ألمانيا.. ثمن صعود اليمين

العداء للإسلام حلّ في السنوات العشر الأخيرة محل العداء لليهود

ألمانيا.. ثمن صعود اليمين
TT

ألمانيا.. ثمن صعود اليمين

ألمانيا.. ثمن صعود اليمين

نال حزب البديل لألمانيا، اليميني المتطرف، نسبة 4.7 في المائة من أصوات الناخبين في العام 2014، بحسب الباروميتر السياسي الذي تبثه القناة الثانية في التلفزيون الألماني (ز.د.ف). وقفزت هذه النسبة في العام 2016 إلى 14.4 في المائة وفق نفس البرنامج. ثم واصل الحزب صعوده ليحقق 24.3 في المائة في انتخابات ولاية سكسونيا انهالت في مارس (آذار) الماضي. أصبح هذا الحزب القوة الثانية في الولاية الشرقية (متفوقًا على الحزب الديمقراطي الاشتراكي وحزب اليسار) وتزامنت هذه القفزة، التي لم يحلم أي حزب يميني بتحقيقها حتى الآن، مع «أزمة اللاجئين» وتصاعد العداء للاجئين والأجانب والإسلام.
ويحمّل كبار الساسة، وخصوصًا من داخل الحزب الديمقراطي المسيحي وشقيقه الحزب البافاري (الاتحاد الاجتماعي المسيحي)، المستشارة أنجيلا ميركل المسؤولية عن صعود اليمين المتطرف بسبب سياسة الانفتاح على اللاجئين، وموقفها القائل بانتماء الإسلام إلى ألمانيا.

