وجهت منظمات أممية انتقادات واسعة إلى السلطات الإيرانية، بسبب الحكم على الناشطة الإيرانية نرجس محمدي، وإصدار أحكام قاسية بحق الناشطين والصحافيين في إيران. واستهجنت المفوضية السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان الحكم الصادر بحق الناشطة، ومساعدة رئيسة مجمع مدافعي حقوق الإنسان في إيران نرجس محمدي، مطالبة بإطلاق سراحها فورا.
ووصف بيان للأمم المتحدة أول من أمس القرار الصادر من «محكمة الثورة» بالسجن 16 عاما على محمدي بـ«المحير» وأفادت المفوضية بأن محمدي تتحمل عقوبة السجن بسبب نشاطها «الشجاع» في مجال حقوق الإنسان.
كما انتقدت المفوضية حرمان محمدي من تلقي العلاج وتجاهل حالتها الصحية منذ أشهر في سجن أفين. وعدّت المفوضية السامية للأمم المتحدة القرار الصادر بحق محمدي دليلا على عودة ضغوط السلطات الإيرانية بحق ناشطي حقوق الإنسان.
هذا وكانت محمدي اعتقلت في الخامس من مايو (أيار) 2015، بعد يوم من تقديمها طلب محاكمة علنية، عقب إدانتها بستة أعوام في سبتمبر (أيلول) 2011. وكانت السلطات أفرجت عن محمدي في 2002، بعد إصابتها بالشلل الجزئي.
قبل عام، انتقدت محمدي الرئيس الإيراني بسبب تخلي الإدارة الإيرانية عن وعود حماية ناشطي المجتمع المدني، قائلة: «روحاني دعا ناشطين لإحياء المجتمع المدني، وعندما استجابوا لدعوته وجدوا أنفسهم في السجون».
وبشأن الحكم الصادر على محمدي، قال الناشط المدني وزوج الناشطة الإيرانية، تقي رحماني، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إن الحكم «غير عادل ومن جانب واحد»، وتابع: «محاكمة نرجس محمدي هي في الواقع محاكمة للمجتمع المدني وناشطي حقوق الإنسان على يد السلطات». وأضاف رحماني أن الحكم «يعاني من إشكالات حتى وفق الدستور الإيراني».
ويصدر الحكم الجديد بحق الناشطة المدنية بالسجن 10 سنوات إضافية، بتهمة تأسيس «حملة لجام لحذف أحكام الإعدام بصورة تدريجية» وفي هذا الإطار ذكر رحماني أن القاضي أبو القاسم صلواتي «بدلا من كشف الحقيقة عمل على تزييف الحقائق؛ لأنها لم تكن مؤسسة ومديرة الحملة».
ويعد أبو القاسم صلواتي من بين أشهر القضاة في إيران الذين أصدروا أحكاما قاسية ضد الصحافيين والناشطين السياسيين في السنوات السابقة، وبحسب التقارير الإيرانية فإن صلواتي قد حاكم حتى الآن 600 ناشط وصحافي وسياسي في إيران، وهو من بين 32 مسؤولا إيرانيا على لائحة العقوبات الدولية منذ أبريل (نيسان) 2011، بسبب دوره الواسع في انتهاكات حقوق الإنسان.
وأشار رحماني إلى دعوة مسؤولين إيرانيين لإمكانية حذف أحكام الإعدام في بعض القضايا، مثل الاتجار بالمخدرات، والتي وردت مؤخرا على لسان رئيس لجنة حقوق الإنسان التابعة للسلطة القضائية الإيرانية، محمد جواد لاريجاني، بينما تحاكم السلطات ناشطين بسبب دعواتهم لحذف الإعدام.
وعن التهم التي تواجه الناشطة محمدي، التي تتحول تدريجيا إلى رمز من رموز الصمود في معركة الناشطين مع السلطة الإيرانية، ذكر رحماني أنه من بين «الأخطاء الفادحة التي وقع فيها القاضي خلطه بين الحملة والمؤسسة. وبسبب هذا الخطأ وفقا للمادة 498 من قانون الجزاء الإيراني، تتحمل نرجس محمدي 10 سنوات بتهمة تأسيس حملة مدنية لم تكن مسؤولة عنها»، موضحا أن «لجام حملة مدنية وليست مؤسسة، ولا تملك هيئة إدارية».
بدورها وصفت منظمة العفو الدولية الحكم الصادر ضد محمدي، التي تعاني من مشكلات صحية، بـ«الصادم»، وقالت المنظمة إن الحكم «يمثل عدوانا شاملا على المدافعين عن حقوق الإنسان في إيران» ويبين كيف يستخدم الجهاز القضائي الذي ينتهك الحقوق في إيران كأداة للقمع.
