمانيا وعدة بلدان أخرى والعودة بالسيارة الجديدة إلى بلدهم.
* الأكل
المطبخ البافاري غني جدا ويعتمد على لحم البقر بشكل كبير، ومن المطاعم الجميلة التي زرناها كان مطعم تيفولي Tivoli التابع لفندق هيلتون، وفيه طاهٍ سوري يقوم بتحضير أفضل أنوع المازة الشرقية، وفي فترة المساء يتحول المطعم إلى واحة بافارية تقدم اللحوم والأجبان والخبز اللذيذ.
ومن المطاعم التي تبقى محفورة بالذاكرة مطعم شوينغشاكل Shwingshackl المقابل لبحيرة تيغرنزي وهو حائزة على نجمة ميشلان أطباقه لذيذة وأنيقة، وفيه تلقى معاملة خاصة جدًا، لأنه صغير الحجم، ويقع بمحاذاة البحيرة، ومن الممكن تناول الطعام على متن قارب صغير يرسو مباشرة على ضفته.
ولمحبي المأكولات النباتية أنصحك بمطعم «تيان» Tian وهو متخصص بالمأكولات النباتية والفيغين، وهنا أحذرك بأنك سوف تفاجأ بالكميات التي تبدو صغيرة في الأطباق والتي من شأنها أن تشبعك بسرعة، ابتكار الأطباق أكثر من رائع والأهم هو أنك لن تفتقد اللحم ولو كنت من أنصار أكله.
ومن ألذ أنواع الشنيتزيل التي يمكن أن تتذوقها في ميونيخ فهي مقدمة في مطعم تشارلز ليندبيرغ Charles Lindberg وقد يكون من أفضل المطاعم التابعة لفندق قريب من المطار.
* الإقامة
اخترنا فندق هيلتون ميونيخ بارك Hilton Munich Park وكما يدل الاسم فيتمتع الفندق بموقع مثالي قريب من الحديقة الإنجليزية وقلب المدينة، يتميز بغرفه وأجنحته الواسعة ويطل مباشرة على قناة الماء، وفيه مركز صحي وهناك عدة أسباب تجعل منه العنوان الأفضل لإقامة السياح المقبلين من منطقتنا العربية، لأنه يقدم كل ما يتناسب مع ثقافتهم واحتياجاتهم مثل خيمة كبيرة فيها جلسات جميلة تقدم الشيشة والمأكولات العربية، كما أنه من الممكن طلب المأكولات اللبنانية إلى الغرف عن طريق خدمة الغرف، ويقدم أيضًا القهوة العربية والتركية، واللحم الذي يستخدم في الأطباق كله حلال.
ويضم الفندق 5484 غرفة وجناحًا وما يميزه هو طريقة توزيعها، حيث من الممكن وصلها ببعضها، وهذا ما يتناسب مع العائلات العربية التي تسافر إلى ألمانيا بغية العلاج، وبالتالي يتحتم عليها البقاء في ميونيخ لمدة طويلة.
* ميونيخ في سطور
* يزيد عدد سكان ميونيخ عن 1.3 مليون نسمة، وهي ثالث مدن ألمانيا من حيث السكان بعد برلين وهمبورغ. تقع على ضفاف نهر أيزر (Isar) شمال جبال الألب البافارية.
تأسست باسمها القديم «مونشن» (دير الرهبان) عام 1158، وتحصنت كمدينة مركزية بعد 50 عامًا من ذلك. في عام 1327 احترقت كلية ميونيخ وأعيد بناؤها بعد عدة سنوات. في القرنين السابع عشر والثامن عشر كبرت ميونيخ ونمت لتصبح واحدة من أكبر مدن أوروبا الغربية، وتحولت إلى مدينة جامعات مهمة ومركزية. فيها أسس هتلر الحركة النازية كما تأسست فيها حركة سرية مناهضة للنازية عام 1942 باسم «السوسنة البيضاء». وقد دُمرت ميونيخ أثناء الحرب العالمية الثانية وأعيد بناؤها بعد الحرب وفق مخطط صارم. شعار مدينة ميونيخ هو «München mag Dich»، أي «ميونيخ تحبك».



سوق البحرين العتيقة... روح البلد وعنوان المقاهي القديمة والجلسات التراثية

سوق المنامة القديم (إنستغرام)
سوق المنامة القديم (إنستغرام)
TT

سوق البحرين العتيقة... روح البلد وعنوان المقاهي القديمة والجلسات التراثية

سوق المنامة القديم (إنستغرام)
سوق المنامة القديم (إنستغرام)

«إن أعدنا لك المقاهي القديمة، فمن يُعِد لك الرفاق؟» بهذه العبارة التي تحمل في طياتها حنيناً عميقاً لماضٍ تليد، استهل محمود النامليتي، مالك أحد أقدم المقاهي الشعبية في قلب سوق المنامة، حديثه عن شغف البحرينيين بتراثهم العريق وارتباطهم العاطفي بجذورهم.

فور دخولك بوابة البحرين، والتجول في أزقة السوق العتيقة، حيث تمتزج رائحة القهوة بنكهة الذكريات، تبدو حكايات الأجداد حاضرة في كل زاوية، ويتأكد لك أن الموروث الثقافي ليس مجرد معلم من بين المعالم القديمة، بل روح متجددة تتوارثها الأجيال على مدى عقود.

«مقهى النامليتي» يُعدُّ أيقونة تاريخية ومعلماً شعبياً يُجسّد أصالة البحرين، حيث يقع في قلب سوق المنامة القديمة، نابضاً بروح الماضي وعراقة المكان، مالكه، محمود النامليتي، يحرص على الوجود يومياً، مرحباً بالزبائن بابتسامة دافئة وأسلوب يفيض بكرم الضيافة البحرينية التي تُدهش الزوار بحفاوتها وتميّزها.

مجموعة من الزوار قدموا من دولة الكويت حرصوا على زيارة مقهى النامليتي في سوق المنامة القديمة (الشرق الأوسط)

يؤكد النامليتي في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن سوق المنامة القديمة، الذي يمتد عمره لأكثر من 150 عاماً، يُعد شاهداً حيّاً على تاريخ البحرين وإرثها العريق، حيث تحتضن أزقته العديد من المقاهي الشعبية التي تروي حكايات الأجيال وتُبقي على جذور الهوية البحرينية متأصلة، ويُدلل على أهمية هذا الإرث بالمقولة الشعبية «اللي ما له أول ما له تالي».

عندما سألناه عن المقهى وبداياته، ارتسمت على وجهه ابتسامة وأجاب قائلاً: «مقهى النامليتي تأسس قبل نحو 85 عاماً، وخلال تلك المسيرة أُغلق وأُعيد فتحه 3 مرات تقريباً».

محمود النامليتي مالك المقهى يوجد باستمرار للترحيب بالزبائن بكل بشاشة (الشرق الأوسط)

وأضاف: «في الستينات، كان المقهى مركزاً ثقافياً واجتماعياً، تُوزع فيه المناهج الدراسية القادمة من العراق، والكويت، ومصر، وكان يشكل ملتقى للسكان من مختلف مناطق البلاد، كما أتذكر كيف كان الزبائن يشترون جريدة واحدة فقط، ويتناوبون على قراءتها واحداً تلو الآخر، لم تكن هناك إمكانية لأن يشتري كل شخص جريدة خاصة به، فكانوا يتشاركونها».

وتضم سوق المنامة القديمة، التي تعد واحدة من أقدم الأسواق في الخليج عدة مقاه ومطاعم وأسواق مخصصة قديمة مثل: مثل سوق الطووايش، والبهارات، والحلويات، والأغنام، والطيور، واللحوم، والذهب، والفضة، والساعات وغيرها.

وبينما كان صوت كوكب الشرق أم كلثوم يصدح في أرجاء المكان، استرسل النامليتي بقوله: «الناس تأتي إلى هنا لترتاح، واحتساء استكانة شاي، أو لتجربة أكلات شعبية مثل البليلة والخبيصة وغيرها، الزوار الذين يأتون إلى البحرين غالباً لا يبحثون عن الأماكن الحديثة، فهي موجودة في كل مكان، بل يتوقون لاكتشاف الأماكن الشعبية، تلك التي تحمل روح البلد، مثل المقاهي القديمة، والمطاعم البسيطة، والجلسات التراثية، والمحلات التقليدية».

جانب من السوق القديم (الشرق الاوسط)

في الماضي، كانت المقاهي الشعبية - كما يروي محمود النامليتي - تشكل متنفساً رئيسياً لأهل الخليج والبحرين على وجه الخصوص، في زمن خالٍ من السينما والتلفزيون والإنترنت والهواتف المحمولة. وأضاف: «كانت تلك المقاهي مركزاً للقاء الشعراء والمثقفين والأدباء، حيث يملأون المكان بحواراتهم ونقاشاتهم حول مختلف القضايا الثقافية والاجتماعية».

عندما سألناه عن سر تمسكه بالمقهى العتيق، رغم اتجاه الكثيرين للتخلي عن مقاهي آبائهم لصالح محلات حديثة تواكب متطلبات العصر، أجاب بثقة: «تمسكنا بالمقهى هو حفاظ على ماضينا وماضي آبائنا وأجدادنا، ولإبراز هذه الجوانب للآخرين، الناس اليوم يشتاقون للمقاهي والمجالس القديمة، للسيارات الكلاسيكية، المباني التراثية، الأنتيك، وحتى الأشرطة القديمة، هذه الأشياء ليست مجرد ذكريات، بل هي هوية نحرص على إبقائها حية للأجيال المقبلة».

يحرص العديد من الزوار والدبلوماسيين على زيارة الأماكن التراثية والشعبية في البحرين (الشرق الأوسط)

اليوم، يشهد الإقبال على المقاهي الشعبية ازدياداً لافتاً من الشباب من الجنسين، كما يوضح محمود النامليتي، مشيراً إلى أن بعضهم يتخذ من هذه الأماكن العريقة موضوعاً لأبحاثهم الجامعية، مما يعكس اهتمامهم بالتراث وتوثيقه أكاديمياً.

وأضاف: «كما يحرص العديد من السفراء المعتمدين لدى المنامة على زيارة المقهى باستمرار، للتعرف عن قرب على تراث البحرين العريق وأسواقها الشعبية».