في عالم التسوق، توجد معالم نستدل ونستشهد بها، ويمكن أن تبقى عالقة في أذهاننا مدى العمر، لأنها ترتبط إما بأيام الطفولة أو بمناسبة سعيدة مرت علينا في مرحلة الصبا أو الشباب. من هذه المعالم، نذكر محلات «سيلفريدجز» و«هارودز» بلندن، و«لافايت» و«برانتون» بباريس، و«نيمان ماركوس» و«فيفث أفينيو» بنيويورك، وغيرها من المحلات المهمة في باقي عواصم العالم.
مدينة جدة أيضًا تفتخر بـ«رباعياتها»، التي يعود تاريخها لعام 1984 وتضم مئات الماركات العالمية، إلى جانب توفيرها أماكن بارزة لمصممين صاعدين يتوقون لحفر أسمائهم وترسيخ مكانتهم في عالم متغير. لكن وراء هذه الأماكن دائمًا قصصًا كتبها أشخاص ملهمون ومؤثرون في الوقت ذاته، يتمتعون برؤية متميزة وخاصة. فـ«رباعيات» جدة، التي أسسها كل من عبد الله بن زقر وزوجته وفاء ابار، مثلاً، لا تُعنى بمجال الموضة فحسب، بل أيضًا بمجالات ثقافية ومشاريع صحية واجتماعية ونسائية، بحكم أن وفاء ابار، الحائزة على جائزة سيدة أعمال عام 2010، ترى أن توفير آخر صيحات الموضة العالمية للسوق المحلية وحدها لا تكفي من دون دعم الجانبين الإنساني والاجتماعي، وهذا ما يفسر أن نسبة 40 في المائة من العاملين في «رباعيات» من الجنس اللطيف.
ومع ذلك من الخطأ القول إن دافعها هنا عاطفي محض، بقدر ما هو استثمار بعيد المدى. نفس هذا المنطق المبني على بعد نظر، تطبقه من خلال حرصها على منح مصممات صاعدات فرصة لاستعراض قدراتهن وإطلاق العنان لمخيلتهن، ولا شك أن هذا كان واحدًا من بين أهم أهداف تعاونها الأخير مع مجلة «فوغ» النسخة الإيطالية. تعاون أثار كثيرًا من الانتباه إلى جدة كمركز موضة، و«رباعيات» كواحد من أهم المتاجر التي تحتضن أسماء محلية وعربية تستحق تسليط الأضواء عليها، إذ إن لوفاء ابار أيادي بيضاء على كثير من المصممات الشابات العربيات تحديدًا، عندما فتحت لهن أبواب «رباعيات» وهن في بداية الطريق. وأثبتت مع الوقت أن نظرتها ثاقبة وحسها قوي، بدليل أن أغلبهن حققن نجاحات لا يستهان بها على المستويين المحلي والعالمي، مثل ناتالي تراد، وساندرا منصور، وروزان نشارا، وتركي جاد الله، ومديحة الشرقي، وليلى بشارة، ونسيبة حافظ، وأسماء كثيرة أخرى.
تعاونها مع مجلة «فوغ» الإيطالية، يصب في نفس خانة التعريف بمصممات من المنطقة العربية، كما يتزامن مع مرور 36 سنة على تأسيس «رباعيات». تقول وفاء ابار في لقاء خاص أجرته معها «الشرق الأوسط» إن «تجربة (فوغ إيطاليا) تأتي جزءًا من احتفالاتنا بهذه المناسبة، وبمثابة رد جميل لمجتمع ندين له بالفضل في نجاحنا، بتسليط الضوء على مصممات سعوديات موهوبات وإتاحة الفرصة لهن للتعبير عن ابتكاراتهن على مستوى عالمي».
عندما تناهى خبر توسيع «فوغ إيطاليا» خريطة نشاطاتها من دبي إلى جدة أول مرة، أثار كثيرًا من الاهتمام والآمال في الوقت ذاته. فالغرب لا يعرف عن السوق السعودية سوى أنها تعشق الموضة وتُحرك سوقها بشكل يُثلج الصدر، ولم يعرفها إلى الآن منتجة ومُبدعة في مجالها. من جهة أخرى، كانت هذه أيضًا فرصة أمام مصممات شابات لكي يُعرفن بأنفسهن وتصاميمهن من خلال منبر معروف ومُجرب.
وهذا تحديدًا ما كانت ترمي إليه وفاء ابار منذ البداية. فقد انتبهت إلى أن ما تفتقده المصممات السعوديات هو منبر يستعرضن فيه ابتكاراتهن، فوضعت هذا نصب أعينها وكلها أمل على تغيير الوضع وخلق فرص تُمكنهن من بدء مسيرتهن العملية بسلاسة أكبر، انطلاقًا من قناعتها بأن «السعودية تحتضن مصممات قادرات على الابتكار وعلى طرح منتجاتهن بانتظام، وبالتالي فإن كل ما يحتجنه هو تعبيد الطريق أمامهن». وتضيف أن «ما يُحسب لهن أن الجيل الجديد منهن يعتمدن على ثقافتهن ويستوحين من تراثهن السعودي الغني، وهذا ما يجعل تصاميمهن مثيرة».
كسيدة أعمال، تفهم وفاء ابار جيدًا أن نجاح المصمم لا يعتمد على خصوبة الخيال أو القدرة على الابتكار وحدهما، بل أيضًا على الجانب التجاري الذي تعتبره المحرك للاستمرارية. لا تُنكر بأن التوعية بأهمية هذا الجانب قد تستغرق بعض الوقت، إلا «أن السعوديات سريعات التعلم واستيعاب الجوانب المالية»، مستشهدة بقدرتهن على ابتكار فرص التسويق والترويج لأنفسهن. «في عالم اليوم، بادر معظمهن لركوب موجة التكنولوجيا، وأصبحن يُروجن ويبعن ابتكاراتهن عبر وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة، مثل إنستغرام، وهذا وحده يؤكد أنهن يُطبقن خطة عمل جيدة ومدروسة»، مشيرة إلى أن «بعضهن بدأن من الصفر وأصبحن مشهورات في العالم العربي، فيما وصلت بعضهن إلى الأسواق العالمية». المشكلة بالنسبة لها لا تكمن في تعلم أساسيات التجارة والتسويق، بل في الحاجة لإدراك أن النجاح المستدام لا يتحقق سوى من خلال الاستثمار على المدى الطويل وليس القريب.
وقد يكون تسرع البعض النجاح ما يُقلق وفاء ابار، رغم إيمانها القوي بقدرات المصممات السعوديات لما «يتمتعن به من خبرة تمكنهن من تلمس احتياجات السوق المحلية ورغبات وأذواق العملاء في المملكة». احتياجات هذا الزبون وتطلعاته تعرفها ابار جيدًا وتركز عليها في «رباعيات» التي تحتضن حاليًا مئات الأسماء العالمية مثل جيورجيو أرماني، ودولتشي أند غابانا، وبريوني، وزينيا، وغوتشي وغيرها، إلى جانب أسماء مصممين شباب مثل أنطونيو براردي، وبيتر بيلوتو، وصوفي هيوم، وطبعًا أسماء محلية منتقاة بعناية. فالتوسعات التي تقوم بها المجموعة باستمرار تستوعب الكل، وإن كانت مدروسة تأخذ بعين الاعتبار اهتمامات المتسوق السعودي بالموضة وبجديدها. فبالإضافة إلى ما توفره له من منتجات لا مثيل لها، تُتحفه أيضًا بالديكورات المبتكرة والتسهيلات التي يتوق إليها، لأن التجربة تؤكد أن كل ما كانت تحتاجه العملية لإرضاء هذا المتسوق واستقطابه هي محلات يشم بين جوانبها رائحة الأناقة، وتدعوه، بديكوارتها وأجوائها، إلى أن يستمتع بالتسوق كتجربة، فتنسيه إلى حد ما، فكرة أن التسوق خارج المملكة ألذ وأكثر متعة وتنوعًا.
* شاركت في فعالية «فوغ إيطاليا» بجدة 10 مصممات هن:
أروى البنوي وأتوليير وبدوية وتشارمالينا ودانة وفيونكة وشركة هال وهيفاء فهد ومشاعل الراجحي ونورة الدامر.. وفازت شادور السعودية لمصممتها نورة الدامر بالمركز الأول علمًا أنها تقيم حاليًا في نيويورك وأطلقت ماركة شادور السعودية في عام 2013