صدر النقد لسياسة ميركل عن عرابها السياسي، وعميد الديمقراطيين المسيحيين هيلموت كول، الذي قال لصحيفة «برلينر تاغيستسايتونغ» إن «أوروبا لا يمكن أن تصبح ملجأ لملايين الناس الذين شردتهم الحروب.. أوروبا يمكنها أن تساعد». وأضاف: «لا ينبغي أن نوقظ في المواطن، وفي اللاجئ، آمالاً كاذبة». وطار كول بعدها إلى بودابست للقاء رئيس الوزراء المجري فيكتور أوروبان في محاولة لإصلاح ما خربته ميركل، كما يقال.
وأيد كول في موقفه أرمين لاشيت، نائب رئيسة الحزب الديمقراطي المسيحي ميركل، الذي انتقد فتح الحدود على مصراعيها أمام اللاجئين ضمن سياسة «الترحيب باللاجئين» التي انتهجتها المستشارة.
* تحميل ميركل المسؤولية
يكفي أن هورست زيهوفر، زعيم الاتحاد الاجتماعي المسيحي، والذي طالما انتقد سياسة ميركل علنًا، أعلن عن نية حزبه الترشح للانتخابات العامة في العام المقبل بشكل منفرد. وإذا ما حصل هذا، فإنها المرة الأولى التي سيخوض الحزب البافاري فيها الانتخابات العامة في قائمة منفصلة منذ الحرب العالمية الثانية. ويعتقد زيهوزفر أن الوقت قد حان لمغادرة سفينة المستشارة ميركل، التي فقدت نسبة عالية من شعبيتها، قبل أن تغرق. ولهذا فقد أشار إلى أن 45 في المائة من الناخبين الألمان، و49 في المائة من ناخبي حزبه، يريدون للحزب أن يخوض الانتخابات بقائمة منفصلة.
وكان وزير النقل الاتحادي ألكسندر دوبرنت، من حزب زيهوزفر أيضًا، أوضح من رئيسه البافاري المتشدد في تحديده لأسباب صعود اليمين المتطرف، فحمل ميركل المسؤولية المباشرة عن صعود حزب البديل لألمانيا وحلفائه. وقال دوبرنت لمجلة «دير شبيغل» إن الحزب الديمقراطي ما عاد يمثل وسط اليمين المحافظ، وإن هذا هو سبب عزوف ناخبيه عنه وانتخابهم لحزب البديل لألمانيا. ومعروف أن ميركل تبجحت لسنوات بأن سر قوتها هو أنها تمثل وسط اليمين.
وحمّل دوبرنت الحزب الديمقراطي المسيحي المسؤولية عن هروب الناخبين إلى أحضان اليمين المتطرف، بسبب تحالفه مع حزب الخضر لتشكيل حكومة ولاية راينلاند بفالز، والسماح بانتخاب فينفريد كريتشمر (من حزب الخضر) رئيسًا لوزراء الولاية. وقال إن تحالف حزب ميركل مع الخضر أخل بالعلاقة مع الاتحاد الاجتماعي المسيحي.
ومعروف أن الحزب الديمقراطي المسيحي في ولاية بادن فورتمبيرغ فقد 12 في المائة من أصواته (حقق27 في المائة فقط) في الانتخابات الأخيرة، تاركًا المركز الأول لحزب الخضر الذي حقق 3.03 في المائة. وواضح أن أصوات ناخبي حزب ميركل ذهبت إلى حزب البديل لألمانيا الذي حقق 15.1 في المائة، وهي أعلى نسبة في الولايات الغربية حتى الآن. وبعد أيام من انتخاب كريتشمر على رأس حكومة الولاية، اتهم كريتشمر الحكومة الاتحادية بانعدام بعد النظر في سياستها تجاه اللاجئين.
وفي ضوء نتائج انتخابات ثلاث ولايات حقق فيها حزب البديل لألمانيا نسبًا تتراوح بين 10 - 15 في المائة، نصح دوبرنت الحزب الديمقراطي المسيحي بعدم التقليل من شأن هذا الحزب، وطالب بتحليل جديد للخريطة الانتخابية في ألمانيا.
ولم يصدر عن المستشارة ميركل، لا عن قيادة الحزب الديمقراطي المسيحي، أي تعليق على رسالة وجهتها «حلقة برلين» للمحافظين الاقتصاديين، إلى قيادة الحزب. نشرت صحيفة «فرانكفورتر الغيماينة» الرسالة التي كان فولفغانغ بوسباخ، المسؤول في الحزب عن الشؤون الداخلية، أحد موقعيها. وجاء في الرسالة أن سياسة الانفتاح على اللاجئين أدت إلى خسارة الحزب في الانتخابات المحلية. وذكرت الرسالة أيضًا أن فتح الحدود أمام أكثر من مليون لاجئ أثار «الخشية من فقدان الهوية والتغرب» بين الألمان. وتضمنت سياسة الحزب تجاه اللاجئين «مخاطر أكثر من مكاسب».
* عوامل سياسية واقتصادية واجتماعية
مارتن بوركهاردت، المحلل السياسي في صحيفة «دي فيلت»، قال لـ«الشرق الأوسط» إن المستشارة الألمانية تتحمل بالتأكيد جزءا من المسؤولية عن صعود اليمين المتطرف في الانتخابات المحلية الأخيرة بسبب سياسة «الترحيب باللاجئين»، لكن القضية تعود إلى أكثر من عشر سنين مضت، وخصوصًا بالعلاقة مع المتغيرات في العالم، والأزمة الاقتصادية، والحرب ضد الإرهاب، وعدم استقرار منطقة الشرق الأوسط بعد ما يسمى بالخريف العربي. وأشار إلى عوامل اقتصادية وسياسية واجتماعية أسهمت بتعبيد الطريق أمام حزب البديل لألمانيا الشعبوي. فهناك أزمة اقتصادية اجتماعية تتمثل في تدهور حالة أصحاب الدخول الضعيفة، وزيادة الشقة بين الفقراء والأثرياء، وهي عوامل أدت إلى تشكل نخبة واسعة من «الناخبين الاحتجاجيين» و«الناقمين» بسبب البطالة، والذين يحملون الأجانب واللاجئين المسؤولية عن تدهور أوضاعهم الاقتصادية.
وبرأيه أن سياسة الترحيب باللاجئين تحولت إلى مفارقة ومن ثم إلى مأساة فقد خلالها الحزب الديمقراطي المسيحي بوصلته السياسية. وقال أيضًا إن أزمة اللاجئين، وقضية صعود اليمين المتطرف، أصبحت فوق قدرات المستشارة أنجيلا ميركل.