وقال فيليب لوثر، مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بمنظمة العفو الدولية، إن الحكم على محمدي «مثال آخر مفزع لاستخدام إيران التهم الغامضة الصياغة المتعلقة بالأمن الوطني، للانقضاض على حرية التعبير السلمي، ولا شك أنها تعاقب عقابا جائرا بسبب التزامها بحقوق الإنسان وثباتها عليها. وقد كشفت السلطات عن عزمها على إسكات المدافعين عن حقوق الإنسان بلا رحمة، وبث الخوف في نفوس من يفكرون في انتقاد سياساتها».
وأضاف لوثر أنه «شيء مخز أن تعامل السلطات الإيرانية مدافعة بارزة عن حقوق الإنسان وكأنها مجرمة، على الرغم مما تحظى به من تقدير بوصفها نبراسا للأمل، كما أن هذه المعاملة تكشف أن موقف السلطات من حقوق الإنسان
ليس إلا كلاما معسولا، ولا معنى له على الإطلاق، وأن السلطات تكن ازدراء شديدا للمبادئ الأساسية للعدالة. إن نرجس محمدي سجينة رأي، وينبغي على السلطات الإيرانية أن تفرج عنها فورا دون قيد أو شرط، وأن تلغي الإدانة الصادرة بحقها».
وبينما أدانت منظمة «مراسلون بلا حدود» بشدة الحكم الصادر ضد محمدي، طالبت الرئيس الإيراني بالخروج عن صمته تجاه قمع الناشطين المدنيين «على الرغم من تحكم خامنئي بمسار القضاء في إيران» وذكرت المنظمة في بيانها أن «مسار المحكمة كان غير سليم، وتحت تأثير المخابرات والحرس الثوري».
في هذا الصدد، قال أمين عام منظمة «مراسلون بلا حدود»، كريستف دولوار: «محمدي بطلة حرية المعلومة وفخر للصحافة والدفاع عن الحريات» وأضاف دولوار أن الحكم الصادر بحق محمدي «دليل على افتقار القضاء الإيراني للعدالة».
من جانبه، أعرب رحماني عن استغرابه من إدانة محمدي بحسب المادة 610 بتهمة التآمر والتجمع والدعاية ضد النظام، مضيفا أن ذلك يعارض حرية التعبير ووعود روحاني، ودعوته الناشطين إلى نقد المنشور المدني الذي نشره. وصرح رحماني بأن الناشطة انتقدت المنشور بعدما دعا روحاني الناشطين إلى نقده.
وفي إشارة إلى احتجاجات مدنية شهدتها إيران ضد رش المواد الحارقة على وجوه نساء من قبل جماعات متطرفة، ذكر رحماني أن زوجته «أدينت بسبب دعوتها إلى التجمهر أمام البرلمان الإيراني، لمطالبة البرلمانيين بمناقشة العنف ضد النساء في الشارع الإيراني علي يد مجهولين». ولفت رحماني إلى أن لقاء المنسقة السابقة للسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، كاترين أشتون مع نرجس محمدي (بعد تنسيقها مع الخارجية الإيرانية) كان من جملة قضايا ساهمت في إصدار العقوبة الثقيلة بحق الناشطة الإيرانية.
كذلك، أوضح رحماني أن من جملة «الجرائم» التي ذكرتها المحكمة في الحكم الصادر، دفاع محمدي عن ناشطين سُنة لمنع إعدامهم، بعد محاكم غير عادلة. هذا وكان حميد رضا محمدي، شقيق الناشطة الإيرانية، قد كشف في أغسطس (آب) الماضي، أنها واجهت تهما بالتعاون مع «داعش» بسبب معارضتها «إعدام أهل السنة، وطلبها الإنصاف والعدالة في المحاكم من قبل المراجع القضائية».
من جانب آخر، شدد رحماني على أن في الوقت الذي يشتعل فيه الصراع السياسي بين التيارات السياسية في إيران، يزداد ضغط السلطات على ناشطي المجتمع المدني والمجاميع المستقلة خارج حلقة النظام. وشرح رحماني أن صراع رئيس السلطة القضائية صادق لاريجاني، مع الرئيس الإيراني حسن روحاني، ينعكس سلبيا من خلال تضاعف الضغوط على الناشطين المدنيين والسياسيين، موضحا أن «عقاب هؤلاء لا يكلف النظام كثيرا». وشدد رحماني على أن الناشطين في إيران يحاكمون وفق قانون الجزاء الإيراني بتهم «الجرائم السياسية»، في حين أن مطالبهم المدنية لا تسيء لأحد من رموز النظام، ولا تدعو إلى الإطاحة به، إنما يطالبون بأوضاع أفضل من الحالية.
انتقادات دولية واسعة ضد طهران بعد الحكم بسجن ناشطة 16 عامًا
منظمات طالبت روحاني بالخروج عن صمته تجاه الانتهاكات
انتقادات دولية واسعة ضد طهران بعد الحكم بسجن ناشطة 16 عامًا
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة