في سياق الاستعدادات للانتخابات الرئاسية، أجرت الحكومة الأفغانية ترتيبات أمنية خاصة بتأمين مرشحي الانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها في الخامس من أبريل (نيسان) المقبل 2014، حيث خصصت 35 جنديا مسلحا لحماية كل مرشح، لكن هذا القرار نزع أي إحساس بالأمن في المجتمع الأفغاني بشأن الانتخابات الرئاسية القادمة. وتوقعت وسائل إعلام وناشطون سياسيون ومراقبون أجانب أن تشهد الأيام التي تسبق الانتخابات الرئاسية أعمال عنف. وقد حذر مقاتلو طالبان من أنهم سيستهدفون المرشحين الرئاسيين ويرتكبون المزيد من أعمال العنف خلال الأيام التي ستسبق عملية الاقتراع.
كانت الجماعة المتشددة قد رفضت عروض المصالحة التي قدمتها الحكومة خلال الأشهر القليلة الماضية، وأعلنت في كثير من المناسبات رفضها أي شكل من أشكال الديمقراطية، وطالبت عوضا عن ذلك بفرض الشريعة الإسلامية في المجتمع الأفغاني. وتوعدت حركة طالبان بحملة من العنف لعرقلة العملية الانتخابية التي ستجري في 5 أبريل المقبل، ودعت مقاتليها إلى مهاجمة موظفي مراكز الاقتراع والناخبين وقوات الأمن قبل يوم الانتخابات. كما نفذت سلسلة هجمات دامية في الأشهر الماضية استهدفت خصوصا الأماكن التي يرتادها الأجانب.
ومنذ بداية الحملة الانتخابية في الثاني من فبراير (شباط) الماضي، أعلنت وسائل الإعلام الأفغانية ومراقبو الانتخابات عن سبع محاولات اغتيال والعديد من حوادث العنف المتعلقة بالانتخابات في المناطق الريفية. كان آخر الهجمات التي نفذتها طالبان أفغانستان الهجوم المسلح على فندق «سيرينا» الفخم في كابل والذي أدى إلى مقتل تسعة أشخاص على الأقل. ويرتاد الفندق دبلوماسيون أجانب وعمال منظمات دولية وشخصيات أفغانية بارزة.
وشن مسلحون تابعون لحركة طالبان أمس هجوما انتحاريا استهدف مكتبا للجنة الانتخابية في العاصمة كابل، مما أدى إلى مقتل شرطيين اثنين، كما دارت مواجهات بين قوات الأمن الأفغانية قرب مكتب للجنة الانتخابية المستقلة في منطقة دارلمان غرب العاصمة الأفغانية لأكثر من أربع ساعات. ووقع الهجوم بالقرب من منزل أشرف غني، الذي يعد من أبرز المرشحين لخلافة الرئيس حميد كرزاي. وقال أحد أعضاء حملة غني، إن المرشح الخبير الاقتصادي السابق في البنك الدولي لم يكن في كابل وقت وقوع الانفجار، إذ كان يقوم بحملة انتخابية في ولاية باكيتا شرق البلاد. وأبلغت قوات الأمن اللجنة بأن مكتبها قد يستهدف في الهجمات.
ويعتقد الخبراء الأمنيون أن تهديد طالبان باستهداف المرشحين الرئاسيين ينبغي أن يؤخذ على محمل الجد، وأن هذا يتوقع أن يعرقل العملية الانتخابية ككل. ويبدي ثلاثة من بين أبرز المرشحين الرئاسيين، عبد الله عبد الله وزير الخارجية السابق، وزلماي رسول الشخصية السياسية البارزة في المجتمع الأفغاني، وأشرف غني وزير المالية السابق في حكومة كرزاي، عداء واضحا لطالبان. ويقول مراقبون مستقلون في كابل إن توالي الهجمات يكشف زيف الادعاءات الحكومية بقدرتها على توفير الأمن في البلاد خلال الانتخابات الرئاسية.
وفي حال شابت الانتخابات المقبلة حملة دموية فإن ذلك سيثير شكوكا حول تأكيدات المانحين الدوليين أن التدخل المكلف في أفغانستان نجح في خلق دولة فعالة. وتستعد قوات الحلف الأطلسي القتالية بقيادة الولايات المتحدة للانسحاب من أفغانستان بعد 13 عاما من القتال ضد التمرد الذي اندلع بعد الإطاحة بنظام طالبان من الحكم في أعقاب هجمات 11 سبتمبر (أيلول). وتوترت العلاقات بين كرزاي وواشنطن بشكل كبير بسبب قرار الرئيس الأفغاني عدم التوقيع على اتفاق يتعلق بإبقاء قوة أميركية صغيرة في بلاده بعد 2015 للقيام بمهمات لمكافحة الإرهاب وتدريب القوات الأفغانية. وتضم قائمة المرشحين البارزين الآخرين إضافة إلى غني، كلا من عبد الله عبد الله الذي جاء في المرتبة الثانية في انتخابات الرئاسة 2009، ووزير الخارجية السابق زلماي رسول.
بيد أن توالي العنف لا يعني أن الحكومة الأفغانية لم تتخذ التدابير الأمنية الملائمة خلال الانتخابات. وقال المتحدث باسم وزير الداخلية الأفغاني، محمد نجيب، إن الحكومة مستعدة بشكل كامل لتنظيم انتخابات حرة ونزيهة. وأكد على أن نحو 400.000 جندي وشرطي أفغاني مستعدون للانتشار في البلاد لردع أي تهديد للعملية الديمقراطية.
ووصف المتحدث تهديد طالبان باستخدام العنف بأنه لا يعدو كونه نوعا من الدعاية، قائلا إن الحكومة الأفغانية متيقظة، وإن مثل هذه التحركات لن تثنيها عن إجراء الانتخابات. وأضاف أن هناك أربع مناطق فقط في أفغانستان هي التي تواجه تهديدا أمنيا جديا، لكن الحكومة اتخذت خطوات للتعامل مع هذا التحدي.
وخلال شهادته أمام لجنة الخدمات المسلحة في واشنطن الأسبوع الماضي، حذر قائد القوات الأميركية في أفغانستان الجنرال جوزيف دانفورد من الارتفاع في أعمال العنف المتعلقة بالانتخابات، لكنه قال إن القدرة المادية للقوات الأمنية الأفغانية كافية للتعامل مع التحدي الأمني. وقال دانفورد «ما من شك يخامرني في أننا نعلم هذا سواء عن طريق المعلومات الاستخبارية أو عن طريق المصادر العلنية، من أن التمرد يركز على تعطيل الانتخابات في عام 2014، وركز على سحق روح وإرادة القوات الأفغانية في عام 2014، لأنهم يعتقدون أننا سنغادر بنهاية 2014، التي يعتقدون أنها ستكون سنة حاسمة للغاية. ولذا، نتوقع أن نرى هجمات واسعة النطاق لصنع إحساس بانعدام الأمن».
ويعتقد خبراء الأمن أنه على الرغم من حقيقة أن تهديد طالبان للعملية الانتخابية قائم ووشيك للغاية، فإن العنف خلال الحملات الانتخابية يتوقع أن يظل داخل نطاق السيطرة. ففي انتخابات 2009 البرلمانية عندما شنت طالبان هجمات ضد الانتخابات البرلمانية المدعومة من الولايات المتحدة، لم تسفر هذه الهجمات سوى عن مصرع 31 مدنيا و26 شرطيا خلال يوم الاقتراع.
شملت إحصاءات القتلى هذه الأشخاص الذين قتلوا في الهجمات التي شنتها طالبان والذين سقطوا ضحية العنف بين الجماعات والأحزاب المتنافسة في الانتخابات. هذه المرة تشكل طالبان تهديدا محددا للعملية الانتخابية، فقالت في بيان لها عبر الإنترنت «أصدرنا أوامرنا للمجاهدين باستخدام القوة في مناطقهم لتعطيل هذه الانتخابات المخزية - باستخدام كل العاملين والناشطين والمصوتين والضباط وأفراد الأمن. إنها فريضة على كل أفغاني أن يؤدي واجبه لإفشال أحدث مؤامرات الغزاة التي تتخفى في زي انتخابات».
ويعتقد خبراء أفغان ودوليون أن الاختبار الحقيقي الذي يواجه الحكومة الأفغانية بشأن القضية الأمنية سيلوح عندما تبدأ القوات الأميركية في الانسحاب من أفغانستان في عام 2014. وقد وردت تقارير متضاربة بشأن توقيع اتفاق أمني بين الولايات المتحدة وأفغانستان تسمح بتمركز عدة آلاف من الجنود الأميركيين في المدن الكبرى وحولها للمشاركة في عمليات مواجهة الإرهاب والتمرد.