وفيما يبدو اليمين المتطرف موحدًا كما لم يظهر من قبل في ألمانيا، يبدو معسكر الديمقراطيين مفككًا، وتمتد هذه الحالة إلى داخل هذه الأحزاب التي تشهد صراعات كبيرة بين الأجنحة. ولا يمكن هنا، وفق تقديراته، نسيان الدور الضعيف لليسار الألماني في مواجهة اليمين الفاشي. وكان من المعتاد أن يتصدى اليسار لمظاهرات ونشاط النازيين، وما زالوا يفعلون ذلك، إلا أن المظاهرات المضادة، وخصوصًا الحركة المعادية للإسلام (بيغيدا) صارت تحشد عشرات الآلاف كل مرة.
في السنوات العشر الماضية احتل الإسلام بالتدريج موقع العدو الأول في نشاطات وبرامج الأحزاب اليمينية المتطرفة. وساعد في ذلك صعود التطرف والإرهاب وما يشكله من تهديد مباشر على أوروبا.
* انصهار الحركات اليمنية في بوتقة واحدة
الملاحظ خلال السنوات الثلاث الماضية هو تراجع دور الأحزاب اليمنية المتطرفة، المحسوبة على النازية الجديدة، وخصوصًا الحزب القومي الألماني وحزب الشعب الألماني. ويبدو أن هذه الأحزاب فهمت، ولو للفترة الحالية، أن الحركات الجديدة مثل حزب البديل لألمانيا، وحركة مناهضة أسلمة أوروبا (بيغيدا) تحظى بشعبية واسعة ولا تخضع مثلها، حتى الآن، لرقابة دائرة حماية الدستور(الأمن العام).
فضلاً عن ذلك اختفت الفوارق بين برنامج الحزب القومي الألماني وحزب البديل الألماني بالتدريج خلال بضع سنوات. وإذا كان اليمين المتطرف التقليدي يركز على «القومية الألمانية»، يركز حزب البديل لألمانيا على «الوطنية الحقة» والعودة إلى «القيم البروسية الصميمة» و«النظام» و«حب الوطن» و«الشعور بالواجب». وبدلاً عن الشعارات السابقة المعادية لليهود والغجر، حلت الشعارات المناهضة للإسلام.
ولهذا السبب أيضًا اختفت الحواجز بين حركة «بيغيدا» وحزب البديل، وما عاد المراقب قادرًا على التمييز بين أنصار ومتظاهري الحركتين. وصارت الشعارات المناهضة للإسلام التي ترفعها «بيغيدا» حتى الآن ثوابت في برنامج حزب البديل التي أقرها في مؤتمره الأخير في شتوتغارت. وتجاوز العداء للإسلام موضوع «انتماء الإسلام لألمانيا» و«تناقض الإسلام مع الدستور» إلى المطالبة بحظر الحجاب ومنع بناء المساجد وقطع مصادر تمويل الجمعيات الإسلامية والمساجد.. إلخ
في ذات الوقت صار بعض أعضاء حزب البديل لألمانيا يتحدثون بآرائهم العنصرية علنًا، ورصدت صحيفة «يونغة فيلت» اليسارية محاضرة ألقاها بيورن هوكه، رئيس الحزب في ولاية تورنغن، في معهد «سياسة الدولة» (المتهم بالتطرف اليميني) قال فيها إن نشوء وتطور الأوروبيين يختلف في مساره عن نشوء وتطور الأفارقة. وكشف برنامج «مونيتور» المعروف، الذي تبثه قناة التلفزيون الألمانية الأولى (أ.ر.د)، عن علاقة عضوية لهانز توماس تيلشنايدر، رئيس «المنبر الوطني» في حزب البديل لألمانيا، بإحدى المنظمات النازية المحظورة.
* الحكومة تفعل للاجئين أكثر مما تفعل للمواطن!!
لا يختلف اثنان على أن حزب البديل لألمانيا حقق نتائجه الانتخابية، وشعبويته، على أكتاف قضية اللاجئين. ولكن كيف يفكر الألمان الذين منحوا أصواتهم في ولاية بادن فورتمبيرغ لهذا الحزب؟ وكيف يفكر الألمان عمومًا، وكم يقترب ناخبو الحزب الديمقراطي المسيحي في تفكيرهم من ناخبي الحزب الشعبوي؟
تكشف لنا الدراسة التي أجراها معهد «انفرا تيست» عن تفاصيل المواضيع التي أدت إلى هذا النجاح «التاريخي» الذي حققه حزب البديل لألمانيا في ولاية بادن فورتمبيرغ. ويعبر خبراء المعهد عن قناعتهم بأن الوضع على عموم ألمانيا لا يختلف كثيرًا.
إذ عبر 90 في المائة من ناخبي حزب البديل لألمانيا عن قناعتهم بأن الحكومة الاتحادية فقدت سيطرتها على أزمة اللاجئين، وهذا يكشف مدى حساسية هذا الموضوع اليوم. وكانت نسبة 45 في المائة من ناخبي الحزب الديمقراطي المسيحي تتفق مع ناخبي الحزب الشعبوي في هذا التقييم، بل ونسبة 37 في المائة من ناخبي الحزب الديمقراطي الاشتراكي.
وقال 100 في المائة من ناخبي حزب البديل إن ميركل ارتكبت «خطأ كبيرًا» في رسم وإدارة أزمة اللاجئين، كانت هذه النسبة تنخفض إلى 43 في المائة بين عموم الناخبين. وعبرت نسبة 68 في المائة من عموم الناخبين عن ارتياحها لتراجع أعداد اللاجئين، مع نسبة 61 في المائة طالبت بوضع حدود معينة لعدد اللاجئين الممكن استقبالهم كل سنة.
انظروا الآن ماذا يقول الناخب في بادن فورتمبيرغ ردًا على سؤال يتهم الحزبين الحاكمين (التحالف المسيحي والحزب الديمقراطي الاشتراكي) بأنهما يهتمان باللاجئين أكثر من اهتمامهما بالمواطنين الألمان. رد 85 في المائة من ناخبي حزب البديل لألمانيا تأييدًا لهذه التهمة، وكانت النسبة بين عموم الناخبين ترتفع إلى 38 في المائة، وإلى 34 في المائة بين ناخبي المحافظين والاشتراكيين، بل وإلى 32 في المائة أيضًا بين ناخبي الحزب الليبرالي.
وعن خطر الإسلام المزعوم ذكرت نسبة 52 في المائة من الناخبين عمومًا أن نفوذ الإسلام يتعزز في ألمانيا بسبب اللاجئين. وترتفع هذه النسبة إلى 90 في المائة بين ناخبي حزب البديل لألمانيا، وإلى 56 في المائة بين صفوف ناخبي المحافظين. وهذا يكشف أهمية موضوع الإسلام بالنسبة للناخبين. ويرى 61 في المائة من عموم ناخبي بادن فورتمبيرغ أن اللاجئين سينافسونهم على مواقع العمل والشقق السكنية، كما عبرت نسبة 53 في المائة منهم عن قناعتهم بأن اللاجئين سيؤدون إلى تصاعد معدلات الجريمة. ونال حزب فراوكه بتري أصواته على وجه الخصوص من ناخبين من أعمار 18 - 45.
* إحباط من الحكومة.. إحباط من الديمقراطية
يرى كثير من المحللين السياسيين أن القوة الصوتية لحزب البديل لألمانيا تمكن أولاً في «غير الناخبين»، وفي الناقمين على الأوضاع ثانيًا. ومعروف أن لكل حزب ناخبيه الثابتين في كل جولة انتخابية، مع نسبة تتراوح حول 25 في المائة من المترددين الذين يتأثرون بالدعاية الانتخابية ويحسمون أمرهم في نهاية المطاف.
وكانت نسبة المشاركة في الانتخابات هذا العام في بادن فورتمبيرغ عالية وبلغت 70.8 في المائة مقارنة بنسبة 66.3 في المائة في الانتخابات الماضية في عام 2011. والمعتقد أن حصة اليمين المتطرف من «غير الناخبين»، الذين صوتوا هذه المرة، كانت عالية بفعل أزمة اللاجئين.
تؤكد التحليلات التفصيلية لنتائج الانتخابات دور المحبطين والناقمين، بسبب البطالة والشعور بالقهر.. إلخ، في صعود المد اليميني المتطرف. دليل ذلك، ووفق إحصائيات معهد انفراتيست، قالت نسبة 21 في المائة فقط من ناخبي حزب البديل لألمانيا إنهم صوتوا إلى هذا الحزب عن قناعة ببرنامجه وشعاراته. بينما ذكر 70 في المائة أنهم صوتوا لهذا الحزب بسبب إحباطهم من الأحزاب التقليدية. وفقد الحزب الديمقراطي المسيحي 194 ألف ناخب ثابت من ناخبيه لصالح حزب البديل لألمانيا، و86 ألفًا لصالح الحزب الليبرالي، كما امتنع 15 ألفا من ناخبيه عن التصويت هذا العام.
وتعتقد نسبة 93 في المائة من ناخبي الحزب اليميني المتطرف أن الحزب لن يحل الأزمات الدائرة في البلد، لكنه يسميها بالاسم على الأقل. وتجد نسبة 92 في المائة أن الحزب «مظلوم» إعلاميًا ولا يلقى ما يستحقه من اهتمام من قبل وسائط الإعلام.
المهم أيضًا أن 81 في المائة من ناخبي الحزب غير راضين عن الديمقراطية المعمول بها في ألمانيا، وغير راضين عن توزيع الثروة، وعن خفض رواتب المتقاعدين.. إلخ. ولهذا كان العاطلون والمتقاعدون يشكلون 20 في المائة و32 في المائة من ناخبيه على التوالي. وكان الأمين العام لمجلس «أوروبا ثوربيورن ياغلاند» حذر في وقت سابق من أن الديمقراطية مهددة بتصاعد النزعة الشعبوية والقومية في أوروبا. وقال بمناسبة نشر تقرير سنوي حول الديمقراطية في أوروبا إن تصاعد الشعوبية يدفع القارة نحو «وضع خطير جدًا». استشهد ثوربيورن بدراسة واسعة النطاق لمؤسسة بيرتلسمان أن 57 في المائة من الألمان يعتبرون الإسلام «تهديدا» و61 في المائة يرون أنه «غير متوافق مع العالم الغربي»، وهو حذر «لا يمكن تجاهله».
* اختلال الميزان البرلماني
مر النظام السياسي الألماني، منذ تأسيس ألمانيا الغربية بعد انتهاء الحرب الكونية الثانية، بعدة مراحل يكشفها الميزان الانتخابي للقوى السياسية. إذ ساد حتى منتصف الثمانينات ميزان القوى الثلاث المؤلف من الحزب الديمقراطي المسيحي والحزب الديمقراطي الاشتراكي والحزب الديمقراطي الحر (الليبرالي). وكانت الحكومات المتعاقبة تتشكل عادة من تحالف أحد الحزبين الكبيرين إلى جانب الحزب الليبرالي. ومع صعود حزب الخضر في الثمانينات إلى البرلمان الألماني (البوندستاغ) ساد لسنوات نظام الأحزاب الأربعة، وصار الخضر الحزب الحليف للاشتراكيين، بينما بقي الليبراليون حلفاء للمحافظين. ومع توحيد ألمانيا ظهرت القوة الخامسة في النظام السياسي الألماني بعد صعود حزب الاشتراكية الديمقراطية في شرق ألمانيا، ومن ثم اندماجه مع الأحزاب اليسارية في الغرب في «حزب اليسار».
ويعتبر صعود اليمين المتطرف إلى البرلمان حالة خطيرة أنهت كل الموازين الانتخابية السابقة، وثبّتت، ربما إلى فترة ما، نظام الأحزاب الستة. وقلبت هذه المعادلة موازين العملية الديمقراطية تمامًا، وفرض حزب البديل من أجل ألمانيا أشكالاً جديدة من التحالفات، كما هو الحال في تحالف المسيحيين مع الخضر في بادن فورتمبيرغ. وربما ستؤدي هذه الحالة، التي يفرضها رفض الأحزاب الديمقراطية التحالف مع اليمين المتطرف، إلى ظهور أنواع أخرى من التحالفـات، كما قد تؤدي إلى تصدع «تقاليد» متزمة أخرى مثل رفض الاشتراكيين التحالف مع حزب اليسار. وقد يفرض هذه الوضع بقاء التحالف الكبير بين الاشتراكيين والمسيحيين لفترات أطول، وهي نماذج ستؤدي، بقناعة الكثيرين، إلى تعزيز مواقع حزب البديل لألمانيا. وربما ستقود هذه النماذج التحالفية، المتنافرة في حقيقتها، إلى مزيد من الإحباط والامتناع عن التصويت، وربما إلى مزيد من الفشل، وهذا كله يصب في صالح اليمين المتطرف.
في الثلاثينات من القرن العشرين اجتمعت عوامل اقتصادية وسياسية واجتماعية أدت إلى صعود اليمين الفاشي. لكن حزب هتلر في تلك الفترة نال دعم شركات اقتصادية كبيرة، ومنابر إعلامية مؤثرة، ومشاعر قومية جامحة، وهو ما لم يحدث في ألمانيا اليوم حتى الآن. بل إن العكس صحيح، فالاقتصاد اليوم يقف بقوة إلى جانب سياسة الترحيب بالمهاجرين. ولا ينال حزب البديل لألمانيا أي دعم من الإعلام، وتشكو رئيسته دائمًا من هذا «الإجحاف». ويحاول الحزب بجهد الآن وقف قرار محتمل لمحكمة الدستور يقضي بوضعه تحت الرقابة الأمنية بتهمة التطرف اليميني.



الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
TT

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)

شأن معظم دول المنطقة والإقليم، تسببت الأزمة السورية المتصاعدة في تراجع الاهتمام الرسمي والشعبي العراقي بالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة ولبنان، بعد أن كانت تحظى بأولوية قصوى، خصوصاً بعد التهديدات الإسرائيلية بتوجيه ضربات عسكرية ضد الفصائل المسلحة العراقية التي استهدفتها بأكثر من 200 هجمة صاروخية خلال الأشهر الماضية. وأظهر رئيس الوزراء محمد شيّاع السوداني، موقفاً داعماً للحكومة السورية في ظروفها الحالية منذ اليوم الأول للهجوم الذي شنَّته الفصائل السورية المسلحة وتمكّنت من السيطرة على محافظة حلب ومدن أخرى، إذ أجرى اتصالاً بالرئيس السوري بشار الأسد وكذلك الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وأكد دعمه لدمشق.

أعلن رئيس الحكومة العراقي محمد شيّاع السوداني، يوم الثلاثاء الماضي، موقفاً أكثر وضوحاً بالنسبة لدعم نظام دمشق، وذلك خلال اتصال - مماثل لاتصاليه مع القيادتين السورية والإيرانية - أجراه مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.

ومما قاله السوداني إن «العراق لن يقف متفرجاً على التداعيات الخطيرة الحاصلة في سوريا، خصوصاً عمليات التطهير العرقي للمكوّنات والمذاهب هناك»، طبقاً لبيان حكومي.

كذلك شدّد الزعيم العراقي على أنه سبق لبلاده أن «تضرّرت من الإرهاب ونتائج سيطرة التنظيمات المتطرّفة على مناطق في سوريا، ولن يُسمَح بتكرار ذلك»، مؤكداً «أهمية احترام وحدة سوريا وسيادتها، وأن العراق سيبذل كل الجهود من أجل الحفاظ على أمنه وأمن سوريا».

محمد شياع السوداني (آ ف ب)

السوداني كان قد انهمك بسلسلة اتصالات خلال الأيام القليلة الماضية مع عدد من قادة الدول، بخصوص الوضع في سوريا؛ من «أجل دعم الاستقرار في المنطقة، وعدم حصول أي تداعيات فيها، خصوصاً مع ما تشهده من حرب إجرامية صهيونية مستمرة منذ أكثر من عام» بحسب بيان حكومي.

وأظهرت قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية موقفاً مماثلاً وداعماً لحكومة السوداني في مواقفها حيال سوريا، لكنها أعربت خلال اجتماع، الثلاثاء الماضي أيضاً، عن قلقها جراء الأوضاع في سوريا بعد «احتلال الإرهابيين مناطق مهمة» طبقاً لبيان صدر عن الاجتماع. وعدّت «أمن سوريا امتداداً للأمن القومي العراقي للجوار الجغرافي بين البلدين، والامتدادات المختلفة لذلك الجوار».

الحدود المشتركة مؤمّنة

للعلم، مع الشرارة الأولى لاندلاع الأزمة السورية، اتخذت السلطات العراقية على المستوى الأمني إجراءات عديدة «لتأمين» حدودها الممتدة لأكثر من 600 كيلومتر مع سوريا. وصدرت بيانات كثيرة حول جاهزية القوات العراقية وقدرتها على التصدّي لأي محاولة توغّل داخل الأراضي العراقية من قبل الفصائل المسلحة من الجانب السوري، مثلما حدث صيف عام 2014، حين تمكَّنت تلك الجماعات من كسر الحدود المشتركة والسيطرة على مساحات واسعة من العراق.

اللواء يحيى رسول، الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية، أوضح (الثلاثاء) أبرز الإجراءات المُتَّخذة لتحصين الحدود مع سوريا. وقال في تصريحات صحافية إن «الحدود مؤمَنة ومُحكمة بشكل كبير من تحكيمات وتحصينات، وهناك وجود لقوات الحدود على خط الصفر الذي يربطنا مع الجارة سوريا مدعومة بالأسلحة الساندة والجهد الفني، المتمثل بالكاميرات الحرارية وأبراج المراقبة المحصّنة». وأضاف رسول: «لا خوف على الحدود العراقية، فهي مؤمّنة ومحكمة ومحصّنة، وأبطالنا منتشرون على طولها»، مشيراً إلى أنه «تم تعزيز الحدود بقطاعات من الألوية المدرعة وهي موجودة أيضاً عند الحدود».

أيضاً، وصل وفد أمني برئاسة الفريق أول قوات خاصة الركن عبد الأمير رشيد يارالله، رئيس أركان الجيش، يوم الأربعاء، إلى الشريط الحدودي العراقي - السوري. وذكر بيان عسكري أن «هدف الزيارة جاء لمتابعة انتشار القطعات الأمنية وانفتاح خطوط الصد».

غموض في الموقف

إلا أنه حتى مع المواقف الحكومية الداعمة لدمشق في أزمتها الراهنة، يبدو جلياً «الالتباس» بالنسبة لكثرة من المراقبين، وبالأخص لجهة شكل ذلك الدعم وطبيعته، وما إذا كانت السلطات الحكومية العراقية ستنخرط بقوة لمساعدة نظام الأسد عسكرياً، أم أنها ستبقى عند منطقة الدعم السياسي والدبلوماسي، تاركة أمر الانخراط والمساعدة الميدانية للفصائل المسلحة.

وهنا يلاحظ إياد العنبر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، وجود «التباس واضح حيال الموقف من الحدث السوري، وهذا الالتباس نختبره منذ سنوات، وليس هناك تمييز واضح بين العراق الرسمي وغير الرسمي». وتابع العنبر لـ«الشرق الأوسط» أن «مستويات تفعيل المساهمة العراقية في الحرب غير واضحة، وإذا ما قررت الحكومة البقاء على المستوى الدبلوماسي بالنسبة لقضة دعم سوريا، أم أن هناك مشاركة عسكرية».

غير أن إحسان الشمري، أستاذ الدراسات الاستراتيجية والدولية في جامعة بغداد، يعتقد بأن «العراق الرسمي عبَر عتبة التردّد، وبات منخرطاً في الأزمة السورية». وفي لقاء مع «الشرق الأوسط» بنى الشمري فرضيته على مجمل المواقف الرسمية التي صدرت عن رئيس الوزراء، والناطق الرسمي، وزعماء «الإطار التنسيقي»، وشرح قائلاً إن «هذه المواقف بمجملها كسرت مبدأ الحياد وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى الذي يتمسّك به العراق، إلى جانب كونها انخراطاً رسمياً عراقياً بالأزمة السورية».

نتنياهو غير مضمون

ولكن، بعيداً عن الانشغال الراهن بالأزمة السورية، ما زالت التهديدات الإسرائيلية بين أهم القضايا التي تشغل الرأي العام ببعدَيه السياسي والشعبي. وحتى مع الترحيب العراقي بقرار وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله»، ما زالت مخاوف البلاد من ضربة إسرائيلية محتملة قائمةً.

ولقد قال الناطق باسم الحكومة باسم العوادي، الأربعاء قبل الماضي، في تصريحات صحافية، إنه «مع عملية وقف إطلاق النار في لبنان، نحن أنهينا الجزء الأسهل، فالمعركة انتهت والحرب لم تنتهِ، فالأصعب أنك ستدخل بالمخططات غير المعلومة. ونحن (العراق) واقعون في المنطقة الحرام، لكن السياسة العقلانية المتوازنة استطاعت أن تجنبنا الضرر».

وأجاب، من ثم، عن طبيعة الرد العراقي إذا ما هاجمت إسرائيل أراضيه، بالقول: «إلى حد أيام قليلة كانت تأتي نتائج جيدة من المعادلات التي اشتغل عليها رئيس الوزراء، لكن رغم ذلك فلا أحد يضمن ما الذي يدور في بال حكومة نتنياهو، وما هو القادم مع الإدارة الأميركية الجديدة، وكيف سيتصرف نتنياهو».

وتابع العوادي، أن «الإسرائيليين عملوا على تفكيك الساحات، وتوجيه ضربات إلى اليمن وسوريا، لكن الطرف العراقي هو الوحيد الذي لم يستطيعوا الوصول إليه بفضل المعادلة... وقد يكونون وضعونا للحظات الأخيرة أو الأيام الأخيرة بنوع ما، وهذا وارد جداً، وتتعامل الحكومة العراقية مع ذلك».

شبح هجوم إسرائيلي

وحقاً، لا يزال شبح هجوم إسرائيلي واسع يخيم على بغداد، إذ تناقلت أوساط حزبية تحذيرات جدية من شنِّ ضربات جوية على العراق. وفي وقت سابق، قال مصدر مقرّب من قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، لـ«الشرق الأوسط»، إنَّ «مخاوف الأحزاب الشيعية من جدية التهديد دفعتها إلى مطالبة رئيس الحكومة للقيام بما يلزم لمنع الهجمات». وأكَّد المصدر أنَّ «فصائل عراقية مسلّحة لجأت أخيراً إلى التحرك في أجواء من التكتم والسرية، وقد جرى بشكل مؤكد إبدال معظم المواقع العسكرية التابعة لها».

وفي سياق متصل، تتحدَّث مصادر صحافية عمَّا وصفتها بـ«التقديرات الحكومية» التي تشير إلى إمكانية تعرّض البلاد لـ«300 هجوم إسرائيلي». وفي مطلع الأسبوع الماضي، شدَّدت وزارة الخارجية العراقية، في رسالة إلى مجلس الأمن، على أهمية «تدخل المجتمع الدولي لوقف هذه السلوكيات العدوانية لإسرائيل».

كما أنَّه حيال التهديدات الجدية والخشية الحقيقية من عمل عسكري إسرائيل ضد البلاد، اهتدت بعض الشخصيات والأجواء المقرّبة من الحكومة والفصائل إلى «رمي الكرة» في الملعب الأميركي، مستندين بذلك إلى اتفاقية «الإطار الاستراتيجي» المُوقَّعة منذ عام 2011، بين بغداد وواشنطن، وهو العام الذي خرجت فيه القوات الأميركية من العراق.

التهديدات الإسرائيلية من أهم القضايا التي تشغل الرأي العام العراقي

هادي العامري (رووداو)

العامري يلوم واشنطن

أيضاً، وجد هادي العامري، زعيم منظمة «بدر»، بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، الفرصة ليحمّل واشنطن مسؤولية حماية الأجواء العراقية، بعدما شنَّت إسرائيل هجوماً عسكرياً ضد إيران، مستخدمةً الأجواء العراقية في هجماتها. ويومذاك، حمّل العامري الجانب الأميركي «المسؤولية الكاملة» على انتهاك إسرائيل سيادة الأجواء العراقية في طريقها لضرب إيران. وقال، إن «الجانب الأميركي أثبت مجدّداً إصراره على الهيمنة على الأجواء العراقية، وعمله بالضد من مصالح العراق وشعبه وسيادته، بل سعيه لخدمة الكيان الصهيوني وإمداده بكل ما يحتاج إليه لممارسة أساليبه العدوانية، وتهديده للسلام والاستقرار في المنطقة».

وأضاف العامري: «لهذا باتت الحاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى لإنهاء الوجود العسكري الأميركي في العراق بأشكاله كافة». وللعلم، فإن منظمة «بدر» - التي يقودها العامري - وردت ضمن لائحة المنظمات التي اتهمتها إسرائيل بشنِّ هجمات ضدها خلال الشكوى التي قدمتها إلى مجلس الأمن في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وبناءً على تصريحات العامري السالفة، وتصريحات أخرى لشخصيات مقرّبة من الفصائل المسلحة وقوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، تبلورت خلال الأسبوع الأخير، قناعة داخل أوساط هذه القوى مفادها، بأن واشنطن «ملزمة وبشكل مباشر بحماية الأجواء العراقية» من أي هجوم محتمل من إسرائيل أو غيرها، أخذاً في الاعتبار الاتفاقية الاستراتيجية الموقعة و«سيطرتها على الأجواء العراقية».

وبالتوازي، سبق أن حمّل فادي الشمري، المستشار السياسي لرئيس الوزراء، الولايات المتحدة، أيضاً وفقاً لـ«اتفاقية الإطار الاستراتيجي والاتفاقية الأمنية»، مسؤولية «الردع، والرد على أي هجمات خارجية تمسّ الأمن الداخلي العراقي».

الرد الأميركي قاطع

في المقابل، تخلي واشنطن مسؤوليتها حيال هذا الأمر. ورداً على المزاعم العراقية المتعلقة بـ«الحماية الأميركية»، قالت ألينا رومانوسكي، السفيرة الأميركية في بغداد، صراحةً إن بلادها غير معنية بذلك. وأردفت رومانوسكي، خلال مقابلة تلفزيونية سابقة، أن التحالف الدولي دُعي إلى العراق لـ«محاربة (داعش) قبل 10 سنوات، وقد حققنا إنجازات على مستوى هزيمة هذا التنظيم، لكنه ما زال يمثل بعض التهديد، ودعوة الحكومة العراقية لنا تتعلق بهذا الجانب حصراً. أما اتفاقية الإطار الاستراتيجي فتلزمنا ببناء القدرات العسكرية العراقية، لكنها لا تتطرق لمسألة حماية الأجواء والدفاع بالنيابة». ونفت السفيرة أن تكون بلادها قد «فرضت سيطرتها على سماء العراق».

والاثنين قبل الماضي، قالت رومانوسكي، خلال لقاء «طاولة مستديرة» لعدد من وسائل الإعلام: «أود أن أكون واضحة جداً، ومنذ البداية، بأن الإسرائيليين وجّهوا تحذيرات ردع للميليشيات المدعومة إيرانياً والموجودة هنا في العراق، التي تعتدي على إسرائيل». وأضافت: «هذه الميليشيات هي التي بدأت الاعتداء على إسرائيل. ولأكون واضحة جداً في هذه النقطة، فإن الإسرائيليين حذّروا حكومة العراق بأن يوقف هذه الميليشيات عن اعتداءاتها المتكررة والمستمرة على إسرائيل... إن رسالتنا إلى حكومة العراق هي أن تسيطر على هذه الميليشيات المنفلتة، والتي لا تعتد بأوامر الحكومة وأوامر القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء. إن إسرائيل دولة لها سيادتها، وهي سترد على أي اعتداء من أي مكان ضدها».

جدعون ساعر (آ ف ب)

 

حقائق

قلق عراقي جدّي من التهديدات الإسرائيلية مع مطالبة واشنطن بالتدخّل

خلال الأسبوع قبل الماضي، بعث وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر رسالةً إلى مجلس الأمن تكلّم فيها عمّا أسماه بـ«حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، وحمّل فيها الحكومة العراقية المسؤولية عن الهجمات التي تشنها الفصائل العراقية عليها، داعياً مجلس الأمن للتحرك والتأكد من أن الحكومة العراقية تفي بالتزاماتها. ساعر اتّهم بالتحديد «عصائب أهل الحق» و«كتائب حزب الله» و«ألوية بدر» وحركة «النُّجباء» و«أنصار الله الأوفياء» و«كتائب سيد الشهداء»، بمهاجمة إسرائيل، ومعظم هذه الفصائل مشاركة في الحكومة العراقية الحالية ولها نفوذ كبير داخلها. هنا، تجدر الإشارة إلى أنه سبق لرئاسة الوزراء العراقية توجيه وزارة الخارجية لمتابعة ملف التهديدات الإسرائيلية في المحافل الأممية والدولية وأمام هيئات منظمة الأمم المتحدة، واتخاذ كل الخطوات اللازمة، وفق مبادئ القانون الدولي، لحفظ حقوق العراق وردع تهديدات إسرائيل العدوانية. كذلك طالبت رئاسة الوزراء بـ«دعوة جامعة الدول العربية إلى اتخاذ موقف حازم وموحّد ضد تهديدات سلطات الكيان المحتل، يتضمن إجراءات عملية تستند إلى وحدة المصير والدفاع المشترك». وهذا بجانب «مطالبة مجلس الأمن الدولي بالنظر في الشكاوى المقدمة من جمهورية العراق ضد سلطات الكيان المحتل، واتخاذ إجراءات رادعة تكفل تحقيق الاستقرار والسِّلم الإقليمي والدولي»، وباتخاذ الولايات المتحدة مع العراق، من خلال الحوارات الأمنية والعسكرية ضمن إطار القسم الثالث من «اتفاقية الإطار الاستراتيجي»، خطوات فعالة «لردع سلطات الكيان المحتل» مع دعوة «التحالف الدولي والدول الأعضاء فيه إلى كبح هذه التهديدات والحدّ من اتساع رقعة الحرب».