ويرى خبراء الأمن الإقليمي والعسكري أن الحرب في أفغانستان لن تحقق نتائجها دون مساعدة أمنية أميركية. ويمكن للمساعدات الأمنية الأميركية أن تأتي في صورتين، الأولى هي تمركز وحدات القوات الأميركية في مواقع محددة في أفغانستان لتنفيذ عمليات ومكافحة الإرهاب ومكافحة التمرد. والثاني استمرار واشنطن في ضخ مليارات الدولارات لتمويل الآلة العسكرية الأفغانية الجديدة. ويريد المخططون الأميركيون من القوات الأمنية الأفغانية الوليدة تحمل المسؤولية الأمنية في أنحاء واسعة من المناطق الريفية الأفغانية، في الوقت الذي تترك فيه المناطق التي ستدور فيها معارك مكافحة الإرهاب إلى القوات الأميركية الخاصة.
ويرى خبراء السياسة الأفغان أن الرئيس الأفغاني حميد كرزاي لم يضع في حسبانه تلك الحقائق المتعلقة بالموقف الأمني في أفغانستان، عندما رفض في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي توقيع الاتفاقية الأمنية الثنائية مع واشنطن على الرغم من توصيات لجنة من شخصيات بارزة في الحكومة الأفغانية بضرورة توقيع الاتفاق قبل نهاية العام.
وقد أصرت الإدارة الأميركية على ضرورة توقيع كابل وواشنطن الاتفاقية الأمنية الثنائية قبل نهاية العام، وحذرت من أن الوجود العسكري الأميركي بعد عام 2014 ربما يواجه تهديدا ما لم تتم الموافقة على المعاهدة. وقد طالب وزير الخارجية الأميركي جون كيري، ووزير الدفاع تشاك هيغل، بضرورة توقيع الاتفاقية بنهاية العام.
ويتفق الخبراء العسكريون المحليون مع الرأي الذي عبر عنه الكثيرون بأن القوات الأمنية الأفغانية لن تتمكن من تحمل المسؤولية الأمنية كاملة في أفغانستان، بالنظر إلى حقيقة أن الجنود الأفغان يعانون من قلة التدريب، ناهيك عن العدد الكبير من عمليات الهروب في صفوف المجندين والتي تعد الأعلى في العالم. لكن الرئيس الأفغاني لا يرى أن توقيع المعاهدة الأمنية الثنائية، التي تسمح للقوات الأميركية بالاحتفاظ بقوات خاصة في مناطق مختلفة أفغانستان، من منظور أمني. بل طلب تأجيل التوقيع إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية في أبريل.
ويجمع غالبية المحللين في كابل على التقييم الذين يرى أن علاقات الرئيس الأفغاني بواشنطن يشوبها التوتر والقلق، نتيجة لرفض الإدارة الأميركية مساندته في الانتخابات الرئاسية الأخيرة المثيرة للجدل. وكانت وسائل الإعلام الأميركية قد وجهت انتقادات لاذعة لكرزاي على فوزه في الانتخابات الرئاسية عبر وسائل غير نزيهة. ونقلت وسائل الإعلام الأميركية عن مسؤولين أميركيين ما نقلوه عن المعارضة الأفغانية بأن الرئيس كرزاي فاز بالانتخابات عبر وسائل غير نزيهة.
وقال محلل سياسي بارز يقيم في كابل، طلب عدم ذكر اسمه «عدم توقيع الرئيس كرزاي للاتفاقية الأمنية الثنائية يعني رغبته في الاحتفاظ بمزيد من السلطات في يده لمنع الأميركيين مما فعلوه في الانتخابات الرئاسية عام 2009».
حميد كرزاي ممنوع من دخول الانتخابات الرئاسية لفترة ثالثة على التوالي، لكنه يؤيد مرشحين بأعينهم في الانتخابات. ويرى غالبية المحللين أن حميد كرزاي له مصلحة في التأثير على نتائج الانتخابات المزمع إجراؤها في أبريل المقبل. ويبدي المخططون العسكريون الأميركيون قلقا بشأن التأخر في توقيع الاتفاقية الأمنية، والذي يرون أنه قد يتسبب في فراغ قانوني، ليترك القوات الأميركية دون سند قانوني في البلاد قرابة عشر سنوات لتدريب والإشراف على القوات الأفغانية التي لا تزال تفتقر إلى التدريب في مواجهة تمرد طالبان.
ويرى المسؤولون العسكريون الباكستانيون أن انسحاب القوات الأميركية من أفغانستان سيؤدي لمستقبل مثير للشكوك إلى حد بعيد. فيقول مسؤول عسكري رفيع المستوى في إسلام آباد إن «نتيجة الحرب في أفغانستان لن تكون انتصارا أو هزيمة بالنسبة للقوات الأميركية.. وإن الانتصار الصريح غير ممكن لأن القوات الأميركية لم تتمكن من تحقيق أي من النتائج التي كان متوقعة مثل تحييد طالبان وإقامة حكومة أفغانية مستدامة، وتطوير اقتصاد أفغاني قوي، أو إقامة بيئة أمنية إقليمية مستقرة».
من ناحية أخرى، لا يتوقع أن تواجه القوات الأميركية هزيمة صريحة نتيجة الموقف العسكري الحالي السائد في أفغانستان. فيرى الخبراء العسكريون أن طالبان لن تتمكن عسكريا من هزيمة القوات الأميركية في أفغانستان. ويقول مسؤول عسكري باكستاني بارز «على مدى السنوات العشر الماضية ركزت الولايات المتحدة وحلفاؤها على النتائج الثابتة مثل القضاء على طالبان أو إنشاء حكومة أفغانية مركزية، وفشلوا في تحقيق أي من هذين الهدفين».
كانت الحرب الأفغانية قد شهدت أربع مراحل مميزة، المرحلة الأولى كانت حملات القصف الجوي التي أعقبت هجمات الحادي عشر من سبتمبر. والمرحلة الثانية اتحاد وحدات القوات الأميركية الخاصة مع قوات التحالف الشمالي التي أسقطت نظام طالبان بنهاية ديسمبر (كانون الأول) 2001. وكانت المرحلة الثالثة التحول إلى القوات العامة التي بدأت بعد إنشاء الجيش الأميركي مواقع عسكرية في المدن الرئيسة مثل كابل وقندهار. والمرحلة الرابعة عودة القوات الأميركية إلى عمليات مكافحة التمرد التي بدأت في أعقاب تمرد طالبان الذي شمل جنوب أفغانستان.
كانت أبرز ملامح إخفاق الوجود الأميركي في أفغانستان هي عدم قدرة أميركا على إقامة بنية دولة مركزية يمكن الاعتماد عليها في تولي مسؤولية الحكم في المناطق الأفغانية. وعلى الرغم من ضخ واشنطن مليارات الدولارات في الاقتصاد الأفغاني ومؤسسات الدولة، فقد ظلت قدرات الدولة الأفغانية على الحكم محدودة للغاية. وقد أدى ذلك إلى حالة من الإحباط بين الجيش الأميركي والمسؤولين المدنيين المقيمين في أفغانستان تجاه حكومة كرزاي، الذي أصيب هو الآخر بخيبة أمل تجاه المسؤولين الأميركيين ولم يفوت مناسبة واحدة دون توجيه انتقادات لاذعة للإدارة الأميركية والجيش الأميركي بسبب استهداف المدنيين في العمليات العسكرية.
هذه الشكوك التي تحيط بأفغانستان انعكست في الخطاب الأخير للرئيس حميد كرزاي، والذي رفض فيه المطالب بتوقيع الاتفاقية الأمنية الثنائية مع واشنطن. وقال كرزاي، في خطابه أمام المجلس الأعلى الأفغاني الذي ناقش توقيع الاتفاقية الأمنية «إذا وقعت الاتفاقية ولم يحل السلام فمن سيتحمل المسؤولية أمام التاريخ؟ وربما كان ذلك هو السبب في أنني طلبت ضمانات».
الانتخابات الرئاسية الأفغانية.. العنف يقترع
كابل خططت لحماية المرشحين.. لكن توالي الهجمات كشف ضعف قدرتها على توفير الأمن
الانتخابات الرئاسية الأفغانية.. العنف يقترع
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة